العدد 448-449 -

السنة الثامنة والثلاثون، جمادى الأولى – جمادى الثانية 1445هـ، الموافق كانون الأول 2023 – كانون الثاني 2024

صفات لازمة لليهود لا تنفك عنهم بشهادة الله عليهم

أعظم الناس معاداة للإسلام والمسلمين، وأكثرهم سعيًا في إيصال الضرر إليهم: قال تعالى: (لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ ٱلنَّاسِ عَدَٰوَةٗ لِّلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱلۡيَهُودَ وَٱلَّذِينَ أَشۡرَكُواْۖ)[المائدة: 82]. جاء في تفسير ابن كثير للآية: «ما ذاك إلا لأن كفر اليهود عنادٌ وجحودٌ ومباهتةٌ للحق وغمطٌ للناس وتنقُّصٌ بحملة العلم . ولهذا قتلوا كثيرًا من الأنبياء حتى هموا بقتل رسول الله صلى الله عليه وسلم غير مرة وسحروه، وألَّبوا عليه أشباههم من المشركين، عليهم لعائن الله المتتابعة إلى يوم القيامة». وجاء في تفسير السعدي أنهم: « أعظم الناس معاداة للإسلام والمسلمين، وأكثرهم سعيًا في إيصال الضرر إليهم، وذلك لشدة بغضهم لهم، بغيًا وحسدًا وعنادًا وكفرًا».

 

التزامهم أمر الله بالقول، ونقضه بالفعل، قال تعالى: (وَإِذۡ أَخَذۡنَا مِيثَٰقَكُمۡ وَرَفَعۡنَا فَوۡقَكُمُ ٱلطُّورَ خُذُواْ مَآ ءَاتَيۡنَٰكُم بِقُوَّةٖ وَٱسۡمَعُواْۖ قَالُواْ سَمِعۡنَا وَعَصَيۡنَا وَأُشۡرِبُواْ فِي قُلُوبِهِمُ ٱلۡعِجۡلَ بِكُفۡرِهِمۡۚ قُلۡ بِئۡسَمَا يَأۡمُرُكُم بِهِۦٓ إِيمَٰنُكُمۡ إِن كُنتُم مُّؤۡمِنِينَ٩٣). [البقرة: 93].

جاء في تفسير السعدي: (وَإِذۡ أَخَذۡنَا مِيثَٰقَكُمۡ وَرَفَعۡنَا فَوۡقَكُمُ ٱلطُّورَ خُذُواْ مَآ ءَاتَيۡنَٰكُم بِقُوَّةٖ وَٱسۡمَعُواْ) أي: سماع قبول وطاعة واستجابة،(قَالُواْ سَمِعۡنَا وَعَصَيۡنَا) أي: صارت هذه حالتهم (وَأُشۡرِبُواْ فِي قُلُوبِهِمُ ٱلۡعِجۡلَ) بسبب كفرهم(قُلۡ بِئۡسَمَا يَأۡمُرُكُم بِهِۦٓ إِيمَٰنُكُمۡ إِن كُنتُم مُّؤۡمِنِينَ)أي: أنتم تدعون الإيمان وتتمدحون بالدين الحق، وأنتم قتلتم أنبياء الله، واتخذتم العجل إلهًا من دون الله، لما غاب عنكم موسى، نبي الله، ولم تقبلوا أوامره ونواهيه إلا بعد التهديد ورفع الطور فوقكم، فالتزمتم بالقول، ونقضتم بالفعل، فما هذا الإيمان الذي ادعيتم، وما هذا الدين؟. فإن كان هذا إيمانًا على زعمكم، فبئس الإيمان الداعي صاحبه إلى الطغيان، والكفر برسل الله، وكثرة العصيان، وقد عهد أن الإيمان الصحيح، يأمر صاحبه بكل خير، وينهاه عن كل شر، فوضح بهذا كذبهم، وتبين تناقضهم.

 

تطاولهم على الله تعالى وادِّعاؤهم أنّه فقير وهم أغنياء، وقتْلُهم الْأنبِياء، قال تعالى: (لَّقَدۡ سَمِعَ ٱللَّهُ قَوۡلَ ٱلَّذِينَ قَالُوٓاْ إِنَّ ٱللَّهَ فَقِيرٞ وَنَحۡنُ أَغۡنِيَآءُۘ سَنَكۡتُبُ مَا قَالُواْ وَقَتۡلَهُمُ ٱلۡأَنۢبِيَآءَ بِغَيۡرِ حَقّٖ). جاء في تفسير ابن كثير لهذه الآية: «وقال محمد بن إسحاق: حدثني محمد بن أبي محمد، عن عكرمة أنه حدثه عن ابن عباس، رضي الله عنه، قال: دخل أبو بكر الصديق، رضي الله عنه، بيت المدراس، فوجد من يهود أناسًا كثيرًا قد اجتمعوا إلى رجل منهم يقال له فنحاص، وكان من علمائهم وأحبارهم، ومعه حبر يقال له: أشيع. فقال أبو بكر: ويحك يا فنحاص، اتقِ الله وأسلم، فوالله إنك لتعلم أن محمدًا رسول الله، قد جاءكم بالحق من عنده، تجدونه مكتوبًا عندكم في التوراة والإنجيل، فقال فنحاص: والله يا أبا بكر، ما بنا إلى الله من حاجة من فقر، وإنه إلينا لفقير. ما نتضرع إليه كما يتضرع إلينا، وإنا عنه لأغنياء، ولو كان عنا غنيًّا ما استقرض منا كما يزعم صاحبكم، ينهاكم عن الربا ويعطيناه، ولو كان غنيًّا ما أعطانا الربا، فغضب أبو بكر، رضي الله عنه، فضرب وجه فنحاص ضربًا شديدًا، وقال: والذي نفسي بيده، لولا الذي بيننا وبينك من العهد لضربت عنقك يا عدو الله، فاكذبونا ما استطعتم إن كنتم صادقين ، فذهب فنحاص إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أبصر ما صنع بي صاحبك. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر:» ما حملك على ما صنعت؟» فقال: يا رسول الله، إن عدو الله قد قال قولًا عظيمًا، زعم أن الله فقير وأنهم عنه أغنياء، فلما قال ذلك غضبت لله مما قال فضربت وجهه، فجحد ذلك فنحاص وقال : ما قلت ذلك، فأنزل الله فيما قال فنحاص ردًّا عليه وتصديقًا لأبي بكر.(لَّقَدۡ سَمِعَ ٱللَّهُ قَوۡلَ ٱلَّذِينَ قَالُوٓاْ إِنَّ ٱللَّهَ فَقِيرٞ وَنَحۡنُ أَغۡنِيَآءُۘ )الآية. رواه ابن أبي حاتم. وقوله تعالى: (سَنَكۡتُبُ مَا قَالُواْ) تهديد ووعيد، ولهذا قرنه بقوله: (وَقَتۡلَهُمُ ٱلۡأَنۢبِيَآءَ بِغَيۡرِ حَقّٖ) أي هذا قولهم في الله، وهذه معاملتهم لرسل الله، وسيجزيهم الله على ذلك شر الجزاء.

 

نقضُ المواثيق والعهود، وقسوة القوب، الكذبُ، والغدر، والخيانة، ويشهد التاريخ بهذه الصفات، حيث حاولوا قتل النبي عليه الصلاة والسلام غير مرّة، فنقضوا بذلك عهدَهم معه، قال تعالى: (فَبِمَا نَقۡضِهِم مِّيثَٰقَهُمۡ لَعَنَّٰهُمۡ وَجَعَلۡنَا قُلُوبَهُمۡ قَٰسِيَةٗۖ يُحَرِّفُونَ ٱلۡكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِۦ وَنَسُواْ حَظّٗا مِّمَّا ذُكِّرُواْ بِهِۦۚ وَلَا تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَىٰ خَآئِنَةٖ مِّنۡهُمۡ إِلَّا قَلِيلٗا مِّنۡهُمۡۖ فَٱعۡفُ عَنۡهُمۡ وَٱصۡفَحۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلۡمُحۡسِنِينَ ١٣)[المائدة: 13]. جاء في تفسير ابن كثير: (فَبِمَا نَقۡضِهِم مِّيثَٰقَهُمۡ لَعَنَّٰهُمۡ) أي: فبسبب نقضهم الميثاق الذي أخذ عليهم لعنَّاهم، أي أبعدناهم عن الحق وطردناهم عن الهدى. (وَجَعَلۡنَا قُلُوبَهُمۡ قَٰسِيَةٗۖ) أي: فلا يتعظون بموعظة لغلظها وقساوتها. (يُحَرِّفُونَ ٱلۡكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِۦ) أي: فسدت فهومهم، وساء تصرفهم في آيات الله، وتأوَّلوا كتابه على غير ما أنزله، وحملوه على غير مراده، وقالوا عليه ما لم يُقل، عياذًا بالله من ذلك. (وَنَسُواْ حَظّٗا مِّمَّا ذُكِّرُواْ بِهِۦۚ) أي: وتركوا العمل به رغبة عنه. قال الحسن: تركوا عرى دينهم ووظائف الله التي لا يقبل العمل إلا بها. وقال غيره: تركوا العمل فصاروا إلى حالة رديئة، فلا قلوب سليمة، ولا فطر مستقيمة، ولا أعمال قويمة (وَلَا تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَىٰ خَآئِنَةٖ مِّنۡهُمۡ) يعني: مكرهم وغدرهم لك ولأصحابك. وقال مجاهد وغيره : يعني بذلك تمالؤهم على الفتك بالنبي صلى الله عليه وسلم.(فَٱعۡفُ عَنۡهُمۡ وَٱصۡفَحۡۚ) وهذا هو عين النصر والظفر، كما قال بعض السلف: ما عاملت من عصى الله فيك بمثل أن تطيع الله فيه. وبهذا يحصل لهم تأليف وجمع على الحق، ولعل الله أن يهديهم؛ ولهذا قال تعالى: (إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلۡمُحۡسِنِينَ) يعني به: الصفح عمن أساء إليك.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *