هل نظرية العقد الاجتماعي هي نفسها البيعة التي شرعها الإسلام لتنصيب الحاكم؟
يومين مضت
المقالات
148 زيارة
بالغ كثير من المثقّفين في تشبيه نظريّة العقد الاجتماعي عند جان جاك روسّو وغيره من فلاسفة التنوير الأوروبيين بالبيعة التي شرعها الإسلام. فنظريّة العقد الاجتماعي عند روسّو وغيره ليس موضوعها كيفيّة تولّي الحاكم للسلطة، وإن تناولوا هذه القضية في جانب من نظريّاتهم.
الفكرة الأساس في نظريّة العقد الاجتماعي هي تعارُف الناس على طريقة من العيش، بحيث يتنازل أفراد المجتمع عن قسم من حرّياتهم الشخصية للتوافق على أعراف جماعية، ثمّ يُلزِمون الحاكم الذي ينصّبونه بما تعارفوا عليه من طريقة للعيش، ويُلزِمونه ما يقرّرونه من تشريعات وقوانين. فكلّ هذه الأمور؛ الدستور والقوانين والتشريعات، كلّها خاضعة للتعاقد. ومن هنا ظهر فيما بعد مصطلح الديمقراطية للتعبير عن الفكرة ذاتها، إذ لم يكن مصطلح الديمقراطية رائجًا في زمن روسّو وسائر فلاسفة التنوير. ولكنّ المصطلح استُدعي بعد ذلك من التاريخ اليوناني القديم، وراج، ليعبّر عن المعنى نفسه، وهو أنّ الشعب هو صاحب الحقّ في وضع التشريعات والقوانين، وتاليًا هو صاحب الحقّ في اختيار الحاكم، ومن ثَمّ في محاسبته.
وعليه فإنّه لا يكفي أن يكون ثمّة تشابه في مسألة أنّ الشعب يختار الحاكم لنقول إنّ نظريّة العقد الاجتماعي موجودة في الإسلام، أو إنّ الإسلام سبق جان جاك روسّو وسبق الأوروبيين منذ مئات السنين في إرساء ما يسمّى بنظريّة العقد الاجتماعي. لا، نظرية العقد الاجتماعي لا تمتّ بصلة إلى الإسلام، وليست مماثلة لما جاء به، وتختلف جذريًا عن الإسلام.
فبينما نظريّة العقد الاجتماعي تفيد أنّ المجتمع يتعارف على طريقة تعيش معيّنة ويتعارف على أنظمة يشرعها هو، وهو يُلزِم الحاكمَ أن يطبْق الأنظمة والقوانين التي شرعها وأرادها، فإنّ الإسلام لا يعطي الشعب ولا الحاكم حقّ اختيار التشريعات، إذ الجميع خاضعون دون خيار للشريعة الإسلامية. قال تعالى: (وَمَا كَانَ لِمُؤۡمِنٖ وَلَا مُؤۡمِنَةٍ إِذَا قَضَى ٱللَّهُ وَرَسُولُهُۥٓ أَمۡرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ ٱلۡخِيَرَةُ مِنۡ أَمۡرِهِمۡۗ وَمَن يَعۡصِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ فَقَدۡ ضَلَّ ضَلَٰلٗا مُّبِينٗا٣٦). وعليه لا وجود لسلطة تشريعية تَفرض على الحاكم والدولة ما تختاره من تشريعات في الدولة الإسلامية.
فالعقد الاختياري الوحيد بين الحاكم والمحكوم هو عقد على اختيار هذا الحاكم وتنصيبه، بينما يكون الطرفان ملزمَين تطبيق الشرع الإسلامي، فلا يحقّ للأمّة أن تطالب بتغيير الأنظمة والقوانين من الإسلام إلى غيره، ولا يحقّ للحاكم أيضا أن يذعن لرغبة الناس في اختيار حكم تشريعي واحد من غير الإسلام، ولا أن يختار هو تطبيق أي تشريع غير الإسلام.
الخلاصة أنّ البيعة التي شرعها الإسلام ليست هي نفسها نظريّة العقد الاجتماعي، سواء لدى جان جاك روسّو أو غيره.
1447-04-03