العدد 298 -

العدد 298 – السنة السادسة والعشرون، ذو القعدة 1432هـ، الموافق تشرين الأول 2011م

ثورات السعوب الإسلامية في حقيقتها هي على الغرب وصنائعه، وليست على الحكام فحسب

ثورات السعوب الإسلامية في حقيقتها هي على الغرب وصنائعه، وليست على الحكام فحسب

 

إن الثورات التي تشهدها بلاد المسلمين هي في حقيقتها ثورات الشعوب الإسلامية على الغرب وكل متعلقاته وصنائعه، من فرض دستور وأنظمة حكم، وتنصيب حكام عملاء له وإنشاء أحزاب علمانية غربية التوجه والهوى وحركات إسلامية معتدلة على الطريقة الغربية… وليست هي ثورات على الحكام فقط؛ لأن ما أدى إلى هذه الأوضاع الكارثية في بلادهم كان من تخطيط الغرب وإدارته ورعايته واستغلاله. وهذه الثورات، إذا كانت قد توجهت بالنقمة على الحكام فلأنهم كانوا الواجهة التي تستر بها الغرب، والمتعهد الذي التزم مشروعه نيابة عنه في إذلال الأمة وإبعادها عن دينها.

وبما أن طبيعة الشعوب عامة أنها ترى ببصرها لا ببصيرتها، وتنقاد مشاعرياً على حساب أفكارها، وتختار السيئ على الأسوأ، وتصدق بسهولة ما يكذب عليها في وسائل الإعلام… فقد استغل الغرب هذه الطبيعة ووجه الأحداث بما يملك من صنائع وأدوات باتجاه الاكتفاء بتغيير النواطير وإبقاء سائر الأوضاع على ما هي عليه؛ ومن أجل ذلك راح يصنع من وراء حجاب قيادة جديدة لهذه الثورات يسلمها الحكم ليمدد وجوده وبالتالي استعماره بوجوه جديدة. وهي حتى الآن لا يبدو أنها حتى بعيدة عن القيادة السابقة. إذ معظمهم كانوا مشاركين بطريقة أو بأخرى في الحكم السابق من مصر إلى تونس إلى ليبيا.

إنه إذا كان مفهوماً أنه هكذا تكون طبيعة الشعوب، وأن وعيها العام لا يعصمها من الاستغلال؛ فإن مهمة تبصيرها وتوجيهها يجب أن تكون لثلة واعية مخلصة من نسيجها تكون عقلها ولسانها، وتحمل نفس فكرها وتطلعاتها وهمها وأهدافها أي تحمل مشروعها الفكري السياسي الذي تؤمن به. وتجاه هذا الواقع نجد أن هناك بالمجمل قياديتين تحاولان أن  تقودا المسلمين الثائرين على أوضاعهم:

قيادة تطرح نفس طروحات الغرب، وتلقى منه كل دعم ودعاية، وتحظى بالظهور الإعلامي والتسويق لها، وتلقى التأييد الدولي (بحسب الدول الكبرى التابعة لها). وهذه القيادة نرى فعلاً أنها ركبت على عجل من فلول النظام الساقط ومن علمانيين (حركات وشخصيات مستقلة) ومن إسلاميين معتدلين (حركات وعلماء رسميين ومستقلين) وتحمل نفس شعارات الغرب من مثل المطالبة بـ(لدولة المدنية) و(الديمقراطية) و(الحريات)… وبهؤلاء يريد الغرب أن يصل إلى شاطئه المليء بالموبقات.

وقيادة مخلصة واعية تحمل نفس أفكار الأمة وتطلعاتها وهمومها وأهدافها، لذلك تكابد التعتيم الإعلامي، وتهاجم أفكارها وأهدافها وتوصف بأوصاف الإرهاب والتطرف من غير أن تذكر بالاسم حتى لا يلفت النظر إليها. وهذه القيادة تعمل بعكس التيار وبجرأة لا تقل عن جرأة الثوار في مواجهة الأنظمة لإسقاطها، وتعلن على الملأ رغم ضعف إمكاناتها أنها مستعينة بالله وحده، مقتنعة بأن الأمة إذا وضعت أمام أي خيار أي القيادتين ستختار فستختارها لأنها الأصدق والأقرب إلى دينها. مطالبة بـ “الدولة الإسلامية” لا (الدولة المدنية) كحل يخرج المسلمين مما هم فيه من أوضاع سيئة ويجمعهم كلهم على صعيدها. ومعلنة أن (الديمقراطية) نظام كفر لأنها تقوم على تشريع الشعب وتمنع تشريع الله سبحانه وتعالى. وأن (الحريات) تعني عكس ما تعنيه العبودية لله، وبعبارة أخرى أنها قيادة تحمل نفس مشروع الأمة في دينها ورسالتها.

والآن لنعد لمناقشة هذا الواقع فيما يتعلق بالأمة وبالقيادة العميلة وبالقيادة الرشيدة. فبالنسبة للأمة الإسلامية صحيح أنها تحمل وعياً عاماً، وهي تريد الإسلام بشكل عام، وخيارها واقع على الإسلام من بين كل الخيارات، ولكنها غير معذورة في قبول ترك القيادة العميلة لتقودها. فهذه القيادة مؤلفة من فلول النظام السابق، فأي عذر بالجهل هنا من مثل هذه الفئة. هل يكفي أن يغير الثعلب لباسه حتى يصبح سيد الناسكين، إن هؤلاء الذين استفاد منهم الغرب في نظام الحكم السابق أعطاهم الغرب تعليماته بأن ينقلوا سلاحهم من كتف إلى كتف، لتبقى الساحة خالية له، فهؤلاء تحولوا بهذه المهمة إلى دور أخطر، وهؤلاء لو لم يكن الغرب يثق بهم لما أعطاهم هذه المهمة الجديدة. فهل ترضى الأمة أن يعاملها الغرب بهذا الازدراء؟! وهل تقبل أن ينظر إليها على أنها سطحية التفكير سهل خداعها؟! وإذا تقدم عند المسلمين العقل التبريري بالقول إنهم تابوا وأنابوا، فهل من كان مجرماً بحق شعبه ثم تاب يجوز أن يوضع في مقدمة الصفوف ليقود، والأنكى من كل ذلك فإن هؤلاء (التائبين) يعلنون أنهم يريدون (الدولة المدنية) التي تعني ضمناً أنهم لا يريدون (الدولة الإسلامية) يطالبون بـ (الديمقراطية) و(الحريات) وهذه تماماً مطالب الغرب. فأي توبة هذه؟! فالأمة هنا غير معذورة في هذا الاختيار بخاصة وأن هناك قيادة رشيدة تجلي الحق بوضوح، وتضع النقاط على الحروف. فقولنا إن رأي الأمة يكون عاماً لا يعني بحال من الأحوال أنهم كالغنم الذي يذهب بهم الراعي إلى المسلخ. فلتحذر الأمة من كل ذلك، فما عندها من عناوين إسلامية كافٍ لأن يجعلها في مواجهة هؤلاء لا في ركابهم.

وكذلك فإن الأمة  غير معذورة عندما تسمح للعلمانيين بأن يقودوها. هؤلاء الذي يأخذون موقفاً سلبياً من الإسلام، وهؤلاء الذين اختاروا الانحياز إلى الغرب على حساب دينهم، وهؤلاء الذين عموا عن كل جرائم الغرب بحق الإسلام والمسلمين في أفغانستان والعراق والصومال والشيشان وفلسطين… هؤلاء الذين يكبر الخوف عندهم من الإسلام على كل خوف. هؤلاء الذين يحملون عن قناعة أفكار الغرب في إبعاد الإسلام عن واقع الحياة وجعله يقتصر على بعض الشؤون الفردية… فهل يعقل أن يسمح المسلمون لهؤلاء الذين لا يحملون أدنى ثقافة إسلامية أو حس إسلامي أن يقودهم.

وكذلك فإن الأمة غير معذورة عندما تسمح للحركات الإسلامية أن تقول غير الحق، أو تقف موقفاً لا يرضي الله، أو تقبل بما قبله الذين من قبلهم من العلمانيين أو من فلول النظام السابق من الدعوة إلى (الدولة المدنية) أو إلى (الديمقراطية) أو إلى (الحريات) بل إن هؤلاء جريمتهم أكبر من سابقيهم لأنهم يغشون الناس في دينهم، يلبسون الحق بالباطل، يبغونها عوجاً، يفسرون الدين تفسيراً يتناسب مع فكر الغرب، لا يعودون إلى منهل الإسلام الصافي… هؤلاء الذين على أمثالهم اعتمد الغرب سابقاً في إبعاد الإسلام عن واقع الحياة، وهو بهم يريد اليوم أن ينقذ نفسه ويمدد إقامته في بلادنا. هؤلاء الذين قبلوا شروط الغرب ليوصلهم إلى الحكم فغيروا وبدلوا حتى فهم النصوص الصريحة القطعية، هؤلاء الذين أصبح عند بعضهم يجوز للمسلمة أن تتزوج من غير المسلم، والمرتد لا يقتل، والربا جائز لضرورته، والمرأة والكافر يجوز أن يتقلدا منصب الحكم، وقبلوا بالإرادة الشعبية في سن القوانين… هؤلاء أخطر من غيرهم؛ والسبب في ذلك أن الناس تحب الإسلام وتعتبر هؤلاء من العلماء، أو تؤخذ بأسماء حركاتهم نتيجة دعاية وسائل الإعلام المأجورة لها… هؤلاء بقي الغرب يمتنع من أن يشترك أمثالهم في الحكم من قبل حتى أرغمته الأحداث أخيرة أن يقبل بالاستعانة بهم لأنه لا يملك أدوات كافية ليمسك الحكم من دونهم … فهؤلاء كان لهم الأثر الأكبر في إيهام المسلمين العاديين بأن طروحات الغرب هي طروحات يقبلها الإسلام بل هي طروحات إسلامية.

وهؤلاء ما عليهم إلا أن يصغوا إلى المسلمين المخلصين الواعين ممن رفضوا طروحات الغرب وكانوا واعين على خطرها. بل وحذروا منها، ودعوا إلى تحكيم شرع الله ورفض الدولة المدنية. وهم موجودون بحول الله وبفضله في كل بلاد المسلمين، وما عليهم إلاّ أن يأخذوا دورهم في توعية المسلمين وانتشالهم من الوقوع في براثن الغرب عن طريق التأثر بالحركات الإسلامية المعتدلة على الطريقة الغربية التي يرضى الغرب عنها وعن طروحاتها، الذي مكن لها كما مكن للآخرين، وعهد لها أن تقود المسلمين لا لمصلحة دينها بل لمصلحته…

إن الرسول  عندما يقول: «تَرَكْتُ فِيكُمْ أَمْرَيْنِ لَنْ تَضِلُّوا مَا تَمَسَّكْتُمْ بِهِمَا كِتَابَ اللَّهِ وَسُنَّةَ نَبِيِّهِ» الموطأ وعندما يقول عن الفرقة الناجية أنها تكون على ما كان عليه أصحابه اليوم. فإن هذا يعني أن هذا الدين بطريقة الفهم الصحيحة التي كان عليها الصحابة هو المنقذ والمنجي. وليس فهم الدين على طريقة إفراط اليهود أو تفريط وهو ما أمرنا به أن ندعو الله به في كل صلاة بل في كل ركعة لحاجتنا الماسة إليه.

أيها المسلمون:

ما نحن عليه اليوم أفضل بكثير مما كنا عليه منذ أشهر قبل اندلاع الثورات، ولكن في الأمر ثلمة بل ثلمات، لا ينجي المسلمين جميعاً منها إلا اعتصامهم بحبل الله (القرآن) المتين. وإن الأمة تتحرك اليوم تحركاً جاداً للتخلص مما هي فيه من أوضاع شاذة وخاطئة. فاجعلوها خالصة لله. قولوا (لا) لله، وقولوا (نعم) لله. ولا تهينوا أنفسكم بأن تجعلوا عدوكم يقودكم عن جهل منكم ومكر ومعرفة منه.

أيها المسلمون:

إن حزب التحرير هو حزب آل على نفسه خدمة دينه وخدمة أمته بما يرضي الله ولا يغشكم. وهو لا يبتغي رضاكم بل رضى الله، وعليكم أن تكونوا معه في ذلك… إن حزب التحرير له من العمر أكثر من نصف قرن وهو يعاني ويكابد من أجل إيصال الحق إليكم، ومن أجل إيصال الإسلام إلى الحكم، ومن أجل إقامة الحكم بما أنزل الله لتكون كلمة الله هي العليا، وكلمة الغرب هي السفلى. فأعينوه في دعوته ولا تعينوا أعداء الله من الغرب واليهود وأذنابهم والحكام عليه. وهو لا يبتغي الأجر إلا من الله، فكونوا معه بفكره وبعمله لأنه يسعى حقيقة إلى تجديد الدين بإعادته سيرته الأولى سيرة السلف الصالح، بإقامة الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة… وهو لا يبتغي النصر من أحد لا من أميركا ولا من دول أوروبا… فقط من الله سبحانه. فإلى هذا ندعو المسلمين جميعاً أفراداً وجماعات وعلماء ليكون الجهد جهد أمة يرضي الله ورسوله وملائكته.

نسأل الله سبحانه أن يحقق لنا مبتغانا فيما نريده من خير لهذا الدين ولهذه الأمة، وأن يجعلنا أهلاً في إقامته، وفي القيام بحقه بعد إقامته، وما ذلك على الله بعزيز. وعلى الله قصد السبيل. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *