العدد 236 -

العدد 236 – السنة الواحدة والعشرون، رمضان 1427هـ، الموافق تشرين الأول 2006م

العمل لإقامة دولة الخلافة فرض وتركه معصية

رئيس المكتب الإعلامي لحزب التحرير في الكويت:

العمل لإقامة دولة الخلافة فرض وتركه معصية

 

نشرت صحيفة السياسة الكويتية في عددها رقم 13564 الصادر في 19 رجب 1427هـ الموافق 13/8/2006م مقالاً للأمين العام لجماعة أنصار الشورى الدكتور أحمد المزيني ينصح فيه حزب التحرير بعدم التمسك بنظرية الخلافة لأنها في نظره خيالية غير واقعية، حيث قال: «فمثلاً حزب التحرير الإسلامي الذي أسسه الشيخ تقي الدين النبهاني رحمه الله، يركز على نظرية الخلافة الإسلامية ويطالب بتطبيقها، وهي في نظرنا غير واقعية؛ لذا ننصح حزب التحرير الإسلامي بعدم التمسك بهذه النظرية الخيالية». وأضاف: «وجماعة أنصار الشورى والسلام تؤيد نظرية الخلافة الإسلامية الناقصة كما جاء في رسالة الدكتوراه التي حصل عليها في سنة 1927م د. عبد الرزاق السنهوري رحمه الله التي كانت بعنوان «الخلافة الناقصة» من جامعة ليون في فرنسا، ونجد هذه الخلافة الناقصة ممثلة في منظمة المؤتمر الإسلامي التي نطالب بتفعيلها على غرار الاتحاد الأوروبي، والحكمة ضالة المؤمن؛ لذا علينا دراسة الاتحاد الأوروبي ومؤسساته».

وقد رد عليه رئيس المكتب الإعلامي لحزب التحرير في الكويت حسن الضاحي رداً شرعياً بيّن فيه حكم الله في الخلافة، ونشرت هذا الرد صحيفة السياسة الكويتية في عددها رقم 13569 الصادر في 24 رجب 1427هـ الموافق في 18/8/2006م، ونحن ننشره لما فيه من فائدة، ومما جاء في الرد:

أكد رئيس المكتب الإعلامي لحزب التحرير في الكويت حسن الضاحي أن الخلافة قد وجدت على أرض الواقع وطبقت منذ أن أقام الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) دولة الإسلام في المدينة.

جاء ذلك خلال تعقيبه على نصيحة الأمين العام لجماعة أنصار الشورى د. أحمد المزيني لحزب التحرير بترك التمسك بنظرية الخلافة والتي وردت على لسانه في الحلقة الأخيرة من ملف (الوسطية… والأصولية المتشددة) التي نشرتها “السياسة” في العدد 13564 في 13 آب الجاري.

وقال الضاحي: القول بأن الخلافة (غير واقعية) أو (نظرية خيالية) هذا قول يخالف الواقع لأن الخلافة قد وجدت على أرض الواقع فعلاً وطبقت، فالرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) قد أقام دولة الإسلام في المدينة وحكمها بما أنزل الله وأخضع شبه الجزيرة العربية كلها تحت رايته، وجاء بعده الخلفاء الراشدون في دولة الخلافة، ساروا فيها على منهاج النبوة، فتحوا البلدان وطبقوا الإسلام كما طبقه الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)، وإن جاء بعدهم خلفاء حادوا عن منهاج النبوة إلا أن نظام الخلافة ظل مطبقاً على المسلمين، وكانت بلاد الإسلام بلاداً واحدة يحكمها خليفة واحد يبايع على كتاب الله وسنة رسوله، ولم تلغَ الخلافة إلا في أوائل القرن العشرين، أي دامت تحكم العالم ما يقارب ألف وأربعمئة عام، أفبعد هذا التاريخ لدولة الخلافة منذ إقامتها في المدينة إلى سقوطها في إسلامبول تكون (غير واقعية) و(نظرية خيالية)؟!

وأضاف: حين يأمرنا الله بأمر فإنه قطعاً يكون صالحاً للتطبيق وليس خيالياً، والله سبحانه وتعالى أمرنا بإقامة الخلافة مما يدل دلالة لا شك فيها أن الخلافة أمر واقعي يمكن إيجاده وتطبيقه، فضلاً عن أن أحكام الخلافة واضحة وليست مبهمة، فالله سبحانه وتعالى شرع من الأحكام الشرعية ما يجعل الخلافة واقعية عملية وليست (نظرية خيالية)، فبين الإسلام كيفية اختيار الخليفة وشروطه وأحكام البيعة لمن تجب وعلى من تجب، ومتى يعزل الحاكم ومن يعزله، وبيّن أحكام المعاونين والولاة والعمال، وبيّن القضاء في دولة الخلافة كيف يكون، وكيفية تنظيم مجلس الأمة، وكيفية رعاية مصالح الناس، وغيرها من أحكام تتعلق برعاية الشؤون وإدارتها. أضف إلى ذلك أن الإسلام قد شرع طريقة شرعية واضحة تبيّن كيفية إقامة الخلافة، تتمثل هذه الطريقة بطريقة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) التي عمل بها لإقامة الدولة الإسلامية، طريقة سياسية فكرية تتخللها المرحلة التثقيفية ومرحلة التفاعل والصراع الفكري والكفاح السياسي، كما تتضمن طلب النصرة لإقامة الدولة وتطبيق حكم الله. فكون الإسلام يشرع لنا أحكاماً تفصيلية للخلافة وطريقة شرعية لإقامتها ليدل دلالة قطعية على أن الخلافة ليست (غير واقعية) أو (نظرية خيالية).

ووجه الضاحي حديثه لأمين عام جماعة أنصار الشورى بالقول: أما نصحك للحزب بقولك: «ننصح حزب التحرير الإسلامي بعدم التمسك بهذه النظرية الخيالية» فهي دعوة لترك فرض قد أمر الله سبحانه وتعالى المسلمين بإقامته، فعدم التمسك بالعمل لإقامة الخلافة هو عدم التمسك بأمر الله عز وجل؛ لأن الخلافة هي نظام الحكم في الإسلام الذي أمرنا الله سبحانه وتعالى بإيجاده، ولا يمكن تطبيق الإسلام إلا بها، والأدلة على ذلك مستفيضة من الكتاب والسنة وإجماع الصحابة.

وبين أن الله خاطب الرسول عليه الصلاة والسلام ( فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ ) [المائدة 48]، وقال: ( وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ ) [المائدة 49] فخطاب الرسول بالحكم بينهم بما أنزل الله خطاب لأمته، فالله سبحانه وتعالى يأمر الأمة بالحكم بما أنزل الله أي بتطبيق الإسلام كما طبقه الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) فعليهم أن يوجدوا حاكماً بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يحكم بينهم بما أنزل الله. والحاكم الذي يحكم المسلمين بالإسلام بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) هو الخليفة، فيكون نظام الحكم على هذا الوجه نظام الخلافة، فضلاً عن ذلك أن الله أمرنا بإقامة الحدود وسائر الأحكام، قال تعالى: ( وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا ) [المائدة 38] وقال: ( الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ ) [النور 2] وهذه لا تقام إلا بالحاكم، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، أي إيجاد الذي يقيم الشرع هو واجب، والحاكم على هذا الوجه هو الخليفة، ونظام الحكم هو نظام الخلافة.

وأضاف: وأما السنة فقد روي عن نافع قال: قال لي عبد الله بن عمر: سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول: «من خلع يداً من طاعة لقي الله يوم القيامة لا حجة له، ومن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتةً جاهليةً» والبيعة لا تكون بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إلا للخليفة ليس غير، فالحديث يدل على وجوب وجود خليفة يستحق في عنق كل مسلم بيعة بوجوده، وروى مسلم عن الأعرج عن أبي هريرة عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: «إنما الإمام جنة يقاتل من ورائه ويتقى به» وهو وصف للخليفة بأنه جُنة أي وقاية، فهو إخبار من الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) فيه مدح لوجود الإمام. والإخبار كما في الأصول إن اقترن بمدح كان طلب فعل، وإن كان هذا الفعل يترتب على فعله حكم شرعي أو يترتب على تركه تضييعه كان ذلك الطلب جازماً أي واجباً ومنه يكون الأمر بإقامة الخليفة واجباً شرعياً، وروى مسلم عن أبي حازم قال: قاعدت أبا هريرة خمس سنين فسمعته يحدث عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: «كانت بنو إسرائيل تسوسهم الأنبياء، كلما هلك نبي خلفه نبي، وإنه لا نبي بعدي، وستكون خلفاء فتكثر، قالوا فما تأمرنا؟ قال: فوا ببيعة الأول فالأول، وأعطوهم حقهم، فإن الله سائلهم عما استرعاهم». وفي هذا الحديث يبين الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه خاتم الأنبياء، وبعده الذين يسوسون الناس هم الخلفاء، وواجب المسلمين هو مبايعتهم. هذا فضلاً عن أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أمر بطاعة الخلفاء وبقتال من ينازعهم على خلافتهم، فقد روى مسلم أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: «ومن بايع إماماً فأعطاه صفقة يده، وثمرة قلبه، فليطعه إن استطاع. فإن جاء آخر ينازعه فاضربوا عنق الآخر»، فالأمر بطاعة الإمام هو أمر بإيجاده؛ لأن الرسول عليه الصلاة والسلام لا يأمرنا أن نطيع من لا وجود له، والأمر بقتال من ينازعه قرينة على الجزم في وجوب دوام أن يكون الخليفة واحداً.

وأوضح الضاحي أن الصحابة، رضوان الله عليهم، أجمعوا على لزوم إقامة خليفة لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بعد موته، وأجمعوا على إقامة خليفة لأبي بكر، ثم لعمر، ثم لعثمان، بعد وفاة كل منهم، وقد ظهر تأكيد إجماع الصحابة على إقامة خليفة من تأخيرهم دفن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عقب وفاته، واشتغالهم بنصب خليفة له، مع أن دفن الميت عقب وفاته فرض. والصحابة الذين يجب عليهم الاشتغال بتجهيز الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ودفنه اشتغل قسم منهم بنصب الخليفة عن الاشتغال بدفن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وسكت قسم منهم عن هذا الاشتغال، وشاركوا في تأخير الدفن ليلتين مع قدرتهم على الإنكار، وقدرتهم على الدفن، فقد توفي الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ضحى الاثنين، وبقي دون دفن ليلة الثلاثاء ونهار الثلاثاء، حيث بويع أبو بكر (رضي الله عنه) ثم دفن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وسط الليل، ليلة الأربعاء، أي تأخر الدفن ليلتين، وبويع أبو بكر قبل دفن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم). فكان ذلك إجماعاً منهم على أن الاشتغال بنصب الخليفة أوجب من دفن الميت، وأيضاً فإن الصحابة كلهم أجمعوا طوال أيام حياتهم على وجوب نصب الخليفة. ومع اختلافهم على الشخص الذي ينتخب خليفة، فإنهم لم يختلفوا مطلقاً على إقامة خليفة، لا عند وفاة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ولا عند وفاة أي خليفة من الخلفاء الراشدين، فكان إجماع الصحابة هذا دليلاً صريحاً وقوياً على وجوب نصب الخليفة، مما يؤكد على أنه يجب أن يكون للمسلمين خلافة تحكمهم بالإسلام.

ورأى الضاحي أنه بعد هذه الأدلة الصريحة يكون واضحاً أن العمل لإقامة الخلافة فرض واجب على المسلمين الالتزام به، والتقصير فيه يكون معصية كالتقصير بأي فرض من الفروض كالصلاة والزكاة وغيرها، لذلك فنصحك أخي الدكتور لحزب التحرير (بعدم التمسك بهذه النظرية الخيالية) ليس في محله، وهو دعوة لترك الفرض، أي دعوة لمعصية، وإن كنا نثق أنك لا تقصد ذلك وإنما قصدت النصح في الإسلام، إلا أنه كان يجب أن تكون نصيحتك لسائر المسلمين هي الاشتغال بالعمل لإقامة تطبيق شرع الله في دولة الخلافة الراشدة التي أمرنا الله ورسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) بها.

وقال الضاحي مخاطباً المزيني: هذا فيما يخص نصيحتك التي وجهتها إلى حزب التحرير، أما قولك: «وجماعة أنصار الشورى والسلام تؤيد نظرية الخلافة الإسلامية الناقصة…» وبيَّنتها على أنها «ممثلة في منظمة المؤتمر الإسلامي التي تطالب بتفعيلها على غرار الاتحاد الأوروبي…»، فنقول إن هذا الكلام يخالف طبيعة الإسلام، لأن الإسلام جعل المسلمين أمة واحدة يعيشون في بلاد واحدة وفي دولة واحدة هي دولة الإسلام أي دولة الخلافة، ويحكمهم خليفة واحد ولا يجوز أن يكون لهم أكثر من خليفة، بمعنى لا يجوز للمسلمين أن يعيشوا في دول متفرقة وإن كان يجمع هذه الدول منظمة أو جامعة، وكما هو معلوم من الدين بالضرورة، أن الأصل بالأفعال التقيد بالحكم الشرعي، ولا يوجد دليل واحد يبيح للمسلمين أن يكون لهم أكثر من دولة. أما منظمة المؤتمر الإسلامي التي ذكرتها فهي قامت أساساً في عام 1969 على أثر الحريق الذي تعرض له المسجد الأقصى على يد اليهود لامتصاص نقمة الشارع المسلم لتقول هذه الدول لشعوبها إننا فعلنا شيئاً, وزادوا في إعطاء الأمل للناس حين قرروا أن تكون مدينة جدة مقراً مؤقتاً للمنظمة على أن يكون مقرها الدائم في القدس بعد تحريرها، فكان واضحاً لكل متابع سياسي أن هذه المنظمة هي جزء ومرحلة مكملة للمراحل التي تلت معاهدة سايكس بيكو التي أبرمت عام 1916م لتقسيم دولة الخلافة الإسلامية. وللحيلولة دون عودة الوحدة للمسلمين أوجدوا لهم هذه المنظمات التي شكلياً تظهر الاتحاد وواقعياً ترسخ التقسيم والتفرقة بين بلاد المسلمين. وصحيح أن (الحكمة ضالة المؤمن) ولكنها لا يمكن أن تكون في أنظمة الغرب التي تخالف نظام الإسلام. فالإسلام ليس فيه اتحاد كالاتحاد الأوروبي، وإنما فيه وحدة واحدة في دولة واحدة يحكمها خليفة واحد.

ودعا الضاحي أن تكون هذه الكلمات في إطار النصح بيننا على أرضية واحدة تجمعنا هي أرضية الإسلام، فما يقره الإسلام نأخذ به وما يخالف الإسلام نلتفت عنه، ومقياسنا في ذلك هو الدليل الشرعي ليس غير، قال سبحانه وتعالى: ( وَمَا ءَاتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ) [الحشر 7].

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *