العدد الثامن -

السنة الأولى، العدد الثامن، جمادى الأولى 1408هـ، الموافق كانون الثاني 1988م

كلمة الوعي: الإسلام عالميّ وليس قومّياً

 رسالة عامة

أنزل الله سبحانه القرآن الكريم، على رسوله محمد صلى الله عليه وسلم بلسان عربيّ، لينذر الناس كافّة، وكان إكراماً من الله للعرب أن اختار منهم محمداً رسولاً ونبياً، وأنزل عليه القرآن باللغة العربية (إنّا أنزلناه قرآناً عربياً). وجعل القرآن عربياً يعني إنزاله بلغة العرب ولسانهم (وهذا كتاب مصدّق قرآناً عربياً)، ولا يعني أنّه مختصّ بالعرب، لأنّ الله جعل رسالة الإسلام عامّة للعرب وغيرهم، فهي للعالم أجمع (وما أرسلناك إلاّ كافة للناس بشيراً ونذيراً). وعن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أعطيت خمساً لم يُعطهُنَّ أحد قبلي، كان كل نبيّ يبعث إلى قومه، وبُعثتُ إلى كلّ أحمر وأسود».

وقد بدأ الرسول صلى الله عليه وسلم حمل الإسلام إلى العرب في مكّة، لأنه وُجد بينهم فيها. ثم انتقل إلى المدينة بعد بيعة الحرب، بيعة العقبة الثانية مع أهل المدينة، فأقام للإسلام دولة، وبدأ يحمل الإسلام بقوّة الدولة بالدعوة والجهاد، ففتح الله عليه الجزيرة العربية. ثم حمل الإسلام رسالةً إلى العالم، بإرسال الرسل والرسائل إلى الملوك من فارس والروم وغيرهم. وحمله الصحابة الكرام والمسلمون من بعدهم إلى الدنيا بأجمعِها عن طريق الدعوة والجهاد، حتى مكّن الله لهم في الأرض، وأذلّ بهم الكفر والشرك، وأدال لهم دُوَل الكفر والظلم حتى أصبحوا سادة الدنيا، وقادة العالم وحكّامه. ووضعوا الإسلام وأحكامه موضع التطبيق والتنفيذ في كلّ مكان وصلوا إليه ودخل تحت سلطانهم، وكان من يُسلم معهم يصبح واحداً منهم، عربيّاً كان أم غير عربي، له ما للمسلمين، وعليه ما على المسلمين، فالمسلمون أمّة واحدة، وهي إخوة، قال تعالى: (فأصبحتم بنعمته إخواناً)، وقال: (إنّما المؤمنون إخوة) وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يُسلمه». وقد جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم المؤمنين أجمع أمّة واحدة من دون الناس، حيث قال في الوثيقة التي كتبها بين المسلمين واليهود بعد أن هاجر إلى المدينة: «إن المسلمين والمؤمنين أمّة واحدة من دون الناس». وحيث قال: «ولا يقتل مؤمن مؤمناً في كافر، ولا ينصرُ كافراً على مؤمن، وأن ذمّة الله واحدة يجير عليهم أدناهم، وأن المؤمنين بعضهم موالي بعض من دون الناس».

جزء جوهري

ومع كون الإسلام رسالةً إلى العالم، فإن الله سبحانه أوجب حمله إلى العالم باللغة العربية، لأنّها لغة الإسلام، ولا يجوز أن تُفصل عنه، لأنها جزء جوهريّ في الإسلام، وعنصر أساسي من عناصر الثقافة الإسلامية، فلا بد من أن تتّحد بالإسلام، لما فيها وفي الإسلام من القدرة على التأثير والتوسّع والانتشار، ولأنّه لا يمكن أداء الإسلام وحمله أداءً كاملاً إلا باللغة العربية، وأن الأحداث والوقائع اليومية المتجدّدة توجب على المسلمين إيجاد أحكام شرعية لمعالجتها، ولا يمكن إيجاد أحكام شرعية لها إلاّ بالاجتهاد. والاجتهاد بالشرع الإسلام لا يتأتّى إلاّ باللغة العربية، لأنها لغته التي نزل بها، ولأنها شرط أساسي في الاجتهاد، والاجتهاد بالشرع واجب كفائي على المسلمين، وهو ضروري لهم كضرورة الماء والطعام.

رابطة قبليّة ضيقة

غير أنّ وجوب مزج اللغة العربيّة بالإسلام لا يعني قوميّة الإسلام وعروبته، ولا تعني الدعوة إلى الإسلام الدعوة إلى القومية العربية، فالإسلام شيء والقومية العربية شيء آخر، فالإسلام فكرن وهو مبدأ يقوم على العقيدة الإسلامية، ونظام يعالج شؤون الحياة، وينظمها، بينما القومية لا تعدو أن تكون رباطاً عاطفياً يربط بين أبناء قوم معيّن. فالقومية رابطة قبليّة ضيّقة، تنشأ عن غريزة حب البقاء عند الإنسان وهي لا تصلح لأن تربط بين بني البشر، ولا أن توحّدهم على فكر، لأنها خالية من الفكر، ولا علاقة لها بالفكر ولا بالنظام، وبالتالي فهي لا تصلح لإنهاض الأمة، لأن النهضة هي الارتفاع الفكري، ودعاة القومية يدركون ذلك، ولهذا فإنّهم يمدّون أيديهم لاستجداء الأنظمة والأفكار لها، فالقومية التي يدعون لها لا تملك أنظمة وأفكاراً، وكل الذي تملكه هو عاطفة الانتساب إلى القوم، والتعصّب لذلك القوم، والعمل ليكون سيّداً على غيره من الأقوام، ولذلك فهي غير إنسانية بمعنى أنها لا يمكن أن تجمع البشر كافة، وهي تسبّب الخصومات بين الناس على السيادة. وهي رابطة تفرّق ولا تجمع.

دعوة جاهليّة

إن الإسلام قد حرّم الدعوة إلى القومية وذمّها، وعمل على وأدها والقضاء عليها، وجعل من يدعو لها ليس من المسلمين. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من دعا إلى عصبيّة فليس منّا». وجعل من يموت وهو يقاتل عنها يموت ميتة جاهليّة. وعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «ومن قاتل تحت راية عمية يغضب لعصبة، أو يدعو إلى عصبة، أو ينصر عصبة فقُتل فقتْله جاهلية» وقال: «لينتهينّ أقوام يفخرون بآبائهم أو ليكوننَّ أهون على الله من الجعل يدهده النتن بأنفه».

إن الفكرة القومية غريبة عن الإسلام، أوجدتها الدول الكافرة في بلاد المسلمين لإبعاد المسلمين عن الإسلام، ولتمزيق وحدتهم، والقضاء على دولتهم، وبالتالي لتطبيق أنظمة الكفر وأفكاره عليهم، والحيلولة دون عودة تطبيق أحكام الإسلام، ودون عودة الخلافة إلى الأرض. وهذا ما يفسّر كون روّاد فكرة القومية العربية ورؤسائها من غير المسلمين.

لذلك فإن الدعوة إلى القومية هي دعوة جاهلية، وهي دعوة ضدّ الإسلام، وإثمها عند الله كبير، وجزاؤها جهنم وبئس المصير. ولذلك كان الانتساب إلى الأحزاب القومية إثم يحرّمه الإسلام، لأن هذه الأحزاب تعمل لصدّ المسلمين عن دينهم وإبعادهم عن عقيدتهم، وتعمل للحيلولة دون عودة تطبيق أحكام الإسلام، ودون عودة الخلافة.

واجب شرعي

وكما أن الله سبحانه قد حرّم على المسلمين الدعوة إلى القومية والعمل لها في تكتّل أو غيره، فإنّه أوجب على المسلمين جميعاً، أن يكونوا ملتزمين بالإسلام، وأن تكون جميعُ أعمالهم وعلاقاتهم مقيّدة بأحكامه، وسائرة وفق أحكام الإسلام مهما كانت هذه الأعمال وهذه العلاقات.

وبما أنّ الإسلام أصبح غير موجود في علاقات المسلمين اليوم، لا في أنظم الحكم، ولا في العلاقات السياسية الداخلية والخارجية، ولا في النواحي الاقتصادية، ولا في سياسة التعليم وغايته، ولا في علاقات الأفراد ومعاملاتهم، لذلك وجب على المسلمين جميعاً أن يعملوا ليعيدوا تحكيم الإسلام في جميع علاقاتهم، وليعيدوا حكم الله إلى الأرض، وليعيدوا دولة الخلافة لتطبّق عليهم أحكام الإسلام، ولتحمله رسالةً إلى العالم.

والمسلمون جميعاً آثمون عند الله ما بقيت أحكام الكفر وأنظمته تطبّق عليهم، وما دامت أحكام الله بعيدة عن التطبيق، وما دامت دولة الخلافة غير قائمة. ولا يسقط عنهم الإثم إلا إذا باشروا فعلاً العمل لإقامة الخلافة، وعودة حكم الله إلى الأرض، واعادوهما فعلاً إلى الوجود.

الدولة الأولى

وبهذا فقط: العودة إلى الإسلام، وإعادة حكم الله في الأرض، نستطيع أن نحرّر أمتنا الكريمة من هذا الواقع الأليم الذي تعيش فيه، ومن هذا التمزّق الذي يسيطر عليها، ومن واقع الخزي والذلّ الذي لحقها، ومن هذه الحروب القائمة بين أبنائها والتي قضت على عشرات الآلاف من زهرة شبابها، والتي استنزفت ثرواتها، ودمّرت أسلحتها ومرافقها الحيوية. والتي أضعفت من قوّتها، ولنخلّصها من عدوّها الغادر اللئيم إسرائيل، ومن أميركا وبريطانيا وفرنسا دول الكفر التي تدعم إسرائيل وتحميها، والتي أصبحت إسرائيل بواسطة هذا الدعم، وبواسطة تخاذل حكام البلاد العربية تعيث في الأرض فساداً، تقتل وتحتل وتبيد وتدمّر دون أن يتصدّى لها متصد.

بإعادة حكم الله إلى الأرض، نستطيع أن نرفع عن الأمة سيطرة الكفر والكفار، ونعيد إليها إسلامها، ونعيدها أمّة عزيزة كريمة، مرهوبة الجانب، تكون مؤثرة في الأحداث، ويُحسب لها ألف حساب في الميزان الدولي، وتعمل لانتزاع زمام المبادرة من دول العالم لتعود الدولة الأولى في الدنيا كما كانت.

(يا أيّها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم، واعلموا أنّ الله يحول بين المرء وقلبه وانّه إليه تحشرون).

أسرة التحرير

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *