العدد 230 -

السنة العشرون ربيع الأول 1427هـ – نيسان 2006م

الإساءة للرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) بين طاغوت الأمم المتحدة وأكذوبة حوار الحضارات!!

الإساءة للرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)

بين طاغوت الأمم المتحدة وأكذوبة حوار الحضارات!!

تباينت ردود أفعال المسلمين من الإساءة للنبي الأعظم محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) في جميع أنحاء العالم، وكانت هذه الردود مختلفة: منهم من دعا إلى مقاطعة البضائع، ومنهم من دعا إلى التظاهرات والمسيرات، وآخرون دعوا إلى طرد السفراء الغربيين، ومنهم من دعا إلى الصلاة والسلام على الرسول وإلى الذكر، والدعاء على المسيئين حتى يتم الاعتذار من الحكومات التي أساءت للرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)، بينما دعت الأنظمة الحاكمة على لسان بعض رؤسائها ووزراء خارجيتها ومنظمة المؤتمر الإسلامي إلى إصدار قرار من (الأمم المتحدة) يدين الإساءات…

=================================================================

إن دعوة الأمم المتحدة لنصرة المسلمين ورسول الرحمة محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) دعوة تضليل، فهيئة الأمم المتحدة نشأت أساساً على فكرة “رابطة الصليبيين المحاربين”، وقد وجدت هذه الرابطة عندما كانت الفتوحات الإسلامية من قبل دولة الخلافة العثمانية، وكانت المسألة الشرقية (وحدة المسلمين والجهاد من قبل دولة الخلافة العثمانية) تقض مضاجع الكفار الغربيين، فأوجدوا هذه الرابطة، ثم حولها وزير خارجية بريطانيا (إدوارد غري) إلى فكرة (عصبة الأمم) وتبناها بشكل كبير الرئيس الأميركي (وودرو ويلسون) الذي أراد أن يرى معاهدة فرساي تتضمن نصاً يدعو إلى إنشاء (المؤسسة الأممية) وتم بالفعل إدراج نص التأسيس في 25/1/1919م في الجزء الأول من المعاهدة.

ثم عقدت عصبة الأمم اجتماعات لها ولكنها عجزت عن حل النـزاعات الثانوية، وكذلك وقفت عاجزة في الكوارث الطبيعية، ولم يكن لها قوات مسلحة، وعدم وجود أميركا والاتحاد السوفيتي أعضاء دائمين فيها، وانسحاب إيطاليا واليابان منها، وخروج ألمانيا أيضاً منها، وعدم الاكتراث بباقي دول العالم، أي أنها لم تكن تعمل بالشكل المطلوب للغرض الذي قامت من أجله. وفي فترة الحرب العالمية الثانية تم التفكير جدياً بتحويلها من (عصبة الأمم) إلى (هيئة الأمم المتحدة) وعقدت المؤتمرات في عام 1943م، وكان الذي سماها (هيئة الأمم المتحدة) الرئيس الأميركي (روزفلت) في 1/1/1942م، وأصبح اسماً للحلفاء في الحرب العالمية.

وفي 25/4/1945م عقد مؤتمر الأمم المتحدة لصياغة دستورها، وعقدت قبل ذلك مؤتمرات لتحديد أهدافها وأعضائها وميثاقها والعضوية فيها، وبعد أن صاغ الغربيون كل ذلك، ظهرت (الأمم المتحدة) إلى الوجود في 26/10/1945م، بعد تصديق الأعضاء الدائمين على دستورها وهم (الصين، فرنسا، بريطانيا، الاتحاد السوفياتي، الولايات المتحدة)، ثم صادق مجلس الشيوخ الأميركي في 28/7/1945م على ميثاقها، وحدد مقرها في نيويورك مع فروع لها في أوروبا ومكاتب في بلدان أخرى.

إن الأمم المتحدة هي منظمة أنشأتها الدولة الكافرة وميثاقها مخالف للإسلام، ولم يكن في ميثاقها أيّ فكر من أفكار الإسلام، فالتحاكم إليها وإلى ميثاقها هو تحاكم إلى الطاغوت، ودعوة إلى تحكيم شريعة الكفر في الأرض، فالطاغوت هو (كل ما تجاوز به العبد حده من معبود أو متبوع أو مطاع)، فطاغوت كل قوم من يتحاكمون إليه غير الله ورسوله، أو يعبدونه من دون الله، أو يتبعونه على غير بصيرة من الله، أو يطيعونه فيما لا يعلمون أنه طاعة لله).

قال المحقق ابن القيم في كتابه (إعلام الموقعين عن رب العالمين): «فهذه طواغيت الأرض إذا تأملتها وتأملت أحوال الناس معها، رأيت أكثرهم عدلوا عن عبادة الله إلى عبادة الطاغوت، وعن التحاكم إلى الله وإلى رسوله إلى التحاكم إلى الطاغوت، وعن طاعته ومتابعة رسوله إلى طاعة الطاغوت ومتابعته… وهؤلاء لم يسلكوا طريق الناجين الفائزين من هذه الأمة وهم الصحبة ومن تبعهم، ولا قصدوا قصدهم بل خالفوهم في الطريق والقصد».

فلا عدل في ميثاق الأمم المتحدة، والعدل في شرع الله، ولهذا أمرنا أن نحكم بشرعه، قال تعالى: ( إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا ) [النساء 58].

ولا يمكن تحقيق العدل إلا إذا حكم المسلمون بما أنزل الله سبحانه وتعالى، قال تعالى: ( وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ ) [المائدة 49].

وبصفتنا مسلمين يجب أن نرفض التحاكم إلى شرعة الكفر هذه، وليس لنا خيار إلا النـزول عند أحكام الله سبحانه وتعالى، قال تعالى: (فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ) [النساء 65].

كما ويجب أن ننبذ كل ما ليس من شرع الله، ونحكم بما أنزل الله في نفس اللحظة، فننبذ التحاكم إلى الديمقراطية والرأسمالية وميثاق الأمم المتحدة والهيئات والمؤسسات والأنظمة والمفاهيم المنبثقة عنها، قال تعالى: ( فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ) [البقرة 256].

والتبرؤ من موالاة ومناصرة القائمين عليها من الدول الكافرة، وأن لا نتخذهم أولياء، قال تعالى: ( يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ) [المائدة 51].

إن الإسلام هو الدين الحق، وهو المنهج القويم، وهو صراط الله المستقيم، وإن الله الذي خلق الكون والحياة والإنسان هو الذي يعلم ما يصلح الإنسان وما يفسده، وما يضره وما ينفعه، ولهذا لا بد من وضع حد لهذه المنظمة الصليبية، التي وجدت ضد المسلمين وكانت قراراتها ضد المسلمين سواء فلسطين والعراق وأفغانستان وسوريا ولبنان وإيران أم في كشمير ودارفور وفي البوسنة وغيرها.

أما صراع الحضارات، فقد وجدت حملة كبيرة ضد صراع الحضارات، وقالوا لابد من (حوار الحضارات وحوار الأديان)، وأثبتت هذه الإساءات للمسلمين (تدنيس القرآن الكريم والإساءة للنبي العظيم) أن حقدهم على الإسلام والمسلمين كبير، وأن ما قالوه عن (حوار الحضارات) إنما هو هراء، لأن هناك اختلاف بين الحضارات، وهو أمر واقع لا سبيل إلى إنكاره، ولو لم يوجد الاختلاف بين الحضارات لما وجدت الأمم المختلفة في أفكارها وعقائدها ومفاهيمها وأخلاقها، ولما وجدت سنة التدافع للقضاء على الفساد والمفسدين، وهم يقولون بحوار الحضارات المبني على ثلاثة أمور:

1- المساواة بين أديان وحضارات المتحاورين دون استعلاء ولا تفضيل دين على آخر أو حضارة على أخرى.

2- حد الحوار مقصور على مجرد معرفة ما عند الغير دون التعرض لنقضه أو إبطاله.

3- تكوين بديل حضاري عن طريق الوصول إلى القواسم المشتركة بين الدينين والحضارتين.

إن محاولة التقريب بين الأديان أو مساواتها هو مفهوم كفر، إذ لا مساواة بين الحق والباطل، وبين الإسلام والكفر، وبين الخير والشر، وبين الضلالة والهدى، وبين ما وضعه العقل وما أنزله الله عز وجل، قال تعالى: (بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ ) [الأنبياء 18]. وقال تعالى: ( فَذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ ) [يونس 32].

وعجباً لمن يدعي حوار الحضارات، ويسوي بين الإسلام والكفر، وبين الإلحاد والتثليث والتوحيد، وبين الإباحي ومن يحرم الفواحش، وبين عبادة الله وعبادة مخلوقاته، وبين السفاح والنكاح، وبين الخنـزير وغيره، وأعجب منه، من يسكت عن التفضيل، فلا يفضل التوحيد على الشرك، ولا الحلال على الحرام، ولا الشرع على الطاغوت، ولا المؤمن على الكافر، ولا الديمقراطية على الشورى!!

فالتبعية مرفوضة، والمساواة مرفوضة، والسكوت عن تفضيل الإسلام وحضارته على سائر الأديان والحضارات مرفوض.

إن الصراع بين الإسلام وغيره من الحضارات قديم، وإن الإسلام سيظل في صراع مع الأديان والحضارات الكافرة حتى يسلموا أو يخضعوا لأحكامه، وقد صرح لنا القرآن والسنة بالكثير من الأمثلة على هذا الصراع، وظل المسلمون في صراع مع عقائد الكفر حتى جاءتنا بدعة (حوار الحضارات) بالرغم من أنها أكذوبة كبرى، فقد صارعنا الغرب بمفاهيمه كثيراً، ويحاول أن يسيطر على وسائل الإعلام ومناهج التعليم، ويغذي المفكرين والمثقفين بأفكاره، وينفق على الدورات والدراسات، وينشئ المؤسسات والمنتديات ومراكز الأبحاث، ويحارب أحكام الإسلام سواء ما يتعلق بالجهاد، أم المرأة، أم أحكام أهل الذمة، أم أحكام المعاملات والعقوبات في الإسلام، ويقوم بالتنصير، فأي حور فكري هذا؟!

أما الصراع الاقتصادي، فسيطرته على المواد الخام وجعل الدولار هو المتحكم وبديلاً عن الذهب، وجعل دول العالم الإسلامي مجرد أسواق استهلاكية لمنتجاته، وإغراق البلدان بالقروض الربوية، واستيعاب الخبرات والعقول من تلك البلدان، ووضع سياسات اقتصادية لتكبيل البلدان، واشتعال الحروب، وانعدام الأمن في الكثير من البلدان، وسيطرته على المصالح الاقتصادية، وتعيين جيوش له من العملاء الاقتصاديين، وفرض الحصار الاقتصادي، فهل بعد هذا كله نقول لا يوجد صراع اقتصادي؟!

أما من الناحية السياسية فبعد هدم دولة الخلافة الإسلامية سنة 1342هـ، وإقامة دولة يهود في فلسطين وتمزيق الخلافة إلى دويلات كرتونية هزيلة، ووضع لكل دولة (مستقلة) من بلاد المسلمين –عضو في الأمم المتحدة- حدوداً وأعلاماً وجنسيات وجوازات وتأشيرات دخول، وتطبيق نظامه السياسي على شكل دساتير وقوانين، ومقاومة جميع الحركات المخلصة والتي تعمل على إعادة الإسلام إلى الحياة كدولة ونظام حكم ومحاربتها، وإنشاء الأمم المتحدة كرابطة صليبية لتحقيق أهدافه، فهل بعد هذا نقول لا يوجد صراع سياسي وحضاري؟!

أما الناحية العسكرية فقد احتل الغربيون بلاد المسلمين، ووضعوا قواعدهم وجيوشهم، ويجوبون البحار والمحيطات الإسلامية، ويفرضون سياستهم بقوة الحديد والنار، ومع هذا الواقع الأليم الذي يصارعنا به الغرب نجد من أبناء المسلمين من يقول بأنه لابد من (حوار حضارات)!!

لقد كشفت تلك الرسوم المسيئة للنبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) أن القضية هي صراع بين الأديان والحضارات وليست حوار حضارات، وكشفت للمسلمين الوجه الحقيقي القبيح للغرب الكافر (اليهود والنصارى) وهذه الدعوات إلى الحوار إنما تدل على سذاجة –بعض المسلمين- الذين اتبعوا الغرب فيما ينعق به!!

ناصر عبده اللهبي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *