العدد 233 -

الـوعــي ــ العدد 233 ــ السـنة العشرون ــ جمادى الآخرة 1427هــ ــ تموز 2006م

«خطة الانطواء»: مشروع أندلس جديد

«خطة الانطواء»: مشروع أندلس جديد

يقوم أولمرت، رئيس وزراء (إسرائيل)، باستكمال ما بدأه سلفه شارون من خطة الانسحاب الأحادي الجانب من غزة، بخطة أخرى، سماها «خطة الانطواء»، وتنص هذه الخطة على قيام ذلك الكيان الغاصب، من جانب واحد أيضاً، بفرض حل يقوم على تفكيك المستوطنات الصغيرة والمبعثرة في الضفة الغربية، ودمجها في المستوطنات الكبيرة وخاصة تلك التي تحيط بالقدس، والعمل على إضفاء الشرعية على ضم التجمعات الاستيطانية الثمانية الكبرى رسمياً للدولة العبرية الغاصبة، وبالتالي منع التباحث حولها مستقبلاً في أي مفاوضات سياسية، مع التعويض على المستوطنين الذين يتم إجلاؤهم تماماً مثلما حدث مع أمثالهم في غزة، إذ عوّضت العائلة الواحدة بمبلغ نصف مليون دولار. وتلحظ الخطة ضم غور الأردن، بالإضافة إلى ضم المناطق التي تحتوي على مصادر المياه العذبة في جنوب الضفة، بالإضافة إلى تهويد القدس عن طريق مضاعفة مساحتها بربطها بالمستوطنات اليهودية المجاورة سيما مستوطنة «معاليه أدوميم» التي تعتبر أكبر مستوطنة في الضفة. ووعد أولمرت بأن تكون أول مرحلة من مراحل الخطة تشمل بناء 3500 وحدة سكنية في المنطقة التي تفصل القدس المحتلة عن هذه المستوطنة، كذلك وعد بتغيير مسار الجدار الفاصل ليضم المزيد من الأراضي الفلسطينية. وذكر أولمرت أن الجيش (الإسرائيلي) سيعطى حرية التحرك والتصرف ضد المناطق الفلسطينية وفقاً لضرورات الأمن (الإسرائيلي). كما زعم أن خطته تأخذ بعين الاعتبار الهاجس الديموغرافي الذي يسير بعكس مصلحتها، واعتبر أن هذه الخطة ستكون الخطوة الأخيرة في عملية الحل النهائي لهذه القضية، ووضع حداً لها ينتهي سنة 2010م. مع توقع أن تبدأ في أواخر 2006م أو بدايات 2007م.

إن من ينظر إلى هذه الخطة وإلى صاحبها يرى أنها وخطة الانسحاب من غزة خطة واحدة ولكن بمرحلتين، وهذه هي المرحلة الثانية، ويرى أنها خطة جدية مهما قيل إنها تلقى من معارضات داخلية وعربية ودولية؛ لأن فيها أفكاراً جدية بالنسبة ليهود. ففيها ضم المستوطنات الكبرى رسمياً إلى الكيان الغاصب، وفيها تهويد القدس، وفيها أخذ العامل الديموغرافي الذي يؤرق (إسرائيل) كثيراً على محمل الجد.

l أما بالنسبة لضم المستوطنات الكبرى رسمياً، فقد عملت (إسرائيل) على جعل المستوطنات أمراً واقعاً لا يمكن تجاهله وتجاوزه في أية تسوية، والاعتراف بضمها رسمياً قد أخذ الضوء الأخضر من بوش الذي صرح في مؤتمر صحفي مشترك عقده مع شارون في واشنطن في 13/4/2004م فقال: «إن الظروف على الأرض قد تغيرت فيما يخص تخلي إسرائيل عن المستوطنات اليهودية في الضفة الغربية» ثم إن تصريحات شارون السيئ الذكر أثناء وبعد الانسحاب من غزة ركزت كثيراً، ومن باب طمأنة المستوطنين، من أنه سيتفرغ للعمل لضم المستوطنات الموجودة في الضفة رسمياً إلى الكيان.

l أما بالنسبة لتهويد القدس، فهو أمر تعمل له (إسرائيل) بجد، فهي تقوم منذ زمن بإجراءات للسيطرة عليها، وتغيير معالمها، وتوسيع حدودها بحيث تضم حزاماً من المستوطنات التي تجعل المسلمين فيها أقلية، وتقوم بمصادرة الأراضي فيها لإقامة المستوطنات، وتهجير المسلمين المقدسيين، وسحب الهويات منهم، إنهم يتبعون هناك سياسة تقضي أن لا يتجاوز عدد السكان الفلسطينيين في القدس 22% من المجموع العام للسكان في القدس بحسب ما أوصت به اللجنة الوزارية (الإسرائيلية) لشؤون القدس لعام 1973م برئاسة غولدا مائير. وقد ذكرت صحيفة الحياة في 22/6 أن الباحث المقدسي المختص في شؤون الاستيطان خليل التوفكجي أطلق صرخة تحذير مدوية قائلاً: «سيبكي العرب على القدس كما بكوا على الأندلس». أما الولايات المتحدة فهناك مشروع قانون في الكونغرس يدعو للاعتراف بالقدس كعاصمة غير مقسمة لـ(إسرائيل) وينتظر حكام أميركا الوقت المناسب لإقرار هذا المشروع والإعلان عن نقل السفارة إلى القدس.

l أما العامل الديموغرافي الذي بات يؤرق ساسة (إسرائيل)، ويشغلهم، ويدخل حسابه في كثير من تصرفاتهم الإجرامية بحق المسلمين في فلسطين من قتل، وقصف، ومصادرة أراضٍ، وسحب للجنسيات، والتضييق والتهديد بغية التهجير، وتزوير المستندات للاستيلاء على الممتلكات، وكذلك فتح باب الهجرة لليهود ولغير اليهود حيث ذكر أن أكثر من نصف المهاجرين من دول الاتحاد السوفياتي السابق، وأن حوالى ثلث الفلاشا المستجلبين من الصومال، لا ينتمون إلى اليهودية لا من قريب ولا من بعيد… هذه الإجراءات كلها لم تنفع في إيجاد التوازن السكاني الديموغرافي بين المسلمين ويهود فضلاً عن التفوق العددي الذي يسعون إليه… ويبدو أن هذا العامل يأخذ حيزاً كبيراً من الاهتمام لدى أولمرت الذي كان رئيساً سابقاً لبلدية القدس والذي كان يشرف شخصياً على تهويد القدس، وإذا ربط هذا العامل بقوله إن خطته للانطواء ستكون الخطوة الأخيرة في عملية الحل النهائي، فإن هذا يعني أن تهجيراً جديداً ينتظر المسلمين جراء تطبيق هذا العامل.

لقد ذكرت وسائل الإعلام في 9/5 عن أولمرت قوله إنه متمسك بفكرة «أرض إسرائيل الكاملة» وإنه سيسعى إلى ترجمة هذه الفكرة على أرض الواقع بكل الطرق التي تتيح لليهود السيطرة على أكبر مساحة من الأرض بالشكل الذي يضمن غالبية يهودية ضمن الحدود التي يسعى لترسيمها. حيث قال حرفياً: «أنا شخصياً لاأزال أتمسك بفكرة أرض إسرائيل الكاملة، وأؤمن بالحق التاريخي لشعب إسرائيل على أرض إسرائيل كلها، ولكن والعين تدمع والقلب يتمزق علينا أن نحافظ على غالبية يهودية»، وأردف: «إن استمرار الاستيطان المبالغ فيه في كل أرجاء الضفة يخلق اختلاطاً بين السكان لا يمكن فصله، ويعرض وجود إسرائيل للخطر كدولة يهودية».

وما يدل كذلك على أن أولمرت وحكومته يضعون العامل الديموغرافي في مقدمة الاهتمام تصريح لوزير الهجرة في 3/6 يذكر فيه أن وزارته قدمت اقتراحاً لاستجلاب جميع يهود الفلاشا، وعددهم نحو 14 ألفاً، دفعة واحدة بدل نقلهم على دفعات شهرياً… وكذلك دافع وزير القضاء (الإسرائيلي) حاييم رامون في 25/5 عن قانون منع «لم شمل العائلات الفلسطينية» وقال: «يجب أن تحمي إسرائيل غالبيتها اليهودية، وأن تحد من الهجرة ليس فقط لأسباب أمنية وإنما أيضاً بدافع الحفاظ على طابع إسرائيل اليهودي»، وقال: «توجد دول عنصرية في العالم فلنكن واحدة منها».

وفي هذا المجال تقدر مراكز الإحصاء أن يتساوى عدد الفلسطينيين ويهود ما بين النهر والبحر بحلول 2010م، وهذا يعني أن ما بعد هذه السنة سيتفوق عدد المسلمين، وتقدر الإحصاءات كذلك أن ارتفاع الخصوبة لدى العائلة العربية يبلغ (3.7) مولود يقابله لدى العائلة اليهودية (1.5) مولود. وهذا يعني أن نسبة الزيادة تبلغ حوالى ضعف ونصف.

هذه هي «خطة الانطواء»… وسيواجه المسلمون في فلسطين، مع أولمرت هذا، مأساة جديدة لا تقل عن سابقاتها إن لم تكن تزيد، وسيستغل يهود انشغال العالم بالحرب على الإرهاب ليسوقوا خطتهم هذه باعتبارها جزءاً من هذه الحرب. وسيستغلون انشغال كل من بوش وبلير وشيراك بتدني شعبيتهم وقرب موعد الانتخابات عندهم، وسيستغلون انشغال حكام الأمر الواقع بأنفسهم عن أمتهم، وتواطؤهم مع أعدائها عليها، وسيستغلون انشغال المسلمين داخل فلسطين ببعضهم… كل المؤشرات تدل على أن سفاحاً جديداً سُجِّل حديثاً على قائمة رؤساء وزراء الكيان الغاصب سيكمل مشوار من سبقه من المجرمين… من أجل إيجاد (إسرائيل) خالية من المسلمين، نظيفة من مواطنين معادين.

هذه هي «خطة الانطواء»… وكعادة حكام الأمر الواقع الذين لا يحركهم إلا الحفاظ على عروشهم، فإنهم يتصرفون وكأن شيئاً لن يحدث، إلا ما كان من عاهل الأردن الذي لم يثر اهتمامه من هذا المشروع إلا خوفه من أن يكون الأردن وطناً بديلاً، فصرح كما ذكرت صحيفة معاريف اليهودية في 22/5 قائلاً: «أنتم أيها الإسرائيليون تدمرونني، أنتم ستدمرون مملكتي بهذا الانطواء الذي تريدون تنفيذه» وصرح أيضاً بعد يوم واحد من استقباله أولمرت بأن «الأردن لن يكون وطناً بديلاً لأحد، وأن وطن الفلسطينيين ودولتهم يجب أن تكون على الأرض الفلسطينية وليس في مكان آخر»… هذا ويجري الحديث عن بدائل أخرى منذ الآن: فهناك خطة (إسرائيلية) مقترحة لضم أراضٍ أردنية تبلغ آلاف الكيلومترات إلى الضفة، كذلك تناولت الصحف العبرية في أوائل شهر حزيران الفائت تفاصيل خطة مقترحة لتبادل أراضٍ مع مصر تقوم على توسيع مساحة قطاع غزة بـ 600 كلم2 في صحراء سيناء…

إن الحديث في مثل هذه البدائل يكشف إلى أي مدى وصل التآمر على قضية المسلمين في فلسطين، ومدى تواطؤ الحكام الذين بدل أن يطلعوا الأمة على ما يحاك ويهيّأ من مجازر تهجير ضدها ويستنفروها للمواجهة، يفتشوا عن بدائل تكون على حساب شعوبهم.

أيـّها المسلمون

إن (إسرائيل) لا ترى أحداً يدافع عنكم، ولا ترى سياجاً يمنعها عنكم، ولا ترى إلا حكاماً متواطئين هم أقرب منها إليكم… فابتدعت الحل الأحادي الجانب.

إن (إسرائيل) ترى في الهجمة العالمية على الإسلام تحت مسمى الإرهاب فرصة ذهبية لها لتتصرف كما تريد من غير رادع، فماذا أنتم فاعلون؟!

معروف ماذا سيفعل مجلس الأمن، معروف ماذا ستفعل أميركا وأوروبا، معروف ماذا سيفعل حكامكم الرويبضات… أما أنتم فماذا ستفعلون؟

إن دول العالم تحاربكم لدينكم فحاربوها بدينكم… إنه لن يخرجكم مما أنتم فيه حقيقة إلا الإسلام: بفهم صحيح والتزام دقيق… لن يخرجكم إلا أن تفكروا تفكير الأسياد، بأن تكون لكم دولة تعد القوة وتخوض معارك الجهاد التي تحقق حسنى الشهادة وحسنى النصر… إن (إسرائيل) دولة، وتدعمها وتحميها دول، ولا يواجهها ويقضي عليها إلا دولة إسلامية تكون خلافة راشدة… فلتتجمع إمكانات ومقدرات المسلمين جميعهم، وخاصة أهل القوة منهم، لنصرة هذا الدين عن طريق نصر الجماعة التي أعدت مشروعها للنهضة على أساس الإسلام… وما عدا مشروع الدولة الإسلامية الراشدة، سينتقل المسلمون من سيئ إلى أسوأ، وسيبكون على اليوم الذي مر عليهم لأنه أقل سوءاً من اليوم الذي هم فيه… إننا نرفعها كلمة صادقة تخرج من القلب، تبحث عن قلب مؤمن غيور… فأين الأذن التي تسمع، والقلب الذي يشهد؟ أين الرجال الصادقون؟ إن الأمة لم، ولا، ولن تعدمهم… فليتقدموا من غير خوف إلا من الله، فإن أجلهم المكتوب والمحتم حاميهم، ليتقدموا ليكون لهم شرف النصرة، قال تعالى: ( إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ) [التوبة 40]

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *