العدد 438-439-440 -

السنة السابعة والثلاثون، رجب – شعبان – رمضان 1444هـ الموافق شباط – آذار – نيسان 2023م

الخلافة على منهاج النبوة هي بشرى الرسول صلى الله عليه وسلم، وهذا أوانها، وحزب التحريرهو الداعي الأوحد لها.

 

أحمد المحمود

أخرج الإمام أحمد في مسنده، من  حديث النعمان بن بشير، عن حذيفة بن اليمان: «تَكُونُ النُّبُوَّةُ فِيكُمْ مَا شَاءَ اللهُ أَنْ تَكُونَ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا، ثُمَّ تَكُونُ خِلَافَةٌ عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ، فَتَكُونُ مَا شَاءَ اللهُ أَنْ تَكُونَ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ اللهُ أَنْ يَرْفَعَهَا، ثُمَّ تَكُونُ مُلْكًا عَاضًّا، فَيَكُونُ مَا شَاءَ اللهُ أَنْ يَكُونَ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا، ثُمَّ تَكُونُ مُلْكًا جَبْرِيَّةً، فَتَكُونُ مَا شَاءَ اللهُ أَنْ تَكُونَ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا، ثُمَّ تَكُونُ خِلَافَةً عَلَى مِنْهَاجِ نُبُوَّةٍ ثُمَّ سَكَتَ».

 لقد أخبر الرسول الكريم في هذا الحديث الشريف أن أمة الإسلام باقية مع رسالتها إلى قيام الساعة، وأخبر عن مختلف المراحل الزمنية التي تمرُّ بها هذه الأمة من لدن زمن الرسول صلى الله عليه وسلم حتى آخر الزمان؛ حيث حدَّد أنها تكون نبوَّة، ثم خلافة راشدة على منهاج النبوَّة، ثم ملكًا عاضًّا، ثم ملكًا جبريًّا، ثم خلافة راشدة على منهاج نبوَّة… وهذا الحديث الذي يُعد من دلائل النبوة حدَث تمامًا كما حدَّث به رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا المرحلة الأخيرة منه، والتي نحن في صدد الوصول إليها. ويمكن القول إننا في آخر الفترة الانتقالية ما بين الحكم الجبري والخلافة الراشدة، والتي هي أقرب إن شاء الله تعالى إلى عودة الخلافة الراشدة الموعودة. ونحن على ثقة كاملة بحديث الرسول صلى الله عليه وسلم هذا الذي صدَّقه الواقع مرحلة بعد مرحلة؛ إذ إن مجرى الأحداث الحالية يشير بقوة إلى أن التغيير يجري باتجاه قيام دولة خلافة راشدة كما يخبر الرسول صلى الله عليه وسلم وليس بأي اتجاه آخر؟، ويشهد لذلك أعداء الإسلام مجتمعين مثلما يشهد له أهله، وذلك له عدة مؤشرات، نذكر منها:

أولًا: هناك، على الأرض، دعوة جادة جدًا يقوم بها حزب مبدئي، هو حزب التحرير، أخذ على عاتقه مهمة إقامة خلافة راشدة منذ أول قيامه (قام بعد ثلاثين سنة من سقوط خلافة المسلمين، وهو مستمر بهذه المهمة منذ حوالى سبعين سنة؛ فيكون مجموع السنوات التي مرت على غياب الخلافة عن حياة المسلمين قرنًا من الزمان) وعسى أن يلتقي هذا مع حديث رسول الله الآخر والذي يعتبر كذلك من دلائل نبوَّته حين قال: «يبعث الله على رأس كل مئة سنة من يجدِّد لهذه الأمة أمر دينها» رواه أبو داود… وهذا الحزب استطاع أن يثبُت على ما قام من أجله بعد طول صبر: صبر على الالتزام بما تبناه، وصبر على الضغوط لحرفه عن مهمته وتحقيق هدفه، وصبر على قلة النصير، وصبر على الإيذاء والإشاعة عليه… وبما أن الحزب هو جزء من هذه الأمة، فيمكن القول إن الأمة، مع وجود حزب التحرير فيها، أصبحت تمتلك القدرة على أن تحكم نفسها بالإسلام النقي الذي كانت عليه أول الأمر: خلافة راشدة على منهاج النبوة.

ثانيًا: استطاع حزب التحرير أن يصل إلى الأمة بفكره وهدفه وأصبح يجمعه مع المسلمين اليوم إرادة تغيير الأنظمة، وقد عبَّروا عن ذلك بثوراتهم على حكَّامهم؛ حيث كان الشعار الأبرز فيها كلها (الشعب يريد تغيير النظام) وهذا ما يجعل الحزب يطمئن إلى أن عمله في الأمة قد آتى ثماره؛ حيث أصبحت فكرته هي فكرتها، وهدفه هو هدفها، وأصبح التطلُّع لهوية التغيير هو تغيير على أساس أن تقوم لهم خلافة راشدة على منهاج النبوَّة.

ثالثًا: إن الغرب هو نفسه بات متحققًا من أن الأمة تريد إقامة الخلافة الإسلامية، ويشير إلى ذلك ما صدر من تصريحات من حكامهم ومفكريهم يحذرون فيها من عودة  الخلافة ويظهرون فيها تخوفهم وتحذيرهم من الخلافة، وهي تصريحات صدرت بالعشرات عن عدد من كبار الساسة وزعماء العالم (من أمثال بوش وبوتين ورامسفيلد وساركوزي وبلير وغيرهم)، ومنها منذ سنوات قليلة ما صدر عن كل من وزير الخارجية الروسي ووزير خارجية سوريا الهالك وليد المعلم من أن الثائرين في الشام يتجهون لإقامة خلافة، وسنكتفي بذكر تصريحين منها لرئيسين وثالث لسياسي أمريكي مخضرم. فقد صرح الرئيس الروسي بوتين في كانون أول سنة 2002م قائلًا: «إن الإرهاب الدولي أعلن حربًا على روسيا بهدف اقتطاع أجزاء منها وتأسيس خلافة إسلامية”… أما توني بلير رئيس الوزراء البريطاني الأسبق، والذي يعد من كبراء أعداء الإسلام ومشروع الخلافة الإسلامية، فقد قال في المؤتمر العام لحزب العمال بتاريخ 16/07/2005م: «إننا نجابه حركة تسعى إلى إزالة دولة (إسرائيل)، وإلى إخراج الغرب من العالم الإسلامي، وإلى إقامة دولة إسلامية واحدة تحكم بالشريعة الإسلامية عن طريق إقامة دولة الخلافة لكل الأمة الإسلامية”. وصرح السناتور الجمهوري الأمريكي بات بوكانان: «مسألة عودة الإسلام كنظام حياة مجرد وقت لا أكثر… الحقيقة أن أمريكا وجيوشها وترساناتها لا تستطيع مقاومة الحضارة القادمة؛ لأن ثبات الإسلام وقدرته على الاحتمال مبهرة حقًّا… فقد تمكن من الصمود خلال قرنين من الحروب المتلاحقة بل تصدى للشيوعية بسهولة عجيبة… وما نراه الآن أنه يقاتل أمريكا آخر قوة عالمية كبرى».

وكدلالة على قناعتها بهذه التصريحات، قامت أمريكا ومعها دول الغرب باحتلال كل من أفغانستان والعراق بهدف منع الخلافة من أن تقوم، وعملت على إثارة النعرات الطائفية والمذهبية والعرقية لمنع توحُّد مختلف الشعوب الإسلامية في دولة خلافة إسلامية واحدة… وعملت على تشويه فكرة دولة الخلافة باستغلال ما كانت تقوم به داعش من جرائم تحت شعار أنها دولة خلافة… ويكفي القول إن أمريكا اتخذت من الإسلام السياسي عدوَّها المعلَن الأوَّل بعد سقوط الاتحاد السوفياتي؛ وما ذلك إلا لخوفها من قيام دولة الخلافة وعودتها إلى مسرح الصراع الدولي.

هذا وغيره يشير إلى أن الأمور تجري باتجاه قيام دولة خلافة راشدة كما أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم، وليس باتجاه آخر؟. وهذا يشير إلى نجاح الحزب حتى الآن في دعوته دون غيره من الدعوات، وهو بانتظار أن يتم الله عليه نصره بالنصرة، كما أتَّمها من قبل على رسوله الكريم، إنه ولي ذلك والقادر عليه.

– أما من هو حزب التحرير هذا الذي يعتبر الآن بحق هو أمل الأمة الإسلاميةلإخراجها مما هي فيه من المعيشة الضنكى، وإخراج غير المسلمين من نير الفكر الغربي الرأسمالي الكافر والفاجر؟

لقد أدرك الحزب من البداية عمق الأزمة التي تعيشها الأمة من تغلغل الفكر الغربي وانتشار مفاهيمه عن الحياة فيها ما جعلها تفقد هويتها وشخصيتها، وتنقاد له في الإرادة والسلطان، ويسهل له حكمها بعيدًا عن الإسلام… لقد أدرك الحزب كيف أن الغرب قد قسم بلاد المسلمين إلى دول وسنَّ لكل منها دستورًا علمانيًّا مناقضًا لعقيدة الأمة… وأدرك كيف أن الغرب قد فرض على المسلمين حكامًا فاسدين وجعلهم نواطير له ينهب خيرات الأمة عن طريقهم، ويقمع ويمنع بهم أي عمل مخلص يريد التخلص من نفوذهم، فكانوا ذلك الخنجر المسنون في أيديهم… وأدرك كيف أن الغرب قد أوجد له جيشًا من العملاء الفكريين لينفذ من خلال فكرهم المسموم إلى فكر الأمة ويمنعها من العودة إلى فكرها الأصيل الذي فيه عصمة أمرها… وأدرك أن الغرب قد نجح في تبني مناهج تعليم للدين تقوم على حرف المسلمين عن الفهم الصحيح لمصلحة فهمه هو والقائم على اقتصار الدين على العبادات والأخلاق، وبالتالي قام بتخريج طلاب شريعة كعلماء على طريقته في الفهم… ووجد أن طريقة الحياة التي يعيشها المسلمون أصبحت بتفاصيلها هي أقرب إلى طريقة الحياة الغربية… ووجد أن الغرب قد زرع في أرض المسلمين أحزابًا وطنية وقومية علمانية المخبز والمشرب… ووجد أنه جعل بين يدي الحكام أهل قوة من ضباط الجيش الموالين لفكره والمستعدين أن يخوضوا الحروب مهما كانت ضد الأمة من أجل مناصب وألقابًا ومصالح لن تغني عنهم يوم القيامة من شيء… ولما وجد الحزب ارتباط الواقع السياسي والاقتصادي والعسكري والإعلامي والاجتماعي والفكري ارتباطًا وثيقًا بالغرب وبشكل ممسوك ومدروس رأى الحزب أن عمله لعودة الأمة إلى دينها عودة راشدة لا بد من دعوته إلى الكفر بطاغوت الغرب والعمل على تحرير الأمة من كل هذا الارتباط، على نهج الآية الكريمة: (فَمَن يَكۡفُرۡ بِٱلطَّٰغُوتِ وَيُؤۡمِنۢ بِٱللَّهِ فَقَدِ ٱسۡتَمۡسَكَ بِٱلۡعُرۡوَةِ ٱلۡوُثۡقَىٰ لَا ٱنفِصَامَ لَهَاۗ وَٱللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) فكان اسمه حزب التحرير، وكان اسمًا على مسمى؛ حيث قام بتبني ثقافة إسلامية صرْفٍ خالية من أي تأثر بالفكر الغربي الذي لم ينجُ من الوقوع في حبائله إلا القليل القليل من المفكرين الإسلاميين، أما من الجماعات والأحزاب فلم ينجُ منها أحد. وأقام ثقافته على عقد مقارنة فكرية على مختلف الصعد بين الفكر الإسلامي والفكر الغربي بحيث جعل العقيدة الإسلامية هي الأساس الذي تبنى عليه أفكار الحياة وتنبثق عنها المعالجات، وهذا المنهج لا يترك مجالًا لالتقاء الفكر الإسلامي مع الفكر الغربي، ولا للتفاعل ما بين الحضارة الإسلامية والحضارة الغربية؛ لأن كلًّا منهما يقوم على نقيض الآخر… وهذا المنهج الذي اتبعه الحزب قطع على الغرب محاولات التدليس التي كان يقوم بها مدَّعيًا أن الإسلام يلتقي مع الفكر الغربي لكي تسهل عليه عملية السيطرة والاستعمار الفكري وبالتالي الاستعمار السياسي للمسلمين. ومن هذا المنطلق نقض الحزب الفكر العلماني والنظام العلماني والدساتير العلمانية، داخلًا في تفاصيل هذا النقض من البحث في الديمقراطية والحريات العامة ومفهوم السيادة والسلطان… حتى يكون المسلمون على بيِّنة من الكفر المفروض عليهم كما هم على بيِّنة من دينهم، وحتى يتم اجتثاث أفكاره مفاهيمه عن الحياة من حياة المسلمين وعقولهم وقلوبهم، وحتى ينبذوه نبذ النواة من ثمرتها؛ ومن هنا كان طابع ثقافته طابع ثقافة تغييرية، لا تتصالح مع الواقع بشيء.

أما الثقافة التي قام عليها حزب التحرير وجعلها روح عمله، فإن هدفه الذي حدده لنفسه هو الذي يحدد هذه الثقافة؛ حيث قام بتبني كل ما يلزمه من أفكار وأحكام شرعية لازمة له في عمله، علمًا وعملًا، وقد تبنَّاها بطريقة اجتهادية، حيث قام باستنباط معظمها العالم المجتهد المؤسس القاضي تقي الدين النبهاني (رحمه الله تعالى)، فكانت ثقافته ثقافة جامعة مانعة لإقامة دولة الخلافة، ولعلَّ أبرز ما يذكر هنا هو إعداده لمشروع دستور دولة الخلافة الموعودة، وكانت ثقافته ثقافة دعوة تلزم لشبابه ليقودوا الناس بها، وثقافة دولة لتسير الدولة على ضوئها… فالحزب هو الجماعة الوحيدة التي سبق تشكلها عملية تفكير عميقة أدت إلى فهم مشكلة الأمة بشكل دقيق، وفهم حقيقة التغيير والنهضة، وفهم سيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم فهما تشريعيًّا وعمليًّا، وفهم واقع الأنظمة القائمة في بلادنا اليوم، وفهم واقع المجتمع ومعنى الدولة وواقع الحكم…

وتبنَّى الحزب كذلك التأسِّي بطريقة السير التي اتبعها الرسول صلى الله عليه وسلم في مكة للوصول لإقامة الدولة الإسلامية في المدينة، وسار عليها حذو القذة بالقذة، فقام بنفس الأعمال التي قام بها الرسول صلى الله عليه وسلم والتي أدى قيامه بها إلى إقامة الدولة الإسلامية (من الثقافة المركَّزة، إلى الثقافة الجماعية، إلى خوض الصراع الفكري والكفاح السياسي…) ومرَّ بنفس المراحل التي مر بها الرسول صلى الله عليه وسلم (مرحلة التثقيف والتي كانت تهدف إلى إيجاد مؤمنين تشبَّعت عقولهم ونفوسهم بالفكرة؛ ما جعلهم فيما بعد يندفعون صادعين بها يتحملون ألوان التكذيب والتعذبب والتشريد والإشاعة والقتل؟؟؟ إلى مرحلة التفاعل التي تم فيها الصراع العلني مع الأفكار الخاطئة والمفاهيم المغلوطة، وكان هدفه فيها جعل الأمة تتبنى ما تبناه الحزب، وجعل غايته غاية لها، ومعلوم أن الرسول صلى الله عليه وسلم في هذه المرحلة أضاف إلى عمله طلبَ النصرة من أهل القوة والمنعة حتى هيَّأها الله له بعد طول معاناة وصبر حتى جاءته كما أمر الله: نصرة نظيفة ليس لأهلها حظ من دنيا ولا نفس ولا جاه بل كانت لله وحده، ولم يعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أولئك الذين نصروه جزاء عليها إلا الجنة… إلى مرحلة الحكم والتي تكون مرتبطة بقيام أهل النصرة بواجبهم الشرعي من أخذ الحكم وتسليمه للحزب؛ ليقيم حكم الله الرشيد بإقامة الخلافة الراشدة… فأهل القوة مهمتهم عسكرية تتجلى بنصرة الدعوة وحمايتها، وأهل الدعوة مهمتهم سياسية تتجلى برعاية شؤون الأمة بالإسلام عن طريق الحكم وإقامة دولة الخلافة)…

وتبنَّى الحزب كذلك طريقة إعداد شبابه للقيام بهذه المهمة ليكونوا بحق رجال دولة الخلافة في المستقبل، والجدير ذكره هنا أن أي شاب من شباب الحزب لا يدفعه للانتساب إليه إلا إيمان عميق بالله وتطلُّع إلى إقامة الإسلام كله وليس بعضه أو أي انشغال بالجزئيات… وفي الحقيقة، إن جهر الشباب بالدعوة والسير بها كما سار رسول الله صلى الله عليه وسلم بشكل سافر وفيه تحدٍّ جعلهم يلاقون ما لاقاه رسول الله وصحابته في مكة، وإن صبر الشباب على ما يلاقونه مبعثه بالدرجة الأولى إيمان صادق بالله تعالى، وجو إيماني يخلفه العمل الجماعي. ومن يدرك صعوبات هذه الدعوة وطول الأمد والأمل فيها، يدرك ما تتطلبه من نفس طويل لا تجده بالعادة عند عامة الناس، فيكتفي الناس بأخذ ما عند الحزب بشكل عام، ويقبل عليه من ارتضت نفسه أن يكون على ما كان عليه الرسول صلى الله عليه وسلم ومعه خاصة المؤمنين من الرعيل الأول من الصحابة في مكة الذين لم يجمعهم نسب ولا عرق ولا منزلة اجتماعية، فكانوا تلك الثلة المؤمنة التي أبت إلا أن تطيع الله مهما كانت العواقب، وإلا أن تكون من نُزَّاع القبائل الذين جمعهم العزم على القيام بأمر الله بإقامة دولة الخلافة، والصبر على لأوائها… هذا الذي عليه الحزب من باب التأسي، وهذا لا نراه عند غيره من الجماعات والأحزاب مطلقًا، وهذا يجعلنا نقول وبكل اطمئنان، إن في الأمة حزب قد أعدَّ نفسه طوال هذه الفترة من دعوته لأن يكون، بعون الله وحده، هو القيِّم على هذا الأمر… وعلى الأمة أن تدرك أهمية وجود الحزب وعملها، وعلى أهل القوة والنصرة من أبناء هذه الأمة أن ينصروا دعوته، وأن يفتشوا عنه كما هو يفتش عنهم، فالعمل لإقامة الخلافة هو فرض على الجميع، وعلى جميع المسلمين أن يتلبَّسوا به. ومن يتخلَّف منهم عن نصرة الحزب من أهل القوة فإنه يقع في الإثم.

إن حزب التحرير عندما يدعو إلى إقامة نظام الإسلام المتمثل بالخلافة، فهو يدعو الناس إلى حكم القرآن والسنة… يدعو إلى عودة بلاد المسلمين بلدًا واحدًا في دولةٍ واحدةٍ هي دولة الخلافة… يدعو إلى أخوَّة المسلمين من غير فرق بينهم… يدعو إلى أن لا يكون للكافرين على المسلمين سبيلًا… يدعو إلى إحياء الجهاد وفتح البلاد والقلوب وإدخال الناس في دين الله… يدعو لرفض دعاوى الجاهلية من الوطنيّة والقومية والمذهبية التي أمر الإسلام بهدمها ووضعها رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت قدميه… يدعو إلى إحياء مفهوم الأمة الإسلامية الواحدة، وإيجاد القيادة السياسية الواحدة لتحقيق التغيير… يدعو إلى عودة الهُويّة الإسلامية للأمّة وقطع دابر الكفار ومفاهيهم عن الحياة على الأقل عن واقعنا.

إن حزب التحرير بهذا النوع من الفهم والالتزام بسيرة الرسول في التغيير؛ لذلك كان ما يقوم به إنما هو عملية إحياء للأمة وتجديد للدين، فلم تكن دعوته إلى الأخلاق ولا إلى فضائل الأعمال ولا إلى محاربة البدع ولا إلى القتال ولا إلى مساعدة الفقراء… بل كانت دعوة جامعة يدعى فيها إلى الإسلام ككل، وكان بحق جماعة مبدئية مشروعها عالمي يهدف إلى إقامة دولة عالمية تعيد إلى المسلمين وحدتهم من خلال خلافتهم؛ وعليه نسأل الله أن تكون بشرى الرسول صلى الله عليه وسلم من قيام خلافة راشدة على منهاج النبوِّة في هذا الزمان منعقدة علينا وعلى دعوتنا.

وحده الإسلام هو الحق، ووحدها الخلافة هي التي تحمل الحل، ووحده حزب التحرير هو الذي يسعى إليها. وما لم يصل الحزب إلى الحكم، ويصل حكم الله إلى قيادة البشرية فإن مآسي البشرية سوف تكون فوق التصوُّر، وما مآسي الحربين العالميتين عنهم ببعيد، إن لم تكن اليوم أكبر لأن السلاح قد تطوَّر وصار أكثر فتكًا… إن دول الغرب من أمريكا إلى دول أوروبا إلى روسيا، ومن المتوقع أن تتبعها الصين الهند قد بدأت بفتح أبواب الجحيم بعضها على بعض، عسى أن يصرفها الله عنا ويشغلها عن المسلمين ويهلكها ببعضها، وينجز لنا وعده بالنصر.

إن الحزب وشبابه يعيشون في أكثر الأوقات أملًا بقرب الوعد، بل إنه يقترب منهم وهم يرون معالمه تظهر شيئًا فشيئًا حتى تكاد تصبح في متناول اليد،  وفي وقتها الذي أجله الله؛ لذلك فإننا مطمئنون إلى نصر الله لهذه الدعوة خاصة أنه لم يخذلها من قبل، أو لم يكف أن الله قد أوصل الأوضاع في العالم كله إلى أن يكون بحاجة إلى دولة الخلافة الإسلامية.

أيها المسلمون: يجب أن تكون ثقتهم بأحقية دينهم في حكم العالم قوية لا تتزعزع، قال تعالى: (أَفَحُكۡمَ ٱلۡجَٰهِلِيَّةِ يَبۡغُونَۚ وَمَنۡ أَحۡسَنُ مِنَ ٱللَّهِ حُكۡمٗا لِّقَوۡمٖ يُوقِنُونَ٥٠)، ويجب أن يكون إيمانكم بوعد الله بالنصر مستمَدًّا من قسم النبي صلى الله عليه وسلم الذي أخرجه البخاري: «وَاللَّهِ لَيُتِمَّنَّ هَذَا الْأَمْرَ حَتَّى يَسِيرَ الرَّاكِبُ مِنْ صَنْعَاءَ إِلَى حَضْرَمَوْتَ لَا يَخَافُ إِلَّا اللَّهَ أَوْ الذِّئْبَ عَلَى غَنَمِهِ».

أيها المسلمون: إن مشروع الخلافة هو مشروع سياسي عظيم، وهو مشروع حزب التحرير، يستعدّ به لتغيير وجه الأرض في كافة مجالات الحياة، في السياسة، وفي أنظمة الحكم، وفي العلاقات الدولية، وفي السلم والحرب، وفي إدارة الشؤون والحياة المدنية… فمع الخلافة سيتغير العالم وتعود أحكام الإسلام إلى الحياة من جديد.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *