العدد 230 -

السنة العشرون ربيع الأول 1427هـ – نيسان 2006م

مذكرات حاملة دعوة

مذكرات حاملة دعوة

هذه خواطر إيمانية أحست بها إحدى الأخوات، وكان إحساسها ينضح بالصدق والوعي والإخلاص… إن ما ذكرته هذه الأخت الكريمة يعتبر دعوةً لكل مسلمة لتنقل نفسها نقلةً نوعيةً، من مسلمة تعيش على الهامش إلى حاملة دعوة تعيش في قلب العالم، وتسعى لتكون في مقدمته مع من يعمل لقيادة المسملين من أجل هداية البشرية وخلاصها.

=================================================================

لقد أحسست، منذ أن بدأت الدراسة في الحزب، أنني قد ولدت من جديد. بدأ الدم يسري في عروقي، والحياة تدب في أوصالي. نعم، كنت أتوق وأتعطش لشيء لا أعرف ما هو، أحسه ولا أستطيع أن ألمسه، لا أستطيع أن أضع إصبعي عليه. نعم، كنت مسلمة أصلي وأصوم، وأقرأ القرآن، وأصل الرحم، لكن داخلي يتوق لشيء ويبحث عن شيء يحس بالخواء من دونه. ما هو هذا الشيء؟

لا أدري بالضبط، أنعم الله علي بكل شيء: زوج، وبيت، وأولاد، ولكن ما الذي ينقصني؟ لماذا أنا لست سعيدة؟ أين الماء الزلال الذي يروي عطشي؟ أين من ينير لي دربي؟ أين من يأخذ بيدي، ويعرفني على حقيقة نفسي، وحقيقة الحياة، وغايتي في الحياة؟

أنظر حولي، النساء لا هم ّلهنّ سوى الغيبة والنميمة، وسوى أخبار الزوج والحمل والولد، وسوى أخبار الموضة والمكياج، وأخبار المسلسل الفلاني، والفيلم الفلاني، لا، لا، لا أريد أن أنخرط معهن، لا أريد مشاركتهن، متعتي ليست بهذه الأشياء، ولا بهذه الأمور، حتى وإن أحسست فيها بمتعة لدقائق، لساعات، لأيام، لكنني لست سعيدة، نعم لست سعيدة، بداخلي أشياء كبيرة، من يخرجها؟ بداخلي طاقات، من يكتشفها؟ لم نخلق لنلهو ونلعب، لم نخلق لنأكل ونشرب، لم نخلق لنمضي سويعات عمرنا بهذه الأمور حتى يأتينا الموت.

استمرت حياتي هكذا على هذه الوتيرة حتى كان ذلك اليوم الموعود، وتلك الليلة التي تناقشنا فيها، أنا وأخواتي، مع أخي (من الشباب) حول الإسلام، وما هو العمل الصحيح الذي يرضي الله؟ وأي الحركات الإسلامية هي الأصح؟ وعلمنا أن هناك نسوة، حاملات دعوة، يعملن للإسلام، ولإقامة حكم الله في الأرض، وأن العمل لا يقتصر على الرجال؛ فطلبنا رفع أسمائنا، مع أنني كنت خائفة، وكنت مترددة، من أين أجد الوقت الكافي لمثل هذه الأمور؟ فأنا ربة بيت، وأنا أم، وأنا موظفة، ووقتي كله مليء بالمشاغل، ليلاً ونهاراً مشغولة. خاطبت نفسي قائلة : (لوقتها يفرجها الله) وتمنيت في داخلي أن لا يأتيني الرد سريعاً. وكأن الله استجاب لما في داخلي فلم يأتني الرد إلا بعد سنة تقريباً.

وبعد سنوات من الدراسة، وبعد أن أصبحت عضواً من أعضاء حزب التحرير، أندم على ما فات من عمري ولم يكن في حمل الدعوة، أتمنى لو أنني بدأت العمل منذ بداية شبابي. الحمد لله على نعمة الإسلام، الحمد لله على نعمة حمل الدعوة. إنها لسعادة لا يحس بها إلا حامل الدعوة. وقتي كله في طاعة الله. انقلبت حياتي رأساً على عقب، وتغيرت شخصيتي. فأنا التي كنت أستحي من نفسي، أنا التي كنت أخشى الناس، وأهتم لكلام الناس، وأعمل ما يرضي الناس، أنا اليوم لا أهتم إلا لما يرضي ربي، لا أعمل إلا بما في كتاب الله وسنة رسوله، حتى لو خالفني العالم كله… لقد تغير تفكيري، فبعد أن كنت أحس أنني مسؤولة فقط عن نفسي وزوجي وأولادي، أصبحت اليوم أحس أنني مسؤولة عن العالم أجمع، عن جيراني، عن أقربائي، عن أهل مدينتي، عن أهل فلسطين، عن المسلمين في كل مكان، لا بل عن الكفار أيضاً، أحس أنني سأسأل عنهم لِمَ لم نوصل الإسلام إليهم؟ لمَ ماتوا على كفرهم؟ بعد أن كنت لا أجد وقتاً لمشاغلي الدنيوية، أصبحت أجد وقتاً للدراسة، ووقتاً للتدريس، ووقتاً للكسب، ووقتاً للمسجد، ووقتاً لحمل الدعوة على الإنترنت. آهٍ ما أجملها من حياة، آهٍ ما أجمله من شعور، ما أكبرها من سعادة. إنني أتألم بداخلي على حال المسلمين، أبكي على أحكام الله غير المطبقة، لكنني سعيدة؛ لأنني أخذت عقيدتي عن عقل، آمنت بربي وبرسولي وبكتابي عن عقيدة جازمة قاطعة، عقيدة لا تهتز، ولا يراودها أدنى شك.

التقيت بأخوات لي من أروع ما يمكن، كل تفكيرهن مرضاة الله، ومعظم وقتهن لحمل الدعوة، يبذلن الغالي والرخيص في سبيل الدعوة، يتفانين في سبيل ذلك، ويتحدين كل الصعاب التي تواجههن من زوج وأهل وولد، يتنازلن عن كل حقوقهن مقابل أن يستمررن في حمل الدعوة، يُسيِّرن أعمالهن حسب الأولويات التي حددها لهن الشرع، إنهن يذكرنني بالصحابيات الجليلات، بحاملات الدعوة الأوائل، سمية ونسيبة وأم منيع، (اللواتي كنت أقرأ عنهن، وكنت معجبة بهن، ولم يخطر ببالي يوماً أن بإمكاني أن أكون مثلهن، بل وأعظم أجراً منهن بفضل الله تعالى كما أرجو، من غير أن أفضل عن أقلهن لصحبتهن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)).

بعض هؤلاء الأخوات أكملن تعليمهن الجامعي، وبعضهن تركن المدرسة منذ المرحلة الأساسية، وبعضهن أميات، ولكنهن يحاولن أن يرتقين بأنفسهن باستمرار. إنهن ينكببن على تعلم كل ما ينفع الدعوة من لغة، وفكر، وفقه، وتجويد، وحفظ لكتاب الله، بل وحتى تعلم استخدام الحاسوب من أجل الدعوة.

آهٍ ما أروعهن من أخوات، بعضهن في مقتبل العمر، وبعضهن كبيرات السن، لكننا جميعاً لنا نفس الفكر، ونفس الشعور، ونفس الغاية، ونفس الهدف، لا تربطنا المصلحة ولا المنفعة، لا رابطة إلا العقيدة الإسلامية، ولا أخوة إلا الأخوة الإسلامية.

بعضهن أصبحن يدرّسن النساء، بعد أن كن لا يجرؤن من قبل على الحديث، وبعضهن يكتبن المقالات، وبعضهن يعطين محاضرات على الإنترنت، وبعضهن يتصلن بالإذاعة أو التلفاز ينافحن عن الإسلام، ويذدن عن أحكام الله. إنهن يتابعن نشرات الأخبار، والندوات الفكرية، والدروس الدينية، ويحللن ما يسمعن وما يشاهدن، أصبحن يعرفن الحرام والحلال، ويعرفن كيف تتحقق النهضة الصحيحة، وما هو العقل ومم يتكون، وما أنواع التفكير، وما أنواع القيادات، وما هي الخصخصة، وما هي العولمة، وما هو الفرق بين علم الاقتصاد والنظام الاقتصادي، وما الفرق بين الحضارة والمدنية، وما هو المبدأ، ولماذا الإسلام هو المبدأ الصحيح الوحيد.

أصبحن يدرسن حياة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) للعمل لا للعلم، يدرسن الإسلام للتطبيق، فما أروعها من جامعة! وما أمتعها من ثقافة! ثقافة الإسلام الصحيح، الإسلام الذي ليس فيه فصل للدين عن الحياة، ولا فصل للسياسة عن الدين، دين متكامل يدخل كل صغيرة وكبيرة في حياتها، ويملأ عقولنا وقلوبنا. نعم، إنها نقلة نوعية للمرأة المسلمة، حيث أحست بكيانها، أحست بإنسانيتها، أحست بعظم الأمانة الملقاة على عاتقها، إنها أمانة العالم أجمع، أمانة الناس أجمعين. ارتقت بشخصيتها، إنها ليست مجرد شكل، ليست سلعة، إنها إنسان، عقل يفكر، وقيمته ليست بشكله وهندامه، إن قيمته بأفكاره ومفاهيمه.

أصبحت بدل أن تزين بيتها بالتحف والنثريات، أصبحت تهتم باقتناء الكتب، وبدل أن تقضي الساعات أمام التلفاز، أصبحت تقضي هذه الساعات وهي تتصفح الكتب الفكرية، وتبحث في بطون الكتب الفقهية، وتطالع كتب السيرة والحديث وحياة الصحابة، رضوان الله عليهم.

وبدل أن تنفق بعض أموالها على توافه الأشياء، أصبحت تنفقها في حمل الدعوة، أصبحت الدنيا في نظرها لا تساوي جناح بعوضة، إنها دار ممر، إنها طريق للآخرة، فالحياة الحقيقية هي دار الآخرة، أما هذه الحياة فهي فانية.

إنها تربي أبناءها على الإسلام، وتدعوهم لحمل الدعوة، وتحثهم أن يكون همهم مرضاة الله، تهتم بأفكارهم ومفاهيمهم وسلوكهم، بعد أن كان كل اهتمامها ماذا يلبسون، وماذا يأكلون، وأين يذهبون للنـزهة، وكيف يقضون أوقاتهم.

نساء أصبحن يعرفن كيف يمكن معالجة الفقر، ويعرفن ما هو الأصل في الأشياء وما هو الأصل في الأفعال، وما الفرق بين القاعدة الكلية والتعريف الشرعي، ومتى يكون الحديث مقبولاً ومتى يكون مردوداً، وما هو الحديث الصحيح وما هو الحديث الضعيف.

نساء يعرفن متى تجوز المعاهدات ومتى لا تجوز، وما هي السياسة الحربية، ومن هو رجل الدولة، وما هو الوسط السياسي.

نساء يصلحن لقيادة العالم. لكنهن يعلمن أنه لا يجوز لهنّ أن يكنّ في الحكم؛ لقوله (صلى الله عليه وآله وسلم): «لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة»، فيرضين أن يكن في مجلس الأمة؛ ليحاسبن الخليفة إذا قصر أو ظلم، وليكنّ عوناً له في تطبيق أحكام الإسلام في الداخل، ونشر الإسلام في الخارج؛ ليعم النور العالم، وينطفئ الظلام، وتعلو راية العقاب خفاقةً فوق ربوع الأرض قال تعالى: ( يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ ) [الصف 8].

أم فراس ـ فلسطين

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *