العدد 340 -

السنة التاسعة والعشرون جمادى الأولى 1436هـ – آذار 2015م

حكامنا أشد إساءة للنبي صلى الله عليه وسلم من تشارلي

بسم الله الرحمن الرحيم

حكامنا أشد إساءة للنبي صلى الله عليه وسلم من تشارلي

 

لطالما تعرض رسولنا الأعظم صلى الله عليه وسلم للإساءة والأذى، وكان يصور ذلك فيقول «لقد أُخِفْتُ في الله ما لم يُخَفْ أَحدٌ، وأُوذِيت في الله ما لم يُؤذَ أحد، ولقد أتى عليَّ ثلاثون من يوم وليلة، ومالي ولبلال طعامٌ إِلا شيء يُواريه إِبطُ بلال» أخرجه الترمذي.

والمستقرئ لسيرة الحبيب صلى الله عليه وسلم في رده على تلك الإساءة يجد بأن رده اختلف كثيراً قبل إقامة دولة الإسلام عما بعدها، فقبل إقامة دولة المدينة كان صلى الله عليه وسلم أحياناً يصبر ولا يرد، وأحياناً أخرى يرد فيدعو عليهم كما فعل عندما ألقى الكفار على ظهره سلى الجزور وهو يصلي في حرم الكعبة فقال «اللهم أعني عليهم بسبعٍ كسبعِ يوسف» ولكنه مع ذلك كان يغذُّ السير جاداً مجداً لإقامة سلطان مكين للإسلام يرد على المعتدين إساءاتهم وينسيهم وساوس شياطينهم، وبعد أن أقام ذلك السلطان في المدينة المنورة، لم يعد الرد على الأذى يقتصر على الدعاء أو الصبر، وإنما بتحريك الطاقات المؤمنة لكف هذا الأذى بشكل مادي، كما فعل عندما أرسل كتيبة مؤمنة لقتل كعب بن الأشرف أحد كبار زعماء يهود فقال: « مَنْ لِكَعْبِ بْنِ الأَشْرَفِ، فَإِنَّهُ قَدْ آذَى اللَّهَ وَرَسُولَهُ» وبالفعل جاءه محمد بن مسلمة برأسه فقال صلى الله عليه وسلم: «أفلحت الوجوه». وكأنه يعلمنا بأن اعتداءً كهذا لا يرد بأعمال فردية غير مؤثرة، وإنما يرد بقوة سلطان الدولة المجسد لهيبة هذه الأمة. وقد فهم هذا الدرس خلفاء المسلمين جيداً فوقفوا بكل حزم للمسيئين والمتجرئين على مقام النبوة، كما فعل السلطان عبد الحميد الثاني (رحمه الله) عندما سمع بمسرحية تعدُّ لتعرض في مسارح فرنسا فيها إساءة لرسول الإسلام صلى الله عليه وسلم، فما كان منه إلا أن استدعى قنصل فرنسا وأبلغه رسالة شديدة اللهجة والتهديد مفادها بأن عرض هذه المسرحية هو بمنزلة إعلان الحرب ضد دولة الإسلام، فارتجفت فرائص فرنسا وأوقفت على الفور هذه الحماقة وانتهت الإساءة وردت هيبة المسلمين، هكذا فهم السلاطين من الرسول صلى الله عليه وسلم كيف يكون رد الأذى، بل إن الرسول صلى الله عليه وسلم في حادثة عجيبة استنجد هو بأحد سلاطين الإسلام لينقذه من اعتداء الكفار وذلك بعد 544 عاماً من وفاته، كان ذلك سنة 557ه، عندما جاء النبيُ صلى الله عليه وسلم السلطان المؤمن نور الدين زنكي في الرؤيا يقول له: أنجدني من هؤلاء، ويشير إلى رجلين أشقرين، فما كان من السلطان إلا أن استنفر العلماء والقضاة وقادة الجيش وانطلق إلى المدينة يبحث عن هذين الرجلين حتى دخل بنفسه إلى غرفتهما وكشف الحصير ليجد نفقاً أعداه تحت المسجد النبوي لسرقة قبر النبي صلى الله عليه وسلم وتسليمه إلى ملوك النصارى، مباشرة أمر بالرجلين فقتلا، ثم أمر بإعداد سور رصاصي حول قبر الحبيب صلى الله عليه وسلم، هكذا يتم الأمر وعلى هذا الصعيد، واليوم عندما علم أعداء هذه الأمة بأن المسلمين لا نور الدين ولا عبد الحميد عندهم يهدد بإعلان الجهاد ضد فرنسا، عندما علموا بأن لا رأس ولا خليفة يحمي الحِمى ويرد الهيبة، تطاولوا وتمادَوا وسدروا في غيهم غير آبهين بأعمال فردية كبعض المظاهرات أو المقاطعات الفردية لمنتجاتهم وغير ذلك مما لا يسر صديقاً ولا يغيظ عدواً، عندما اطمأن الغرب بأن للمسلمين حكاماً يستطيعون إسكات شعوبهم ومنعها من الثأر لنبيها، لا بل أكثر من ذلك يقومون هم بالاعتذار من المسيء ويؤيدون حريته في التعبير وحريته في السب والكفر وغيرها، ازداد بغيهم علينا واستفحل أذاهم لديننا، حتى أصبحنا –وإلى الله المشتكى- في زمن كلما شارفت صحيفة لعينة على الإفلاس وأرادت أن تشتهر وتزيد إنتاجها، لا تجد أفضل من الإسلام لتسيء إليه فتلفت أنظار العالم إليها متخفية وراء حرية رأي مزعومة وحكام دروع لصد غضبة الأمة.

ولذلك فإن حكامنا اليوم ومن دون شك ولا جدال، هم أشد إساءة لنبينا من صحيفة هنا أو رسام هناك، وإن الإساءة الحقيقية للنبي صلى الله عليه وسلم هي عندما تعطل شريعته وتستبدل بشرائع الكفر وجاهلية الاستعمار، وبالتالي ليس الآن أسيء إلى نبينا الكريم، بل أسيء إليه منذ هدمت الخلافة التي  تقيم الأحكام وترد الأذى وتنشر الخير.

ومنذ ذلك اليوم الأسود وديننا في إساءة مستمرة لا تتوقف إلا بإعادة ما فقد، وقد تكون هذه الإساءة منا ونحن لا ندري، فمن يرفع أعلام سايكس بيكو التي مزقت جسد الأمة وأضعفته بدل أن يرفع راية محمد هو يسيء إلى محمد صلى الله عليه وسلم، بل ولعله أكثر مما أساء إليه من رسمه، ومن ينادي بديمقراطية الغرب ومدنيته بدل أن ينادي بخلافة محمد، هو يسيء إلى محمد صلى الله عليه وسلم أكثر من غيره، فالإساءة إلى الشريعة إساءة لنبيها وما محمد إلا المجسد لشرع الله ووحيه الأعلى.

وهذه الغضبة الكريمة من المسلمين ما أجملها لو كانت منذ زمن طويل، وما أعظمها لو اندلعت يوم رأت الأمة حكامها الخونة يسوسونها بغير شريعة محمد، هنا البوصلة الصحيحة وهنا المسار القويم، الغرب يسيء إلى نبينا بسبب خيانة الحكام وتفرق جسدنا الذي وحَّده محمد صلى الله عليه وسلم، ولن تقف هذه الإساءات إلا بعد أن يرى الغرب أمتنا قد اتخذت قرار الدفاع الحقيقي عن مقدسات ديننا ونهج نبينا، وهبت تنفض عنها هذه الأنظمة العميلة البالية، فالأمر بإذن الله بأيدينا لا بأيدي غيرنا، فمن أحب نصرة النبي وشرعه ووحيه فليعمل بكل جد واجتهاد مع العاملين لإقامة الخلافة الحقيقية الراشدة التي تميط أذى الأعداء وتعيد للأمة هيبتها المفقودة وعزها الغابر، وعندها نستحق بإذن الله رضوان الله وشفاعة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *