العدد 294 -

العدد 294 – السنة الخامسة والعشرون، رجب 1432هـ، الموافق حزيران 2011م

تركيا .. إيران .. سوريا: محور يخدم أميركا ويضلل المسلمين (2)

تركيا .. إيران .. سوريا:  محور يخدم أميركا ويضلل المسلمين (2)

 

دكتور حازم بدر – فلسطين

ثانياً: إيران

1. بعد التخلص من شاه إيران في 1979م بسبب انتهاء دوره، جاءت (ثورة) الخميني لتؤجج مشاعر المسلمين، الذين أملوا فيها خيرًا، وعوّلوا عليها في تخليصهم من استكبار الغرب وأميركا. فإذا بها – بعد 30 عامًا -ثورة مذهبية قومية، تتنافس على زعامة المنطقة، مع تركيا ودولة يهود، ولا يقدم حكامها البائسون سوى الخطابات الرنانة، والوعود بإزالة (إسرائيل)، ما يثبت أن النظام الإيراني لا يختلف عن غيره من الأنظمة (الإسلامية) في المنطقة.

  1. والتعصب المذهبي والطائفي، في نظام إيران، يدمران كل منجزاته الحضارية والسياسية والعلمية والصناعية. فالنظام اليوم ينفر من حوله مليار ونصف من المسلمين، وهو يتجاهل سائر المذاهب الإسلامية الأخرى، ووجهات النظر المخالفة له، وهو يركز على الإمامة الإثني عشرية، والتعصب الأعمى للرابطة الفارسية واللغة الفارسية. فلا جرم أن الأمة لا تلتف حوله، وتشك وترتاب فيه، كنظام صادق في دعواه. فتصميم إيران على التمسك بالنعرة الفارسية ينفر الشعوب العربية من مناصرتها والتعاون معها، فهلاّ تخلت عن هذه النعرة إذا أرادت أن يكون لها موقع قدم عند المسلمين. وهلاّ نظرت إلى محيطها الإسلامي نظرة مبدئية أخوية، وليس نظرة مذهبية قومية ضيقة. وهلاّ أوقفت التعاون مع أميركا ضد حركة طالبان في باكستان وأفغانستان أو ضد المجاهدين في العراق الذين تنعتهم بالتكفيريين. وهلاّ أدركت أنه، مهما بلغت الخصومة بين المسلمين، فلا ينبغي أن تصل الأمور لديهم إلى مستوى الاستعانة بالكفار ضد بعضهم بعض. وهلاّ أدركت أن أميركا هي العدو، ولا يجوز التعاون معها ضد المسلمين مهما كانت أفكارهم وآراؤهم مغايرة وبعيدة ومختلفة عن النظرة التي تحملها القيادة الإيرانية. وهلاّ استفاقت إيران وحاربت التفرقة السياسية التي تزرعها أميركا بين (السنة) و(الشيعة) .

  2. وهكذا، فإن النظام الإيراني القومي المذهبي منفصل عن أمة الإسلام، ولا يتحرك لتحقيق مصالح هذه الأمة بالعمل من أجل وحدتها والدفاع عن قضاياها ونصرتها، بل تراه ينفذ سياسات أعداء الأمة، وتحديدًا أميركا. أما لماذا أميركا، فللأسباب التالية:

أ. عندما احتلت أميركا العراق، أعطت دورًا محوريًا كبيرًا لإيران هناك، ابتداء من العمليات العسكرية ضد المجاهدين هناك، وانتهاء بالأعمال السياسية. فإيران تحرك كثيرًا من القيادات السياسية والأحزاب في العراق نيابة عن أميركا. وأميركا تستخدم قضية الشيعة والسنة هناك (مع أنها غير موجودة في فكر الإسلام) وقضية ما يسمى بالحرب على الإرهاب والتفجيرات التي تفتعلها من أجل إحكام قبضتها على العراق. أما حديث أميركا عن تدخل النظام الإيراني في العراق، فمحض تضليل، وهو يأتي لتلزيم النظام الإيراني الأمور في العراق خدمة لها. وما حجيج القيادات (الشيعية) إلى طهران، وعملهم في نيل رضاها، وتنفيذ سياستها، إلا أكبر دليل على ذلك. أولم يأت نجاد (عدو أميركا) إلى بغداد، وتحديدًا إلى المنطقة الخضراء التي تسيطر عليها أميركا، بينما تتهم القوات الأميركية هناك أن النظام الإيراني وراء كل التفجيرات في البلد؟ إن حكام إيران بارعون في تسويق الشعارات، بينما هم في الواقع يتآمرون مع الأميركان سراً في العراق. ولقد انكشف أمر إيران بشكل جلي للعراقيين الذين يلمسون على أرض الواقع تغلغل النفوذ الإيراني المذهبي في مختلف محافظاتهم، ولم يعد خافياً شيء عليهم لدرجة أن حارث الضاري، رئيس هيئة علماء المسلمين في العراق قال: «إن إيران تلعب دوراً سلبياً في العراق، ودورها يضاهي الدور الأميركي». إن ما فعلته أميركا في العراق هو أنها أسقطت نظام صدام حسين المعادي لإيران، واستبدلته بنوري المالكي وزملائه المدعومين مباشرة من إيران ؟!

 ب.  والنظام الإيراني يساعد أميركا الاستعمارية  في حربها على المسلمين في أفغانستان وعلى جميع الصعد. وهذا أمر تعلنه أميركا نفسها ولا ينفيه النظام الإيراني. ألم (تتهم) أميركا إيران مؤخرًا أنها تبعث بأكياس من المال إلى عميلها كرزاي، وأقرت إيران بذلك؟ فمن أجل ماذا تدعم إيران عميلاً لأميركا هناك؟ أمنافسة لها أم مساعدة؟ ألقى محمد علي أبطحي،  نائب الرئيس السابق محمد خاتمي للشؤون القانونية والبرلمانية، محاضرة في 13/1/2004م، في ختام أعمال مؤتمر «الخليج وتحديات المستقبل» الذي ينظمه مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية سنوياً، قال فيها:»إن بلاده قدمت الكثير من العون للأميركيين في حربهم ضد أفغانستان»  مؤكدًا أنه :»لولا التعاون الإيراني لما سقطت كابول وبغداد بهذه السهولة»؟!

ت.  وإيران، من خلال ضجيجها الإعلامي عن قوتها وعظمتها منحت أميركا كل الأسباب لبسط نفوذها العسكري في منطقة الخليج، بذريعة أن هذه المنطقة مهددة من قبل القوة (الفزاعة) الإيرانية. ولو أن النظام الإيراني صادق لتصدى للأساطيل الأميركية التي تصول وتجول قبالة شواطئه! إن النظام الإيراني يقوم بدور مزدوج في المنطقة، حيث ينسق مع أميركا جهودها في العراق وأفغانستان لمحاربة المجاهدين من تحت الطاولة، وفي نفس الوقت يعطي الذرائع للدول العربية للقيام بالاصطفاف مع أميركا والدول الغربية، بسبب تهديداته المذهبية، وبسبب قدراته العسكرية التي لا تستخدم إلا ضد البلدان الإسلامية!

ث. والنظام الإيراني، الذي يقف ظاهرياً في وجه أميركا، يفتح البلاد أمام استثمارات أميركا. ذكرت وكالة «فارس» الإيرانية،في شهر أيار/مايو 2010م، أن نسبة صادرات السلع غير النفطية من إيران إلى أميركا بلغت العام الماضي 95 مليون دولار، في حين كانت هذه النسبة، في العام الذي سبقه 66 مليون دولار. وفي شهر آذار (مارس) من العام نفسه أعلن مكتب الإحصاء الأميركي أن: «صادرات الولايات المتحدة الأميركية إلى إيران تضاعفت ثلاث مرات في الشهر الأول من العام الجاري، وذلك على الرغم من الدعوات الأميركية المتتالية للدول الأخرى إلى فرض حظر تجاري على طهران»، وقال المكتب: «إن قيمة الصادرات الأميركية إلى إيران بلغت، خلال هذه الفترة، 31 مليون دولار».  وكانت الصادرات الأميركية إلى إيران قد بلغت في شهر كانون الأول (ديسمبر) من العام الماضي 2009م ما قيمته 11 مليون و300 ألف دولار، فيما ارتفعت نسبة هذه الصادرات إلى ثلاثة أضعاف في كانون ثاني (يناير) من العام الجاري 2010م. وكانت نسبة التبادل التجاري بين إيران والولايات المتحدة الأميركية في كانون ثاني 2010م قد بلغت 37 مليون و300 ألف دولار، ما يظهر زيادة بلغت ضعفين قياسًا بشهر كانون أول (ديسمبر) الذي سبقه. وتؤكد هذه الإحصائيات الحديثة على أن حالة العداء، التي تُروجها وسائل الإعلام، بين أميركا وإيران، هي حالة مصطنعة وزائفة، وأن مصالح الدولتين في المنطقة واحدة، وأن إيران،  ومنذ انطلاق ثورة الخميني في العام 1979م، لم تُغير سياساتها الموالية لأميركا في السر والمخالفة لها في العلن. وأميركا تتلاعب، بشكل واضح، في موضوع تعامل الشركات النفطية مع إيران، فبينما نجد أن الضغط الأميركي على بعض الشركات، أدّى إلى طردها من سوق النفط الإيراني، لا سيما إمدادات البنزين إلى إيران، نجدها تسمح لشركات أخرى في التعامل مع إيران، ومنها شركات أميركية.   فقد كشفت صحيفة نيويورك تايمز الأميركية، في شهر آذار 2010م، النقاب عن تمويل الحكومة الأميركية لشركات أميركية وأجنبية تعمل في إيران بعشرات المليارات من الدولارات. وقالت الصحيفة: «إن الحكومة الأميركية أعطت 107 مليار دولار، خلال السنوات العشر الأخيرة لشركات أميركية وأجنبية تقوم بأعمال في إيران، كثير منها في قطاع الطاقة، وأوضحت أنه من بين 74 شركة تتعامل مع كل من الحكومة الأميركية وإيران، هناك 49 شركة مازالت تزاول أنشطة في إيران، وليس لديها خطط معلنة لمغادرة البلاد. وأضافت الصحيفة، في تحليل لسجلات اتحادية وتقارير شركات ووثائق أخرى: «كثير من تلك الشركات متوغلة في أكثر جوانب الاقتصاد الإيراني أهمية»، وأشارت إلى أن أكثر من ثلثي الأموال الحكومية الأميركية ذهبت إلى شركات تزاول أنشطة في صناعة الطاقة الإيرانية، وهي مصدر رئيسي للدخل بالنسبة للحكومة الإيرانية، وأحد مراكز القوة للحرس الثوري الإيراني، الذي يشرف على برامج الصواريخ والبرنامج النووي لطهران؟!  إن هذا التلاعب الأميركي بمنع شركات والسماح لأخرى بالعمل في السوق الإيراني يكشف عن مدى الدجل في السياسة الأميركية تجاه النظام الإيراني الذي لا يخشى من العقوبات التي تدعي أميركا اليوم أنها تفرضها على إيران.

ج. وأما تهديد النظام الإيراني المستمر ليهود، على لسان قادته (خصوصًا نجاد) ، فلا يعدو أكثر من تهويشات فارغة تضلل المسلمين، وتضغط على يهود، بإذن من أميركا، في موضوع فلسطين. أما الموقف الحقيقي للنظام فهو غير ذلك، وهو لا يريد إزالة كيان يهود، ولا شطب (إسرائيل) من الوجود، ففي آخر تصريح  لنجاد، حول القضية الفلسطينية في لبنان، في 14/10/2010م، قال: «إن المشروع الإيراني هو المشروع الفلسطيني، وإن ما تريده إيران لفلسطين هو ما يريده الفلسطينيون، وهو إقامة دولة فلسطينية». فهل هكذا تصريح يدل على أن (إسرائيل) ستمحى من الوجود؟! وبماذا يختلف موقفه هذا عن موقف الزعامات في المنطقة؟ إن نجاد إيران ينافس أردوغان تركيا في دغدغة مشاعر المسلمين، بينما مواقفهما الحقيقية   تخدم  الأميركيين.  وقد  نقلت  – ولا تزال-  وسائل إعلام كثيرة تصريحات لنجاد، حول القضاء على (إسرائيل)، منها قوله، مخاطبًا الرئيس السوري: «إذا شنَّت إسرائيل هجوماً في المنطقة، فيجب التصدي لها والقضاء عليها». والسؤال الذي يطرح نفسه هنا: لماذا ينتظر نجاد الهجوم (الإسرائيلي) حتى يقضي على (إسرائيل)؟!  وإذا كان نجاد يستطيع القضاء على (إسرائيل) فماذا ينتظر؟!  ثم إن الهجوم (الإسرائيلي) موجود فعلياً في المنطقة، ولم يتوقف أصلاً! ألا يعتبر احتلال (إسرائيل) لكل فلسطين هجوماً على المسلمين؟ وألا يعتبر احتلالها لهضبة الجولان السورية هجوماً على المنطقة؟  إن هجوم (إسرائيل) موجود في المنطقة فأين تصدي إيران له؟!  وأين هي المواجهة الإيرانية؟!  إن نجاد لا يريد حتى أن (يزيل) (إسرائيل) من الوجود بنفسه، بل يريد للمهدي أن يفعل هذا! فقد قال في 14/ 10 /2010م  في بنت جبيل، أثناء زيارته للبنان: «المهدي المنتظر سيأتي إلى هنا، وبرفقته السيد المسيح» من أجل تحرير فلسطين؟! وهذا تخذيل وتثبيط عن عمل أبناء الأمة وجيوشها وقياداتها المخلصة، في تحريرها. فهل نترك – بحسب نجاد – يهود يقتلون ويقتلون ولا نفعل إلا أن ننتظر المهدي؟ وبالمناسبة، فإن الرئيس الإيراني ليس هو من يقرر سياسة إيران، بل يقررها خامنئي، وهو يترك له القيام بالتهويشات الإعلامية، عن يهود والأميركيين، كونه مفتوناً بـ (المهدي)، وما سيفعله عندما يأتي! إن هاجس (المهدي) المسيطر على نجاد، وحديثه المستمر عن التشيع، يخوف أبناء الأمة من إيران، ويجعلهم يبتعدون عنها؟! فقد قال نجاد صراحة في أحد تصريحاته، في أيلول 2009م،  نقلتها وكالة «إيرنا» الإيرانية، خلال حفل توديع وزير الأمن الإيراني السابق،  وتقديم الوزير الجديد: «أن هدف النظام الإيراني هو نشر التشيع في العالم، ورفع راية المهدي المنتظر»، وأضاف: «إن نشر هذه المهمة، في العالم، يقع على عاتق الجمهورية الإيرانية»، وأكد على أنه: «في النظام الولائي، فإن الجميع هم جنود إمام العصر، المهدي المنتظر»، وأن: «ولاية الفقيه هي حلقة الاتصال مع الإمام المهدي»، وأن: «هدفنا الغائي هو تحقيق الأسرة العالمية المهدوية.» هذا هو نجاد، رجل يستخدم في تنفيذ سياسات أميركا، وينتظر المهدي لإزالة (إسرائيل)؟!

ح. أما نووي إيران، فهو أكبر موضوع يجري فيه التضليل السياسي حول علاقة إيران بأميركا.  فالكل يتحدث عن نووي إيران، وأن أميركا تريد أن تمنع النظام الإيراني من امتلاك السلاح النووي، وأن الضربة العسكرية لا مفر منها، وأنه اقترب أوانها. لكن المدقق في المسألة يجد الأمور التالية:

l إن البرنامج النووي الإيراني ليس حديثًا، فقد كانت أميركا تساعد شاه إيران على المضي فيه، قبل أن تتخلص منه وتأتي بالخميني، وهو برنامج سلمي للطاقة وليس عسكريًا بشهادة الوكالة الدولية للطاقة النووية.

l وأميركا لا تمانع أن تمتلك إيران هذا البرنامج. ففي آخر تصريح لوزيرة الخارجية الأميركية لـ (بي بي سي) حوله في 4/12/2010م قالت: «إن إيران تستطيع في المستقبل أن تخصب اليورانيوم لأغراض مدنية، حينما تبرهن على أنها ستجري ذلك بصفة مسؤولة، ووفقًا لواجبات إيران الدولية»، وقالت: «لقد قلنا لهم إن إيران مؤهلة لاستخدام سلمي ومدني للطاقة الذرية. لكنهم لم يستعيدوا ثقة المجتمع الدولي بالدرجة التي تجعل هذا المجتمع مرتاحًا لقيام الإيرانيين بتخصيب اليورانيوم.» وبهذا يظهر موقف أميركا الحقيقي من حليفتها إيران. إن مسألة الملف النووي، وما يُثار حولها من لغط، ما هي إلا الرافعة، التي تستخدمها إيران (بإذن أميركا)، لتصير دولة إقليمية عظمى في المنطقة، وهو الأمر الذي وافقت عليه أميركا فعلاً، بدليل أنها وافقت على مبدأ بيع إيران لليورانيوم المخصب، وهو ما لم يحصل قط مع أي دولة أخرى غير نووية!؟

*  أما موضوع خطر إيران النووي المزعوم فمرده إلى أن أوروبا، التي تنافس أميركا في السيطرة على منطقة الخليج، تحاول خلق مشاكل لأميركا هناك، عن طريق زعزعة النظام في إيران.  وأوروبا تتدخل في الشأن الإيراني عن طريق الزعم أن إيران خطر على المجتمع الدولي، وأنها يجب أن تعاقب دوليًا، من خلال حزم من العقوبات تفرض عليها، أو من خلال ضربة عسكرية.  وأوروبا، بالطبع، لا تستطيع أن تفعل ذلك بدون أميركا، لذلك فهي تضغط على أميركا في التنسيق معها حول تلك العقوبات، وتحرجها في موضوع العمل العسكري. ولأن أميركا تعمل على حماية إيران من أوروبا، نجدها، في كل مرة تحرك أوروبا موضوع النووي، تعمل على إنقاذها من تلك العقوبات، تارة بتخفيفها وجعلها غير منتجة بالتنسيق مع الصين وروسيا، وتارة بالدعوة إلى نقل التخصيب خارج إيران مستخدمة البرازيل وتركيا في ذلك، ومستخدمة المحادثات والاتفاقات التي تجري معها  كل حين، ما يعطي إيران وقتًا لالتقاط أنفاسها من ضغط المجتمع الدولي (أوروبا)، وسواء أنفذت الاتفاقات، عاجلاً أم آجلاً، فإن موجة الضغط على إيران تهدأ بالتدريج، وكذلك إحراج أوروبا ودولة يهود لأميركا للقيام بعمل عسكري، أو حتى بعقوبات مؤثرة فعلياً، يكون كذلك قد زال. وهذا يظهر أن، من سياسية أميركا في موضوع نووي إيران، أن تجعلها تقدم تنازلات في كل فترة يفقد الضغط الأوروبي اليهودي زخمه، باتجاه حزم العقوبات المختلفة أو العمل العسكري.  والملاحظ أن سيناريو العقوبات، الذي تقوده فرنسا وبريطانيا وألمانيا، يتكرر الآن منذ سنوات دون جدوى، ما يثبت أن كل لقاءات المجتمع الدولي مع المسؤولين الإيرانيين حول برنامجها النووي ما هو إلا تجاذب للقوى الاستعمارية حول إيران: أميركا من جهة، وأوروبا من جهة أخرى. وهذا موقف  القائد العسكري الأول في أميركا، الأدميرال مايك مولن، رئيس هيئة الأركان الأميركية المشتركة، فقد صرح في 27/11/ 2010م، لشبكة سي إن إن،  أن: «بلاده يجب أن تتحلى بالواقعية في تعاملها مع إيران»، وأوضح: «ما زلت اعتقد أنه من المهم أن نركز على الحوار، أن نركز على الارتباط، ولكن علينا أيضًا القيام بذلك بطريقة واقعية، تنظر فيما إذا كانت إيران ستتجه لقول الحقيقة بشكل فعلي، أو ترتبط فعليًا، أو تفعل أي شيء بشكل فعلي». وهكذا، فإن أميركا تريد استمرار الحوار التفافًا على أوروبا، والأخيرة تغذي العقوبات وحتى العمل العسكري، مع أنه غير محتمل طالما أن أميركا في ظهر إيران وتستفيد منها سياسيًا وعسكريًا!

l وأما روسيا والصين، فهما تنتفعان اقتصاديًا من إيران، وتنسقان مع أميركا. فروسيا تساعد إيران في بناء مفاعلاتها وتزودها بالسلاح، والصين كذلك من خلال شركاتها العملاقة هناك، ففي شهر حزيران/يونيو 2010م الماضي نسقت الدولتان مع أميركا في تخفيف مشروع قرار العقوبات رقم 1929 ضد إيران، وأفرغوه من أي تأثير. وكان وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، قد قال في مؤتمر صحفي عقده مع نظيره الصيني في العاصمة الصينية بكين بعيد قرار العقوبات: «لقد وضع شركاؤنا الغربيون مشروع القرار الذي لم يكن في البداية من الممكن لروسيا والصين تأييده، وبعد مشاورات مكثفة في اللجنة السداسية تمكنّا من شطب بعض البنود التي كانت تهدف لعقوبات مشلة»؟! وهذا يظهر أن الدولتين تساهمان في منع تبني مشروع عقوبات قاتل ضد إيران، من أجل الاستمرار في تحقيق مصالحهما الضخمة في إيران، وبرضى من أميركا.

l أما يهود، فهم وإن كانوا حلفاء لأميركا، إلا أنهم يشعلون النار في موضوع النووي الإيراني، ويعملون على تخويف العالم منها داعين لضربها، ما يجعلهم في صف أوروبا في هذا الشأن. كما أنهم يحاولون ربط حل القضية الفلسطينية (أي تصفيتها) بموضوع إيران النووي، ودعمها لحماس وحزب الله! حتى يتنصلوا من أية حلول، أو تنازلات سياسية يقدمونها، وهذا ديدنهم! لكن أميركا بالمقابل لا تستمع إليهم، بل وتستخدم (قوة) إيران المزعومة في المنطقة في الضغط عليهم حتى يقبلوا بالحلول التي تريدها هي في فلسطين!

l والواضح أن السياسيين الإيرانيين واثقون أن لا ضربة عسكرية، وأن كل الحوارات والمفاوضات التي تجري منذ سنوات، وكل الملفات التي تفتح لهم، ستنتهي إلى لا شيء. وكلما ظن الجميع أن الأمور على حافة الهاوية، تدخلت أميركا، وأنقذت الموقف. فسجالاتهم مع (المجتمع الدولي) كل بضعة أشهر أصبحت سيناريو مكشوفاً، كونهم أصبحوا حاذقين في دبلوماسية حافة الهاوية (الآمنة) التي ينتهجونها بتنسيق كامل مع أميركا. وها هي آخر جولة محادثات بين إيران والدول الكبرى تنتهي في جنيف (في 7/12/2010م)، دون أية نتائج، على أن تجري أخرى في إستانبول في نهاية شهر كانون الثاني/يناير 2011م وها هو الرئيس نجاد يصرح مطمئنًا في اليوم نفسه: «إن المحادثات قد تثمر في حال رفعت العقوبات عن إيران» إن إيران اليوم أصبحت تلعب دورًا يهدّد مصالح أوروبا في الخليج، وخصوصًا بريطانيا وفرنسا، صاحبتا مشروع العقوبات عليها. فأميركا كما ذكرنا تحب من إيران أن تستمر في إخافة دول الخليج، من خلال مناوراتها، ومدها (الشيعي)، حتى تدخل أميركا إليها، عسكريًا وسياسيًا بشكل أكبر، وهذا ما يحصل بالفعل، كما أنها تستخدم البعبع الإيراني في نشر منظومات أسلحتها حتى في أوروبا!

l أما ما يُقال عن قصة نجاح إيران في تخصيب اليورانيوم بنسبة 20، واقترابها من امتلاك السلاح النووي، وإمكانياتها العسكرية الهائلة، فإن قصة النجاح هذه لا تختلف كثيراً عن قصة نجاح الباكستان في حيازة القنبلة النووية الحقيقية. فماذا استفادت الأمة الإسلامية من قنبلة باكستان النووية؟ بل ماذا استفاد الباكستانيون داخل باكستان من حيازة هذه القنبلة؟ إن باكستان اليوم غارقة في حروب أهلية قاتلة لخدمة الأجندة الأميركية، بينما قنبلتها النووية أصبحت عبئاً عليها، وأصبح لأميركا كل المبررات في مراقبة القدرة النووية الباكستانية التي يُخشى من تسربها إلى (الإسلاميين) على حد وصفهم.  فماذا ينفع إيران كل قوتها العسكرية، بينما هي لا تنصر مسلمًا واحدًا في الأرض؟ بل وتستخدمها في مساعدة أميركا في العراق وأفغانستان؟ نقلت وكالة «إيرنا» الإيرانية للأنباء  في شهر شباط/فبراير 2010م عن نجاد قوله: «إنه ما من شك أن إيران أضحت اليوم أقوى وأهم أمة في العالم، وسيكون لها الكلمة الأخيرة في الشرق الأوسط» وأن: «الكثير من الدول في المنطقة تحاول منذ أعوام طويلة، إلا أنها لا تستطيع أن تتحول إلى قوة كبرى لأنها لا دور لها في المعادلات العالمية». لا شك أن المسلمين سيفرحون إذا ما تحولت، أي دولة من دولهم، إلى دولة عظمى، فتلك أمنية كل مسلم، ولكننا ندرك أن أية دولة مسلمة تُريد أن تكون دولة كبرى ومؤثرة، عليها أولاً أن تكون دولة لكل الشعوب الإسلامية، ولكل مذاهبهم وقومياتهم ، أي أن تكون منذ البداية دولة إسلامية عالمية، وهذا غير متوفر في الدولة الإيرانية، لأنها دولة تُصر على أن تكون ذات طابع قومي فارسي، وذات صبغة مذهبية، وهذان الأمران يمنعان إيران أن تكون كذلك. وثمة مانع آخر يمنع إيران من أن تتبوأ مركزًا دوليًا مهمًا في العالم، وهو قبولها بالتعاون مع أميركا، ومع ما يُسمى بالمجتمع الدولي، ضد فئات من المسلمين، كحركة طالبان في أفغانستان، والمجاهدين في العراق، وهو ما من شأنه أن يجعل المسلمين، في كل بلاد المسلمين، يتوجسون من النظام الإيراني الذي يتعاون مع أعداء الأمة ضد بلاد المسلمين. وكما قلنا، فإن تصرفات إيران السياسية العدائية تجاه البلدان العربية العميلة في المنطقة أعطى أميركا والدول الغربية – وما يزال – المبرر الدائم والذريعة الجاهزة للتواجد العسكري المتعاظم في منطقة الخليج. ومن هنا يمكن القول إن تصريحات الرئيس الإيراني تصب في خانة زيادة الوجود العسكري الأميركي في مياه الخليج والمنطقة، على اعتبار أن إيران (فزّاعة) المنطقةّ.                                                                                    إن أميركا تدعم النظام الإيراني في الوقت الراهن، فهو يخدمها على أكثر من صعيد سياسي وعسكري. فإيران تُنسق سياستها الخارجية مع أميركا تنسيقاً تاماً،  فهذه السياسة متطابقة مع السياسة الأميركية في العراق وفي أفغانستان بشكل كامل، وهي سياسة خادمة للأهداف الأميركية في الخليج وفي الشرق الأوسط بكل وضوح.

ثالثاً: سوريا

  1. إن نظام البعث السوري (القومي) نظام دكتاتوري بامتياز، وما جرائمه في حق المسلمين في حماة إلا أكبر شاهد على ذلك، فبحسب اللجنة السورية لحقوق الإنسان، قضى في تلك المجازر ما بين 30-40 ألف من المسلمين العزل، دفنوا في مقابر جماعية. كما أن هناك ما بين 10-15 ألف فقدوا منذ ذلك الوقت، ولا يعرف أحد عنهم شيئًا. والنظام السوري في حرب شرسة ضد من يعمل للإسلام، وسجونه مليئة بأصحاب الرأي، ومن يعملون لإعادة الخلافة، وهو مشهور عنه استخدامه للتعذيب الشديد المفضي إلى الموت تجاه معارضيه.

  2. ونظام بشار مرتبط بالأميركيين وينفذ سياساتهم، لكنه لم يعط دورًا إقليميًا كبيرًا كتركيا وإيران. أما الدور المناط به اليوم، فيتعلق بالمحافظة على أمن يهود، حتى تأذن له أميركا بالمضي في سلامه معهم! ويتعلق باحتضان ما يسمى بفصائل الممانعة الفلسطينية على أرضه وتوجيهها،حتى إذا ما جاء (السلام) قدمها قربانًا على مذبح يهود وأميركا؟! ويتعلق بحربه الشرسة على ما يسمى بالإرهاب مساعدة لأميركا، ويتعلق بحفظ الحدود العراقية خدمة لأعمال أميركا العسكرية في العراق، ويتعلق أخيرًا بالمحافظة على الوجود الأميركي في لبنان، والذي تزعزع بعد مقتل الحريري.

  3. وبعد عودة العلاقات الدبلوماسية، على مستوى السفراء، بين النظام السوري والإدارة الأميركية، وبعد تسمية الرئيس الأميركي لأول سفير أميركي في دمشق ( روبرت فورد)، بعد أن ظل هذا المنصب شاغرًا منذ أكثر من خمس سنوات، بعد كل هذا الانفتاح الدبلوماسي المفضوح بين الدولتين، يأتي دور العلاقات الأمنية المشبوهة بينهما ليحول الدولة السورية إلى دولة عميلة من ناحية أمنية، بالإضافة إلى عمالتها من ناحية سياسية. وقد أشار إلى هذا النوع من العلاقات الحميمة بين البلدين وليم بيرنز، مساعد وزير الخارجية الأميركية، بقوله في شباط/فبراير 2010م: «إن منسق وزارة الخارجية لسياسة مكافحة الإرهاب السفير دان بينجامين سيبقى في دمشق يومًا إضافيًا لعقد لقاءات مع مسؤولين سوريين في إطار تعميق الحوار للتقدم نحو الأمام.» وكان سيمون هيرش، الصحفي الأميركي المشهور، والذي يعمل في صحيفة نيويوركر، قد كشف في شهر شباط/فبراير 2010م بأن: «جهاز الأمن السوري قد استأنف تعاونه مع وكالة المخابرات الأميركية  CIA»،  وهو الأمر الذي يؤكد تبعية سوريا لأميركا من الناحيتين السياسية والأمنية؟!

4 . والنظام السوري ليس نظامًا ممانعًا كما يحب رئيسه أن يصوره، وهو يلهث وراء سلام مع يهود تمنّ به عليه أميركا. يقول بشار الأسد عن ذلك في 17/2/2010م: «إن دور الولايات المتحدة في عملية السلام هو دور مهم وداعم للدور التركي.» ومعلوم أن الدور التركي إنما جاء بتكليف أميركي. والحقيقة أن ما كان في السابق من إعلان عن قطع للعلاقات الدبلوماسية بين الدولتين، في فترة حكم بوش، كان مجرد أسلوب سياسي مخادع ومألوف استخدمته إدارة بوش لمواكبة الظروف السياسية التي أعقبت عملية اغتيال الحريري، وقت انشغالها بحربي العراق وأفغانستان وترنح النظام السوري آنذاك بعد توجيه الأوروبيين ضربات قاسية ضده تم تتويجها بإخراج الجيش السوري من لبنان، وخلع نفوذ النظام السوري من لبنان بشكل مفاجئ، وهو ما اضطر الإدارة الأميركية لأن تساير الأوروبيين حينها ريثما يستعيد النظام السوري أنفاسه. ثم وبعد أن تراجعت الضغوط الأوروبية عن النظام السوري، بتراجع نفوذ عملاء أوروبا في لبنان، عادت العلاقات الأميركية السورية إلى سابق عهدها، وتم الإعلان رسميًا عن عودتها سياسيًا وأمنيًا. وما تعيين سفير لأميركا في سوريا، وزيارات جورج ميتشل وجيفري فيلتمان وجون كيري المستمرة إليها إلا أكبر دليل على العلاقات المميزة بين البلدين! وهكذا، فإن ما يسمى بالعقوبات التي تفرضها أميركا على سوريا، و (تجددها) كل سنة، وموضوع ما يسمى قانون محاسبة سوريا، ما هو إلا ذر للرماد في العيون.

  1. وبهذا يظهر أن العقوبات الاقتصادية الأميركية على سوريا وهمية، فشركاتها العملاقة تصول وتجول فيها. فعلى سبيل المثال، أعلن المدير العام لشركة «شل» الأميركية في سوريا، جرهام هنلي، في 21/11/2010م، أن استثمارات شركته في مجال التنقيب عن النفط في سوريا تجاوزت 8 مليار دولار أميركي حتى الآن، وأضاف هنلي أن تمديد الاتفاقية لشركة شل عام 2008م لمدة عشر سنوات هي خطوة مهمة وخاصة في تعزيز العلاقات. كما وقعت كلا من الشركتين السورية للنفط والغاز وشركة ماراثون الأميركية للنفط  عقوداً تمنح من خلالها الشركة الأميركية استثمار النفط والغاز في حقلي (الشاعر) و(الشريفة) شرق سوريا.  حيث ستقوم الشركة الأميركية بتمويل وتنفيذ كافة الأعمال المطلوبة، بتكلفة تقديرية تبلغ 127 مليون دولار، ولفترة استثمار 25 سنة، قابلة للتمديد 5 سنوات.  نعم يحصل كل هذا، رغم ما يسمى بقانون محاسبة سوريا، و(تجديد) العقوبات السنوية عليها؟!

  2. أما جعجعات الأسد في المقاومة والتصدي، فهي لا تختلف عن تهويشات أردوغان ونجاد، وهي تسويق إعلامي لا أكثر. ففي 21/4/2008م قال الأسد إن بلاده ستستمر بلد «المقاومة والممانعة لسياسات أميركية وإسرائيلية عدوانية في الشرق الأوسط» حسب وصفه، وقال: «كلما اتضحت صورة صمودنا وتمسكنا بعروبتنا ازدادت شراسة الحملات علينا، ولكن قررنا أن المقاومة والممانعة هي قرارنا الاستراتيجي الذي سنتمسك به.» نعم .. إن مقاومة النظام السوري الاستراتيجية تتجلى في أن يتفرج على المسلمين في فلسطين يقتلون ليل نهار ولا ينصرهم، بل تتضح ممانعته وهو يضرب في عقر داره، من قبل طائرات (العدو) في دير الزور، وتحليقها فوق قصره. فقد اتهمت سوريا (إسرائيل) بانتهاك مجالها الجوي، وقصف أراضيها في 5 /9 /2007م، محذرة من أنها قد ترد على هذا العمل «العدواني السافر» وأنها «تمتلك حق الرد» ؟! فمتى يكون رد نظام الخزي والعار على (إسرائيل)؟! …لا أحد يتوقع ذلك.

هذا غيض من فيض عن نظام أسلم قضايا الأمة لأعدائها، بينما هو يتشدق بأنه آخر حصون القومية العربية الزائفة.

وبعد، فإن الحقائق السياسية والاقتصادية التي ذكرناها آنفًا عن محور (تركيا- إيران- سوريا) تري بكل وضوح ارتباط هذا المحور بالسياسة الأميركية.

فالتصريحات السياسية التي تصدر عن السياسيين، والتي لا تقبل التأويل عن العلاقة بين دول هذا المحور وأميركا، والمشاريع الاقتصادية البينية (والخفية) بين أميركا وبين دول هذا المحور، وكل الأعمال السياسية لهذه الدول على الأرض في مختلف المجالات .. كل ذلك ليؤكد أن هذا المحور يتخفى بشعارات مضللة زائفة، بينما هو يقود سياسات لا تختلف عن سياسات دول الضرار التي انكشف أمرها للأمة، هذه التي تكرس فرقة المسلمين، وتحارب الإسلام وعودته في دولته (دولة الخلافة)، وتجعل لأميركا والغرب سبيلًا علينا في كل شيء، وتتخذ الشرعة الدولية قانونًا لها، وتسلم بلاد المسلمين للغرب يعمل فيها نهبًا وتقطيعًا، والمسلمين سجنًا وملاحقة، و تفعل كل الموبقات التي ذكرناها آنفًا عن دول الضرار.

أسأل الله أن يتبصر المسلمون أمرهم، وأن يعوا التضليل الذي يمارس عليهم في الدول التي يحيون فيها، وأن يجعلهم هذا ينفضون أيديهم من كل الأنظمة المكشوف حالها، والمتنكرة إلى الآن، وأن يعملوا للخلاص الكبير بتغييرها، والعيش في دوحة دولتهم الجامعة، دولة الخلافة، التي تحميهم، وترفعهم، وتعيدهم سادة للدنيا من جديد، إنه سميع مجيب.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *