(يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مَن يَرۡتَدَّ مِنكُمۡ عَن دِينِهِۦ فَسَوۡفَ يَأۡتِي ٱللَّهُ بِقَوۡمٖ يُحِبُّهُمۡ وَيُحِبُّونَهُ)
2021/07/31م
المقالات
1,946 زيارة
( يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مَن يَرۡتَدَّ مِنكُمۡ عَن دِينِهِۦ فَسَوۡفَ يَأۡتِي ٱللَّهُ بِقَوۡمٖ يُحِبُّهُمۡ وَيُحِبُّونَهُۥٓ أَذِلَّةٍعَلَى ٱلۡمُؤۡمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى ٱلۡكَٰفِرِينَ يُجَٰهِدُونَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوۡمَةَ لَآئِمٖۚ ذَٰلِكَ فَضۡلُ ٱللَّهِ يُؤۡتِيهِ مَن يَشَآءُۚ وَٱللَّهُ وَٰسِعٌ عَلِيمٌ ٥٤ إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ ٱللَّهُ وَرَسُولُهُۥ وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱلَّذِينَ يُقِيمُونَ ٱلصَّلَوٰةَ وَيُؤۡتُونَ ٱلزَّكَوٰةَ وَهُمۡ رَٰكِعُونَ ٥٥ وَمَن يَتَوَلَّ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ فَإِنَّ حِزۡبَ ٱللَّهِ هُمُ ٱلۡغَٰلِبُونَ ٥٦) [المائدة].
يقول تعالى مخبرًا عن قدرته العظيمة أنَّ من تولَّى عن نصرة دينه وإقامة شريعته، فإن الله يستبدل به من هو خير لها منه وأشد منعة وأقوم سبيلًا، كما قال تعالى: (وَإِن تَتَوَلَّوۡاْ يَسۡتَبۡدِلۡ قَوۡمًا غَيۡرَكُمۡ ثُمَّ لَا يَكُونُوٓاْ أَمۡثَٰلَكُم ٣٨)[محمد: 38 ]، وقال تعالى: (إِن يَشَأۡ يُذۡهِبۡكُمۡ أَيُّهَا ٱلنَّاسُ وَيَأۡتِ بَِٔاخَرِينَۚ)[النساء: 133]، وقال تعالى:(إِن يَشَأۡ يُذۡهِبۡكُمۡ وَيَأۡتِ بِخَلۡقٖ جَدِيدٖ ١٩ وَمَا ذَٰلِكَ عَلَى ٱللَّهِ بِعَزِيزٖ ٢٠) [إبراهيم: 19-20] أي : بممتنع ولا صعب. وقال تعالى ها هنا: (يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مَن يَرۡتَدَّ مِنكُمۡ عَن دِينِهِۦ)أي: يرجع عن الحق إلى الباطل .
قال محمد بن كعب: نزلت في الولاة من قريش. وقال الحسن البصري: نزلت في أهل الردة أيام أبي بكر .( فَسَوۡفَ يَأۡتِي ٱللَّهُ بِقَوۡمٖ يُحِبُّهُمۡ وَيُحِبُّونَهُۥ )قال الحسن: هو والله أبو بكر وأصحابه y رواه ابن أبي حاتم …
وقوله تعالى:(أَذِلَّةٍ عَلَى ٱلۡمُؤۡمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى ٱلۡكَٰفِرِينَ)هذه صفات المؤمنين الكُمَّل، أن يكون أحدهم متواضعًا لأخيه ووليِّه، متعزِّزًا على خصمه وعدوِّه، كما قال تعالى: (مُّحَمَّدٞ رَّسُولُ ٱللَّهِۚ وَٱلَّذِينَ مَعَهُۥٓ أَشِدَّآءُ عَلَى ٱلۡكُفَّارِ رُحَمَآءُ بَيۡنَهُمۡۖ )[الفتح : 29] وفي صفة النبي صلى الله عليه وسلم أنه: “الضَحوك القتَّال “فهو ضَحوك لأوليائه قتَّال لأعدائه. وقوله تعالى: ( يُجَٰهِدُونَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوۡمَةَ لَآئِمٖۚ )أي: لا يردُّهم عما هم فيه من طاعة الله، وقتال أعدائه، وإقامة الحدود، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لا يردُّهم عن ذلك رادٌّ، ولا يصدُّهم عنه صادٌّ، ولا يحيك فيهم لوم لائم ولا عذل عاذل.
وروى الإمام أحمد عن أبي ذر قال: أمرني خليلي صلى الله عليه وسلم بسبع، أمرني بحب المساكين والدنوِّ منهم، وأمرني أن أنظر إلى من هو دوني، ولا أنظر إلى من هو فوقي، وأمرني أن أصل الرحم وإن أدبرَت، وأمرني أن لا أسأل أحدًا شيئًا، وأمرني أن أقول الحق وإن كان مرًّا، وأمرني ألا أخاف في الله لومة لائم، وأمرني أن أكثر من قول: لا حول ولا قوة إلا بالله، فإنهنَّ من كنز تحت العرش
وروى الإمام أحمد أيضًا عن أبي ذر قال: بايعني رسول الله صلى الله عليه وسلم خمسًا وواثقني سبعًا، وأشهد الله عليَّ تسعًا، أني لا أخاف في الله لومة لائم. قال أبو ذر: فدعاني رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: “هل لك إلى بيعة ولك الجنة؟” قلت: نعم، قال: وبسطتُ يدي، فقال النبي صلى الله عليه وسلم وهو يشترط: على ألا تسأل الناس شيئًا؟ قلت: نعم. قال: “ولا سوطك وإن سقط منك” يعني تنزل إليه فتأخذه.
وروى الإمام أحمد عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “ألا لا يمنعنَّ أحدَكم رهبةُ الناس أن يقول بحق إذا رآه أو شهده، فإنه لا يقرِّب من أجل ولا يباعد من رزق أن يقول بحق أو يذكِّر بعظيم”.
وروى أحمد أيضًا عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “لا يحقرنَّ أحدُكم نفسَه أن يرى أمرًا لله فيه مقال، فلا يقول فيه، فيقال له يوم القيامة: ما منعك أن تكون قلت فيَّ كذا وكذا؟ فيقول: مخافة الناس، فيقول: إياي أحق أن تخاف”.
وروى أحمد وابن ماجة عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “إن الله ليسأل العبد يوم القيامة، حتى إنه ليسأله يقول له: أي عبدي، رأيت منكرًا فلم تنكره؟ فإذا لقَّن اللهُ عبدًا حجته، قال: أي رب، وثقتُ بك وخفت الناس”. وثبت في الصحيح: “ما ينبغي لمؤمن أن يُذلَّ نفسَه “قالوا: وكيف يُذلُّ نفسَه يا رسول الله؟ قال: “يتحمل من البلاء ما لا يُطيق”.
وقوله تعالى: (ذَٰلِكَ فَضۡلُ ٱللَّهِ يُؤۡتِيهِ مَن يَشَآءُۚ )أي: من اتصف بهذه الصفات، فإنما هو من فضل الله عليه، وتوفيقه له. وقوله تعالى:(وَٱللَّهُ وَٰسِعٌ عَلِيمٌ)أي: واسع الفضل، عليم بمن يستحق ذلك ممن يحرمه إياه .
وقوله تعالى: ( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ ٱللَّهُ وَرَسُولُهُۥ وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ) أي: ليس اليهود بأوليائكم، بل ولايتكم راجعة إلى الله ورسوله والمؤمنين .
وقوله: (وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱلَّذِينَ يُقِيمُونَ ٱلصَّلَوٰةَ وَيُؤۡتُونَ ٱلزَّكَوٰةَ وَهُمۡ رَٰكِعُونَ) أي: المؤمنون المتصفون بهذه الصفات، من إقام الصلاة التي هي أكبر أركان الإسلام، وهي له وحده لا شريك له، وإيتاء الزكاة التي هي حق المخلوقين ومساعدة للمحتاجين من الضعفاء والمساكين. وأما قوله: (وَهُمۡ رَٰكِعُونَ)فقد توهَّم بعضهم أن هذه الجملة في موضع الحال من قوله:(وَيُؤۡتُونَ ٱلزَّكَوٰةَ) أي: في حال ركوعهم، ولو كان هذا كذلك، لكان دفع الزكاة في حال الركوع أفضل من غيره؛ لأنه ممدوح، وليس الأمر كذلك عند أحد من العلماء ممن نعلمه من أئمة الفتوى، وحتى إن بعضهم ذكر في هذا أثرًا عن علي بن أبي طالب: أن هذه الآية نزلت فيه؛ ذلك أنه مرَّ به سائل في حال ركوعه، فأعطاه خاتمه. [ثم روى عدة روايات بنفس المعنى وقال عنها وليس يصح شيء منها بالكلية لضعف أسانيدها وجهالة رجالها]. وعن السدي: نزلت هذه الآية في جميع المؤمنين، ولكن علي بن أبي طالب مرَّ به سائل وهو راكع في المسجد فأعطاه خاتمه” .وقال علي بن أبي طلحة الوالبي عن ابن عباس: من أسلم فقد تولَّى اللهَ ورسوله والذين آمنوا. رواه ابن جرير.
وقد تقدم في الأحاديث التي أوردنا أن هذه الآيات كلها نزلت في عبادة بن الصامت رضي الله عنه، حين تبرَّأ من حلف يهود، ورضي بولاية الله ورسوله والمؤمنين؛ ولهذا قال تعالى بعد هذا كله: (وَمَن يَتَوَلَّ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ فَإِنَّ حِزۡبَ ٱللَّهِ هُمُ ٱلۡغَٰلِبُونَ)كما قال تعالى: ( كَتَبَ ٱللَّهُ لَأَغۡلِبَنَّ أَنَا۠ وَرُسُلِيٓۚ إِنَّ ٱللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٞ ٢١ لَّا تَجِدُ قَوۡمٗا يُؤۡمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِ يُوَآدُّونَ مَنۡ حَآدَّ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ وَلَوۡ كَانُوٓاْ ءَابَآءَهُمۡ أَوۡ أَبۡنَآءَهُمۡ أَوۡ إِخۡوَٰنَهُمۡ أَوۡ عَشِيرَتَهُمۡۚ أُوْلَٰٓئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ ٱلۡإِيمَٰنَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٖ مِّنۡهُۖ وَيُدۡخِلُهُمۡ جَنَّٰتٖ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُ خَٰلِدِينَ فِيهَاۚ رَضِيَ ٱللَّهُ عَنۡهُمۡ وَرَضُواْ عَنۡهُۚ أُوْلَٰٓئِكَ حِزۡبُ ٱللَّهِۚ أَلَآ إِنَّ حِزۡبَ ٱللَّهِ هُمُ ٱلۡمُفۡلِحُونَ ٢٢)[المجادلة: 21 – 22]
وقوله تعالى: ( وَمَن يَتَوَلَّ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ فَإِنَّ حِزۡبَ ٱللَّهِ هُمُ ٱلۡغَٰلِبُونَ )
فكل من رضي بولاية الله ورسوله والمؤمنين فهو مفلح في الدنيا والآخرة، ومنصور في الدنيا والآخرة.
2021-07-31