العدد 433 -

السنة السابعة والثلاثون، صفر 1444هـ ، أيلول 2022م

النظام الاقتصادي الأمثل (صور من النظام الإسلامي والنظام الرأسمالي) (3)

 

محمود عبد الهادي  

إحياء الأرض الميتة

لقد أباح الإسلام الأرض الميتة التي ليس لها مالك معين للناس، وجعلها ملكيةً عامة ينتفع بها من ينتفع ومن أحياها فهي له، وجعل من واجبات الدولة رعاية شؤون الرعية ومساعدتهم وتأمين حاجاتهم وتسهيل معاشهم، فمن يحيي أرضًا ميتةً ليسكن فيها ويزرعها ويجعلها منتجةً فهي له، وبهذا هل تبقى بطالةُ أو مشكلة سكن أو ندرة سلع أو خدمات، أم أن هذا يشجع الاستثمار وجلب الأموال ويوجد فرص العمل ويزيد الثروة والغنى ويقضي على البطالة والفقر، فأي النظامين أولى أن يُقال إنه غاية المنى في العلاج والتنظيم؟ إنه الإسلام بلا شك، النظام المعجز.

الضرائب بين الإسلام والرأسمالية

ولقد حرَّم الإسلام الضرائب والرسوم والجمارك على الناس وعلى أعمالهم وأموالهم، بل أوجب على الدولة تيسير قضاء الناس حوائجهم ومساعدتهم بتعبيد طرقاتهم وتأمين الأسواق لهم وحماية أموالهم وتجاراتهم، وفضِّ خصوماتهم، والقضاء بينهم بغير ضريبة ولامقابل، فالإمام راع وهو مسؤول عن رعيته، والله أرسل نبيه صلى الله عليه وسلم للناس هاديًا وليس جابيًا. فما هي نتائج هكذا أحكام على الفرد والمجتمع والدولة؟ إنها تشجيع الناس على الانطلاق للعمل والتملُّك وتكثير الإنتاج وكفاية الأفراد وغِناهم، والتنافس الذي يحسِّن الجودة ويهبط بالأسعار هبوطًا كبيرًا، وكذلك غنى الدولة وقوتها واستغناؤها عن القروض… بل وجعل البلاد قبلة الاستثمار الحقيقي وملاذ الأموال ومقصد الناس للعيش فيها وطلب الانتماء إليها وحمل تابعيتها، واللجوء إلى ظلالها الوارفة فرارًا من حميم الرأسمالية الحارقة.

أما النظام الرأسمالي ففرضُ الضرائب على الناس من أهم وسائله ليقتطع المتحكمون بهذا النظام المال من جميع الأفراد وهم راضون أو صاغرون، وهي مصدر مال الدولة، ولأجلها يتفنَّنون ويبدعون في ابتكار طرق فرضها وتسويغ زيادتها، فهي جارية على كل سلعة وكل خدمة، والمتضرر منها هي تلك الفئة التي تشكل النسبة التسعينية من الناس، والمستفيد بالدرجة الأولى هم الذين يشكلون نسبة الـ 1% وأكثر قليلًا. ولتعدد مواضع فرضها ولفرضها في كل مراحل الإنتاج أو حركات الأفراد أو السلع وسائر الأموال والخدمات، فإنها تؤدي إلى رفع أسعار السلع والخدمات بنسب خيالية، يتجاوز مجموعها أحيانًا الـ 100%، وأحيانًا الـ 200%، وفي بعض الحالات ما هو أكثر بكثير. ولو تصورنا مستثمرًا يريد إنشاء مصنع لسلعة ما، فإن الضرائب تبدأ من رخصة الإنشاء ومن الضرائب على ثمن المكان أو إيجاره، ثم على المواد المستخدمة للإنتاج وكلها تعرضت لسلسة ضرائب قبل أن تصله بثمن شرائه لها، وكذلك على آلات الإنتاج، ثم تفرض على السلعة المنتجة ضريبة لأسباب متنوعة من فحوص النوعية والمراقبة وما شاكل ذلك، ثم ضريبة البيع لسوق الجملة، يليها ضريبة بيع التجزئة أو ضريبة القيمة المضافة، والموظفون وسائر الأجراء عند المستثمر الأول تفرض على مداخيلهم ضرائب مباشرة وهي عالية، وهذه توجب عليه رفع أجورهم مما يزيد تكاليف الإنتاج التي ترجع على تكاليف السلعة المنتجة، وكذلك تاجر الجملة تفرض على أُجرائه ضريبة دخل ترفع تكلفة السلعة عليه، ومثل ذلك على تاجر التجزئة، وبعد ذلك تأتي ضريبة الدخل السنوي على أرباح سائر التجار بدءًا من المستثمر الأول مرورًا إلى التاجر الأخير، وكذلك لا بد للتاجر أن يضيف على تكاليف الـمُنْتَج تكاليف ما يسمونه الضمان الاجتماعي للعمال وتعويض نهاية الخدمة، وخلال كل هذا فالمصنع يحتاج للوقود الذي عليه ضريبة مرتفعة، وكل هؤلاء يستخدمون النقل والطاقة التي عليها ضرائب مرت بسلسلة مشابهة، وأما إذا كانت السلعة تُصدر للخارج أو تستورد من الخارج، فستخضع لضرائب إضافية عند خروجها من البلد المصدر وعند دخولها للبلد المستورد. وهذا ناهيك عما أبدعه هذا النظام من أساليب للاقتطاع من أموال الناس بفرضه التأمين على البضائع وعلى العمال وعلى كل ما يستطيع، سواء داخل البلد أم أثناء التصدير، وكذلك ما يفرضه من تجميد أموال وكفالات بنكية وما إلى هنالك. وهذه الضرائب كلها تضاف في النهاية إلى تكلفة السلعة ليتحملها المستهلك. وبذلك فهي مفروضة على كل الناس فردًا فردًا. ولا يرِد أبدًا أن يُبدع القائمون على هذا النظام والمستفيدون منه ومن ضرائبه بإيجاد طرق أو وضع قوانين لاستثناء الفقراء أو ذوي الدخل المتوسط وما دونه من هذه الضرائب؛ وذلك لأن هؤلاء يشكلون النسبة الأكبر من السكان، وبالتالي يشكلون المصدر الرئيس لهذه الثروة المتجمعة من الضرائب. وأما المستفيدون منها فهم أصحاب المؤسسات الكبيرة المؤثرة بهذا النظام وبالدولة المستفيدة منهما. فعلى سبيل المثال، شركات صناعة الطائرات أو السلاح أو مؤسسات الدراسات بشتى أنواعها أو المؤسسات الإعلامية الكبرى، أصحابها ومستشاروهم وموظفوهم جزء من الدولة أو لهم تأثيرهم على قرارات في الدولة، وهذه تبيع إنتاجها أو تقدم خدماتها للدولة مقابل أرباح وأجور مرتفعة جدًا بل خيالية، فلا بد أن تمتلك الدولة الثمن، وتكون الضرائب على الناس هي المصدر.

إن هذه الضرائب في هذا النظام مفروضة على كل حركة وكل خدمة يحتاجها الناس، وحتى على القضاء أو تركة الميت. فمن اعتُدي عليه فإن تكاليف لجوئه للقضاء وتحصيل حقه باهظة، والتركة عند تسليمها لمن يرثها عليها ضريبة مرتفعة. فما هو تأثير الضرائب على الأسعار، وبالتالي على الفقير وعلى العيش؟ إن الضرائب من أعظم الشرور على الأفراد والمجتمع، ورفعها بالكلية يهبط بالأسعار هبوطًا كبيرًا، وبالتالي فإن النظام الذي يمنع الضرائب سيكون قبلة المستثمرين والزوَّار وقاصدي المنافسة وطالبي الربح والتوفير والعيش المريح.

سيردِّد المضبوعون بالأفكار الغربية والببغاوات ما يحشوه أرباب هذا النظام في عقول الناس من أن الدولة لا غنى لها عن إيرادات تنفقها على رعاية شؤون الناس، فهل من مصدر سوى هذه الضرائب، ويتوهمون أنهم على شيء في قولهم، وما هم إلا على جهل وانغلاق وعلى أبصارهم غشاوة، لا يرون إلا ما يُريهم شياطين الرأسمالية وحيتان المال، وأصحاب النفوذ في هذا النظام.

لقد طبَّق النبي صلى الله عليه وسلم الإسلام في كل شؤون الحياة ومنها الاقتصاد، وتبعه في ذلك الخلفاء الراشدون والدولة الإسلامية عبر العصور، فهلاَّ نظر هؤلاء في هذا النظام الذي حرَّم الضرائب كلها ليتعرفوا على مصادر مال الدولة وكيف تقوم على شؤون رعيتها؟

أنواع الملكية في الإسلام

لقد جعل الإسلام الملكية ثلاثة أنواع، أحدها ملكية الدولة، وجعل مصادرها محدَّدة بأوصافها وأنواعها فلا تتغير. وكذلك جعل الملكية العامة أحد أهم مصادر رعاية الشؤون إضافةً إلى ملكية الدولة، وذلك كالنفط وسائر المعادن والغابات والمراعي، وهذه تقوم على شؤونها الدولة حيث يلزم لصالح مجموع الرعية، ولكل شأن ينتفع به المجموع، كإنتاج الكهرباء وشبكات الطرق والمواصلات والحدائق وتسهيل قضاء حاجات الناس وتيسير عملهم وحركتهم وتجارتهم. وكذلك لإقامة المصانع لكافة أنواع الإنتاج الذي ترجع مصلحته على عموم الرعية، وللتعليم والطبابة والتسليح والمختبرات، وهذا مصدر هام لا يرجع على الناس بالغلاء بل يرجع عليهم بالمال والمنافع؛ إذ هذا كله ملكية عامة. وكذلك جعل الزكاة على النقود وأنواع من الزروع والمواشي وعلى عروض التجارة وحدَّد مصارفها، وهي مما تقوم به الدولة برعاية شؤون رعيتها في الأبواب التي حدَّدها الشرع. وجعل من مصادر ملكية الدولة الفيء والخراج والجزية وخمس الركاز. ولو نظرنا إلى هذا المنهج في تأمين أموال رعاية شؤون الناس، فلا نرى فيه أثرًا لفرض مال على فقير أو غير غني إلا ما كان من مقدار زهيد جدًا هو زكاة الفطر يخرجه المسلمون عن كل نفر منهم مرة في السنة. فمصادر الملكية العامة يشترك في الانتفاع بها ومنها عموم الناس، واستثمارها وتنميتها هي مال يتم توزيعه أو توزيع منافعه على الناس، أو يتم استثماره وتوزيع ريعه عليهم مجانًا، أو بمقابل بسيط هو تكاليف الإنتاج ولتنظيم الاستهلاك، وهو يعود بدوره عليهم. وأما الزكاة فواقعها أنها ليست على العمل ولا على الإنتاج وليست للإذن بالعمل كما في ذلك النظام الضار، وإنما هي مقدار زهيد 2.5% على ما يزيد من نقود عن حاجة الغني وبشرطه وسببه، ومثله أو يشبهه زكاة الزروع والمواشي، فلا يعود شيء من هذا على المستهلكين برفع أسعار سلع أو خدمات، بل يعود بالكفاية على الفقراء، وينشط حركة السوق والإنتاج. وأما الخراج فهو مقدار على الأرض الخراجية وهي التي تملك رقبتها الدولة، ولا تأخذ الدولة على تلك الأرض أجرة. وأما الجزية فهي مقدار زهيد أيضًا على غير المسلمين من رعية الدولة تؤخذ من الرجال البالغين القادرين على دفعها، ولا تؤخذ على النساء ولا الصبيان. وأما الفيء فهو من غنائم الحروب والجهاد، ولا يرجع على المجتمع بضرر ولا غلاء، ولا يثقل على فقير أو مسكين، بل يرجع عليهم بالرزق والنفع.

الاحتكار

 وكذلك حرَّم الاسلام الاحتكار لأي سلعة، وهو أحد أسباب التضييق على الناس في معاشهم، ومن وسائل المنتفعين من النظام الرأسمالي لزيادة أرباحهم زيادات فاحشة تثقل كواهل الناس. وهو من مقتضيات حرية الملكية، ومنه ما يسمى حقوق الملكية الفكرية أو أي منتج ككتاب أو فكرة أو آلة أو جهاز… ومن ذلك الأدوية وسائر ما يعدونه براءات اختراع أو ابتكارات. إن الملكية في الإسلام هي سلطان شرعي للمالك على ما يملك، فمن امتلك كتابًا أو منتجًا إلكترونيًا فله الحق في نسخه وطباعته وبيعه وفي دراسة ومعرفة كل شيء فيه، وفي كافة وجوه الانتفاع الشرعية به، وكذلك بالنسبة للأدوية أو أي إنتاج صناعي أو غيره. ولننظر بعد هذا إلى أثر ذلك على المجتمع وعلى التنافس الدائم باتجاه هبوط الأسعار وتحسين الإنتاج وتطويره. وهذا ما يؤدي إلى زوال كم كبير من منتجات اللهو والضرر ومضيعة الوقت والجهد، وهو ما يفيد عموم الناس والمستهلكين. فأي النظامين أحق أن نصفه بأنه أرقى وأمثل ما يمكن أن تعرفه البشرية وأحرى أن تطبقه وتخضع لقوانينه؟! إنه ولا شك النظام الرباني الذي أنزله اللطيف الخبير.

النظام النقدي والمالي في الإسلام نظام الذهب والفضة

وإذا انتقلنا من هذه الأمثلة في أحكام العلاقات الاقتصادية إلى أحكام النظام النقدي والمالي، نجد الفروق واضحة بين النظامين؛ فروقًا في الأحكام والقوانين وفي النتائج؛ من حيث إنسانية المعالجات ومثاليتها، ومن حيث ازدهار الحياة وطمأنينة العيش وأمن المجتمعات وكفاية الأفراد ونهضة الإنسان. فقد أباح الإسلام تداول النقود بكل أشكالها، ذهبيةً أو فضيةً أو غير ذلك من معدنية أو ورقية، وأباح الصرف بين العملات المختلفة؛ عملة الدولة الإسلامية وغيرها من عملات الدول الأخرى، وجعل للدولة أن تسكَّ النقود وتصدرها؛ ولكنه حرَّم إصدار أي نقد بأي قيمة ما لم يكن له غطاء يمكِّن حامله من استبداله في أي وقت بقيمته المنصوص عليها قانونًا من عين الذهب أو الفضة. فأي نقد تصدره الدولة معدنًا كان أو ورقًا يجب شرعًا أن يكون مغطى بذهبٍ أو فضة تساوي قيمته التي يُتَداول بها. وهكذا فأموال الناس محفوظة لأنها مقوَّمة بأحد المعدنين اللذين قيمتهما ذاتية، وعندما امتلكها صاحبها إنما امتلكها على أساس قيمتها من ذلك المعدن، ولأن قيمتها ثابتة بثبات قيم الذهب والفضة. وهذا يؤدي إلى استقرار في النظام النقدي بسبب الثبات في الأساس الذي هو مقياس قيمة وحدة النقد. وعلى ذلك فلا يجوز للدولة أن تصدر أي كمية من النقد من غير الذهب أو الفضة أو أن تطبع أوراقًا نقدية جديدة أو أن تصدر سندات مالية إلا إذا امتلكت قيمتها من الغطاء الشرعي؛ أي من الذهب أو الفضة، وبحيث تحافظ على قيمة النقد الموجود في العالم، فتظل قيمة الوحدة النقدية المغطاة بالذهب ثابتة بالنسبة للذهب والوحدة النقدية المغطاة بالفضة ثابتةً بالنسبة للفضة. وهكذا فإن نقد الدولة الإسلامية هو نقد يدخل الأسواق العالمية من أول يوم يوجد فيه، ويقبل عليه الناس أينما كانوا بغير خوف لحفظ أموالهم فيه، ويقبلونه أكثر من غيره في تعاملاتهم التجارية والمالية لأنه مضمون القيمة ومستقر، وليس عرضةً للتضخم. وبذلك فالنظام النقدي الإسلامي نظام أمين، ومؤتمن على أموال الناس جميعًا، لا يقتطع منها نتيجة أي حدث، ولا مع مرور الزمن. وهو نظام يبيح التبديل والصرف بين الذهب والفضة، وبين النقد المغطى بالذهب وذاك المغطى بالفضة، وبين العملات المختلفة مهما كان غطاؤها، ولو كانت أسعار الصرف متفاضلة ومتغيرة. وبما أن نقد الدولة الإسلامية ثابت القيمة فإنه على المدى الطويل دائم الارتفاع بالنسبة للعملات الأخرى التي لا تخضع لقيد الغطاء الذهبي أو الفضي والتي تفقد من قيمتها باستمرار؛ وعلى ذلك فإن النظام النقدي الإسلامي هو نظام القاعدة الذهبية، أو نظام المعدنيْن، الذهب والفضة.

أما النظام النقدي والمالي الذي آلت إليه الرأسمالية وتقوده أمريكا اليوم فهو نظام الهيمنة على ثروات الشعوب وجهودها، هو نظام إنهاكها وانتهاك كل القيم في سبيل مراكمة الأموال والثروات بأجلى وأبشع صور الجشع والظلم. إنه صورةٌ وأسلوب من أساليب الاستعمار بصوره المتعددة والمتجددة، وكل ذلك تحت عناوين برَّاقة من الحرية وحقوق الإنسان والتقدم، وخطط كاذبة تعد بالتنمية والقضاء على الفقر والمرض والتخلف. وهكذا يفرضون على الشعوب بالقوة والخداع وبالعملاء تشريعات اقتصادية ومالية، وخططًا إصلاحية وتنموية وكأنها وصفات طبية للعلاج، فإذا بها وصفات للإيقاع بالشعوب في فخاخهم، وربطهم بهم لتسخيرهم واستعبادهم فينهبون ثرواتهم، حتى إذا قضوا عليها، ابتكروا خططًا جديدة لمعالجة الوضع الجديد، وهي في الحقيقة لامتلاك مرافق البلاد ومصادرها بشكل مباشر، فإذا ما تمَّ لهم ذلك شرعوا في خطط وأساليب جديدة تحت عناوين وصْفات العلاج، وهكذا إلى أن يتاجروا بأعضاء البشر ويضخوا دماء الناس من شرايينهم إلى بنوكهم وخزائنهم. وهكذا فالتنمية ومشاريعها في النظام الرأسمالي ليست إلا الهيمنة على الشعوب واستعبادها، وشعار القضاء على الفقر في النظام الرأسمالي ليس إلا ثرثرةً مخادعة، وحقيقته إفقار الأغنياء والقضاء على الفقراء، وإن استعراضًا سريعًا للنظام النقدي العالمي اليوم يبين بوضوح هذه الحقيقة الصارخة.

تطور النظام النقدي الرأسمالي إلى نظام ورقة الدولار

         إن النظام النقدي السائد في العالم اليوم يستحق أن يسمى بجدارة نظام الدولار أو قاعدة الدولار؛ حيث إن الدولار أو أي ورقة نقدية تصدرها الولايات المتحدة الأمريكية يقبلها العالم، ويعدها ذات قيمة بحسب الرقم الذي تسجله عليها، من غير أي رصيد بديل ذي قيمة حقيقية، وهذا مفروض على العالم بالخداع والتآمر والقوة والاستغلال.

لقد كان الناس تاريخيًا يتعاملون على أساس القاعدة الذهبية، ومع بدايات القرن التاسع عشر بدأ يظهر تقنين لهذا النظام وتنظيمٌ لأجل التجارة الخارجية والمبادلات الدولية، فعمدت كثير من الدول إلى تحديد قيم ثابتة لعملاتها، فعلى سبيل المثال صدر بتاريخ 22/6/1816م قانون في بريطانيا يحدِّد قيمة الجنيه الإسترليني بوزن 7,988 غرام من الذهب. وصدر في فرنسا قانون بتاريخ 10/4/1802م قانون يحدد قيمة الفرنك الفرنسي بوزن 322,58 ملليغرام من الذهب. وصدر في ألمانيا بتاريخ 9/8/1873م قانون يحدد قيمة المارك بوزن 398,2 ملليغرام من الذهب. وكذلك بالنسبة للروبل الروسي حيث تحدَّدت قيمته سنة 1897م بوزن 744 ملليغرام من الذهب. وكذلك الدولار الأمريكي، فبعد تقلبات عديدة تحددت قيمته بوزن 1,5 غرام من الذهب بموجب قانون صادر بتاريخ 14/3/1900م، ويعرف باسم ميثاق المعيار الذهبي. وعلى هذه الأسس لم يكن ثمة مشاكل في التجارة الدولية والمبادلات النقدية؛ إذ يتحدد من كل عملة ما يعادلها من عملة أخرى على أساس قيمة كل منهما من الذهب. واستمر هذا الحال من اعتماد القاعدة الذهبية في العالم حتى بداية الحرب العالمية الأولى.

ولما اتسع نطاق هذه الحرب وزادت نفقاتها عن طاقات الإنتاج في الدول المتحاربة، أخذت هذه الدول تفرِّغ خزائنها من نقودها ومما لديها من غطاء ذهبي، وكذلك تصدر نقدًا ورقيًا إلزاميًا بكميات كبيرة من غير وجود غطاء لها، فتلاشى نظام القاعدة الذهبية وسقط نظام النقد الدولي. ورغم محاولات إصلاح هذا النظام بعد نهاية الحرب؛ إلا أن المحاولات كلها لم تفلح؛ إذ كانت معظم أرصدة العالم من الذهب قد أرسلت إلى الولايات المتحدة الأميركية التي لم تتأثر بنفقات الحرب، وكانت الدول المتحاربة الأوروبية في حالة دمار وعجز وخزائن فارغة، إضافة إلى الأزمة الاقتصادية العالمية الكبرى سنة 1929م التي ضربت أمريكا والعالم آنذاك. وطفقت دول أوروبا تمتنع عن تبديل عملاتها بما ينبغي أن تعادله قانونيًا من الذهب، وأعلنت ما بين العامين 1931م و1936م وبشكل متتابع كل من بريطانيا وجميع مستعمراتها واليابان وأمريكا وبلجيكا ولوكسمبورغ وفرنسا وهولندا وإيطاليا وسويسرا التوقف عن تبديل عملاتها بالذهب. ثم اشتعلت الحرب العالمية الثانية 1939م – 1944م التي دمَّرت اقتصاد دول أوروبا الغربية والاتحاد السوفياتي واليابان، وتدفقت أموال هذه الدول وأرصدتها الذهبية إلى الولايات المتحدة بشكل رأسمال هارب من الحرب أو لأجل مشتريات عسكرية، حتى صار ثلثا الاحتياطي العالمي من الذهب بحوزة أمريكا.

اتفاقية بريتون وودز ونظام الصرف بالذهب

         ومع نهاية الحرب الثانية، ونتيجة للخسائر والدمار في أوروبا، وللفوضى النقدية، وما آلت إليه أمريكا من قوة اقتصادية ومالية، سارع قادة العالم والمسؤولون إلى عقد مؤتمر دولي لتنظيم الأوضاع النقدية الدولية والتجارة الخارجية، فانعقد مؤتمر بريتون وودز ((Bretton Woods الذي استمرَّ من أول تموز إلى الثاني والعشرين منه سنة 1944م، في نيوهمبشاير في الولايات المتحدة وحضرته 44 دولة. وبسبب أوضاع ما بعد الحرب العالمية الثانية وُلدت اتفاقية بريتون وودز التي تمكَّنت بها أمريكا من وضع أسس ومقدمات سيطرتها النقدية والاقتصادية على أوروبا والعالم، وأن تقدم الدولار كعملة صعبة وكملك للعملات وتضفي عليه ثقة عالمية. وبدأت مرحلة جديدة لنظام نقدي دولي جديد سمِّيّ نظام الصرف بالذهب، واستمرت هذه المرحلة من سنة 1944م إلى سنة 1971م، حيث صار هذا النظام ضارًا بدولار أمريكا وخطرًا على اقتصادها، فأعلن الرئيس الأمريكي نيكسون إلغاءه من غير أي اكتراث بالاتفاقية أو تعهداتها أو بأي خلق.

لقد نصت اتفاقية بريتون وودز على تحديد قيمة أي نقد لأي دولة بمقدار من الذهب؛ ولكنها لم تشترط وجود غطاء ذهبي للكميات التي تصدرها من نقدها، ولم تشترط عليها أن تعطي الذهب مقابل عملتها باستثناء أمريكا؛ ولكن هذه الدول كان عليها أن تحتفظ في بنوكها المركزية بكمية من الدولارات لتكون هي الغطاء لعملتها، وكان سيان أن تحدد قيمة الوحدة النقدية بوزن مقدَّر من الذهب أو بالدولار. وحددت أمريكا قيمة الدولار بما يعادل 35 دولارًا للأونصة، وتعهدت بأن تستبدل دولارها بالذهب عند الطلب… ونصت الاتفاقية على عدم السماح بتقلب أسعار النقد إلا بمقدار 1% صعودًا أو هبوطًا، وبما أن هذه الدول خرجت محطمة من الحرب وخزائنها خاوية، وخرجت أمريكا قوية وثلثا ذهب العالم بحوزتها، فقد كان على هذه الدول أن تستدين الدولار من أمريكا، لتجعله غطاءً لإصدار نقدها، وإذا تعرضت لضائقة مالية أو تعرض نقدها لاضطرابات فعليها أن تحافظ على سعره المنصوص بما لا يتجاوز تغير 1%؛ لذلك ستضطر لاقتراض الدولار لتزيد من السيولة، ولا يحقُّ لها تخفيض قيمة عملتها إلا بشروط. أما أمريكا فقد استعدَّت لتقديم الذهب مقابل الدولار وكانت قادرة على ذلك بشكل قوي. وهكذا فإن أراد حامل نقد معين أن يحصل على الذهب مثلًا مقابل ماله، فعليه أن يحصل على الدولار أولًا، ومصدر الدولار هو البنك المركزي الذي أصدر هذا النقد، وبعد ذلك يحصل على الذهب مقابل الدولار، وهذا ينطبق على كل الناس والمؤسسات والدول. وبهذا صار الدولار غطاءً واحتياطيًّا في البنوك المركزية، وصار موضع ثقة وأمان تفتقده العملات الأخرى. وتربع على عرش النقد العالمي. لقد سمي هذا النظام نظام الصرف بالذهب، وحقيقة معناه أنه نظام قاعدة الدولار أولًا ثم الصرف بالذهب. ولأجل مراقبة تنفيذ هذه الاتفاقية ومعالجة ما يترتب عليها، قررت الاتفاقية إنشاء صندوق النقد الدولي كمؤسسة عالمية تشرف على تنفيذها وحسن سيرها، وعلى المعاملات النقدية والمالية وأسعار الصرف، وتمنح القروض، وقد كانت أي دولة تحتاج أن تخفض عملتها ملزمة بأخذ القروض قبل ذلك، وفوائد القروض ترجع إلى أمريكا. وكذلك كان مما تقرر إنشاؤه في هذه الاتفاقية البنك الدولي للإنشاء والتعمير؛ وذلك لإحكام حلقات السيطرة الاقتصادية على الدول الكبرى وعلى العالم.

لقد كانت هذه الاتفاقية بالنسبة لأمريكا دجاجة تبيض ذهبًا، فطفقت تُنشئ المؤسسات الدولية وتُتبعها للبنك الدولي وتعدِّل وتُضيف إلى قوانينها وقوانين الصندوق كلما وجدت حاجة لمد أذرعها الأخطبوطية وبسط سيطرتها الاقتصادية والمالية. ثم جاء إعلانها عن مشروع مارشال لإعادة إعمار أوروبا المحطمة بعد الحرب، وذلك بهدف الاستثمار، بل بهدف الاستعمار الأمريكي للعالم وضرب القوى المنافسة لها اقتصاديًّا وسياسيًّا. وقد وضع هذا المشروع وزير الخارجية الأمريكي الجنرال جورج مارشال وأعلنه بنفسه في 5 حزيران سنة 1947م في خطاب أمام جامعة هارفارد، وهو كان رئيس هيئة أركان الجيش الأمريكي إبان الحرب العالمية الثانية.

لقد سارت الأمور بعد ذلك على ما يرام بالنسبة لأمريكا، وكذلك بالنسبة لأوروبا التي كانت تستفيد من إعادة إعمار بلادها ومصانعها، والتي كانت كذلك متنبهة إلى أهداف أمريكا وبخاصة بريطانيا وفرنسا، فكانت تنهل من هذه القروض الضخمة، وكانت لأمريكا أيضًا في إقراضها وفي الاستثمار بها منافع ضخمة. وجراء تسيُّد الدولار على العملات العالمية والثقة به ومصداقية تبديله بالذهب بالسعر المنصوص عليه في اتفاقية بريتون وودز، ازداد الطلب عليه، فكانت أمريكا تطبع هذه الورقة (الدولار) بشكل مستمر، فازدادت كميته في الأسواق بشكل كبير، وأحست دول أوروبا بالخطر عليها من هذه الورقة التي تطبعها أمريكا وتقدمها أثمانًا وقروضًا، فأدركت حاجتها للذهب وأخذت تطلبه وتستبدله بالدولارات التي أخذت تتراكم في بنوكها، وكانت أمريكا ملزمة بتسليم الذهب مقابل الدولار بالسعر المثبت 35 دولارًا للأونصة؛ ما أدى إلى بدء ذوبان الأرصدة الذهبية المتراكمة في خزانتها، وقد ساهم في هذا الأمر العجز المستمر في ميزان المدفوعات الأمريكي والذي لم يكن يشكل أزمة لها بادئ الأمر بسبب قدرتها على تحمل العجز عبر طباعة أوراق الدولار وبسبب غناها وملكيتها لكميات هائلة من الذهب، إلا أن ازدياد حجم الطلب على الذهب وتراكم العجز في ميزان المدفوعات أدى إلى أزمات نقدية هددت زعامة الدولار وأقلقت أمريكا.

بريتون وودز من نعمة إلى نقمةً على أمريكا

يشرح الأستاذ فتحي سليم في كتابه «نظام النقد الدولي» هذا الأمر بتفصيل فيقول إن الولايات المتحدة استطاعت بفضل الحرب العالمية الثانية أن تكدس في صناديقها أكثر من ثلثي ذهب العالم، أي حوالى 25 مليارًا من الدولارات – آنذاك – في حين كانت أرصدة الدولارات الورقية الموجودة في العالم أقل من ربع هذه القيمة، فالدولار آنئذ كان مغطى بالذهب بنسبة تفوق 100% بأكثر من أربعة أضعاف. ثم صارت تزيد كمية الدولار في الخارج وتنقص كمية الذهب عندها، ففي العام 1949م، بلغت كمية الذهب عندها 24,5 مليار دولار، والدولارات في الخارج 6,2 مليار دولار. وفي العام 1957م، انخفضت الأرصدة الذهبية إلى 22,8 مليارًا، وارتفعت كمية الدولار في الخارج إلى 14,6 مليارًا، واستمرت التغطية كافية إلى العام 1960م؛ حيث تعادلت كمية الذهب 18,8 مليار دولار مع كمية الدولار 18,7 مليارًا، وهنا بدأت النذر بقدوم الأزمات النقدية، وصار الاختلال في العام 1965م ملحوظًا ومقلقًا؛ حيث انخفضت أرصدت الذهب عند أمريكا إلى 14 مليار دولار في حين ارتفعت دولاراتها في الخارج إلى 25,2 مليارًا. وبلغت أزمة الذهب والدولار أوجها منتصف شهر آذار سنة 1968م؛ حيث تسارع ذوبان الرصيد الأمريكي من الذهب فبلغ 10,5 مليار دولار في حين كانت الدولارات في الأسواق ترتفع نحو الـ 40 مليارًا. أي أن الغطاء الذهبي للدولار كان بُعَيْدَ اتفاقية بريتون وودز أربعة أضعاف وبعد حوالى 25 سنة تدهور إلى الربع، أي أنه انخفض 16 مرة.

وهكذا صار التزام أمريكا بالاتفاقية ضارًّا بها، وتوالت عليها الأزمات؛ إذ انكشفت القيمة الفعلية للدولار مقابل الذهب وهي تقارب 160 دولارًا للأونصة في حين هي ملزمة بتسليم أونصة مقابل كل 35 دولارًا، وتفرض على العالم شراءه بعملاتها على هذا الأساس، ما أدى بالحكومات أن تعمد إلى التوقف عن شراء الدولار وإلى التخلص منه بطلب الذهب، وصار الرصيد الذهبي الأمريكي على وشك التلاشي، فما كان من أمريكا إلا أن تعلن في 15-8-1971م بكل جبروت وصلافة وبغير اعتبار لأي خلق التوقفَ عن الالتزام بالاتفاقية، وبالتصرف باعتبار الدولار هو قاعدة النقد وفرضه على العالم بقوتها العسكرية والاقتصادية.

أمريكا تلغي اتفاقية بريتون وودز بالقوة وبغير قانون ولا أخلاق

قال حزب التحرير في نشرةٍ أصدرها في 16-8-1971م تحت عنوان أزمة النقد: «في ليلة الأحد 15 آب 1971م ظهر الرئيس نيكسون على شاشة التلفزيون بعد خلوة استغرقت 48 ساعة في «كامب ديفيد» ليقول للأمريكيين: «إن الدفاع عن الدولار ومكافحة البطالة وتحسين وضع الميزان التجاري وميزان المدفوعات هي كلها عناصر أساسية لسياسة اقتصادية جديدة، الغاية منها حفظ مركز الولايات المتحدة كأول دولة اقتصادية في العالم» ثم أردف قائلًا: «هل سيبقى هذا البلد القوة الاقتصادية الأولى في هذا العالم، أم أننا سنستسلم ونقبل بأن نكون الدولة الثانية أو الثالثة أو الرابعة؟ هل سنحافظ على القوة التي جعلت الحرية والسلام ممكنين في العالم أم أننا سنتقهقر؟ كل ذلك رهن بروح المناقشة التي ستظهرونها. يجب علينا أن نعيد لهذا البلد الإيمان الذي ساعدنا على بناء أمّة كبيرة في الماضي والذي سيساعدنا على أن نقولب عالم المستقبل». بهذه الكلمات أعلن الرئيس الأمريكي سياسته الاقتصادية لمواجهة الأزمة النقدية العارمة التي كادت أن تقصم ظهر الاقتصاد الغربي برمّته، وتجرَّ معها البلدان التابعة للغرب. فكانت خطة نيكسون لطمة للعالم الحر قلبت مقاييس التجارة الدولية، وزرعت الفوضى في بورصات العالم الغربية، ثم جعلت عملات البلدان الصناعية تتراقص».

نعم، هكذا ألغت أمريكا التزامها بخطاب من رئيسها، ومنذ ذلك الوقت إلى يومنا هذا وهي تواصل نهب العالم بورقة الدولار، تطبعها وتقدمها قيودًا وأرقامًا على أوراق، فتسحب أموال الناس من خزائنهم وجيوبهم آليًّا وبشكل مستمر. فهل هذا نظام يصح الخضوع له فضلًا عن الرضا به والتباهي بالسير فيه في مقابل نظام النقد الإسلامي الذي يقوم على قاعدة الذهب أو المعدنين! وماذا يقال لهؤلاء الذين يستنكرون أو يسخرون عند ذكر النظام الإسلامي الاقتصادي والنقدي سوى أنهم جهلة وببغاوات وغافلون!

أمريكا تنهب العالم بالدولار وبقوانينها المفروضة بالقوة

ثم عمدت أمريكا إلى خطط ومؤامرات لضرب فكرة الغطاء الذهبي واعتماد الذهب كنقد، وإلى جعله مجرد سلعة كسائر السلع، وإلى تعميم اعتماد نظام الورق الإلزامي، ولتتربع ورقة الدولار على عرش العملات بل لتكون قاعدة لها وغطاءً، وليكون هذا هو نظام النقد الدولي.

وإذا أضفنا إلى هذا النظام النقدي أخطر ما نتج أيضًا عن النظام الرأسمالي كأنظمة الربا المصرفي وشركات المساهمة، وما أنتجوه بناءً عليها من معاملات مالية يتفنَّنون في ابتكارها، فإننا نقف أمام عمليات موغلة في الفحش في نهب ثروات الشعوب ومصِّ دمائها بتشريعات مفروضة بقوة القانون بل بقانون القوة، وأمام نظام أزمات ضخمة وخطرة لدول العالم وشعوبه تتلاحق حتى ينفجر هذا النظام برمته إن لم يُستأصل من جذوره قبل ذلك. وكمثال على ذلك ما تفرضه أمريكا عبر تشريعات تجعلها دولية لفتح أسواق العالم أمام شركاتها وأصحاب رؤوس المال الضخمة؛ وذلك تحت عناوين مثل حرية السوق والتجارة العالمية الحرة والانفتاح والاستثمار وما شاكل ذلك، وما تفرضه على الدول من قوانين لحماية المستثمرين وأموالهم من أي خطر، ثم ما يقوم به هؤلاء من عمليات بل مؤامرات مقصودة ومتفق عليها في أي بلد أو منطقة يقصدونها لضخِّ البلايين من أموال الناس إلى خزائنهم بأهون الأسباب وأسرعها.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *