العدد 342 - 343 -

السنة التاسعة والعشرون رجب وشعبان 1436هـ – أيار وحزيران 2015م

ماذا يعني إقامة «الخلافة الراشدة» الجامعة

بسم الله الرحمن الرحيم

ماذا يعني إقامة «الخلافة الراشدة» الجامعة

الدكتور حازم بدر – فلسطين

لن أفرد حديثاً في هذه الكلمة للتدليل على وجوب وجود الخلافة في حياة المسلمين، فالأدلة على ذلك ثابتة ومستفيضة في الفقه الإسلامي غير المشوَّه اليوم بقرار أعداء الدين والخلافة، فلا ينكر وجوب الخلافة، نظام الإسلام السياسي الوحيد، إلا دول الضرار في بلاد العالم الإسلامي، التي قامت على أنقاضها بإذن من الكافر المستعمر، ولا ينكرها إلا علماء السلاطين، ممن باعوا دينهم بعرَضٍ من الدنيا حقير، ولا ينكرها إلا كل علماني تربَّى في مدرسة الغرب الفكرية الجاهلة والحاقدة على الإسلام، ولا ينكرها إلا كلُّ مضلَّل عنها، جاهلٌ بمشروعيتها الظاهرة البيِّنة، ولا ينكرها إلا من يئس من العمل للتغيير الواجب والشامل الداعي لها، وتلهَّى بدعوة لا تعزُّ مسلماً ولا تعيد مجداً للإسلام كان وسيظل، دعوة توفِّر له تواجداً سهلاً على الساحة السياسية بعيداً عن أية ملاحقة أو مضايقة من أعداء الإسلام وأعداء الخلافة… ولا ينكر الخلافة إلا من أقعدته التحدياتُ فبدأ بمهاجمتها بدل الصبر على العمل لها، متفيِّئاً قول الله عز وجل: (الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ فَانقَلَبُواْ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُواْ رِضْوَانَ اللّهِ وَاللّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ).

 لكل هؤلاء نؤكد: إننا ندعو ونعمل للخلافة لأنها حكم شرعي ثابت لا يعانده إلا كل مكابر يعمل على التنصل من مسؤوليته تجاه دين الله وأحكام الإسلام. إننا نريد الخلافة لأننا فهمنا ما فهمه الصحابة وتابعوهم وكل علماء المسلمين الصالحين الغيورين على دين الله وأحكامه، فكانت عندهم حقيقة شرعية تاريخية لا مشاحة فيها، ولم تكن عندهم حلم ووهم، كما يحلو لبعض الناعقين اليوم أن يصورها مخترعاً أباطيل وأكاذيب حولها حتى يرضي دوائر الفكر والسياسة في الغرب التي تتحكم في منظومة الفكر والسياسة الرسمية في بلاد المسلمين. ونقول لهم مرة أخرى: اُصدُقوا ربكم القول والعمل، وستجدون أن الخلافة في الإسلام مثل الصلاة والزكاة وكل الفروض، بل باتت اليوم (وهي مغيَّبة قسراً) قضية الأمة المصيرية، فلا إسلام ولا دين إلا بها، ولا عزة لنا إلا بها،  فالغاية من وجودها  هي تحقيق مفهوم التوحيد، وعبادة الله، والتسليم المطلق لله عز وجل، والعمل بشرعه، وهداية الناس إلى الإسلام، وإخضاع العالم لسلطان الإسلام؛ ولهذا كله، فإننا نصر على الدعوة والعمل لها، ونؤمن أن السعي الجاد لها هو العمل الشرعي والمنتج الذي يتوجَّبُ علينا العضُّ عليه بالنواجذ.

لكن من أبناء المسلمين اليوم، وللأسف، من يثبِّط ويُخذِّل عن العمل للخلافة، بل ويطالب العاملين لها أن يتركوها وأن ينخرطوا – بحسب زعمه- فيما يُسمَّى بالعمل السياسي الوطني في هذا القطر أو ذاك، فالخلافة عندهم حلم بعيد المنال، ولا يمكن أن يسمح بها أعداؤها الكثيرون؟!. ومن هؤلاء المشكّكين بوجوب العمل للخلافة من يتهمُ العاملين لها بالتصلب في مواقفهم، وبعدم الواقعية السياسية، والنأي بالنفس عن الانغماس في الحياة السياسية في منظومة العمل السياسي لهذا القطر أو ذاك البلد. نقول لهؤلاء: إن ما يحركنا للخلافة، في الأساس، هو أننا قطعنا بفرضيتها ووجوبها ومشروعيتها وحتميتها في حياة المسلمين، ونعمل لها بفاعلية وعزيمة لا تلين بين المسلمين، وفي أوساطهم السياسية، لكننا لا نقبل أن ننفعل في منظومة العمل السياسي الوطني، تحت وصاية ورعاية الأنظمة نفاقاً ومداهنة لها، بل نسعى إلى هدم كيانها، وها نحن نحقق نجاحات مهمة وأكيدة لصالح فكرتنا بين الناس، والحمد لله.  لكننا نسألكم وبنفس منطقكم: ماذا حققت أعمالكم السياسية من خير للإسلام ولدين الله منذ أن هدمت الخلافة؟! هل غيَّرت كل أعمالكم، سواء ما كان منها بحسن نية أو بسوئها،  من واقع المسلمين المزري شيئاً ولو بسيطاً، أم أنها أحطَّت بنا أكثر وأكثر؟! هل أوجدت أعمالكم إسلاماً أو أزالت منكراً؟! هل من أمل، من خلال أعمالكم ومشاريعكم السياسية، أن يتخلَّص المسلمون من حكم الرويبضات الطواغيت عليهم، والذي يرزحون تحته منذ عشرات السنين؟ هل مشاركتكم الأنظمة الغاشمة منظوماتها السياسية الفاسدة قدَّم ويقدِّم خيراً في عودة جزء من الإسلام؟ هل قدمت الحركات الوطنية العلمانية في بلاد المسلمين خيراً للأمة الإسلامية بعد سقوط الخلافة، أم أنها كانت من معاول الهدم في كيان الأمة الجامع لصالح الفرقة والتشرذم والتبعية للكافر المستعمر وحدود سايكس بيكو؟! ماذا فعلت من تُسمّي نفسها «حركات التحرر الوطني» في بلاد المسلمين غير أنها أبعدت المسلمين عن وحدتهم الحقيقية، وأسلمت بلادهم للمستعمرين يتحكمون فيها سياسياً واقتصادياً، وينهبون ثرواتها، ويقتلون أهلها، ويلاحقون إسلامها؟! هل بعد ذلك يترك العاملون للخلافة عملهم الشرعي، ويسيرون في ركاب تلك الحركات، ويشاركونها العمل السياسي، ويتواجدون معها على الساحة الوطنية هنا وهناك، حفاظاً على الأنظمة الغاشمة الآيلة للسقوط، فهل يقبل بهذا عاقل؟.

إن الواقع اليوم يصدق ما ندعو إليه ونسير فيه، فالبديل عن العمل للخلافة هو كل ما نراه اليوم على الساحة السياسية في كل بلاد المسلمين، مما لم ينفع عودة الدين إلى حياة الأمة في شيء. ومرة أخرى نؤكد متسائلين: ماذا أنتج من لم يعمل للخلافة منذ أن سقطت؟ لا شيء، بل زادنا رهقاً وذلاً فوق ذل، وأكَّد تفرق شملنا، وهدر مقدراتنا، وأسلمنا لأعدائنا، وتركنا في ذيل الأمم!! وهل ينكر عاقل أن كل ما يعانيه المسلمون اليوم من التخلف والضعف، وما يكابده المسلمون اليوم من التشرد الملاحقة والتجزئة أنَّ سببه العمل السياسي الوطني الذي يوجهه حكام المسلمين بأوامر أسيادهم في الغرب؟ إننا خسرنا ونخسر كل يوم بسبب عدم العمل للخلافة… خسرنا اجتماع المسلمين لصالح الفرقة باسم الاستقلال المزعوم، خسرنا حقوقنا، خسرنا إرادتنا السياسية، خسرنا مهابتنا التي كانت في قلوب أعدائنا منا، مصداقاً لقوله صلى الله عليه وسلم: «ولينزعنًّ الله من قلوب أعدائكم المهابة منكم» رواه أحمد وأبو داود. إننا خسرنا، فوق كل شيء، بغياب وحدتنا ودولتنا، شهادتنا على الناس يوم القيامة، بأننا بلغنا الناس الدين القيم.

إننا، ونحن ندعو ونعمل للخلافة، ندرك أن الغرب المستعمر المتحكِّم بكل سبل الفكر والسياسة في منظومات الحكم التابعة له في بلاد المسلمين، يعي تماماً معنى عودة خلافة المسلمين الحقيقية؛ لذلك فهو يحرص على أن لا تعود نظاماً سياسياً للمسلمين، وهو يعمل بلا هوادة على حربها وتشويهها في أذهان أبناء المسلمين، حتى ينفضُّوا عن العمل لها. وهو يقبل بأي شيء في الإسلام سواها، فهي بالنسبة له تهديد وجودي حقيقي لحضارته الفاسدة الزائفة. وما اندفاع قيادات الغرب ودوائره الفكرية والسياسية اليوم في النيل من الإسلام والخلافة والقرآن ورسول البشرية إلا من أجل صد المسلمين، وكل الناس عن دين لله، واتِّباع رسول الإسلام، وإقامة الدين في دولته الغائبة – دولة الخلافة. إنها حرب متجددة على الإسلام بلا هوادة، وفي كل محفل، وفي كل حين، وبكل السبل، وبأي ثمن، قال تعالى: ]إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّواْ عَن سَبِيلِ اللّهِ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ[. وما كل هذه الحرب المسعورة والاتهامات والافتراءات على دين الله والخلافة، ورمز الإسلام محمد صلى الله عليه وسلم إلا لأنهم يرون أن الإسلام يمتد ويقوى في العالم كله، حتى في عقر دارهم في الغرب. وهكذا فهم لا يهاجمون شيئاً ميتاً، بل مارداً عظيماً أخذ بالتململ. كما أن وتيرة هجومهم المتصاعدة دليل قوي على حيوية الإسلام وإحساسهم، بل وقناعتهم، أن الإسلام قادم، وأنه يهدد حضارتهم، ويهدد وجودهم. فتصريحات قادتهم ومفكريهم أكثر من أن تُحصى عن خشيتهم من الإسلام ودولة الخلافة من أن تقوم وتعود، وتردُّ لهم الصاع صاعين، فالخلافة عندهم، وبشهادتهم، قادمة، وهي مسألة وقت، وليست أضغاث أحلام كما ينعق البعض، ممن ينتسبون للإسلام، نيابة عن أعداء الدين. يقول باتريك بيوكانن، وهو مرشح جمهوري أميركي في 2011م: «إن الإسلام السياسي قادم، وقد استطاع أن يتخطى القومية والوطنية والاشتراكية في بلاد المسلمين، بل وصرعها، وها هو يقف على أعتاب الرأسمالية ليهزمها». ويقول توني بلير رئيس الوزراء البريطاني السابق ونقلته صحيفة العرب اللندنية في 23/4/2014م  نقلاً عن الـ BBC: «إنني أدعو القادة الغربيين إلى إنهاء خلافاتهم مع روسيا حول أوكرانيا، والتركيز على مواجهة خطر ما وصفه بـ (الإسلام الراديكالي)»، وحذَّر من أن هذا التهديد «يزعزع استقرار المجتمعات وحتى الدول، ويقوِّض إمكانية التعايش السلمي في عصر العولمة». وقال أيضاً أمامَ المؤتمرِ العامِ لحزبِ العمالِ البريطاني في 16/7/2005م: «إننا نجابه حركة تسعى إلى إزالة دولة إسرائيل، وإلى إخراج الغرب من العالم الإسلامي، وإلى إقامة دولة إسلامية واحدة تحكِّم الشريعة في العالم الإسلامي عن طريق إقامة الخلافة لكل الأمة الإسلامية». أما هيلاري كلينتون فقد نقلت جريدة الشرق الأوسط بتاريخ 1-11 -2012م قولها في مؤتمر صحفي في زغرب في العراق: «هناك معلومات مثيرة للقلق حول متطرفين يتوجهون إلى سوريا ويعملون على تحويل مسار – ما كان حتى الآن ثورة مشروعة ضد نظام قمعي لصالحهم» ونقلت عنها وكالة رويترز قولها أيضاً: «إن محادثات المعارضة السورية في قطر الأسبوع المقبل ينبغي أن تؤدي إلى توسيع الائتلاف، الذي من شأنه الحديث بقوة ضد الجهود التي يبذلها المتطرفون لاختطاف الثورة السورية» وتقصد بـ «المتطرفين» من يعملون لإعادة الخلافة في سوريا. وكان وزير خارجية روسيا لافروف قد حذر الغرب في مؤتمر صحفي على هامش مؤتمر جنيف2  في 18 /12/ 2013م من سعي «جماعات متطرفة لإقامة خلافة إسلامية في سوريا».

إن المسلمين اليوم بالتزامهم بإسلامهم أصبحوا يخيفون أعداء الدين في الغرب والشرق، فأعداؤنا يرون أننا نتحرك من أجل الإسلام، ومن أجل إعادة مجده في دولته الغائبة. والغرب إنما يهاجمنا من أجل تخويفنا من العمل للإسلام، ومن أجل تنفيرنا عنه، ومن أجل تدجيننا لنكون مسلمين (معتدلين) مؤدبين بحسب طريقته، ولنكون مسلمين بالهوية: نقبل بأفكاره وقيمه العفنة، ونترك صالح فكر الإسلام الذي يهدد حضارته ووجوده. إنه يريد أن يجعل المسلمين يقبلون بالعيش دون إسلام ودولة وهوية خاصة، وأن يرضخوا للعيش في ظل دويلات الضرار، فقراء معوزين، تُقسَّم بلادهم، وتُنهَب ثرواتهم لصالح الغرب الرأسمالي المجرم. وها هم قادة الغرب، وعلى يد حكام المسلمين أذنابهم، يلاحقوننا في بلاد المسلمين، حتى نرفع الرايات البيض ونسكت، فلا نخرج على دين ملوكنا ونثور عليهم. وها هم مرتعبون من مسلمي الغرب، فيطاردونهم ويضيِّقون عليهم بذريعة محاربة الإرهاب والتطرف حتى يقبلوا بالانصهار في مجتمعاتهم الفاسدة، ويتنصَّلوا ويتبرَّؤوا  من دين الله. إن أعداء الدين يرون أن الإسلام بات يكسر كل الحواجز وكل القلوب، حتى في بلادهم، قال تعالى:( يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ).

إن الغرب الديمقراطي الرأسمالي ليست لديه قيم وأفكار ومفاهيم يمكن أن يحملها ويصدرها للبشرية، فأفكار الحريات المنفلتة، وأفكار الإباحية الحيوانية، وأفكار الاقتصاد المحتكر المستغل، والتفكك الأسري، والجريمة، والمخدرات والمسكرات، واستعمار بلاد العالم كلها، هي فقط مما يحمله الغرب للعالم. ولأن الإسلام وخلافته القادمة، هو من يكشف زيف حضارته، وعورات مجتمعاته، فإنهم يكرهونه، ويكيدون له، ويعملون على منعه من الظهور. ونحن نسأل: لماذا يترك الناس في الغرب وبالآلاف دينهم وديمقراطيتهم لصالح دين الله كل عام؟ نحن ولا شك أمام حالة صراع حضاري بين حضارة ونور الإسلام وبين حضارة الغرب الفاسدة الزائفة، قال تعالى:( قُلْ يَـٰأَهْلَ ٱلْكِتَابِ هَلْ تَنقِمُونَ مِنَّآ إِلاَّ أَنْ آمَنَّا بِٱللَّهِ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَآ أُنزِلَ مِن قَبْلُ وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ فَاسِقُونَ).

لكن المؤلم أن لا يعيَ كثيرٌ من أبناء المسلمين رسالة الغرب الصليبية هذه لنا: أن لا نعمل للإسلام والخلافة، وأن لا ننادي بتحكيم شرع الله على أساس أنَّ هذا حلم وتطرف وإرهاب، وأن لا نعمل على التوحد في دولة الإسلام الجامعة. ألم يدعُ الرئيس الأميركي أوباما في المؤتمر الذي عقد في واشنطن لبحث سبل مواجهة التطرف (أي الإسلام) في 17- 19 /2/2015م بحضور 60 دولة، إلى مواجهة «الوعود الكاذبة للتطرف» ويقصد بذلك وعد الرسول عليه الصلاة والسلام عن عودة الخلافة، و»أيدولوجيته الحاقدة» ويقصد بذلك فكر الخلافة والعمل السياسي لها، والذي بات يقضُّ مضجعه، وهو زعيم أكبر دولة في العالم، فهل الخلافة بعد ذلك، وهي محط اهتمام قادة الغرب، وسبب قلقهم البالغ،  وهمٌ أم حقيقة؟؟!!

فهلَّا أدرك المسلمون قضيتهم الحقيقية والمركزية، وحجمها واتجاهاتها؟ هلاَّ أدركوا أن قضيتهم هي العمل للإسلام حتى يُحتكمَ إليه في دولته التي تحمل الخير للعالمين؟ هلّا أدركوا أن قضية أعداء الدين هي تقصّد الإسلام والحيلولة دون أن يعود متنفِّذاً في شؤون الحياة والسياسة والمجتمع ليكون هو المنقذ للبشرية من الرأسمالية؟ هلّا أدركوا أن الغرب – ببساطة- لا يريد للإسلام أن يعود إلى الحكم لأنه الشيء الوحيد الذي يهدد حضارته بشكل حقيقي، وهو الشيء الوحيد الذي سيقطع يده من أن تمتد إلى مقدرات وخيرات بلادنا؟ وأن الغرب مستعد لقبول أي شيء سوى وحدة المسلمين في دولتهم الجامعة، الخلافة؟ هلا أدركنا أن قادة  الغرب إنما يضلِّلون الرأي العام عندهم وعندنا، ويشوِّهون الصراع مع المسلمين، بإعلانهم أنهم في حرب مع الإرهاب، هذه الكذبة المفضوحة، فهم أصل الإرهاب في العالم ورعاته، ودول الغرب كأميركا وفرنسا وبريطانيا وروسيا هي مصدِّرة الإرهاب الدولي ومنبعه، وهي ترتكب، باسم الديمقراطية الفاجرة، أفظع الجرائم حول العالم، خصوصاً في بلاد المسلمين.

إنْ فهمنا هذا ووعيناه، فعلينا أن ندرك أن الرد على هجوم أعداء الدين علينا يكون بالعمل من أجل العودة إلى القضية الأساسية والوحيدة لنا: العمل من أجل بناء صرح للإسلام، يرفعنا أمام أعدائنا ويعزنا، ويوقف هيمنة الغرب في بلادنا المنهوبة الممزَّقة. إنها دولة الخلافة الراشدة التي ستقدِّم النموذج الرباني في الرعاية والعدل والرحمة، فيسعد بها المسلمون وغيرهم. ألا يرى ويلمس المسلمون ما يحصل لنا اليوم بغيابها؟ ألا يرون ما يحصل لنا اليوم على يد الكهنة البوذيين في بورما من قتل وحرق بالجملة، وبمباركة من الغرب الديمقراطي المجرم؟ ألا يرَون التعذيب لآلاف المسلمين من الإيغور في غرب الصين، والغرب الديمقراطي صامت صمت القبور؟ ألا يرَون محرقة المسلمين في الشام، وحملة الغرب الصليبية علينا هناك، لأننا نريد إزالة عميلهم هناك، وإقامة حكم الله؟ ألم يرَوا الدمار والحرق في غزة الأبية؟ ألم يرَوا قتل المسلمين في رابعة القاهرة وبنغازي وصنعاء وبغداد وكابل؟ إن العالم اليوم يمتلىء كرهاً للإسلام بتوجيه الغرب والأنظمة في بلاد المسلمين، فصار القتل الجماعي للمسلمين أمراً مألوفاً، وصارت الإساءة إلى مقدَّسات الإسلام أمراً متكرراً، وصار اضطهاد المسلمين، بسبب إسلامهم، أمراً طبيعياً في العديد من دول العالم. فمن يرفع ويوقف كل هذا؟ هل غير الخلافة ترفعه؟ هل غير الخلافة تعيد هيبتنا الضائعة وسلطاننا المسلوب؟ هل علمنا ماذا فعل أحد قادتنا العظام السلطان عبد الحميد في 1890م زمن الخلافة العثمانية، والتي تشوَّه صورتها في أذهاننا اليوم حتى ننفر منها ولا نعمل لها؟ فقد سمع خليفتها أن فرنسا تنوي عرض مسرحية تنال فيها من رسول  البشرية محمد صلى الله عليه وسلم، فأرسل مجرد رسالة لفرنسا، لا يستعطفها كما الحال مع حكام المسلمين اليوم، بل يأمرها، ويمنعها فيها من عرض تلك المسرحية، فماذا فعلت فرنسا؟ هل أرسلت جيشها كما تفعل اليوم لتأديبنا؟ هل تحالفت مع بريطانيا وروسيا وأميركا لضربنا في عقر دارنا كما تفعل اليوم؟ لقد أطاعت فرنسا أمر سلطاننا، وأرسلت رسالة تقول فيها: «نحن متأكدون بأن الموقف الذي اتخذناه تجاه أمر السلطان سيعزز العلاقة التي بيننا.» لله درُّك يا خليفة المسلمين.. تعالَ وانظر إلى حكام المسلمين العبيد اليوم، وكيف يوالون الغرب ضد الإسلام.

يكفينا هذا المشهد لنقطع ونعي ما يعنيه وجود خلافة للمسلمين اليوم. ولهذا فإن الغرب الكافر، وكل من يعمل لديه من أنظمة وأوساط سياسية فاسدة في بلاد المسلمين، يحاربونها ويشوهونها، وهي على رأس أجنداتهم. وهم يفعلون هذا بوسائل أهمها:

أولاً: تشويه الخلافة السابقة، وتشويه تاريخها وصورة خلفائها، حتى ينفر المسلمون منها، ومن العمل لها.

ثانياً: إظهار الخلافة السابقة، تضليلاً، كدولة كهنوتية يتسلط فيها الحكام باسم الدين، وهذا افتراء متهافت، شرعياً وتاريخياً، عند كل عالم منصف.

ثالثاً: الهجوم على الخلافة السابقة، بإبراز الخلافات السياسية بين مكونات الطبقة السياسية فيها، واعتبار هذا دليل على فسادها وعدم صلاحية عودتها؟! وهؤلاء إنَّما يضلِّلون ويكذِّبون، بزعمهم هذا، وعلى المسلمين أن يدرسوا تاريخ خلافتهم ليعلموا معنى وضوابط الخلاف السياسي الشرعي في الإسلام وحدوده،  وعلى من يشوِّه الخلافة في هذا الجانب أن يكون منصفاً، وأن لا يكيل بمكيالين، وأن ينظر في الخلافات السياسية المحمومة الحاصلة اليوم عند الغرب (الديمقراطي)، على سبيل المثال، بين الأحزاب السياسية عندهم، مع التأكيد على فارق التشبيه طبعاً بين نظام الإسلام الصحيح وبين ديمقراطية الغرب الفاسدة.

  رابعاً: التركيز المتعمَّد على فكرة أن الخلافة كانت راشدة في بدايتها ثم تراجعت، والزعم أن ذلك دليل على عدم صلاحيتها اليوم، وهذا تضليل كبير أيضاً، فالخلافة دولة بشرية أولاً وأخيراً، فإن أحسن ساستها واستقاموا وحوسبوا من الناس والحركات السياسية فيها ارتفع مقامها ورضي الله عنها ، وإن أساء قادتها السياسيون ولم يحسنوا تطبيق الإسلام فيها ولم يحاسبوا نزلت عن مقام الرشاد المطلوب، لكنها تظل دولة تطبق الإسلام في جميع نواحي الحياة. أما أن يعتبر هذا الارتفاع والانخفاض فيها دليلاً ضدها وضد عودتها، فهذا عين التلبيس والافتراء. والرسول صلى الله عليه وسلم تحدث عن أطوار الخلافة وحالها، لكنه أكد على عودتها راشدة، فقال: «تكونُ النُّبُوَّةُ فيكم ما شاء اللهُ أن تكونَ، ثم يَرْفَعُها اللهُ تعالى، ثم تكونُ خلافةً على مِنهاجِ النُّبُوَّةِ ما شاء اللهُ أن تكونَ، ثم يَرْفَعُها اللهُ تعالى، ثم تكونُ مُلْكًا عاضًّا، فتكونُ ما شاء اللهُ أن تكونَ، ثم يَرْفَعُها اللهُ تعالى، ثم تكونُ مُلْكًا جبْرِيَّةً فيكونُ ما شاء اللهُ أن يكونَ، ثم يَرْفَعُها اللهُ تعالى، ثم تكونُ خلافةً على مِنهاجِ النُبُوَّةٍ . ثم سكت». فهل يرضينا أن تعود الخلافة على منهاج النبوة كما أخبر الرسول  صلى الله عليه وسلم  ، أم سنظل نهاجمها خوفاً من أعداء الدين، وطمعاً في عرضهم الزائل؟؟!  نحن اليوم لا نريد إلا الخلافة التي تكون على «منهاج النبوة» التي سكت بعدها الرسول  صلى الله عليه وسلم  ،  فإن كانت الخلافة سقطت، فذلك سببه تفريط المسلمين، وتراجعهم عن العضِّ على الدين بالنواجذ، وعدم استقامتهم، ولن تعود حتى يستقيم أمرنا فيكافئنا الله بها، وإلا فلا. قال تعالى: ( وَأَنْ لَوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا ).

خامساً: الإخفاء المقصود لمكانة الخلافة السابقة المرموقة بين الدول، وبطولاتها وفتوحاتها وقيادتها للعالم، وأنها كانت رحمة للعالمين، وأنها كانت الأولى في كل شيء: في الفكر والسياسة والتشريع والرعاية والعلوم، وأنها كانت قبلة كل الناس. وما تخلفنا اليوم في كل نواحي الحياة إلا بسبب غيابها، وعودتها اليوم عودة لكل ما كان وزيادة، بإذن الله، فمبدأ الإسلام واحد وأثره واحد لا يتغير، قديماً وحديثاً.

سادساً: أمر الأنظمة في بلاد المسلمين (بأمر من الغرب الكافر)  لما يسمى بالمراجع الشرعية في بلاد المسلمين، كالأزهر ومنظمة المؤتمر الإسلامي، بالهجوم على الخلافة ونفيها، وإطلاق أبواقهم الإعلامية ضدها وتشويهها، حتى يضلل وينصرف الناس عنها. وما يحصل في مصر من مؤتمرات وندوات تحت عنوان «تجديد الخطاب الديني» بعيد استلام السيسي في مصر، إلا مثال صارخ على العمل المبرمج في الحرب على كل أصيل في الإسلام، ومنه الخلافة. لكن الخلافة ثابت حكمها ومشروعيتها وحتميتها في حياة المسلمين، لا يستطيع أن ينفيه علماء السلاطين المنبطِحون، ولا العلمانيون الملوَّثون بفكر الغرب المنحطّ، ولا أشباه الإعلاميين المطبِّلون للزعيم. إن فقه الإسلام عموماً، ومنه فقه الخلافة، يؤخذ اليوم من كتب العلوم الشرعية السياسية المعتبرة المغيَّبة، ومن العلماء الربانيين العاملين، الذين تزخر بهم سجون الطغاة.

سابعاً: إشعال الخلاف الطائفي المذهبي والعرقي بين أبناء المسلمين، حتى يظلُّوا ضعافاً يهاجم بعضهم بعضاً، فلا يفكرون في وحدة أو خلافة جامعة، وهذا ملف لزَّمته أميركا لقادة إيران (الشيعة)، وهم يبلون فيه بلاءً حسناً – للأسف-  في العراق وسوريا واليمن وغيرها، بدأت تقابلهم فيه دوائر شرعية وفكرية (سنية) في غير مكان، كمصر والمغرب والأردن والسعودية. وهذا أسلوب خطير يؤثر سلباً في كثير من أبناء المسلمين اليوم الذين لا يعلمون أن الله اختار لهم اسماً واحداً: (هُوَ سَمَّاكُمْ الْمُسْلِمينَ مِنْ قَبْلُ )،  وأن(شيعي)  و(سني) لا يخدم إلا أميركا.

ثامناً: فبركة واختراع خلافة (أو حتى خلافات) للمسلمين حتى يروا المصائب والويلات التي ستجرها عليهم!!! فيبدؤوا بسبِّها والتنصل والبراءة منها، على قاعدة: (إذا كانت هذه هي الخلافة التي تدعون لها، فلا نريدها). وهذه وسيلة لجأ إليها الغرب الكافر في سوريا تحديداً، عندما وجد أن المسلمين هناك يرفضون الإستسلام بقبول عملائه بدل بشار أسد، وأنهم ماضون في دعوتهم للخلافة (الحقيقية طبعاً) هناك، بعد سنوات من المحن والتدمير، فأراد أن يصرف المسلمين عنها. وهذا الأسلوب دليل على إفلاس أعداء الإسلام والخلافة وارتعابهم من دنوها. لكن السحر، بإذن الله، ينقلب على الساحر، فيدأب العاملون للخلافة الحقيقية بتبيان مقوماتها وماهيتها الشرعية التي ترضي الله عز وجل، ( وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْد حِين ). ولعل هذا الأسلوب من أخطر سهام الغرب الصليبي في حربه ضد الإسلام، وهو يشي بشيئين: نفاذ مخزون أعداء الإسلام والخلافة من وسائل التضليل والحرف، واحتدام المعركة بيننا وبينه، قال تعالى:( وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ).

رغم كل ذلك، فإن المسلمين قادرون على إقامة المنهج الإسلامي الصحيح من جديد، واستئناف حياتهم الإسلامية في دولتهم دولة الخلافة، وهم قادرون على حمل الدعوة إلى العالم من جديد، والشواهد على ذلك كثيرة:

  1. إن المسلمين لا يحملون الولاء لأي نظام متهالك عميل للكافر المستعمر، فالحكامُ في وادٍ، والناسُ في وادٍ.

  2. لقد فشلت كل الأنظمة التي طبِّقت علينا من قومية واشتراكية وبعثية وملكية وجمهورية وعلمانية، وأدرك المسلمون أن لا خلاص لهم إلا بنظام الإسلام وخلافة المسلمين.

  3. إن المسلمين يتحركون من أجل الخلافة، ولا يمنعهم إلا وقوف الأنظمة البوليسية في طريقهم بإذن الكافر المستعمر.

  4. إن المسلمين خرجوا على حكامهم في أكثر من مكان، رغم اختطاف ثوراتهم والالتفاف عليها إلى الآن؛ ما يؤكد انعتاقهم من خوفهم، وإيمانهم بوجوب تغيير حالهم، وهم مستعدون للتضحية في سبيل دينهم، ظهر ذلك جلياً في مناسبات كثيرة، ما يبشر بقدرتهم على إحداث التغيير الحقيقي والدفاع عنه.

  5. وجود أحزاب مبدئية صادقة تقود العمل للتغيير الشرعي والصحيح في بلاد المسلمين، كحزب التحرير، وكل من صدق القول والعمل لله، والذي ينصح للمسلمين ويقودهم بوعي باتجاه خلاصهم.

إن إقامة الخلافة الراشدة الجامعة، يعني الحياة للأمة الإسلامية من جديد، ويعني أن كيانات الأمة السياسية المصطَنعة ستنصهر في كيان جامع كبير، تحت حكم رئيس واحد، هو خليفة المسلمين، ويعني إلغاء العمل بالنظام السابق وتبني دستور إسلامي للدولة مأخوذ من كتاب الله وسنة رسوله، ويعني التخلُّص من أي نفوذ للدول الغربية خاصة أميركا وبريطانيا وفرنسا وروسيا في بلادنا، وإلغاء كافة الاتفاقيات المعقودة معهم، خاصة الاتفاقيات العسكرية، ويعني التخلص من أدوات هذا النفوذ، ويعني عزل الوسط السياسي السابق والحيلولة دون وجود تأثير له مهما قلَّ، ومنع أي عمل سياسي لا يقوم على أساس الإسلام، ويعني عودة تمتُّع المسلمين بخيراتهم ومقدارتهم المنهوبة التي يستمتع بها الغرب اليوم، ويعني إنشاء مصالح ودوائر وإدارات تقوم على النهوض بشؤون الدولة وقضاء مصالح الناس على أعلى مستوى من الإحسان والإجادة والراحة، ويعني إصدار نقد خاص بالدولة يكون مستقلاً ولا يرتبط بأي نقد أجنبي، ويعني قطع جميع العلاقات مع المنظمات التي تقوم على غير أساس الإسلام، مثل هيئة الأمم، ومحكمة العدل الدولية، وصندوق النقد الدولي والبنك الدولي والجامعة العربية، ويعني اعتبار الدول القائمة في العالم الإسلامي كأنها قائمة في بلاد واحدة، فلا تدخل ضمن العلاقات الخارجية، ويجب أن يعمل لتوحيدها كلها في دولة واحدة قبل الإعلان عن ثغور الخلافة وتعيينها حملاً لرسالة الإسلام بالدعوة والجهاد لكل العالم. إن إقامة الخلافة الراشدة الجامعة يعني أن تصبح هي المتحكمة بالموقف الدولي والتأثير في السياسة الدولية وفي هيكل العلاقات الدولية، وهذا ما يرعب الغرب الذي جرَّب الخلافة السابقة ويعلم أن الخلافة القادمة ستقوِّض، لا محالة، هيمنته السياسية والاقتصادية في العالم كله، وستكشف وتتحدى رأسماليته وديمقراطيته العفنة؛ ولذلك لا جرم أنه يحاربها ويخطط لمنع ظهورها، إن استطاع؟!.

لا شك أن الأمة إذا تركت التشاؤم واليأس، وأدركت أن مصيرها بيدها، وعملت عن وعي وتدبُّر، باتجاه دولتها، الخلافة الراشدة، فإن الله لن يَتِرَها عملها، وستكون العاقبة لها بإذنه. وإن وحدة الأمة الإسلامية أصبح قريباً بإذن الله، وهذه حقيقة راسخة يعلمها العدو قبل الصديق. وقيام الخلافة أمر حتمي، والاستخلاف والتمكين آتٍ لا ريب في ذلك، والعمل لعودة الدين في دولة الحق والعزة، دولة الخلافة، فرض في أعناقنا يحرم التقصير فيه، ويجب العمل له حتى يرضى الله عنا، وحتى نعود سيرتنا الأولى خير أمة أُخرجتْ للناس.

قال تعالى: (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *