العدد 424 -

السنة السادسة والثلاثون، جمادى الأولى 1443هـ الموافق كانون الأول 2021م

حزب التحرير والثبات على طريقة الرسول صلى الله عليه وسلم في العمل لإقامة (خلافة على منهاج النبوَّة)

عطية الجبارين- فلسطين

لقد مَنَّ الله عز وجل على الأمة الإسلامية إذ جعل فيها من يجدِّد لها دينها بعد أن أصابها ما أصابها من تشتُّت وضياع وفقدان هويتها الفكرية والثقافية بعد أن هُدمت دولة الإسلام وألغي نظام الخلافة، ثم كانت الـمِنّة كذلك عظيمة عندما شاء الله سبحانه وتعالى أن يهدي العلاَّمة الشيخ تقي الدين النبهاني الذي أدرك واقع الأمة أدقَّ إدراك، وأبصر طريق نهضتها وسبيل ارتقائها أعظم إبصار. فالشيخ تقي الدين (رحمه الله تعالى) أدرك أن الحال الذي وصلت إليه الأمة الإسلامية كان نتيجة إقصاء الإسلام من واقع الحياة والمجتمع، أي من واقع التطبيق العملي؛ وذلك بهدم دولة الإسلام الحافظة والحامية للإسلام وأهله. وقد أدرك الشيخ (رحمه الله تعالى) أيضًا أن سبيل وطريق إعادة هذه الدولة وهذا الكيان، أي إعادة دولة الخلافة لا يكون إلا عن طريق تكتل سياسي يقوم على العقيدة الإسلامية ويختطُّ الطريق الذي سار عليه الرسول صلى الله عليه وسلم في إقامته دولة الإسلام الأولى، وأن لا طريق سواه لتحقيق تلك الغاية؛ وعلى ذلك أسَّس الشيخ الجليل رحمه الله حزب التحرير، وحدَّد هدفه وغايته بإعادة دولة الخلافة، وحدَّد الطريقة التي يجب على الحزب السير عليها، وبيّن أن الحيد عنها هو انحراف عن خط السير ومن ثم الفشل. والطريقة التي بيّنها الحزب وسار عليها هي أحكام شرعية واجبة الاتِّباع كون الرسول صلى الله عليه وسلم سار عليها وثبت عليها رغم ما لاقى من عنت ومشقة وتعب وسعي من الكفار لحرفه عنها، وأيضًا كون الواقع اليوم وفي مكة المكرمة واحد من حيث عدم الحكم بالإسلام. والحزب منذ تأسيسه هو ثابت على هذه الطريقة، ولم يُبّدل ولم يُغيّر رغم ثقل الواقع وتعقيداته، ورغم كل محاولات حرفه وثنيه عن طريقته، ورغم ما لاقى شبابه من ظلم واضطهاد. هذا وقد بيّن الشيخ تقي الدين رحمه الله أن الطريق التي رسمها لنا قدوتنا وأسوتنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، والتي يجب على الحزب السير عليها في عملية التغيير وإعادة دولة الإسلام تكون على ثلاث مراحل هي: مرحلة التثقيف، ومرحلة التفاعل، ومرحلة استلام الحكم؛ من هنا كان من الأسس والثوابت التي يجب على الحزب أن يلتزم بها أن تكون طريقة الحزب للوصول للغاية وتحقيق الهدف هي طريقة الرسول صلى الله عليه وسلم وأن العمل الحزبي لتحقيق الغاية يكون بالصراع الفكري والكفاح السياسي وطلب النصرة وعدم القيام بالأعمال المادية؛ فلذلك ثبت الحزب على هذه الطريقة في سيره للتغيير منذ تأسيسه حتى يومنا هذا، وسيبقى ثابتًا بإذن الله حتى يحقِّق غايته وهدفه. والحزب لم يستجب للأصوات التي تنادي وتطلب منه أن يغيّر في طريقته بحجة عقم هذه الطريقة واستحالة تحقق التغيير بها في هذا الزمان، وكان الحزب حذِرًا من كل الأصوات المنادية والمطالبة له بأن يستخدم القوة المادية في عمله على غرار التيَّارات الأخرى، حتى ولو كانت هذه الأصوات أصواتاً مخلصة. لقد تعرَّض الحزب منذ تأسيسه لحملة شرسة وكبيرة تجاه الطريقة التي يسير عليها للتغيير لما تمثِّل هذه الطريقة من خطر على دول الاستعمار وعملائه، وكونها الطريقة الوحيدة فيما طُرح ويُطرح من طرق تعمل على أخذ القوة العسكرية في بلاد العالم الإسلامي من أيدي الحكام وجعلها بيد العاملين للتغيير؛ لأن القوة العسكرية هي سبيل إزالة الأنظمة العميلة من بلادنا، والتمكين في الحكم للعاملين للتغيير. وفي تغيير هذه الطريقة نجاح للاستعمار في حرف الحزب وإفراغه من جوهره؛ وبذلك ينتهي الحزب كحزب تغييري ويصبح واقعه كواقع التيَّارات المفلسة والضائعة.

فخدمة لمخططات الدول الاستعمارية؛ تعرضت الطريقة التي يسير عليها الحزب في التغيير لهجوم شديد وشرس من قِبل التيَّارات والحركات وعملاء الاستعمار الفكريين والجهلة من أبناء الأمة، وكان الهدف صرف الناس عن الحزب وزرع بذور الإحباط واليأس في قلوب الناس من حزب التحرير ومنهجه، فوصفوا ثبات الحزب على طريقته بأنه جمود وأحلام، وعملوا على تنفير الأمة من فكرة العمل على أخذ النصرة من جيوش الأمة، كل ذلك من أجل حرف الحزب وإحداث خلل في سيره وإبعاد الناس عنه؛ ولكن الحزب بفضل الله عزَّ وجلَّ ثبت على طريقته، ولم يتزحزح عنها قيد أنملة، كما أن جمهرة الأمة صارت تثق بالحزب وتتقبَّل طروحاته، ومنها طريقته في التغيير.

إن الحقيقة التي لا مراء ولا جدال فيها أن الحزب ثابت على طريقة التغيير التي بينّها وتبنَّاها منذ تأسيسه، وهي واحدة لكافة الدول التي يعمل فيها للوصول للحكم، ولم يتبنَّ العمل المادي في أيٍّ منها ولن يتبنَّى؛ وإلا فإنه سيفقد ميزة التقيُّد والتأسِّي بطريقة الرسول صلى الله عليه وسلم وسيخسر خسرانًا مبينًا، بل سيعتبر أنه قد فقد مبرِّر وجوده كحزب، قال تعالى: (مِّنَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ رِجَالٞ صَدَقُواْ مَا عَٰهَدُواْ ٱللَّهَ عَلَيۡهِۖ فَمِنۡهُم مَّن قَضَىٰ نَحۡبَهُۥ وَمِنۡهُم مَّن يَنتَظِرُۖ وَمَا بَدَّلُواْ تَبۡدِيلٗا ٢٣)  [الأحزاب : 23]

فالاستعمار والمتأثِّرون به قد أغاظهم ثباتُ الحزب على الحقِّ واحتضان الأمة لفكرته، وهم يريدون أن يورِّطوه باتهامه بالقيام بالعمل المادي ليقضوا عليه، ولَكَم حاولت الدول كاذبةً إلصاقَ هذه التهمة به لوصف الحزب بالانحراف وللتخريب عليه؛ ولكن الحزب كان يردُّ عليهم بإصرارٍ بأنه لا يقوم بالعمل المادي عن قناعة والتزام بطريقة الرسول صلى الله عليه وسلم، وعن قناعة بعدم جدوى العمل المسلح، بل بضرره المحقَّق على أرض الواقع والذي لم ينبت إلا حشيشًا سامًّا على الأمة، قال تعالى: (قُلۡ هَٰذِهِۦ سَبِيلِيٓ أَدۡعُوٓاْ إِلَى ٱللَّهِۚ عَلَىٰ بَصِيرَةٍ أَنَا۠ وَمَنِ ٱتَّبَعَنِيۖ وَسُبۡحَٰنَ ٱللَّهِ وَمَآ أَنَا۠ مِنَ ٱلۡمُشۡرِكِينَ ١٠٨) [يوسف: 108].

إن ثبات الحزب على هذه الطريقة ليس جمودًا وتحجُّرًا كما يتقوَّل البعض، بل هو ثبات على الحق. فنحن نتعبَّد الله عز وجل كما يريد وكما شرع لنا، وليس كما نهوى ونرغب، فهذا الثبات كان لأن الحزب مقتنع أن التزامَ طريق الرسول واجب، والثباتَ عليها واجب، والحيدَ عنها معصية. وثباتُ الحزب على طريقة التغيير التي تبنَّاها رغم كل الصعاب والمعوِّقات، وحملات التشويه والتشويش والتخريب، ومحاولة الحرف هو أولًا: منّةٌ من الله عز وجل، ثم ثانيًا: وعي وإخلاص وحرص من شبابه على الثبات على الحق والانضباط بالطريقة التي رسمها لنا قدوتنا وأسوتنا عليه الصلاة والسلام. فالحزب وشبابه يدورون مع الأحكام الشرعية حيث دارت، ولا مكان عندهم للمصالح والمنافع الدنيوية، ولا لرضا أصحاب القرار ومن بيدهم أمور وشؤون الناس.

إن الثبات على أي أمر من أمور الله هو دين وواجب، فكيف بالثبات على طريق الدعوة الذي لا يمكن التفريط به وإلا فتعثر، وضياع، وانحراف، وسقوط، ونكوص يغضب الله ورسوله، ويجعل له سبحانه علينا سلطانًا مبينًا. والله سبحانه وتعالى عندما يؤيد عبدًا أو يوفِّق جماعةً، فإنما يؤيدهم بالموقف الثابت وبالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة، قال تعالى: ( يُثَبِّتُ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ بِٱلۡقَوۡلِ ٱلثَّابِتِ فِي ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا وَفِي ٱلۡأٓخِرَةِۖ وَيُضِلُّ ٱللَّهُ ٱلظَّٰلِمِينَۚ وَيَفۡعَلُ ٱللَّهُ مَا يَشَآءُ ٢٧)[إبراهيم: 27] .

إن حزب التحرير هو بذرة خير وحق متجذِّرة وباقية وثابتة بفضل الله عز وجل ورعايته، وما على شبابه إلا غذُّ الخُطى ومواصلة العمل في سبيل هذه الدعوة وهذا الشرف العظيم؛ ليمنَّ الله عزَّ وجلَّ علينا بنصره وعزَّته، قال تعالى: (إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ فِي ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا وَيَوۡمَ يَقُومُ ٱلۡأَشۡهَٰدُ ٥١) [غافر: 51] وقال تبارك اسمه: (وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى ٱلَّذِينَ ٱسۡتُضۡعِفُواْ فِي ٱلۡأَرۡضِ وَنَجۡعَلَهُمۡ أَئِمَّةٗ وَنَجۡعَلَهُمُ ٱلۡوَٰرِثِينَ ٥) [القصص: 5].

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *