العدد 346 -

السنة الثلاثون ذو القعدة 1436هـ – تموز / آب 2015م

الأمة الإسلامية أمة متميِّزة… ذات مبدأ متميِّز عظيم

بسم الله الرحمن الرحيم

الأمة الإسلامية أمة متميِّزة… ذات مبدأ متميِّز عظيم

أم معاذ/ هويدا عثمان- الخرطوم- السودان

الأمة الإسلامية أمة متميزة، فهي صاحبة مبدأ متميز عظيم، راسخ في الأعماق، يستند إلى أساس روحي، يمزج المادة بالروح، فيحقق القيم الإنسانية والروحية والأخلاقية والمادية دون تناقض ولا تفاوت، وهذه الصفات لا تتوفر في أي عقيدة سوى الإسلام؛ الذي يجعل معتنقه يلتزم بالرسالة. وهذه الأمة ليست كباقي الأمم والشعوب، بل هي خير أمة أخرجت للناس، صاحبة رسالة عظيمة تتصل بالسماء والأرض، فلا بد أن تقوم بنشرها بصدق وإخلاص. وبطبيعة رسالة الإسلام العالمية، فلا يمكن نشرها إلا عن طريق دولة هي دولة الخلافة، الدولة التي تضع الأمة على الصراط المستقيم، وتمكنها من  نشر دينها بالعدل والاستقامة، إنها دولة التمكين والعزة، قال تعالى: (الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ)فالخليفة راعٍ  للأمة بالإسلام ومسؤولٌ عن رعيته، قال صلى الله عليه وسلم: «الإسلام والسلطان أخوان توأمان، لا يصلح واحد منهما إلا بصاحبه، فالإسلام أس والسلطان حارس، وما لا أسَّ له يُهدم، وما لا حارس له ضائع» (الديلمى عن ابن عباس)، فالسلطان ظل الرحمن في الأرض، يأوي إليه كل مظلوم، يقول العالم القلقشندي: «الخلافة حظيرة الإسلام، ومحيط دائرته، ومربع رعاياه ومرتع سائمته، والتي بها يُحفظ الدين ويحمى، وبها تصان بيضة الإسلام وتسكن الدهماء، وتقام الحدود فتُّمنع المحارم من الانتهاك، وتُحفظ الفروج فتصان الأنساب من الاختلاط، وتحصَّن الثغور فلا تطرق، ويذادُ عن الحُرم فلا تُقرَع».

فمنذ أن هُدمت دولة الخلافة لم تعرف الأمة هذا المعنى، ولم تتذوق يوماً حلاوة العزة والسيادة على الأمم، ولم تلمس أي معنى للنصر والظفر والتمكين، مع أن الله سبحانه وتعالى يخاطبنا بقوله الحق: ( كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ). إن الله أراد لها أن تكون كذلك، بتحكيم شرعه وإقامة دولته، أراد سبحانه أن تكون أمة لم يكن المال والثروة غايتها، فقد بذل الصحابة أثناء حملهم لهذا الدين الأموال والأرواح رخيصة في سبيل رسالة سامية وغاية نبيلة هي إنقاذ البشرية بهذا الدين. وتسامى المسلمون الأوائل عن زينة الدنيا، فهذا صهيب رضي الله عنه، عندما لحقه غلمان قريش ليردُّوه عن هجرته إلى المدينة قال لهم: « أرأيتم إن آتيتكم أواقٍ من الذهب، أأنتم تاركون سبيلي؟ فقالوا: نعم، فدلَّهم على ماله. وعندما قدم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ربح البيع أبا يحيى، فقال من الذي أخبرك يا رسول الله، لم يسبقني أحد إليك، قال: إنه جبريل عليه السلام، ونزل فيه قوله تعالى: ( وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ   ).

عندما فُتحت البلاد وتوسعت الدولة، ذاع صيت الإسلام وقوته وعدله وحسنُ رسالته بين الشعوب والأمم، وعم العدل والأمن والسلام أينما وصل وحكم، حتى إن بعض النصارى كانوا يطلبون من المسلمين أن يأتوا إلى بلادهم ليحكموها بالعدل، كما حصل مع نصارى الشام عندما طلبوا من أبي عبيدة أن يـأتي فاتحاً ليخلصهم من ظلم الرومان.

لقد تحول مسار الشعوب التي اعتنقت الإسلام تحولاً كاملاً؛ إذ أصبحت تقود العالم وتحمل إليه الهدى والصلاح، حتى غدت الدولة الإسلامية هي الدولة الأولى على وجه الأرض، وقد شهد العدو قبل الصديق بمكانة الأمة الإسلامية ورفعة أحوالها في ظل الخلافة الراشدة. ذكر الرئيس الأميركي نيكسون في كتابه الشهير: «أميركا والفرصة السانحة» قائلاً: «لقد كان للحضارة الإسلامية فضل كبير في الحركة العلمية في بلاد الغرب، بينما ذبلت أوروبا في العصور الوسطى، لقد تمتعت الحضارة الإسلامية بعصرها الذهبي، وأسهم الإسلام بمجهودات هائلة في العلوم والطب والفلسفة»، كل ذلك يدل على عظمة هذه الرسالة وهذه الدولة التي حملتها بقوة.

أما بفقدان هذه الدولة، دولة الخلافة، فقد فقدت الأمة قائدها وربّانها، وأصبحت في بحر تتلاطمه الأمواج من جميع الاتجاهات، فتمزقت إلى بضع وخمسين مزقة، يتكالب عليها الأعداء من كل حدَب وصوب، ويكيدون لها المكائد من أجل القضاء على الإسلام ومنع تمدده في عقر دارهم، وقد هاجم العدو عقر دار الإسلام، فسلب الأموال وانتهك الأعراض، ولم تسلم المقدسات من التدنيس فأصبحت الأمة الإسلامية أكثر شعوب العالم فقراً وبؤساً وذلاً… إلى أن وصل الأمر حد الانفجار في وجه الظلم والقهر والتسلط والتمزيق حتى في القطر الواحد، والتشرد والنزوح والهجرة والارتماء في أحضان الغرب الكافر لهثاً وراء المادة وفراراً من الأوضاع المزرية التي أصابت الأمة، وكانت ثورات (الربيع العربي) التي لم تحقق ما تتطلع إليه الشعوب من القضاء على الفساد والظلم والقهر والاستبداد والتبعية للأجنبي، بالرغم من سقوط عدد من الطواغيت.

إن الإطاحة بأنظمة الفساد لا يقصد به تغيير أشخاص الحكام، وإنما تغيير النظم الوضعية الباطلة، واستبدالها بنظام الإسلام الربانيّ الحق حتى يوضع حد للمآسي والأحزان التي تعيشها الأمة جرَّاء تبعية أنظمة الحكم العميلة العمياء لأنظمة الغرب في الحياة السياسية.

ولكي يتحقق ذلك لا بد من قيادة مبدئية مخلصة صادقة واعية، حريصة على مصالح الناس، توجِّه طاقات الأمة المشحونة بشكل منتج وتشحذ الهمم، قيادة تملك رؤية سياسية نابعة من عقيدة الأمة وثقافتها، وتحقق طموحها وآمالها وتعالج آلامها بأحكام الإسلام، وتكون مرجعيتها مبدأ الإسلام العظيم.

إن الغرب الكافر يمكر بنا مكر الليل والنهار، وبخاصة  بعد أن نادت الأمة في تونس ومصر وليبيا واليمن والشام بالحكم الإسلامي الأصيل. إن الأمة تريد العودة للإسلام لأنها ضاقت من ويلات لا تحصى ولا تعد، وعاشت جحيماً لا يطاق، فقد تحكَّم بها أراذل الناس وعاشت أسوأ الحياة وأذلها، والإحصاءات تحكي مدى ما وصلت إليه حالها من سوء، وقد بلغت الأسوأ والأفظع عندما فكرت بالانعتاق من سيطرة الغرب وتحكمه في بلادنا إذ انحاز الحكام شذاذ الآفاق إلى أعداء الأمة وكانوا سيفاً بتاراً في يدهم، واشتركوا في المؤامرة عليهم، وأقرب مثال على ذلك كان اشتراكهم مع التحالف الدولي بقيادة أميركا في العراق، وإنشاءهم لتحالف دولي آخر في اليمن بقيادة السعودية، ومن ثم تناديهم إلى إنشاء قوات عربية مشتركة لتمنع أي تغيير يطالها من الأمة… وكل ذلك يقف وراءه الغرب، وعلى رأسه أميركا.

إنه مخاض عسير لن ينتهي إلا بولادة دولة الإسلام وبزوغ فجره بإذن الله تعالى، ولنا في ثورة بلاد الشام المباركة أمل في أن لا يتمكن أعداء الإسلام من احتوائها أو حرفها. ولنا في ثبات المسلمين وتضحيات الثوار في سوريا طمع في إفشال أميركا وائتلافها وتخييب أمل حكام المسلمين العملاء الذين يعملون من خلال حاجة الناس إلى السلاح والمال أن يستوعبوا هذه الثورة لمصلحة أسيادهم من الغرب… ونسأل الله سبحانه أن يجعل كيدهم في تباب.

إن الذي يجب أن يقود هذه الثورات هو من يقوم بعمل سياسي، وليس من يقوم بعمل عسكري؛ إذ لكل مجاله. والمطلوب أن تقوم دولة قوية بمعية الله سبحانه، فتصبح أعظم دولة في العالم كما كانت من قبل، فتحق الحق وتبطل الباطل، وتزيل بقايا الاستعمار من بلادنا، بل وتنشر الهدى في بلاد الغرب بدل ما نشروه هم في بلادنا من قتل وظلم ونهب للخيرات… دولة تكون عزيزة بعز الإسلام،  قوية مستقلة بعيدة عن أي عمالة أو وصاية، وهذا عين ما يخشاه الغرب وزلَّت ألسنتهم الحاقدة عليه بذكره مراراً وتكراراً، وهم يسعون بكل وسعهم لقتل ولادة هذه الدولة، ولكن أنَّى لهم ذلك، فالأمة الإسلامية مع معية ربها ستنتصر، لوعده الحق: ( إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ ).

إن بلادنا تمتلك زهاء 70% من احتياط النفط العالمي، وتنتج 38% من احتياجات العالم من النفط، وتملك 40% من احتياط الغاز الطبيعي، وفيها أعلى الاحتياطات من المواد الخام من مختلف المعادن، وهي كافية لأن تكون دولة صناعية بامتياز وبخاصة الصناعات العسكرية؛ ما يمكِّنها من الحصول على مقومات الدولة الأولى عسكرياً. أما من الناحية الزراعية، فبلاد المسلمين زاخرة بالأراضي الخصبة الشاسعة، والمناخ المتنوع الذي مكَّنها من الإنتاج على مدار السنة مختلف أنواع الغذاء، ولديها ثروة حيوانية تزيد عن حاجتها، ولديها من البحار والأنهار ما يساعدها في عملية التصدير والاستيراد بأقل تكلفة. أما الإمكانات البشرية، فالأمة الإسلامية هي أكثر الأمم تكاثراً وحيوية، وأكثر أبنائها من الشباب، ويحملون عقيدة تحثهم على العمل والكسب والإتقان والإبداع والاجتهاد في طلب الرزق وإعمار البلاد؛ فهذه دوافع نحو القوة تجعلها الأولى دون منافس.

وختاماً نقول: إن الأجواء مؤاتية لإقامة دولة الخلافة الراشدة أكثر من أي وقت مضى؛ لأن التطلع إلى مرضاة الله قد عاد إلى هذه الأمة الكريمة، وهذه الثورات ضد الظلم والقمع والقهر أظهرت قوتها وتوجهها، وهو السعي إلى تمكين هذا الدين في الأرض بإقامة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة، فرض الله العظيم، على هذه الأمة. ( وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ ).q

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *