العدد351 -

السنة الثلاثون ربيع الثاني 1437هـ – ك2 / شباط 2016م

الخلافة هي الممكن الوحيد يا فيصل القاسم وهي طوق نجاة الأمة العملي وأملها في الخلاص الحقيقي

بسم الله الرحمن الرحيم

الخلافة هي  الممكن الوحيد يا فيصل القاسم

وهي طوق نجاة الأمة العملي وأملها في الخلاص الحقيقي

 

حسن الحسن

Hasan.alhasan@gmail.com

 

كتب الإعلامي المعروف الدكتور فيصل القاسم مقالاً تم نشره في جريدة القدس العربي في 2016-01-01 إضافة إلى عدد من المواقع الإلكترونية بعنوان “سؤال بسيط إلى الحالمين بعودة الخلافة” طرح فيه مجموعة من “الإشكالات” التي ينبغي التوقف عندها كونها مما اعتدنا على سماعه من النخبة التي تتصدر وسائل الإعلام وعامة مراكز الدراسات التي ترعاها وتمولها دول ومنظمات ذات أجندات عدائية للفكر الإسلامي بشكل عام ولدعاة الخلافة بشكل خاص.

اعتبر القاسم في مقاله أن من حق كل الدول والجماعات أن تحلم بالنظام السياسي الذي تريد لكن لا بد أن نكون واقعيين، خاصة عندما نحاول أن نتحدى العالم، فشتان بين الحقوق المعترف بها دولياً في القوانين وأدبيات حقوق الإنسان وبين ما يجري على أرض الواقع. فطرح دولة الخلافة في هذا الزمن العصيب أقرب إلى الفكر الرغبوي. وأن النظام الرأسمالي الغربي بتشعباته السياسية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية هو النظام المسيطر عالمياً، وأن لا وجود لمنافسين أقوياء له بنفس الجبروت حتى بعد عقود وعقود؟ حتى النظام الشيوعي فشل في النهاية أمام النموذج الرأسمالي وانضم إلى الكتلة الرأسمالية، بحيث أصبحت موسكو بعد سقوط الاتحاد السوفياتي أكثر رأسمالية من نيويورك ولندن. وقد طرح القاسم على دعاة الخلافة معضلة لا يمكن حلها بحسب تصوره، وهي: أنى لأية جماعة أو دولة الخروج على النظام الدولي الذي تتحكم به أمريكا بقوة، سياسياً واقتصادياً ومعلوماتياً، فأمريكا قادرة على إذلال الدول بالدولار الذي لا يمكن لأحد التحرك بدونه كما أن أي بلد تحرمه أمريكا والغرب من التكنولوجيا المتقدمة، وحتى العادية، يصبح خارج هذا العالم بلا حول ولا قوة!

تبدو حجج الدكتور فيصل لأول وهلة رصينة، لذلك فإنها يمكن أن تنطلي على بعض الناس، بخاصة أن وسائل الإعلام قد أغرقت الناس بمفاهيم خاطئة ومقاييس مغلوطة حول قضايا الأمة المصيرية. إلا أن المدقق في تلك الحجج يجدها واهية سرعان ما تتهافت أمام المعطيات والحقائق التي جهلها أو تجاهلها، نعرض بعضا منها بإيجاز.

أولاً: إن الاتحاد السوفياتي انهار ولحق بالمعسكر الرأسمالي نتيجة تفاهة فكرته الشيوعية وعدم انسجامها مع الفطرة الإنسانية، فنفرت الشعوب منها وسخطت على الأنظمة الاشتراكية بعد ما جلبته من بؤس وشقاء لها، وليس بسبب قوة أمريكا أو انتصارها عسكرياً عليها. أما الفكرة الإسلامية وما بني عليها من طريقة حياة فريدة وانبثق عنها من نظام حكم هو نظام الخلافة الأسلامية، فإنها ظلت رغم كل ما اعترى المسلمين من وهن مركز جذب غالبيتهم الساحقة وتقديرهم، لهذا بقوا يتطلعون إلى استئناف الحياة الإسلامية وإعادة الخلافة، بدليل أن القاسم نفسه أقر بذلك بقوله في مقاله ذاته ” لا شك بأن ملايين المسلمين العاديين يتوقون إلى ذلك الزمن الإسلامي الجميل الذي رفع راية الإسلام والمسلمين عالياً”. لهذا، فإن الفرق شاسع بين أمة تتوق شوقاً إلى إسلامها وتتمنى أن تراه واقعاً مجسداً في حياتها، وبين أمم ساخطة على مبادئها تتلفت يمنة ويسرة عساها ترى قبساً من نور يخرجها من الظلمات التي تقبع فيها.

ثانياً: إن الدعاة إلى إقامة الخلافة أدركوا الصعوبات والتحديات التي تعنيها الخلافة منذ وقت مبكر جداً، وما عانوه وما زالوا، من ملاحقة واعتقال وقتل واضطهاد وترويع وتشريد في سبيل إقامتها جعلهم يدركون أكثر من غيرهم بكثير أن الأمر جلل. إلا أن إيمانهم بقضيتهم واتخاذهم الخلافة قضية مصيرية لهم، جعلهم – رغم كل ما أصابهم من لأواء – يتحملون كل ذلك، ما دفعهم للسير نحو هدفهم بكل جد، كلهم ثقة بأمتهم، وطمأنينة لوعد الله بالنصر والتمكين، كان ذلك في الأوقات العصيبة جدا، حين كان العمل لإقامة الخلافة أشبه بالمستحيل فعلا، حيث كانت الأمة في واد ودعاة الخلافة في واد آخر، لا كما في أيامنا هذه، حيث نبذت القومية والاشتراكية وأفكار الغرب عامة وتعلقت بإسلامها من جديد، وصار لإقامة الخلافة رأي عام قوي بين المسلمين، كما صارت الخلافة حديث كبار زعماء العالم الذين يتآمرون سراً وعلانية للحيلولة دون إعادتها من جديد.

ثالثاً: إن المعول عليه في مجابهة التحديات بعد إقامة الخلافة، كالحصار الدولي بمختلف أشكاله السياسية والاقتصادية والتقنية هو الأمة على امتدادها، فدولة الخلافة ليست دولة جماعة بعينها ولا قطر من أقطار المسلمين دون غيره. بهذا تكون بلاد المسلمين جميعا جزءا من السياسة الداخلية لدولة الخلافة –ولو كانت خارج إطارها مؤقتا – بالتالي فإنها تتخذ ضمن الخطة العامة لمواجهة التحديات المفترضة. وقد كان ذلك واضحاً لدى دعاة الخلافة الحقيقيين – لا أدعيائها – منذ البداية، كما كان واضحاً في فكرهم وفي أدبياتهم ضرورة أن تكون نقطة ارتكاز كيان الخلافة في دولة قوية ابتداء كتركيا مثلا، أو في أكثر من دولة في أوقات متقاربة مصر وليبيا والسودان مثلا، كي تتمكن من تمثيل المسلمين ومن تحقيق وظيفتها بتحكيم شرع الله والقيام بالأعباء المنوطة بها من رعاية مصالح الأمة. أما إعلان الخلافة في قرية أو مدينة أو حتى كيان شبيه بالدولة فإنه عمل غير وارد إلا عند المتحمسين أو المقامرين بمصير الناس، الذين يهدرون طاقات الأمة ومقدراتها فيما لا طائل فيه. بل يخالف ذلك وظيفة الخلافة والطريقة الشرعية لإقامتها، أي ضرورة ارتكازها في كيان لديه مقومات حماية ذاتية قابل للاستمرار في الحياة.

رابعاً: إن الكثير من النقاط المذكورة في مقال القاسم هي على عكس ما يصوره، فالنظام الرأسمالي رغم وحشيته وهيمنته على العالم، فإنه يحمل بذرة فنائه في طياته، وسرعان ما ستظهر هشاشته عند ولادة الخلافة الحقة، وستتحول نقاط القوة لديه إلى عوامل ضعف بادية للعيان. فالنظام السياسي والاقتصادي والأخلاقي الدولي قائم على الفوقية والتمييز والظلم والقهر والنهب، أنظمة تتعامل مع العالم كغابة يأكل القوي فيها الضعيف، يسود الشر فيها ويتحكم بها. لذلك فإن إقامة الخلافة يعني عرض نموذج مغاير لتلك الأنظمة البشعة، وذلك من خلال طرح بدائل عملية تقوم على قيم إنسانية حقيقية يسود فيها العدل والخير والرحمة لكل البشر. حينها سيضطر كثيرون في هذا العالم إلى إعادة نظرهم بالوضع كله، لا سيما أن مصالحهم الحقيقية متضررة فعلاً من الأنظمة الرأسمالية السائدة البائسة. فلماذا يجب على العالم أن يعمل ليل نهار لتحيا دول قليلة على رأسها أمريكا وشركاتها وشعبها على حساب جهد شعوب العالم وثروتهم ومصالحهم. حينها، ستكون العملة الذهبية والفضية عامل قوة لإقصاء كل العملات الهشة التي لا رصيد حقيقي لها. بل إن اعتمادها يعني تجنيب الدولة الإسلامية الهزات المالية، وستخرجها من التبعية الاقتصادية المقيتة للدولار وغيره من العملات التي لا رصيد حقيقي لها. وأما المعاملات المالية الإلكترونية فإن جل ما يتم منها (بعيداً عن التجارة الفردية المباحة) هي معاملات خطرة جدا فعلا وباطلة شرعاً، يحظرها الإسلام، ولا صالح للمسلمين ولا لدولة الخلافة فيها، فبئست التجارة تلك التي تسوقها البنوك والبورصات العالمية فتتسبب بإفلاس دول وشعوب وشركات عملاقة في لحظات.

خامساً: من المغالطة اعتماد الغرب كله ككيان واحد، فضلاً عن تلخيص العالم برمته فيه كوحدة واحدة تسيره أمريكا كأنها قدر محكم، وإن ظهر ذلك حاليا فهو مؤقت لعدم وجود بديل عملي يناجزها. لذلك فإنه يتوقع أن تتصرف العديد من دول العالم بُعيد إقامة الخلافة الراشدة بحسب مصالحها الذاتية، بخاصة أن الفكرة النفعية هي التي توجه الدول القائمة وترسم سياساتها، فضلاً عن أن كثيراً من تلك الدول تعتمد في مصالحها الحيوية على ثروات الأمة المتعددة وفي مقدمتها مصادر الطاقة المتوفرة في بلاد المسلمين، وسيكون لها مصلحة استراتيجية في الانعتاق من هيمنة السياسات المالية الأمريكية الجشعة والشرهة والتعامل مع المسلمين للحفاظ على مصالحهم.

سادساً: إن الخلافة ليست بدعة في السياسة، أو كياناً نشازا مستحدثا في العالم، فدولة الخلافة وجدت 13 قرنا، وكانت تحيا في عالم توجد فيها أغلب الدول التي نتحدث عنها بما فيها أمريكا نفسها، وكانت تتعامل مع تلك الدول، بل وتتحالف مع بعضها أحياناً، فلماذا ينبغي أن تسيطر فكرة العزلة والتقوقع على المسلمين كلازم قطعي في حال إقامة الخلافة! ولا ننسى في جميع الحالات أننا نتحدث عن خلافة إسلامية لأمة مسلمة تمتد على ثلاث قارات من هذا العالم، فضلا عن انتشار من تمثل في كافة أرجاء المعمورة، ما يعني شبه استحالة فرض عزلة أو مقاطعة مطلقة لدولة الخلافة. على كل، فإن أية مقاطعة لدولة الخلافة، على فرضيتها، قد يكون لها تداعيات صعبة على المدى القصير، لكنها ستكون أكثر فائدة على أمة الإسلام وأكثر ضررا على غيرها على المدى الطويل.

نعم، إن إقامة نظام الخلافة صعب وقد يبدو مستحيلاً لدى أصحاب العقول الضعيفة، أو هكذا يراد إظهاره لتيئيس الأمة ولفرض حالة العجز عليها ولتبرير استسلامها من قبل الخونة والعملاء والعجزة لمخططات أعدائها. إلا أن المدقق في واقع الحال يرى أن الأمة هي أقرب بكثير لتحقيق ذلك الصعب مما يتخيله أو يخيله القاسم وغيره، لا سيما بعد أن ثبت بالأدلة اليقينية عداوة الأنظمة الحاكمة التي نصبها الغرب في بلاد المسلمين للأمة ولإسلامها ولمصالحها، بالتالي فإن إقامة الخلافة هي الطريقة الوحيدة الممكنة لإنقاذها من المستنقع الموبوء الذي أغرقها الغرب فيه، وصارت أمل المسلمين في الخلاص وطوق نجاتهم الوحيد، وأصبح الناس فعلاً يتطلعون لكل ما تعنيه من وحدة ومنعة وعزة وعدل ورحمة وأمان.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *