العدد 352 -

السنة الثلاثون جمادى الأولى 1437هـ – شباط / آذار 2016م

حكم الإسلام في القتال الدائر بين المسلمين هذه الأيام

بسم الله الرحمن الرحيم

حكم الإسلام في القتال الدائر بين المسلمين هذه الأيام

الأستاذ شايف صالح الشرادي-  صنعاء

منذ أن أكرم الله هذه الأمة برسالة الإسلام التي جاء بها الرسول الأكرم صلى الله عليه وسلم ليخرج الناس من الظلمات إلى النور ومفهوم الجهاد واضح لديهم فلم يقاتلوا الكفار في مكة لأن الرسول صلى الله عليه وسلم علمهم أن طريقة تغيير المجتمع الجاهلي هي الصراع الفكري والكفاح السياسي وطلب النصرة من أهل القوة لإقامة الدولة الإسلامية. فلما أقام الرسول وأصحابه الكرام الدولة الإسلامية الأولى في المدينة المنورة تنزلت أحكام الجهاد ففهمها المسلمون كما علمهم رسول الله، وبقى مفهوم الجهاد واضحًا في جميع عصور الدولة الإسلامية حتى سقطت عام1924م، فلما جاء الاستعمار والغزو الفكري والثقافي للرأسمالي الغربي إلى بلاد المسلمين شوهت أحكام الإسلام ومنها أحكام الجهاد؛ فأسقط الجهاد على غير معناه الحقيقي كما هو حاصل هذه الأيام. فكل فريق من عملاء الاستعمار يلوي أعناق النصوص الشرعية ليبرهن أنه يقوم بالجهاد المطلوب ليقنع أتباعه بذلك حتى يمسك بزمام السلطة على حساب دماء المسلمين ويعد اتباعه أنهم شهداء وأن الجنة مأواهم والنار مأوى أعدائهم المصارعين لهم على السلطة إرضاء للدول الغربية الاستعمارية؛ فكان لا بد ان تقف على المفهوم الصحيح للقتال الدائر بين المسلمين، ونبين حكم الاسلام فيه؛ لنقف الموقف الصحيح الذي يرضي رب العالمين. فما هو الجهاد شرعًا؟ وهل ينطبق على القتال الدائر بين المسلمين اليوم في اليمن والشام وليبيا والعراق وغيرها من بلدان المسلمين؟ فالجهاد هو قتال الكفار لإعلاء كلمة الله، وسبب إعلانه أمران اثنان هما:  رد العدوان، وحمل الدعوة الإسلامية. أي إن غاية الجهاد هي كسر الحواجز التي تعترض وصول الإسلام إلى الناس وإزالتها لتبليغهم رسالة الإسلام.

والجهاد هو حالة خاصة من القتال، فالقتال عام والجهاد خاص، فكل جهاد هو قتال والعكس غير صحيح، فليس كل قتال جهاد، وعليه يمكن تصنيف القتال الدائر بين الناس إلى ثلاثة أنواع:

الأول: قتال الكفار فيما بينهم، وهو قتال باطل سواء أكان من أجل العقائد المختلفة في ملة الكفر أم بسبب المطامع والمصالح.

الثاني: قتال المسلمين للكفار من أجل إعلاء كلمة الله، وهذا هو الجهاد في سبيل الله.

الثالث: قتال المسلمين فيما بينهم وهذا هو موضوعنا الذي نريد أن نتطرق إليه.

والقتال بين المسلمين قسمان: 1- قتال مشروع وجائز، 2-قتال محرم وممنوع.

القسم الأول: القتال المشروع الجائز بين المسلمين وهو أنواع هي:

1-قتال أهل البغي.

 2- قتال مغتصب السلطة.

 3- قتال المحاربين(الحرابة)

4- قتال الدفاع عن الحرمات الخاصة (قتال الصَّيال).

5- قتال الدفاع عن الحرمات العامة.

6-القتال ضد انحراف الحكم.

7- القتال من أجل إقامة الدولة الإسلامية.
8- القتال من أجل الوحدة بين المسلمين.

ونظرًا لأن بعض صور القتال السابقة ليس لها واقع اليوم في القتال الدائر بين المسلمين؛ ولذلك سوف نتكلم عنها باختصار شديد لنعطي المساحة للحديث عن الصور التي لها واقع في القتال الدائر بين المسلمين اليوم. وقبل الحديث عن هذه الأقسام لا بد أن نعرف من هو الشهيد؛ لأن الشهادة من الآثار المترتبة على الجهاد.

فالشهيد هو من قتله الكفار في المعركة وهو يقاتل لإعلاء كلمة الله. والشهداء ثلاثة أقسام: القسم الأول: شهيد الدنيا والآخرة، وهو من قاتل الكفار لإعلاء كلمة الله وقتل في المعركة بين المسلمين والكفار في ديار الكفر أو في ديار المسلمين، قال تعالى (وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ ) وهذا هو الشهيد الذي جاءت في حقه أحكام شرعية، وإذا أطلقت كلمة شهيد فهذا هو المقصود بالشهادة، فهو شهيد حقيقي. أما من قتل مثلًا في حرب مع البغاة فليس شهيدًا. وليس شهيدًا من جرح في المعركة مع الكفار ثم شفي من جرحه ثم مات منه، فالشهيد الذي له أحكام خاصة، والذي أخبر الله تعالى أنه حي مختص بمن قُتل في معركة مع الكفار لإعلاء كلمة الله، أو جرح في المعركة ومات من جرحه هذا.

وحكم الشهيد المذكور أنه لا يغسل ولا يكفن، بل يدفن في دمه وثيابه، روى أحمد أن النبي صلى الله عليه وسم قال في قتلى أحد «لا تغسلوهم، فإن كل جرح أو كل دم يفوح مسكاً يوم القيامة، ولم يصلِّ عليهم».

وهذا دليل على جواز أن لا يصلى على الشهيد فقد روى أبو داود والترمذي عن أنس «أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يصلِّ على قتلى أحد ولم يغسلهم».

القسم الثاني: هو شهيد في الآخرة دون أحكام الدنيا، أي له ثواب الشهيد في الآخرة، ولا تجري عليه أحكام الشهيد في الدنيا؛ فيُغسل ويكفن ويصليَّ عليه. جاء في صحيح البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «الشهداء خمس: المطعون والمبطون والغرق وصاحب الهدم والشهيد في سبيل الله».

القسم الثالث: هو شهيد الدنيا دون الآخرة، فهو الذي يأخذ أحكام الشهيد في الدنيا من حيث إنه لا يغسل ولا يصلى عليه، بل يدفن في ثيابه وهو من قاتل الكفار من أجل الرياء أو نحوه. روى مسلم عن طريق أبي موسى الأشعري «أن رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، الرجل يقاتل للمغنم، والرجل يقاتل ليذكر، والرجل يقاتل ليُرى مكانه، فمن في سبيل الله؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله».

 أصناف القتال المشروع بين المسلمين.

1- قتال أهل البغي: أهل البغي هم طائفة من الناس جمعت بين ثلاثة أمور هي: التمرد على سلطة الدولة بالامتناع عن أداء الحقوق وطاعة القوانين أو العمل على الإطاحة برئيس الدولة أو لتكون لهم شوكه وقوة.

2- وجود قوة يتمتع بها البغاة تمكنهم من السيطرة.

3- الخروج، وكلمة الخروج يرادفها الثورة المسلحة، أو الحرب الأهلية، أو القتال الداخلي، أو استعمال السلاح، أو استخدام العنف في سبيل الوصول إلى تحقيق الأغراض السياسية التي حدثت الثورة من أجلها. والواجب تجاه أهل البغي هو قتالهم بقصد ردعهم وتأديبهم وردهم إلى الطاعة، لا بقصد قتلهم وإبادتهم؛ فقتالهم إنما هو قتال تأديب لا قتال حرب. والذين يقاتلوا أهل البغي ليسوا شهداء بالمعنى الشرعي، أي من شهداء الدنيا والآخرة، بل هم من شهداء الآخرة فقط، لهم ثواب الشهداء في الأخرة. أما في الدنيا فلا تجري عليهم أحكام الشهيد؛ فيغسلوا ويكفنوا ويصلى عليهم كبقية أموات المسلمين. فقتال أهل البغي قتال مشروع، ولكن ليس جهاداً في سبيل الله إلا إذا كان أهل البغي كفاراً وليسوا مسلمين.

2- قتال مغتصب السلطة:

السلطة في الإسلام هي للأمة تعطيها للحاكم بموجب عقد بينها وبينه على أن يحكمها بكتاب الله وسنة رسوله. جاء في صحيح مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ومن بايع إماماً فأعطاه صفقة يده وثمرة قلبه فليطعه إن استطاع، فإن جاء آخر ينازعه فاضربوا عنق الآخر».

فالبيعة هي طريقة تنصيب الخليفة وليس الاستخلاف أو العهد من صاحب السلطة السابق، وليست بالتغلب والاستيلاء بالقهر والقوة؛ فذلك مظلمة من المظالم من قبل مغتصب السلطة في حق الأمة، ولها عندئذ أن تقاتل من أجل استرجاع ما اغتصب منها. ومن يُقتل في هذا القتال فهو من شهداء الآخرة أي له أجر الشهيد في الأخرة فقد جاء في مسند أحمد بن حنبل قول النبي صلى الله عليه وسلم: «ومن قتل دون مظلمته فهو شهيد».

والحكم الشرعي هو إباحة قتال مغتصب السلطة؛ لأن من حق صاحب الحق أن يتخلى عما يملكه للمغتصب أو لغيره، ومن حقه أن يقاتل دون هذا الحق كذلك؛ فإن بايعت الأمة هذا المغتصب عن رضا واختيار زالت حالة الاغتصاب للسلطة وجرت الأمور بشكلها الطبيعي، وأما إذا لم تبايع الأمة مغتصب السلطة فهناك حالتان.

الحالة الأولى: هي رفض الأمة أن تقاتل المغتصب مع قدرتها على ذلك، فقد وقعت في الاثم بعد مرور ثلاثة أيام من استيلاء المغتصب على السلطة لأن الحكم الشرعي هو أنه لا يجوز أن تبقى الأمة أكثر من ثلاثة أيام وليس في عنقها بيعة لإمام ما دامت قادرة على ذلك، فقد حدد عمر بن الخطاب رضي الله عنه لأهل الشورى مدة ثلاثة أيام ليختاروا واحداً منهم للخلافة بوصفهم ممثلين لجمهور الأمة، ولا تخرج الخلافة عن واحد منهم، ثم أمر بقتل المخالف عما أجمعت عليه الأكثرية، ولم ينكر عليه أحد من الصحابة، وهذا إجماع منهم. فالأمة في غضون الأيام الثلاثة: إما أن تقاتل المغتصب لتبايع من ترضاه، أو تبايع من ترضاه ليقاتل بها المغتصب، وأما أن ترضى بهذا المغتصب وتعقد له البيعة، يقول الشيخ تقى الدين النبهاني في كتابه الخلافة ما نصه: «فإذا قام متسلط واستولى على الحكم بالقوة؛ فإنه لا يصبح بذلك خليفة ولو أعلن نفسه خليفة للمسلمين». ثم يقول: «إلا أن هذه المتسلط، إذا استطاع أن يقنع الناس بأن مصلحة المسلمين في بيعته، وأن إقامة أحكام الشرع تحتم بيعته، وقنعوا بذلك ورضوا، ثم بايعوه عن رضا واختيار، فإنه يصبح خليفة منذ اللحظة التي بويع فيها عن رضا واختيار، ولو كان أخذ السلطان ابتداءً بالتسلط والقوة».

الحالة الثانية: وهي أن ترفض الأمة قتال المغتصب لأنها تعجز عن ذلك، ففي هذه الحالة يجب على الأمة أن تسير في طريق جمع القوى التي تمكنها من قتال المغتصب وإزاحته، ما دامت لا تريد مبايعته، وتعذر من خلو عنقها من بيعه الإمام لأكثر من ثلاثة أيام؛ لأنها مغلوبة على أمرها قال تعالى: (لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا ). والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: «رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه» أخرجه الطبراني والدارقطني. ومن الأمثلة على مغتصب السلطة يزيد بن معاوية، فقد أخذ البيعة لنفسه بالإكراه والإجبار، والعقد الذي يتم بالإكراه يكون باطلاً، فقد رفض أكثرية ممثلي المسلمين البيعة له كما جاء في تاريخ الطبري؛ وكان هذا هو السبب لثورة عبد الله بن الزبير والحسين بن علي رضي الله عنهم لرد سلطان الأمة المغتصب. وقتال مغتصب السلطة قتال مشروع، ولكنه ليس جهاداً في سبيل الله، وهو حالة خاصة من قتال أهل البغي.

3- قتال المحاربين أو قطاع الطرق (أهل الحرابة)

المحاربون أو قطاع الطرق هم طائفة إرهابية من المسلمين أو المرتدين أو أهل الذمة خرجوا، معتمدين على ما لديهم من قوة وسلاح، بقصد السلب والنهب أو القتل أو الارهاب وإثارة الرعب بين الناس، ويكونون عادة خارج المدن، في القرى والجبال والسهول والصحراء.

والواجب في حق المحاربين هو دعوتهم إلى إلقاء أسلحتهم وتسليم أنفسهم عن طريق الوعظ والتذكير، فإن رجعوا وإلا قوتلوا. ويجب على الدولة إرسال قوة لقتالهم وقطع أذاهم عن المسلمين. وقتال المحاربين قتال مشروع، ولكنه ليس جهاداً في سبيل الله إلا إذا كان أهل الحرابة كفاراً.

4- القتال للدفاع عن الحرمات الخاصة(قتال الصَّيال)

الصَّيال هو المعتدي على الحرمات الخاصة، وهي النفس والمال والعِرض، وهي الواردة في خطبة النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع فيما رواه البخاري ومسلم: «فإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام، كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا، فليبلغ الشاهد الغائب». وكانت هذه حرمات خاصة؛ لأنها تخص كل فرد على حدة، وتمييزاً لها عن الحرمات العامة.

– الدفاع بالقتال عن الحرمات الخاصة:

أولاً: الدفاع بالقتال عن النفس ولها ثلاث حالات

1- الدفاع بالقتال عن النفس واجب إذا كان الصائل المعتدي كافراً أو بهيمة أو مسلماً غير محقون الدم كالمسلم المحصن الزاني أو تارك الصلاة أو قاطع الطريق القاتل، قال تعالى: (وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ ).

2- الدفاع بالقتال عن النفس مندوب (جواز الاستسلام للقتل) وذلك إذا كان المعتدي مسلماً محقون الدم، ولم تؤدِّ إلى مفاسد خاصة في الحريم والأطفال، وإلا فيجب الدفاع عن النفس. وكذلك لا يجوز الاستسلام للقتل إذا كان المستسلم من أصحاب السلطة أو من العلماء فتختل مصلحة الأمة بقتله.

3- الاستسلام للقتل مباح وذلك إذا قصد المعتدى عليه وحدة من غير فتنه عامة.

ثانياً: الدفاع بالقتال عن العرض

الدفاع عن العرض واجب بلا خلاف، وقد يكون الدفاع من قبل المرأة التي هي بصدد الاعتداء على شرفها، أو من قبل زوجها أو أقاربها، أو من قبل أي مسلم لا يمت لها بقرابة؛ وذلك لأن الأعراض حرمات الله في الأرض، والاعتداء عليها من أقبح المنكرات. وقد ورد في الحديث مشروعية إزالتها بالقوة في قوله عليه الصلاة والسلام: «من رأى منكم منكراً فليغيره بيده»

ثالثاً: الدفاع بالقتال عن المال:

أ- الدفاع بالقتال عن المال واجب؛ لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «ومن قتل دون ماله فهو شهيد» رواه مسلم. ويكون في الحالات الآتية: – أن يتعلق بمال المدافع حق الغير كإجارة أو رهن. – أن يكون المال ذا روح بشرط أن لا يتعرض المدافع أو عرضه للخطر. – أن يكون المال هو مال الآخرين.

ب- الدفاع بالقتال عن المال مباح؛ وذلك كما إذا طلب شيئاً يسيراً كالثوب أو الطعام فالمدافعة في هذه الحالة جائزة غير واجبة.

ت- ترك الدفاع عن المال بالقتال واجب؛ وذلك مثل ما إذا كان المعتدي هو صاحب السلطة الشرعية (السلطان)؛ فقد جاء في صحيح مسلم قوله صلى الله عليه وسلم: «يكون بعدي أئمة لا يهتدون بهديي ولا يستنون بسنتي، وسيقوم فيهم رجال قلوبهم قلوب الشياطين في جثمان إنس. قال: قلت :كيف أصنع يا رسول الله إن أدركت ذلك؟ قال: تسمع وتطيع للأمير، وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك، فاسمع وأطع»

وقتال الصيَّال مشروع ولكنه ليس من الجهاد في سبيل الله، إلا إذا كان الصائل كافراً. والمدافع إذا قتل فهو من شهداء الآخرة فقط.

5- الدفاع بالقتال عن الحرمات العامة في المجتمع الإسلامي

الاعتداء على الحرمات العامة هو الاعتداء على حقوق الله بانتهاك تلك الحرمات واقتراف المنكرات بصورة سافرة، مثل تعطيل الصلاة والصوم، ومنع الحجاب الشرعي للنساء، وهدم المساجد أو المؤسسات العامة، أو نهب المال العام أو المجاهرة ببيع الخمر وشربه، والتعامل بالربا والقمار، وغيره مما جاءت به النصوص الشرعية ببيان وجوبه أو حرمته.

– أحكام إنكار المنكر على اختلاف الأحوال:

1- الأصل في إنكار المنكر أنه فرض كفاية إذا قام به البعض وتحقق المقصود يسقط الطلب عن الباقين بدليل (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ[.

2- يصبح تغيير المنكر فرض عين على من يشاهده من القادرين على إزالته بشرط ألا يخافوا من الاعتداء على حرماتهم الخاصة، وألا يترتب على إنكارهم مفسدة أكبر من مفسدة المنكر الذي يقع أمامهم. يقول صلى الله عليه وسلم: «ما من رجل يكون في قوم يُعمل فيهم بالمعاصي، يقدرون على أن يغيروا عليه ولا يغيرون، إلا أصابهم الله منه بعقاب قبل أن يموتوا» رواه أبو داود. فإذا ترتب على إنكاره وقوع مفسدة أكبر من مفسدة المنكر الواقع، كاقتراف منكرات أخرى على سبيل التحدي استهانة بإنكار المنكرين؛ حرم عند ذلك الإنكار تطبيقاً للقاعدة الشرعية «يختار أهون الشربن».

3- إذا لم يترتب على الإنكار وقوع مفاسد من منكرات أخرى تضاف للمنكر الواقع من أصحاب الفسق والفجور لردعهم عن الإنكار؛ فيكون الإنكار في هذه الحالة مندوباً، قال صلى الله عليه وسلم: «ومن قتل دون دينه فهو شهيد» رواه البيهقي.

4- إذا ترتب على إنكار المنكر إيقاع الأذى البليغ على المنكرين وعلى غيرهم من أقارب وأصحاب ومواطنين آخرين، فها هنا نحن أمام محذورين:

أ- إما السكوت على المنكر؛ فنقع في محذور ترك الإنكار.

ب- وإما القيام بالإنكار؛ فنقع في محذور الضرر البليغ الذي سيحل بالآخرين، فإذا كان الآخرون الذين سيقع الضرر عليهم راضين بوقوع هذا الضرر وفدوا دينهم بأنفسهم أو بمصالحهم فالإنكار مندوب؛ حتى إذا وصل هذا الضرر إلى حد القتل فهم من شهداء الآخرة، وينطبق عليهم من جراء إنكار المنكر فليتركوا ذلك؛ لأن إيذاء المسلمين محذور، كما أن السكوت عن المنكر محذور.

5- إذا كان من يقوم بالمنكرات هو صاحب السلطة في البلاد، فقد جاءت النصوص الشرعية بتفصيل هذه الحالة على النحو التالي:

 أ- يجب الإنكار على الحاكم في مستوى الوعظ والنصح بالقول اللين في بادئ الأمر، فقد جاء في صحيح مسلم قول النبي صلى الله عليه وسلم: «من كانت عنده نصيحة لذي سلطان فلا يكلمه بها علانية، وليأخذ بيده فليخل به، فإن قبلها قبلها وإلا كان قد أدى الذي عليه والذي له».

ب- يندب استخدام الخشونة مع الحاكم في الإنكار عليه باللسان؛ وذلك إذا اقتضى الأمر إظهار الغيرة على حرمات الله، وإفهامه فظاعة ما يقدم عليه.

ج- يحرم استخدام الخشونة مع الحاكم في الإنكار عليه باللسان إذا نتج عن ذلك ضرر على أشخاص آخرين، وهم غير راضين بما سيقع عليهم من مكروه.

د- يحرم استخدام الضرب في دفع الحاكم عند منكر يقترفه؛ لأن ضرب الحاكم ينافي الهيبة التي أمرت النصوص الشرعية بتوفيرها له؛ وهذا قد يدفع الحاكم لارتكاب مفاسد أفظع من مفسدة المنكر الذي هو مقيم عليه، وتكون النتيجة عدم إزالة المنكر الراهن بل إضافة منكرات جديدة إليه.

هـ- يحرم استعمال السلاح والثورة على الحاكم إذا انحرف بفسق يرتكبه أو ظلم يقترفه أو أمر غير مشروع يصدر عنه.

والقتال للدفاع عن الحرمات العامة ليس جهاداً، ولكنه عمل مشروع وأجره عظيم، وهو يشبه الجهاد في أثره ومثوبته، وأصحابه كالمجاهدين في بذلهم الجهود ومخاطرتهم بأنفسهم والفوز بالأجر العظيم نتيجة ذلك. أما اذا كان المجتمع غير إسلامي، فالمطلوب هو التغيير بالصراع الفكري والكفاح السياسي لإقامة الخلافة الراشدة التي تزيل جميع المنكرات، مع جواز تغيير المنكرات بالقوة عند القدرة عملاً بالحديث: «من رأى منكم منكراً فليغيره بيده…» لكن العلاج الصحيح هو الصراع الفكري والكفاح  السياسي التزاماً بطريقة الرسول صلى الله عليه وسلم للإطاحة بالنظام وإقامة الخلافة التي تزيل المنكرات والمفاسد بجميع أشكالها وأنواعها.

6- القتال ضد انحراف الحاكم:

وهو استعمال السلاح بغية إسقاط الحاكم المنحرف الذي استحق ذلك في رأي الثائرين عليه، ولها تسميات كثيرة، منها ما جاء في كتاب نظام الحكم في الإسلام للشيخ تقى الدين النبهاني: «الحركة التحريرية لتصحيح الأوضاع:

– بمَ يكون انحراف الحاكم؟

يكون انحراف الحاكم بالتخلي عن التزام الإسلام، سواء في سلوكه الشخصي أو في السياسة الداخلية أو الخارجية التي يرعى شؤون الأمة على أساسها: ومن هذه الانحرافات:

1- ارتكاب الحاكم للمعاصي.

2- أمر الرعية بالمعاصي.

3- ارتكاب المنكرات ومنها الاستئثار بالأموال والمناصب والوظائف والمميزات يحتكرها لنفسه ولذويه وأقاربه وجماعته دون باقي أفراد الأمة.

4- الإيذاء للأفراد بالضرب والتعذيب ومصادرة أموالهم، روى البخاري في صحيحه أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: «السمع والطاعة على المرء المسلم فيما أحب وكره مالم يؤمر بمعصية، فإذا أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة».

 والقتال ضد انحراف الحاكم هو من الجهاد في سبيل الله إذا كان الحاكم قد كفر فعلاً. أما إذا كان الحاكم لم يرتدَّ عن الإسلام وإنما ارتكب انحرافات فحكم عليه معها بخلعه فتشبت بسلطته وجرى القتال مع أنصاره؛ فإن القتال هذا يكون قتال بغاة، ويكون هنا القتال مشروعاً لكنه ليس جهاداً في سبيل الله بالمعنى الشرعي للجهاد.

7- القتال من أجل اقامة الدولة الإسلامية.

طريقة إقامة الدولة الإسلامية اليوم، بعدما زالت من الوجود ومضى على زوالها ردح من الزمن، هي الطريقة نفسها التي اتبعها رسول الله صلى الله عليه وسلم من أجل إقامتها، ويتحقق ذلك بعدة أمور هي:

1- إيجاد أجواء في بلد ما من البلاد الإسلامية تتجاوب مع الدعوة الإسلامية حتى يصبح لها رأي عام يؤمن بهذه الدعوة ويطالب بما تنادي به من أفكار وأنظمة مع الاستعداد لنصرتها والتضحية في سبيلها.

2- أن تتوفر في البلد الذي تجاوب مع الدعوة الإسلامية مقومات الدولة كما كان عليه وضع المدينة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم بالنسبة لظروف ذلك الزمان. ثم يجرى البحث عن أهل النصرة القادرين على تسليم السلطة لمن تؤخذ البيعة له بوصفه رئيساً للدولة الإسلامية؛ بحيث تستطيع القوى التي يملكها أهل النصرة هؤلاء أن تسحق كل تمرد على الوضع الجديد من الداخل، وأن تتصدى لأية قوة خارجية محتملة تحاول ضرب هذا الوضع الجديد.

3- فإذا تم جمع أهل النصرة هؤلاء أخذت البيعة لمن يختار رئيساً، وأعلن قيام الدولة الإسلامية وتغيير النظام القائم وجعله نظاماً إسلامياً، ووضع القوة التي يملكها أهل النصرة على أهبة الاستعداد للضرب الماحق لكل من تسوِّل له نفسه أن يحارب الحكم بما أنزل الله الذي يطالب به الرأي العام في البلاد. وهناك حالتان 1- إذا سكتت سائر القوى على هذا الوضع الجديد وأعطت ولاءها له كان الانقلاب سلمياً، كما كان الانقلاب الذي تم على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبقي كل في مكانه من أصحاب المناصب على ضوء أحكام الإسلام ومصلحة الدولة الإسلامية.

4- إذا تمردت بعض القوى وسعت لضرب هذه الدولة، فإن نص بيعة العقبة الثانية يقرر مشروعية القتال لتأمين الحماية للوضع الجديد. وفي هذه الحالة يكون الانقلاب دموياً، وقد ورد النص في تقريره.

 هذه هي طريقة إقامة الدولة الإسلامية اليوم، وهذا هو الحكم الشرعي في مسألة القتال لإقامة الدول الإسلامية كما تدل عليه بيعة العقبة الثانية التي أقام الرسول صلى الله عليه وسلم على أساسها الدولة الإسلامية.

أما حكم الوقوف في وجه الدولة الإسلامية أثناء أو بعد قيامها فهو حرام، فإذا وقفت في وجه إقامة الدولة الإسلامية قطاعات عسكرية، وقد يأمرها قادتها بالقتال؛ فيجب على الدولة الإسلامية قتالهم لأنهم قوة باغية خرجت على سلطان الدولة الإسلامية، وقتالهم هو قتال بغاة خرجوا عن طاعة الخليفة، وهو قتال مشروع وليس جهاداً في سبيل الله، ومن قتل في صف الدولة الإسلامية فهو شهيد من شهداء الآخرة فقط، له أجر الشهيد في الآخرة.

8- القتال من أجل وحدة البلاد الإسلامية:

الوحدة الإسلامية تعني أن تكون البلاد الإسلامية دولة واحدة تحت سلطة إمام واحد هو خليفة المسلمين الذي يحكمهم بالإسلام، ويكون جميع المسلمين في الدنيا كلها تحت سلطته جماعة واحدة ورعية واحدة يحملون تابعية واحدة لا توزعهم سلطات متعددة في دول منفصلة بعضها عن بعض.

وجوب وحدة المسلمين في دوله الخلافة:

قال تعالى: (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا) ولا يكونون معتصمين بحبل الله إلا إذا كانوا كياناً واحداً ودولة واحدة هي الخلافة التي تحكم بالاسلام في جميع شؤون الحياة داخلياً، وتحمله رسالة نور وهدى إلى العالم الخارجي بالدعوة والجهاد، وتحكمه في كل علاقاتها الخارجية مع جميع الدول. وقد أوجب الاسلام الوحدة بين المسلمين في دولة واحدة والمحافظة عليها وتحريم تقسيمها إلى كيانات منفصلة ودول متعددة. والأدلة على ذلك كثيره منها ما جاء في صحيح مسلم عن أبي سعيد الخدري: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا بويع لخليفتين فاقتلوا الآخر منهما». وما جاء في صحيح مسلم عن عبد الله بن عمرو بن العاص عن النبي صلى الله عليه وسلم: «ومن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية». وكما جاء في صحيح مسلم أيضاً، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنه ستكون هنات وهنات، فمن أراد أن يفرق أمر هذه الأمة وهي جميع؛ فاضربوه بالسيف كائناً من كان» وهنات جمع هنة، والمراد بها هنا الفتن والأمور الحادثة. وكذلك ما ورد أيضاً في صحيح مسلم عن عرفجه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من أتاكم وأمركم جميع على رجل واحد يريد أن يشق عصاكم أو يفرق جماعتكم فاقتلوه». ومن هذه النصوص يتبين بوضوح ما يلي:

1- أن تكون في عنق كل مسلم بيعة لخليفة واحد، فالخلافة واحدة لا تتعدد؛ فلا يجوز أن يكون للمسلمين أكثر من خليفة.

2- قتال كل من لم يبايع الخليفة الأول أو من سعى لشق عصا المسلمين وتمزيقهم إلى كيانات منفصلة بعضها عن بعض واجب.

3- القتال من أجل الوحدة بين البلدان الإسلامية واجب لعدة أمور هي:

أ- لأن الممتنعين عن طاعة الخليفة الشرعي بغاة ويقاتلون كما يقاتل البغاة.

ب- لأن الوحدة من الواجبات الإسلامية.

ت- لأن القطر الذي يمتنع عن الدخول تحت سلطان الخلافة سيستمر في الحكم بغير ما أنزل الله، وهذا محرم شرعاً.

والخلاصة أن القتال من أجل الوحدة بين المسلمين واجب شرعاً، وهو مشروع وليس جهاداً في سبيل الله بالمعنى الشرعي.

 القسم الثاني: القتال المحرم بين المسلمين (قتال الفتنة)

قتال الفتنة هو قتال غير مشروع بين طائفتين أو أكثر من المسلمين، وقتال الفتنة ينطبق على حالات من القتال ذكرها العلماء منها.

الحالة الأولى: عدم ظهور المحق من المبطل في القتال. وهنا يكون قتال الفتنة هو في حق من يشترك في هذا الصراع المسلح عن جهل أو لهوى أو لعصبية أو لأي غرض، وهو لا يدري المحق من المبطل. أما الأطراف الأصلية المتنازعة فلها حكمها من كونها طائفة عادلة أو باغية على حسب الدافع لها على استعمال السلاح، وقد تكون الأطراف المتنازعة على جهل بالأسباب التي حملتها على الاقتتال، فقتالها في هذه الحالة قتال فتنة يجب عليها الامتناع عنه. وقد جاء في الحديث الذي رواه مسلم: «لا تذهب الدنيا حتى يأتي على الناس زمان لا يدري القاتل فيما قتل، ولا المقتول فيما قتل. فقيل كيف يكون ذلك؟ قال: الهرج، القاتل والمقتول في النار»

الحالة الثانية: أن تكون الطائفتان المتصارعتان ظالمتين، ولا تأويل لواحدة منها.

الحالة الثالثة: صراع الطائفتين غير المشروع على السلطة (القتال في طلب الملك).

دور أهل الإصلاح في وقف قتال الفتنة:

1- السعي إلى الصلح بينهما، وإطفاء تلك النار المشتعلة بين الفريقين، قال تعالى: (وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا).

2- إذا كانت إحدى الطائفتين على حق والأخرى هي الباغية؛ وجب نصرة الفئة من أهل العدل على الأخرى: (فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ )

3- إذا كانت كلتا الفئتين باغيتين واستطاعت الدولة الإسلامية قتالهما وقهرهما جميعاً، وجب ذلك لأنهما على خطأ.

4- إذا كانت الدولة الإسلامية طرفاً في النزاع فيجب نصرتها وقتال الفئة الباغية.

حكم قتال الفتنة في حالاتها كلها على اختلاف أحوال الناس:

أولاً: حكم أن يشترك المسلم في القتال الدائر بين الأطراف المتصارعة: لقد اتفقت الآراء الفقهية على وجوب ترك القتال في الفتنة باستثناء قتال الصيال وقتال البغاة، قال تعالى: ]وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ  [ وقوله عليه الصلاة والسلام: «كل المسلم على المسلم حرام: دمه، وماله، وعِرضه» صحيح مسلم.

بل لقد وردت نصوص شرعية في ظرف الفتنة خاصة، تؤكد على المسلم ترك القتال فيها بأنواع من التأكيدات، وفيها :

1- الأمر بالابتعاد عن معترك القتال والاختفاء عن الأنظار مهما أمكن، روى الطبراني في مجمع الزوائد «ادخلوا بيوتكم وأخملوا ذكرهم»

2- الأمر بالانصراف إلى الأشغال الخاصة، جاء في مستدرك الحاكم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «… فإذا نزلت (أي الفتنة) فمن كان له إبل فليلحق بإبله، ومن كان له غنم فليلحق بغنمه، ومن كان له أرض فليلحق بأرضه».

3- إخبار النبي صلى الله عليه وسلم أن القاتل والمقتول في النار، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما أخرجه البزار: «إذا اقتتلتم على الدنيا، فالقاتل والمقتول في النار» والصراع على الدنيا هو صراع بين فئتين باغيتين ظالمتين وهو حالة من حالات قتال الفتنة.

4- الأمر بإتلاف السلاح، والمقصود بذلك هو مبالغة في الحث على تجنب القتال حتى لا يكون وجود السلاح مثار إغواء باستعماله في هذه القتال الأثيم، جاء في بعض الروايات التي ذكرها الشوكاني في نيل الأوطار: «كسروا فيها قسيكم» والتكسير ليس حقيقة، بل هو مجاز، أي أن يكون السلاح بعيداً عن متناول اليد لأن الحفاظ على السلاح لقتال الكفار مشروع.

ثانياً: حكم الدفاع عما يحق للمسلم الدفاع عنه إذا قصد بسوء من الأطراف المتصارعة في قتال الفتنة.

لقد تعددت الآراء في حكم الاستسلام وترك الدفاع عن النفس في قتال الفتنة على النحو التالي:

1- الدفاع عن النفس مكروه.

2- الدفاع عن النفس مباح.

3-ترك الدفاع عن النفس مندوب.

4- الاستسلام وترك الدفاع عن النفس واجب.

 5- الدفاع عن النفس واجب.

والرأي الراجح هو أن الاستسلام وترك الدفاع عن النفس في قتال الفتنة يأخذ حكم الإباحة، والترجيح هو حسب القاعدة الأصولية وهي «أن الأمر بعد النهي يدل على الإباحة».

فالنهي في قوله تعالى: (وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ )وقوله تعالى: (وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ) وهذا النهي عن قتل الإنسان نفسه، وتمكين الآخرين من قتل نفسه، والنهي عن قتل نفوس الآخرين، ثم جاءت نصوص شرعية تطلب ترك القتال بصيغة الأمر، وفيها «كسروا فيها قسيكم» و«قطعوا أوتاركم» و«اضربوا بسيوفكم الحجارة» و«ألق ثوبك على وجهك» و«كن كخير ابني آدم».

وهذا يدل على الأمر بالاستسلام وترك الدفاع حالة الاعتداء، وأن ترك الدفاع عن النفس في قتال الفتنة هو للإباحة؛ ولكنها ليست إباحة بصورة مطلقة، بل هي مقيدة بموضوع قتال الفتنة. أما إذا أدى ذلك إلى مفسدة أعظم من مفسدة ترك الدفاع عن النفس؛ فإن الحكم في هذه الحالة يصبح وجوب الدفاع عملًا بالقواعد الشرعية العامة مثل: «لا ضرر ولا ضرار» و«يختار أهون الشرين». وقتال الفتنة هو على النقيض من الجهاد، فالجهاد هو قتال الكفار لإعلاء كلمة الله، وحتى لا تكون فتنة ويكون الدين لله. أما قتال الفتنة وهو قتال المسلمين للمسلمين؛ حتى تكون هناك فتنة، ويكون الدين لغير الله والسيادة لأعدائه.

والقتال الدائر في بلاد المسلمين في اليمن وليبيا والعراق وغيرها هو قتال فتنة؛ لأن الطرفين على باطل وصراعهما من أجل السلطة، التي تحكم بقوانين وضعية لا يجوز الاحتكام إليها مطلقاً، وتنفذ أجندة الكفار في بلاد المسلمين. فهو قتال حرام، وواجبنا كشفه للناس، وتوضيح حقيقة الصراع بين الدول الغربية في بلاد المسلمين، وأن المسلمين هم وقود هذا الصراع الذي على أي شكل انتهى سيخدم الكفار وعملاءهم، ولن ينهي هذا الصراع إلا عودة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة. وللخروج من هذه الفتنة فإن الواجب هو أن يتحوَّل أهل القوة من القوى المتصارعة على الحكم بغير ما أنزل الله من أهل ثورة اختلطت فيها الأهواء، إلى أهل نصرة لإقامة الدين بإقامة الخلافة الراشدة على الطريقة التي أقامها الرسول صلى الله عليه وسلم. قالل تعالى: (شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ).

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *