العدد 438-439-440 -

السنة السابعة والثلاثون، رجب – شعبان – رمضان 1444هـ الموافق شباط – آذار – نيسان 2023م

الشيخوخة بين الإسلام والغرب

لقد أهدرت الحضارة الغربية قيمة البشر وحوَّلتهم إلى مجرد آلات تعمل، فإذا شاخت هذه الآلة وكثرت أعطالها فكر بالتخلص منها لأنها صارت عبئًا عليه، وهكذا، وعلى نفس المستوى، فكر الغرب بطربقة شيطانية للتخلص من أصحاب الشيخوخة بما سمَّوه بـ«القتل الرحيم» والتي أكثر ما تستهدف أصحاب الأمراض المزمنة وكبار السن. ويستند هؤلاء إلى ذرائع منها أن الإنسان حرٌّ في تقرير مصيره، وله حق التصرف في جسده كما يشاء كما يستندون إلى العامل الاقتصادي، ويرون أن التخلص من بعض المرضى وكبار السن فيه توفيرٌ مادي على المجتمع والدولة، فمن الواجب تخليص المجتمع من الحشائش الضارة!… هذه هي نظرة الحضارة الغربية للإنسان، آلة إذا تعطلت وعجز المجتمع عن إصلاحها يجب التخلص منه. إن الدعوة إلى الموت الرحيم ما زالت تكسب أنصارًا في هذه البلاد، وهي انتشرت انتشارًا عظيمًا في أمريكا ودول الغرب، ووصل الحدُّ ببعض هذه الدول إلى وضع تشريعات قانونية تسمح بهذا القتل، ولا تجرِّم مرتكبيه من الأطباء وغيرهم، مثل هولندا وبلجيكا والبرتغال وكندا، كما وصل الحدُّ ببعض الأطباء إلى اختراع الأجهزة التي تسهِّل الانتحار للراغبين فيه، وأُعدَّت البرامج التلفازية لترويجه، ونُشرت الكتب التي تؤيده وتدعو إليه.

فما هو موقف الإسلام من هذه القضية؟

ابتداء إن الحياة والموت هما بيد خالقهما (الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملًا) وعلى المسلم أن يحافظ على حياته ويحرم عليه قتل نفسه (ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلۡمَوۡتَ وَٱلۡحَيَوٰةَ لِيَبۡلُوَكُمۡ أَيُّكُمۡ أَحۡسَنُ عَمَلٗاۚ)وعلى المسلم أن يحافظ على حياته ويحرم عليه قتل نفسه(وَلَا تَقۡتُلُوٓاْ أَنفُسَكُمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ بِكُمۡ رَحِيمٗا ٢٩ وَمَن يَفۡعَلۡ ذَٰلِكَ عُدۡوَٰنٗا وَظُلۡمٗا فَسَوۡفَ نُصۡلِيهِ نَارٗاۚ وَكَانَ ذَٰلِكَ عَلَى ٱللَّهِ يَسِيرًا٣٠)، والله سبحانه لم يجعلها ملكًا لأحد، لا لطبيب، ولا لقريب. بل أمر الله بالإحسان إلى الوالدين إذا بلغوا عنده الكبر فقال سبحانه: (وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعۡبُدُوٓاْ إِلَّآ إِيَّاهُ وَبِٱلۡوَٰلِدَيۡنِ إِحۡسَٰنًاۚ إِمَّا يَبۡلُغَنَّ عِندَكَ ٱلۡكِبَرَ أَحَدُهُمَآ أَوۡ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَآ أُفّٖ وَلَا تَنۡهَرۡهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوۡلٗا كَرِيمٗا ٢٣ وَٱخۡفِضۡ لَهُمَا جَنَاحَ ٱلذُّلِّ مِنَ ٱلرَّحۡمَةِ وَقُل رَّبِّ ٱرۡحَمۡهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرٗا ٢٤) فقوله: (عِندَكَ)، أي عندك في بيتك وليس في المصحة. وقوله تعالى: (فَلَا تَقُل لَّهُمَآ أُفّٖ) نهي عن التأفف، وقال بعض السلف: لو كان هناك شيء أقل من (أُفّٖ) لحرمه الله. ومن شيخوخة الوالدين مرحلة متأخرة سمَّاها القرآن أَرْذَلُ العُمُر بقوله تعالى: (وَمِنكُم مَّن يُتَوَفَّىٰ وَمِنكُم مَّن يُرَدُّ إِلَىٰٓ أَرۡذَلِ ٱلۡعُمُرِ لِكَيۡلَا يَعۡلَمَ مِنۢ بَعۡدِ عِلۡمٖ شَيۡ‍ٔٗاۚ). وأرذل العمر، كما قال ابن عباس: أردؤه؛ بحيث يصبح المرء كالصبي الصغير، يحتاج إلى غيره في كل الأشياء. وأرذل العُمُر فيه أن ينسى بعد تذكُّر، ويضعف بعد قوة، ويصبح كَلًا على غيره. والإسلام أمر بإكرام الشيخ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما أكرم شابٌّ شيخًا لسنّه؛ إلا قيَّض الله له من يكرمه عند سنِّه» أخرجه الترمذي، وقال أيضًا: «ليس منَّا من لم يرحم صغيرنا، ويعرف شرف كبيرنا» رواه الترمذي، وأحمد في «مسنده». روى البزَّار: «أن رجلًا كان يطوف بالبيت وهو حامل أمه، فقال للنبي صلى الله عليه وسلم وقد نظر إليه: يا رسول الله، هل أديتُ حقَّها؟ قال: «لا، ولا بزفرة واحدة» أو كما قال.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *