(ألا إن حزب الله هم المفلحون) (الولاء لله وحده، والبراء مما سواه)
2015/06/01م
المقالات
4,565 زيارة
بسم الله الرحمن الرحيم
(ألا إن حزب الله هم المفلحون)
(الولاء لله وحده، والبراء مما سواه)
حمد طبيب – بيت المقدس
لقد ميز الله سبحانه وتعالى هذه الأمة الكريمة – أمة الإسلام – عمّا سواها من الأمم والشعوب والأعراق، فجعلها خير أمة أخرجت للناس على وجه الأرض. قال تعالى:)كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُم مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ). وقد استحقت هذه الأمة الكريمة هذه الصفة الربانية العظيمة بسبب إعلان ولائها لله وحده، والبراء مما سواه (وتؤمنون بالله)، وقيامها بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، انطلاقاً من هذه القاعدة الإيمانية العظيمة (قاعدة الولاء لله وحده، والبراء مما سواه).
وهذه الصفة الربانية السامية العظيمة جعلها الله عز وجل شرطاً للرضا والقبول في الدنيا والآخرة، وشرطاً للتأييد والمناصرة والمعاضدة والتمكين والاستخلاف في الأرض، قال تعالى: (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ)، وقال جل من قائل: (إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ * يَوْمَ لَا يَنفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ).
وقد مدح المولى عز وجل- في كتابه العزيز- الجماعة العاملة للإسلام التي تعلن ولاءها لله وحده، وتتبرأ مما سواه في اعتقادها، وفي كافة أعمالها وأقوالها وتصرفاتها المبنية والمنبثقة من هذا الاعتقاد السامي بأنها (حزبه وخاصته)، قال تعالى: (كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ * لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءهُمْ أَوْ أَبْنَاءهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُوْلَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ). وقال سبحانه:(إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ * وَمَن يَتَوَلَّ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ فَإِنَّ حِزْبَ اللّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ)، أي إن من يعلن ولايته لله سبحانه ولرسوله الذي بلَّغ عن ربه، ويتولى المؤمنين الذين يعلنون ولاءهم لله لا لأحد سواه؛ فإنه يستحق هذه النسبة العظيمة (حزب الله). يقول الإمام الطبري في تفسير هذه الآية الكريمة: “إن مَنْ وَثِقَ بِاَللَّهِ وَتَوَلَّى اللَّه وَرَسُوله وَالْمُؤْمِنِينَ، وَمَنْ كَانَ عَلَى مِثْل حَاله مِنْ أَوْلِيَاء اللَّه مِنْ الْمُؤْمِنِينَ، لَهُمْ الْغَلَبَة وَالدَّوَائِر وَالدَّوْلَة عَلَى مَنْ عَادَاهُمْ وَحَادَّهُمْ؛ لِأَنَّهُمْ حِزْب اللَّه. وَحِزْب اللَّه هُمْ الْغَالِبُونَ دُون حِزْب الشَّيْطَان”. ويقول المفكر الإسلامي الأستاذ سيد قطب (رحمه الله): “والله يعد الذين آمنوا في مقابل الثقة به، والالتجاء إليه، والولاء له وحده، ولرسوله وللمؤمنين بالتبعية، ومقابل المفاصلة الكاملة بينهم وبين جميع الصفوف -إلا الصف الذي يتمحَّض لله- يعدهم النصر والغلبة؛ ( وَمَن يَتَوَلَّ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ فَإِنَّ حِزْبَ اللّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ ). وقد جاء هذا الوعد بالغلب بعد بيان قاعدة الإيمان في ذاتها، وأنها هي “الولاء لله ولرسوله وللمؤمنين”. ويقول: “هذه القاعدة (من غلبة حزب الله)… لا تتعلق بزمان ولا مكان، فنطمئن إليها بوصفها سنَّة من سنن الله التي لا تتخلف، وإن خسرت العصبة المؤمنة بعض المعارك والمواقف.. فالسنَّة التي لا تُنقَض هي: “أن حزب الله هم الغالبون. ووعد الله القاطع أصدق من ظواهر الأمور في بعض مراحل الطريق، وأن الولاء لله ورسوله والذين آمنوا هو الطريق المؤدي لتحقُّق وعد الله في نهاية الطريق”.
فما معنى الولاء لله سبحانه والبراء مما سواه؟ وما هي أوصاف الفئة التي تعلن ولاءها لله سبحانه وتتبرأ مما سواه حتى تنال هذا الوصف الرباني السامي؟ وما هي جائزتها في دار الدنيا، وفي الدار الآخرة ؟.
– أما الولاء، فقد ورد في لسان العرب لابن منظور: “الوَلِيُّ هو الناصِرُ. والموالاة كما قال ابن الأعرابي: أن يتشاجر اثنان فيدخل ثالث بينهما للصلح، ويكون له في أحدهما هوى فيواليه أو يحابيه. ووالى فلان فلاناً: إذا أحبَّه… والمولى: اسم يقع على جماعة كثيرة، فهو: الرب، والمالك، والسيِّد، والمنعِم، والمعتِق، والناصر، والمحب، والتابع، والجار، وابن العم، والحليف، والعقيد، والصهر، والعبد، والمعتَق، والمنعَم عليه… والموالاة ضد المعاداة. والولي ضد العدو. ويقول الأستاذ سيد قطب رحمه الله في معنى الولاء: “الولاية التي ينهى الله الذين آمنوا أن تكون بينهم وبين اليهود والنصارى… (إنها تعني التناصر والتحالف معهم)، ولا تتعلق بمعنى اتِّباعهم في دينهم.. فبعيد جداً أن يكون بين المسلمين من يميل إلى اتِّباع اليهود والنصارى في الدين، إنما هو ولاء التحالف والتناصر الذي كان يلتبس على المسلمين أمره، فيحسبون أنه جائز لهم، بحكم ما كان واقعاً من تشابك المصالح والأواصر، ومن قيام هذا الولاء بينهم وبين جماعات من اليهود قبل الإسلام، وفي أوائل العهد بقيام الإسلام في المدينة، حتى نهاهم الله عنه، وأمر بإبطاله بعدما تبيَّن عدم إمكان قيام الولاء والتحالف والتناصر بين المسلمين واليهود في المدينة… (بعضهم أولياء بعض): إنها حقيقة لا علاقة لها بالزمن؛ لأنها حقيقة نابعة من طبيعة الأشياء؛ إنهم لن يكونوا أولياء للجماعة المسلمة في أي أرض، ولا في أي تاريخ… وقد مضت القرون تلو القرون ترسم مصداق هذه المقولة الصادقة… لقد ولي بعضهم بعضاً في حرب محمد صلى الله عليه وسلم والجماعة المسلمة في المدينة، وولي بعضهم بعضاً في كل فجاج الأرض على مدار التاريخ، ولم تختلَّ هذه القاعدة مرة واحدة، ولم يقع في هذه الأرض إلا ما قرَّره القرآن الكريم؛ في صيغة الوصف الدائم، لا الحادث المفرد، واختيار الجملة الإسمية على هذا النحو: (بعضهم أولياء بعض)، ليست مجرد تعبير إنما هي اختيار مقصود للدلالة على الوصف الدائم الأصيل”.
– أما كلمة البراء فمعناها كما ورد في لسان العرب:”قال ابن الأعرابي: بَرِئ إذا تخلَّص، وبَرِئ إذا تنزَّه وتباعد، وبَرِئ: إذا أعذر وأنذر، ومنه قوله تعالى: (بَرَاءةٌ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِه). أي: إعذار وإنذار... وليلة البراء: ليلة يتبرأ القمر من الشمس، وهي أول ليلة من الشهر”. يقول الإمام القرطبي في قوله تعالى: (براءة من الله ورسوله): “تقول: برئت من الشيء، أبرأ براءة فأنا منه بريء: إذا أزلتَه عن نفسك، وقطعتَ سبب ما بينك وبينه.. ، وبراءة: رفع على خبر ابتداء مضمر تقديره هذه براءة. وقال ابن عاشور في تفسير التحرير والتنوير :”والبراءة الخروج والتفصّي مما يتعب ورفعُ التبِعة. ولما كان العهد يوجب على المتعاهدين العمل بما تعاهدوا عليه، ويَعدُّ الإخلاف بشيء منه غدراً على المخلف؛ كان الإعلان بفسخ العهد براءةً من التبِعات التي كانت بحيثُ تنشأ عن إخلاف العهد، فلذلك كان لفظ( براءة )هنا مفيداً معنى (فسخ العهد ونبذه، ليأخذ المعاهَدون حِذرهم).
يقول الأستاذ سيد قطب في الظلال في بيان معنى قوله تعالى” (براءة من الله ورسوله إلى الذين عاهدتم من المشركين): هذا الإعلان العام، بهذا الإيقاع العالي؛ يتضمن المبدأ العام للعلاقة بين المسلمين والمشركين في ذلك الحين في جزيرة العرب قاطبة؛ إذ كانت العهود المشار إليها هي التي كانت بين رسول الله صلى الله عليه وسلم والمشركين في الجزيرة، والإعلان ببراءة الله وبراءة رسوله من المشركين، يحدد موقف كل مسلم؛ ويوقع إيقاعاً عميقاً عنيفاً على قلب كل مسلم، بحيث لا يبقى بعد ذلك مراجعة ولا تردُّد”. ويقول في تفسير قوله تعالى: (قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآَءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ)… فهي البراءة من القوم ومعبوداتهم وعباداتهم، وهو الكفر بهم والإيمان بالله، وهي العداوة والبغضاء لا تنقطع حتى يؤمن القوم بالله وحده، وهي المفاصلة الحاسمة الجازمة التي لا تستبقي شيئاً من الوشائج والأواصر بعد انقطاع وشيجة العقيدة وآصرة الإيمان. وفي هذا الفصل الخطاب في مثل هذه التجربة التي يمر بها المؤمن في أي جيل، وفي قرار إبراهيم والذين معه أسوةٌ لخلفائهم من المسلمين إلى يوم الدين… ولقد كان بعض المسلمين يجد في استغفار إبراهيم لأبيه وهو مشرك ثغرة تنفذ منها عواطفهم الحبيسة ومشاعرهم الموصولة بذوي قرباهم من المشركين، فجاء القرآن ليشرح لهم حقيقة موقف إبراهيم عليه السلام في قوله لأبيه: (لأستغفرن لك)…فلقد قال هذا قبل أن يستيقن من إصرار أبيه على الشرك، قاله وهو يرجو إيمانه ويتوقعه: (فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه) كما جاء في سورة أخرى.. .وهذا التسليم المطلق لله هو السمة الإيمانية الواضحة في إبراهيم عليه السلام يبرزها هنا ليوجه إليها قلوب أبنائه المسلمين”.
ومن خلال التدقيق في معاني الولاء لله عز وجل والبراء مما سواه، كما وردت في لغة العرب وفي المعاني الشرعية للآيات القرآنية، نرى أنه لا بد أن تتحقق أوصافٌ معينة في أولياء الله عز وجل؛ الذين جعلوا وجهتهم الله وحده، ودربهم دربه سبحانه، وتبرؤوا مما سواه: من قوةٍ ومال وجاه وسلطان، إذا كان في الطريق الثاني، طريق الشيطان. وهذه الأوصاف هي:
1- الركون إلى الله عز وجل وحده في كل أمر، وعدم الركون أو الطمأنينة إلى غير الله عز وجل، واليقين، مع هذا الركون، أن الله عز وجل هو السند الحقيقي: الحامي والراعي والمتكفل بأمر المؤمن كله… قال تعالى: (وَلاَ تَرْكَنُواْ إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللّهِ مِنْ أَوْلِيَاء ثُمَّ لاَ تُنصَرُونَ).
2- الاستقامة على دربه سبحانه وحده، كما أمر سبحانه، دون حيد ولا زيغ ولا اعوجاج أو انحراف، مع اليقين التام أن هذا المنهج هو الصحيح وحده، وأن كل ما سواه من دروب ومناهج وسبل هي معوجة خاطئة، لا توصل إلى طريقٍ صحيح، ولا إلى فلاح ولا إلى نجاح؛ لا في الدنيا ولا في الآخرة. قال تعالى: (وَأَنَّ هَـذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ).
3-كراهية أهل الشرك والضلال من الكفار، وبغض ما هم عليه من انحرافات وسقوط أخلاقي واعوجاج، وكراهية مناهجهم وشرائعهم، قال تعالى: (لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ)، وقال سبحانه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ )، وأن يكون في قلب المؤمن كامل الثقة أن مناهج هؤلاء الكفرة تغضب الله ورسوله، ويجب بغضها وبغضهم.
4– ولاية المؤمنين ومحبتهم والوقوف معهم، والتذلّل لهم… قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لآئِمٍ)، والاعتقاد أن محبة المؤمنين هي من محبة الله ورسوله لأنها مقترنة بها.
5- التضحية والفداء في سبيل نصرة الإيمان وأهله، وعدم الخوف في الله لومة لائم، والبراء من كل ما سوى الله إذا تعارض ذلك مع الدرب الهادي المستقيم، قال تعالى في وصف إبراهيم، عليه السلام، ومن سار معه: (إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَءاءُ مِنكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ).
6- كثرة الطاعات لله سبحانه، والتقرب إليه بالقول والعمل في وجوه الخير، ورقة القلب إذا ذكر الله عز وجل، قال تعالى: (إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ).
هذه هي أبرز صفات الولاء لله سبحانه وتعالى، ومن يتولونه من المؤمنين الصادقين. وهي من صفات الإيمان والتقوى، ومن الأعمال الصالحة، والاستقامة على العقيدة النيرة الهادية المستقيمة المتصلة بخالق السماوات والأرض.
أما جائزة ذلك (الولاء لله وحده والبراء مما سواه)؛ في دار الدنيا فهي كثيرة وعظيمة، سنقف عند بعضٍ منها :
1- التثبيت والهداية لهذه الفئة المخلصة العاملة، التي تنطلق من قاعدة الإيمان الراسخ الثابت قاعدة (الولاء لله وحده والبراء مما سواه). فالله سبحانه يعين من يعلن ولاءه له على الثبات على درب الحق، ويصرف عنه الوهن والخوف والضعف والخضوع والخنوع والاستكانة، قال تعالى: ( يُثَبِّتُ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللّهُ مَا يَشَاء).
2- الدفاع عنهم وصرف الأذى والسوء والفحشاء. فإخلاص الولاء والعبادة لله سبحانه، يجعل هذا المسلم في دائرة الرعاية والحفظ الرباني، قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ)، وقال عليه الصلاة والسلام: “احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك” رواه الترمذي.
3-النصرة والمناصرة … فمن نصر الله عز وجل- بالتمسك بشرعه، والعمل لإعادته- نصره وأعزه ورفع شانه، قال تعالى: )يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ * وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْسًا لَّهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ(. فمن كانت ولايته لله وحده، كان الله في عونه ومساعدته ونصرته، لأنه وليٌّ له سبحانه، وهذا ما كان يحصل مع المسلمين في معاركهم وغزواتهم وجهادهم ضد الكفار؛ حيث إنهم لم ينتصروا مرة واحدة بسبب قوتهم المادية، أو كثرة عدد وعتاد، وإنما كان ذلك بتأييد المولى سبحانه وتعالى دائماً!!. ففي معركة بدر أنزل الله ملائكة من السماء تؤيد الفئة المؤمنة، وتلقي الروع والخوف في قلوب الكفار؛ قال تعالى: )وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللّهُ بِبَدْرٍ وَأَنتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ(. وفي غزوة الأحزاب ألقى الله عز وجل الرَوْع والوهن في قلوب الكافرين من الأحزاب، وثبّت المؤمنين، قال تعالى: )يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَّمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا(.
4- التمكين والاستخلاف في الأرض، قال تعالى: (وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ * وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِي فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُم مَّا كَانُوا يَحْذَرُونَ)، وقال: (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ). فهذه جائزة عظيمة من الله عز وجل في دار الدنيا لأهل الإيمان (التمكين والاستخلاف) لمن يعلنون ولاءهم له سبحانه دون سواه. فإنه يمكِّن لهم في الأرض ويستخلفهم فيها، ليقوموا بأمانة حمل هذه الرسالة العظيمة (أمانة وحي السماء)، وذلك بسبب أنهم أمناء مع الله عز وجل في إعلان ولائهم له وحده سبحانه.
5- الإرشاد والتعليم والتبصرة، قال تعالى: (وَاتَّقُواْ اللّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللّهُ وَاللّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ). وهل يوجد تقوى أكبر من إعلان الولاء لله سبحانه وحده، والكفر بغيره من البشر وشرائعهم وأفكارهم، والعمل بمقتضى هذا الولاء والإيمان؟ إنها قمة التقوى، وصاحبها يجازى من ربه عز وجل؛ بالإرشاد والهداية والتعليم، فعلم الله عز وجل نور رباني، يعطيه لحملة النور في قلوبهم وعقولهم من أهل الإيمان والتقوى. فالمولى عزّ وجلّ يرشد أولياءه إلى سبيل الاستقامة في هذه الحياة الدنيا، ويجنِّبهم ويصرفهم عن سبل الضلال ويعلمهم ذلك.
6- حلاوة الإيمان والسعادة والطمأنينة والسكينة. فمن كان مع الله عزّ وجل ووالاه كان الله معه، وجعل في قلبه حلاوة الإيمان. يقول صلى الله عليه وسلم: “ثلاثٌ من كنَّ فيه وجد حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر كما يكره أن يقذف في النار “ البخاري.
7- الاستقامة في الحياة وعدم الشقاء والتنكّب، قال تعالى: (فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى). وهذه جائزة دنيوية عظيمة لا ينالها إلا من استقام إيمانه مع الله عز وجل بإعلان الولاء الكامل له سبحانه. وقال: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ).
أما في الدار الآخرة، فإن الجزاء عظيم في مقعد صدق عند مليك مقتدر، قال تعالى: (وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَـئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَـئِكَ رَفِيقًا * ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللّهِ وَكَفَى بِاللّهِ عَلِيمًا)، ويوفون أجورهم بغير حساب، وينالون الفردوس الأعلى في أعلى علِّيين قال تعالى🙁رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ * لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُم مِّن فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَن يَشَاء بِغَيْرِ حِسَابٍ)، وجوههم نور، ويسعى نورهم بين أيديهم، يناديهم ربهم بشراكم اليوم، قال تعالى: (يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُم بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِم بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ).
إننا، في هذه الأيام، أحوج ما نحتاج إلى هذه الصفات الربانية العظيمة، خاصّة وأننا ننتظر الفرج من الله عز وجلّ، ونعيش واقعاً يدمي الحجارة الصماء، ويعجز اللسان عن وصفه، واليراع عن خط مآسيه وكربه وأوجاعه… فالله عز وجل لا يعطي هذه الأمانة العظيمة،- أمانة الإسلام وحمله بالخلافة الراشدة على منهاج النبوّة -إلا لأمين صادق مخلص له سبحانه، فقد اختار الله عز وجل أمين السماء جبريل عليه السلام ليبلغ أمين الأرض محمد (صلى الله عليه وسلم)، ثم اصطفى من عباده المؤمنين من يحمل هذه الرسالة على منهاج النبوة من الخلفاء الراشدين، وهكذا سيبقى الاختيار حتى يرث الله الأرض ومن عليها، قال الله تعالى: (اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ)، وقال: (الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ).
إن الباطل يحاول بكلّ ما أوتي من قوة ومكر ودهاء أن يقضي على الإيمان وأهله من أهل الحق، ويزيلهم ويجتثُّهم عن وجه الأرض، قال تعالى: )إِن يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُوا لَكُمْ أَعْدَاء وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُم بِالسُّوءِ وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ )، وقال:(إِنَّ الْكَافِرِينَ كَانُواْ لَكُمْ عَدُوًّا مُّبِينًا)، لكن إرادة الله عز وجلّ لا تترك هذا الباطل يمضي في طريق المكر كما يشاء، وحيث يشاء؛ ليهدم صروح الإيمان والتقوى وأهلها المؤمنين، بل إن إرادة الله وقدرته وقفت تدافع عن هذه الفئة الإيمانية المخلصة الصادقة، وتمدّها بأسباب الصمود والتصدي أمام جبروت هذا الباطل، قال تعالى🙁 إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ). فالمولى عز وجل قد تكفَّل بنصر ونصرة أهل الإيمان، على أهل الكفر والضلال، مهما بلغت عدة هؤلاء الطغاة الكافرين، ومهما بلغ عددهم، حتى وإن كان أهل الإيمان قلة مستضعفين. قال تعالى:(وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ # وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ).
فالغلبة والنصر والظفر والعاقبة والفلاح هي لحزب الله – الموالي لربه عز وجل.. المتبرئ مما سواه – على حزب الشيطان (المعادي لله ورسوله والمؤمنين)، لأن الشيطان ضعيفٌ مكرُه، ضعيفةٌ قوتُه وحيلتُه، أمام عظمة المولى عز وجل -خالق السماوات والأرض وما بينهما، والذي بيده أسباب القوة جميعاً ومفاتح كلّ شيء، قال تعالى: (الَّذِينَ آمَنُواْ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُواْ أَوْلِيَاء الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا).
إن هذا التأييد الرباني والمؤازرة والمناصرة، هي فقط لمن اتصف بصفات الإيمان والتقوى من حزبه (حزب الله) بصدق وإخلاص، وليست للمنافقين؛ ممن حاد عن دربه واتبع سبل أحزاب الشياطين من الإنس والجنّ.. فهؤلاء لا نصرة لهم ولا نصر ولا تأييد، حتى لو سمّوا أنفسهم بأسماء الإيمان والتقوى .. قال تعالى: (إِذَا جَاءكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ* اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّهُمْ سَاء مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ).
بالتدقيق ببعض الجماعات التي تعمل للإسلام هذه الأيام، وتدعي أنها على الاستقامة والصواب، وتدعي أنها هي حزب الله، وحتى إن منها من سمّى نفسه بالفعل (حزب الله)؛ كحزب الله اللبناني. وبالتمعن في واقع أعمال هذه الجماعات، مقارنة مع الأوصاف السابقة التي اشترطها الله عز وجل، فإننا نرى الاعوجاج والتردِّي في سبل الشيطان وأوليائه في أعمالها وأقوالها وكافة تصرفاتها. وسنذكر نماذج من هذا الاعوجاج والتردي على سبيل المثال لا الحصر….
– فقد تَسمَّى باسم (الجماعة الإسلامية الباكستانية) الحزب الحاكم في باكستان سابقاً، وكان من رؤسائه (برويز مشرف). وتَسمَّى بحزب (الرابط الإسلامية الباكستانية) الحزب الحاكم الآن في باكستان، ومن رؤسائه (نواز شريف)، وكلا الحزبين يحكم بقوانين الكفر في باكستان، ويقود الشعب الباكستاني في خدمة مشاريع أميركا، ويشاركها في حربها على المجاهدين الأفغان، والحرب على المجاهدين في وزيرستان، ويقوم هؤلاء السياسيون باضطهاد كل من يدعو إلى إقامة شرع ويزجُّهم في السجون إرضاء لأميركا ودول الكفر؛ وكمثال على ذلك اعتقال الناطق الرسمي لحزب التحرير في سجون الباكستان منذ سنوات؛ بسبب دعوته لتطبيق الإسلام.
– وفي تركيا تَسمَّى الحزب الحاكم الآن باسم (الرفاه والتنمية)؛ وهو حزب إسلامي ترجع جذوره إلى الحزب الإسلامي )حزب الفضيلة الإسلامي ) الذي كان يرأسه (نجم الدين أربكان) وكان المؤسسون (لحزب الرفاه والتنمية) يمثلون جناح المجدِّدين في حزب الفضيلة…وقد أطلق البعض عليهم لقب (العثمانيين الجدد)؛ وهو ما أقره الحزب من خلال أحد قادته رئيس الوزراء) أحمد داود أوغلو ) حيث قال في 23 نوفمبر 2009م في لقاء مع نواب الحزب: “إن لدينا ميراثاً آلَ إلينا من الدولة العثمانية… نعم نحن العثمانيون الجدد… ونجد أنفسنا ملزمين بالاهتمام بالدول الواقعة في منطقتنا”!!.إن هذا الحزب الحاكم يدَّعي حرصه على الإسلام وعلى خدمة المسلمين، وفي نفس الوقت يتبنَّى رأسمالية السوق، ويسعى لانضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي. وقد صرح رئيس الحزب ورئيس الوزراء رجب طيب أردوغان أكثر من مرة أن “حزبه الحاكم سيواصل السير على طريق حماية القيم الجمهورية ومن بينها العلمانية“، وهو يقوم بأعمال كلها خدمة لأميركا، ويقيم علاقات دبلوماسية مع الكيان اليهودي، ويسمح بإقامة سفارة لهم في إسلامبول، وتوجد اتفاقات تبادل أمني وتجاري وغير ذلك من علاقات!!.
فقد شارك أميركا في حربها على الإرهاب، وقدم لها خدمات جليلة في أفغانستان أثناء حربها على المسلمين تحت ذريعة الحرب على الإرهاب. فقد ذكر قائد الأركان التركي يشار بيوك أنيت أن تركيا تشارك بـ 1755 عنصراً في احتلال أفغانستان، حيث يعملون ضمن قوات حلف شمال الأطلسي- الناتو- وسبق أن قادت قوات الناتو في أفغانستان في الفترة بين 2004م – 2005م، وفي سنة 2009م بدل فرنسا. هذا وما زالت تركيا تقوم بخدمات جليلة وعظيمة لصالح أميركا في سوريا الشام، حيث إنها تقدم كامل العون لأميركا في عقد مؤتمرات للائتلاف السوري. وتقوم تركيا اليوم بتدريب 5000 عنصر من المعارضة السورية وفق البرنامج الأميركي لإنهاء الأزمة السورية. وأعلن الرئيس التركي بعد ساعات من بدء التحالف العالمي ضرباته لتنظيم البغدادي 13-10-2014م، أن بلاده ستوفر الدعم اللازم لعملية ضربه، مشيراً إلى أن هذا الدعم قد يكون سياسياً أو عسكرياً”.
– أما حزب الله اللبناني الذي نسب اسمه إلى الله، نسبة إلى قوله تعالى: (أُوْلَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)، فلا يخفى على مسلم متابع للأحداث ما يقوم به هذا الحزب من خدمات لنظام الإجرام السوري، حيث إنه وقف في وجه أهل الشام الساعين لإسقاط هذا النظام المجرم والعلماني، والخلاص من شروره، وقامت عناصره بأبشع الجرائم ضد النساء والأطفال والشيوخ من أهل الشام، وهو ما زال يواصل حمايته لحاكم سوريا السفاح؛ فقد قال حسن نصر الله الأمين العام لحزب الله اللبناني في كلمة تلفزيونية اليوم السبت 25-5-2013م: “سندعم نظام بشار حتى ينتصر، وسنكمل الطريق حتى نهايته، وأقبل هذه المسؤولية والتضحيات، وأتخيل عواقب تلك المواقف”. كذلك لا يخفى ما يقوم به هذا الحزب من حماية لحدود كيان يهود في جنوب لبنان، بموجب اتفاقية مجلس الأمن 1701 سنة 2006م التي وقعها مع الكيان اليهودي. وهذا الحزب أيضاً هو جزء من الحكومة اللبنانية العلمانية التي تطبق غير الإسلام في جميع مؤسسات الدولة!!. وهو في سوريا يقف مع إيران في مطلب إقامة دولة مدنية علمانية، ويقف معها في السير بالحل الأميركي القائم على أساس مؤتمر جنيف.
– وإذا نظرنا إلى حزب النهضة الإسلامي، في تونس الخضراء فإننا كذلك نرى أن هذا الحزب ورؤساءه بعيدين كل البعد عن الدين الإسلامي في الدولة والحكم. فقد دعم هذا الحزب أركان النظام الحاكم الحالي (العلماني)، وسانده، وشاركه في الحكم، مع أنه يطبق قوانين الكفر في كل جزئية من جزئيات الدستور التونسي، وكذلك يساند هذا الحزب أميركا ودول الكفر في حربها على الإرهاب. ورؤساء هذا الحزب يؤيدون فكرة (فصل الدين عن الحياة) في القوانين المطبقة في تونس؛ ومن أقوال رئيس هذا الحزب إن هناك علمانية غير ملحدة، وإن التشريع يمكن أن لا يكون مصدره الإسلام فقط، وإنه لا مانع من بيع الخمور، وارتداء السائحات البكيني على شواطئ أمة الاسلام، وإنه يحق للمسلم تغيير دينه!!. وقد كان آخر ما جاء في آراء الغنوشي الشاذة هو ما ورد في (كتيب حوارات) الذي صدر الخميس في 2/4/ 2015م في فرنسا للصحفي “أوليفي رافنيلو”، وتعرض إلى مسألتي الجنسية المثلية والإجهاض في الإسلام. وقال الغنوشي في إجابة عن سؤال محاوره: “إنه يرفض المثلية الجنسية ولكنه في المقابل يرفض تجريمها“، وأوضح أن “كل شخص لديه ميول جنسية يجب احترامها، ولا يمكن أبداً التجسس على الناس في بيوتهم“.!!. وهو مع كل ذلك يسمّي نفسه “حزب النهضة الإسلامي”
– هذا ولم تكتفِ الدول الكافرة بهذه الأساليب التضليلية في مشاركة الحركات الإسلامية لغيرها من العلمانيين، ومشاركة الدول التي تحكمها لسياسات الغرب في حربه على الإسلام المخلص تحت شعار (محاربة الإرهاب)، بل إنها أرادت أيضاً تشويه صورة الإسلام الصحيح في مفهوم الخلافة الراشدة، التي يسعى لها المخلصون، بجدّ وإخلاص وصدق واستقامة لإعادتها إلى أرض الواقع؛ بإبراز أن (دولة العراق والشام) التي قامت في أجزاء من الشام ومن العراق بأن هذه هي الدولة الإسلامية الحقيقية؛ لإبعاد الناس عنها، وإحباط الساعين إلى عودتها!!..
– أما إذا نظرنا إلى المؤسسات الدينية في العالم الإسلامي؛ مثل رابطة العالم الإسلامي، وهيئة كبار علماء المسلمين، ومشيحة الأزهر، ومشيخة آل سعود؛ في بلاد الحجاز، ودور الفتوى والمؤسسات الدينية في أرجاء العالم الإسلامي، فإننا نرى أن هذه المؤسسات والهيئات تمثل الدور السيئ في خدمة سياسات الدول القائمة في العالم الإسلامي، وبالتالي الدور الأميركي في الحرب على الإسلام والوقوف في وجه عودته… فجميع المؤسسات الدينية الرسمية البارزة في العالم الإسلامي توافق وتدعم دولها العميلة للغرب في كل مواقفها.
إن مفهوم حزب الله وأوصافه وطريقه ليست أسماءً يتسمى بها أصحابها، وإن فكرة الخلافة أيضاً ليست مجرد اسم يمكن استغلاله بكل سهولة في وسائل الإعلام المسموعة والمقروءة والمرئية، بل إن أبرز صفة من صفات حزب الله السائر على درب الله عز وجل؛ (المحب لله والمبغض لغيره) هي:
* إعلان الحاكمية لله عز وجل لا لأحد سواه من الخلق. يقول الأستاذ سيد قطب رحمه الله تعالى في تفسير قوله عز وجل: )إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ أَمَرَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ(:”والله الواحد القهار؛ خير أن يدين العباد لربوبيته، من أن يدينوا للأرباب المتفرقة الأهواء، الجاهلة القاصرة العمياء عن رؤية ما وراء المنظور القريب – كالشأن في كل الأرباب إلا الله – وما شقيت البشرية قط شقاءها بتعدد الأرباب وتفرقهم، وتوزع العباد بين أهوائهم وتنازعهم. فهذه الأرباب الأرضية التي تغتصب سلطان الله وربوبيته؛ أو يعطيها الجاهليون هذا السلطان تحت تأثير الوهم والخرافة والأسطورة، أو تحت تأثير القهر أو الخداع أو الدعاية!. هذه الأرباب الأرضية لا تملك لحظة أن تتخلص من أهوائها، ومن حرصها على ذواتها وبقائها، ومن الرغبة الملحة في استبقاء سلطانها وتقويته، وفي تدمير كل القوى والطاقات التي تهدد ذلك السلطان من قريب أو من بعيد؛ وفي تسخير تلك القوى والطاقات في تمجيدها والطبل حولها والزمر والنفخ فيها كي لا تذبل ولا تنفثئ نفختها الخادعة!”.
* السعي لإيجاد هذه الحاكمية عن طريق دولة تطبق هذه الحاكمية الربانية عملياً في الدولة والمجتمع أن يعمل هذا الحزب جاهداً – بكل ما أوتي من طاقة وجهود – لإيجادها هذه الحاكمية في أرض الواقع؛ فلا يقبل الحلول الاستسلامية، ولا الحلول الوسطية، ولا يقبل أي مشاركات هنا وهناك؛ من ألوان الخلط مع النظم الكافرة، بل إنه يمضي قدماً – لا يأبه لشيء من العروض والإغراءات والمناصب الدنيوية والمشاركات – ولا تؤثر في طريقة سيره كل الشدائد والصعاب والكروب والأهوال، ولا محاولات الكفار ودولهم وأتباعهم والحكام أو علماء السوء.
* الصبر والثبات على هذا الطريق. فهذا الطريق إلى الله تعالى في سبيل مرضاته وتطبيق شريعته طريق شاق وصعب ومحفوف بالصعاب والعقبات الجسام، يتعرض صاحبه للأذى والحرمان والمطاردة وكثرة التفكير والإرهاق أحياناً، وربما تعرض للسجن والتعذيب أو الطرد من وظيفته أو غير ذلك من ألوان الأذى؛ فلا بد أن يتحلَّى صاحبه بالصبر والمصابرة والمرابطة والثبات، قال تعالى 🙁يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ)، ويقول🙁يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ).
ونسأل الله تعالى أن يكون (حزب التحرير) هو ممن يناله حظاً من هذه الأوصاف؛ فهو يعلن الولاء لله وحده، ويقر له بالحكم والحاكمية، ولا يقبل أنصاف الحلول وأرباعها والمشاركة بحكم غير الإسلام، والاختلاط بغير الإسلام؛ لأنه يعتبر أنها ليست من الإسلام في شيء، ولا تستحق أصلاً أن تنسب إلى الإسلام. يقول الأستاذ سيد قطب في الظلال في تفسير سورة “الكافرون”: “إن التوحيد منهج، والشرك منهج آخر… ولا يلتقيان… التوحيد منهج يتجه بالإنسان – مع الوجود كله – إلى الله وحده لا شريك له… ومن ثم تقوم الحياة كلها على هذا الأساس، غير ملتبسة بالشرك في أية صورة من صوره الظاهرة والخفية… وهذه المفاصلة بهذا الوضوح ضرورية للداعية، وضرورية للمدعوين… إن الجاهلية جاهلية، والإسلام إسلام، والفارق بينهما بعيد، والسبيل هو الخروج عن الجاهلية بجملتها إلى الإسلام بجملته، هو الانسلاخ من الجاهلية بكل ما فيها، والهجرة إلى الإسلام بكل ما فيه… وما أحوج الداعين إلى الإسلام اليوم إلى هذه البراءة وهذه المفاصلة وهذا الحسم… ما أحوجهم إلى الشعور بأنهم ينشئون الإسلام من جديد في بيئة جاهلية منحرفة، وفي أناس سبق لهم أن عرفوا العقيدة، ثم طال عليهم الأمد فقست قلوبهم وكثير منهم فاسقون)… وأنه ليس هناك أنصاف حلول، ولا التقاء في منتصف الطريق ، ولا إصلاح عيوب، ولا ترقيع مناهج… إنما هي الدعوة إلى الإسلام كالدعوة إليه أول ما كان، الدعوة بين الجاهلية. والتميز الكامل عن الجاهلية… )لكم دينكم ولي دين(!. وهذا هو ديني: التوحيد الخالص الذي يتلقى تصوراته وقيمه وعقيدته وشريعته كلها من الله دون شريك في كل نواحي الحياة والسلوك… وبغير هذه المفاصلة سيبقى الغبش، وتبقى المداهنة، ويبقى اللبس، ويبقى الترقيع… والدعوة إلى الإسلام لا تقوم على هذه الأسس المدخولة الواهنة الضعيفة، إنها لا تقوم إلا على الحسم والصراحة والشجاعة والوضوح”. إن كل الضلالات والخزعبلات والأسماء والمسميات الخالية من مضمونها يكشفها الله عز وجل، ولا يبقيها متخفية تحت أستارها، فالإسلام كما يقول الحكماء: (ظهرٌ لا يمتطيه إلا من أتقن فن القيادة الصحيحة وأخلص فيها ولها). أما غير ذلك ممن يمتطون صهوة هذا السرج الأصيل، فإنهم سرعان ما يسقطون أرضاً، وهذا مصداق لشهادة المولى عز وجل في قوله تعالى: (فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاء وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ) والزبد: المزيف الخادع الكاذب… إنه مهما طال الزمان فلا بد للفئة المخلصة الصادقة من أن تتسلم جائزتها من الله عز وجل في دار الدنيا بالتمكين والاستخلاف، لأن هذا وعد من الله عز وجل ووعد الله لا يتخلف أبداً. قال تعالى: (وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللّهِ فَاسْتَبْشِرُواْ بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ)، وقال:(وَعْدَ اللّهِ حَقًّا وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللّهِ قِيلاً)
فالله سبحانه وعد الفئة السائرة على دربه (حزب الله) بأنهم هم الغالبون، وبأنهم هم المفلحون في دار الدنيا، وبأنهم هم الفائزون الناجون في الدار الآخرة… (فَإِنَّ حِزْبَ اللّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ ) (أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ).
ولا بد كذلك أن يفضح الله عز وجل كل الضلالات التي تسمَّت باسم الإسلام، وأن يسقطها أرضاً، وأن يكشفها أمام أتباعها وأنصارها، وأن يهدم كل من رفعوا شعار الخلافة؛ كذباً وزوراً وبهتاناً ليصدوا بها عن سبيل الله، وليشوِّهوا اسمها ومسماها في أذهان الناس، وفي هذا بشرى لأصحاب الحق، أصحاب الصدق والإخلاص والاستقامة. فالله عز وجل لا يعطي أمانة وحي السماء إلا لأمين، ولا يعطي الخلافة الصادقة السائرة على طريق الوحي والرسالة إلا لفئة مخلصة لله صادقة معه سبحانه، لأن هذه الدولة بهذه الفئة القائدة هي التي ستحمل أمانة الرسالة بعد رسل الله.
لقد منَّ الله عز وجل على أمة الإسلام بحزب صادق مخلص؛ اتصف بصفة العبودية والولاء لله عز وجل، وتبرأ مما سواه من مناهج البشر العوجاء، ولم يقبل بأنصاف الحلول ولا أرباعها، ورفض كل ألوان المشاركات في الأنظمة الكافرة، وتحمل في سبيل ذلك الأذى والعنت والمشقة، وظل صابراً ثابتاً على طريقه وطريقته، لا يغير ولا يبدل أبداً.. وظل هذا الحزب عاملاً لله عز وجل ثابتاً في طريق الإيمان والصبر والتقوى منذ ما يقارب الستين عاماً متواصلة؛ 1372ه- 1436هـ..!!
لقد أخلص هذا الحزب عمله لله وحده، ولم يركن إلى هذه الأنظمة العميلة في شيء، واستقام على منهج الله عز وجل؛ حسبما سار عليه الخلفاء الراشدون، وما زال صابراً محتسباً ينتظر فرج الله عز وجل ووعد الله. هذا الحزب هو (حزب التحرير الإسلامي) الذي أسسه العالم التقي (الشيخ تقي الدين النبهاني) رحمه الله (1372 هـ – 1953م).
نسأله تعالى أن يكرم هذا الحزب عما قريب بالخلافة الراشدة الموعودة على منهاج النبوة، وعلى منهج الخلفاء الراشدين، وأن يلقي الإسلام في ظلها بجرانه… فيرضى عنها ساكن الأرض وخالق السماوات والأرض. آمين يا رب العالمين
2015-06-01