مقتطفات من كتاب التيسير في أصول التفسير للعالم الجليل عطاء بن خليل أبو الرشته
[يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (153) وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِنْ لَا تَشْعُرُونَ (154) وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155) الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (156) أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ (157)].
جاء في كتاب التيسير في أصول التفسير لمؤلفه
عطاء بن خليل أبو الرشته
أمير حزب التحرير حفظه الله في تفسيره لهذه الآيات ما يلي:
يبين الله سبحانه في هذه الآيات ما يلي:
-
بعد أن أعلمنا الله سبحانه أنه أرسل منا رسولاً يتلو علينا آيات الله جلّ ثناؤه، ويطهرنا من الشرك والأوثان، ويعلِّمنا كلّ ما يلزمنا من عقائد وأحكام لنلتزمها، ونذكـر الله سـبحـانه، وندعو إلى الإسلام، بعد ذلك أمرنا الله سبحانه أن نستعين بالصبر والصلاة.
ومنطوق هذه الآية له دلالة إشارة أن الدعوة إلى الإسلام والالتزام بشرع الله ثقيل، وفيه مشقة، وعلى المؤمن أن يثبت على ما يصيبه جراء ذلك ثباتاً راسخاً متزوداً بأمرين بيـَّنهما الله سبحانه: الصبر والصلاة.
-
ثم ذكر الله سبحانه صنوفاً من الابتلاء تصيب الإنسان أثناء حمله للإسلام والدعوة إليه، وبيّن سبحانه ما أعدّ للصابرين على ذلك، الثابتين على الحق، الذين يسترجعون عند المصيبة قائلين: [إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ]. ومن صنوف الابتلاء التي ذكرها الله وما أعدَّه لأهلها من خير:
أ. القتل في سبيل الله، وهو أن يُقتَل المرء وهو يقاتل أعداء الله لإعلاء كلمته سـبحانه مقبلاً غير مدبر ثابتاً في ساحة المعركة، فهو حي عند الله حياة لا يشعر بها الناس لأنها مغيَّبة عنهم ولكنها حياة طيبة زكية “من قاتل لإعلاء كلمة الله مقبلاً غير مدبر فهو في سـبيل الله“[1] “إن أرواح الشـهـداء عند الله في حواصـل طيور خضـر تسـرح في أنهـار الجنة حيث شاءت“[2].
ب. الابتلاء بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وهو ابتلاء بشتى أنواعه، فأي منها أصاب المؤمن فهو ابتلاء: الخوف وعدم الأمن، والفقر والجوع، وأن تنتقص الأموال بخسارة فيها، أو تنتقص الأنفس بالأمراض والوفاة، وانتقاص الثمرات بآفة تصيبها. وذكر الله سبحانه [ بِشَيْءٍ ] أي أياً كان هذا الابتلاء صغيراً أو كبيراً فهو ابتلاء والصبر عليه أجره عظيم “وقد استرجع النبي صلى الله عليه وسلم عند انطفاء المصباح فقيل له في ذلك فقال صلى الله عليه وسلم : كلّ ما يؤذي المؤمن فهو مصيبة وله أجر“[3]. وفي الحديث المتفق عليه يقول صلى الله عليه وسلم : «ما من مسـلم يُشاكُ شوكةً فما فوقها إلا رفعه الله بها درجةً وحطَّ عنه بها خطيئةً».
ج. بيّن الله سبحانه أن المؤمن عندما يصبر على الابتلاء ويسترجع بقوله: [إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ]فإن له بذلك أجراً عظيماً [صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ] ونعمَ هذا من أجر عظيم: رضوان من الله ورحمة وهدى، ليس هذا فحسب بل لهم في الدنيا خير كثير.
أخرج مسلم عن أم سلمة “قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ما من عبد تصيبه مصيبة فيقول إنا لله وإنا إليه راجعون، اللهم أجرني في مصيبتي واخلف لي خيراً منها، إلا آجره الله تعالى في مصيبته وأخلف له خيراً منها. قالت: فلما توفي أبو سلمة قلت كما أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخلف الله تعالى لي خيراً منه رسول الله صلى الله عليه وسلم “[4].
-
إن الله سبحانه يأمرنا أن نستعين بالصبر والصلاة في حمل الإسلام والدعوة إليه والثبات على الحق في ذلك، وقد صحَّ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان إذا أهمه أمر فزع إلى الصلاة، فهي قرة عين المؤمن يلتقي بها بربه سبحانه ويمتلئ قلبه طمأنينة بأدائها “حُبِّبَ إليّ من دنياكم ثلاث: الطيب والنساء، وجعلت قرة عيني في الصلاة“[5].