العدد 414-415-416 -

السنة الخامسة والثلاثون – رجب وشعبان ورمضان 1442هـ – شباط وآذار ونيسان 2021م

( يَٰدَاوُۥدُ إِنَّا جَعَلۡنَٰكَ خَلِيفَةٗ فِي ٱلۡأَرۡضِ فَٱحۡكُم بَيۡنَ ٱلنَّاسِ بِٱلۡحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ ٱلۡهَوَىٰ )

( يَٰدَاوُۥدُ إِنَّا جَعَلۡنَٰكَ خَلِيفَةٗ فِي ٱلۡأَرۡضِ فَٱحۡكُم بَيۡنَ ٱلنَّاسِ بِٱلۡحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ ٱلۡهَوَىٰ )

 

لقد حفلت سور القرآن بمئات الآيات التي تدل بشكل صريح وغير صريح إلى الخلافة فذكر الحكم بما أنزل الله، والتحاكم إلى الطاغوت، وتحكيم الشرع، والشريعة، وإظهار الدين، والأنصار والنصر، والفتح، وذكر الخليفة والاستخلاف وخلفاء الأرض، وطاعة أولي الأمر، والمبايعة، وذكر المستضعفين في الأرض والمنِّ عليهم بالنصر وجعلهم أئمة وجعلهم الوارثين في الحكم، وتمكين الدين، والقتال والجهاد وأخذ الجزية، والأسرى، وإتمام الدين… وحكت آيات القرآن عن الأنبياء وصراعهم مع الكفر فتكلمت عن معارك ونصر وعن الملأ الذين هم سادة القوم، وعن حكام الكفر مثل فرعون وهامان… نعم مئات الآيات ومع هذا يتغاضى المسلمون، وخاصة علماؤهم عن تلك الآيات، ولا يدخلونها في فهمهم لدينهم، ويتعاملون معها وكأنها منسوخة، وهي قطعًا ليست كذلك، وهذا مرده إلى مناهج التعليم التي تلتزم المعاهد الشرعية بتعليمها وتخريج طلبة العلم عليها، وهذا مرده إلى الغرب الذي فرض هذه المناهج، والتي يتدخل كلما رأى ضرورة لذلك بتعديلها وطلب تجديدها حتى تبقى ضمن طريقته في فهم الدين، تلك الطريقة القائمة على فصل الدين عن الحياة، وبالتالي عن الدولة. فالرسالات خُتمت مع الرسول  بالنبوَّة والاستخلاف، واستمرت بعده بالاستخلاف من غير النبوَّة.

ونحن سنبدأ في هذا الباب (مع القرآن الكريم) من هذا العدد الخاص، تناول هذا الموضوع بذكر الآيات المتعلقة بالحكم وننقل تفسيرها من كتب التفسير المعتبرة، 

قال تعالى: (يَٰدَاوُۥدُ إِنَّا جَعَلۡنَٰكَ خَلِيفَةٗ فِي ٱلۡأَرۡضِ فَٱحۡكُم بَيۡنَ ٱلنَّاسِ بِٱلۡحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ ٱلۡهَوَىٰ فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِۚ إِنَّ ٱلَّذِينَ يَضِلُّونَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ لَهُمۡ عَذَابٞ شَدِيدُۢ بِمَا نَسُواْ يَوۡمَ ٱلۡحِسَابِ٢٦).

. جاء في تفسير ابن كثير: «هذه وصية من الله عزَّ وجلَّ لولاة الأمور أن يحكموا بين الناس بالحقِّ المنزَّل من عنده تبارك وتعالى، ولا يعدلوا عنه فيَضلُّوا عن سبيله، وقد توعَّد الله تعالى من ضلَّ عن سبيله، وتناسى يوم الحساب، بالوعيد الأكيد والعذاب الشديد… قال ابن أبي حاتم: حدَّثنا أبي حدثنا هشام بن خالد، حدثنا الوليد، حدثنا مروان بن جناح، حدثني إبراهيم أبو زرعة – وكان قد قرأ الكتاب – أن الوليد بن عبد الملك قال له: أيحاسَب الخليفة؟ فإنك قد قرأتَ الكتاب الأول، وقرأتَ القرآن وفقهتَ؟ فقلت: يا أمير المؤمنين، أقول؟ قال: قل في أمان. قلت يا أمير المؤمنين، أنت أكرم على الله أو داود؟ إن الله عزَّ وجلَّ – جمع له النبوَّة والخلافة ثم توعَّده في كتابه فقال: (يَٰدَاوُۥدُ إِنَّا جَعَلۡنَٰكَ خَلِيفَةٗ فِي ٱلۡأَرۡضِ فَٱحۡكُم بَيۡنَ ٱلنَّاسِ بِٱلۡحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ ٱلۡهَوَىٰ فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِۚ إِنَّ ٱلَّذِينَ يَضِلُّونَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ لَهُمۡ عَذَابٞ شَدِيدُۢ بِمَا نَسُواْ يَوۡمَ ٱلۡحِسَابِ ٢٦)».

. وجاء في تفسير القرطبي: «إنا جعلناكَ خليفة في الأرض، أي ملَّكناك لتأمرَ بالمعروف وتنهى عن المنكر، فتخلُف من كان قبلك من الأنبياء والأئمة الصالحين… وقوله تعالى: (فَٱحۡكُم بَيۡنَ ٱلنَّاسِ بِٱلۡحَقِّ) أي بالعدل، وهو أمر على الوجوب… وقال: «هذه الآية تمنع من حكم الحاكم بعلمه؛ لأن الحكَّام لو مُكِّنوا أن يحكموا بعلمهم لم يشأْ أحدهم إذا أراد أن يحفظ وليَّه ويُهلك عدوَّه إلا ادَّعى علمه فيما حكم به. ونحو ذلك روي عن جماعة من الصحابة منهم أبو بكر، قال: لو رأيتُ رجلًا على حدٍّ من حدود الله، ما أخذتُه حتى يشهد على ذلك غيري. وروي أن امرأة جاءت إلى عمر فقالت له: احكم لي على فلان بكذا، فإنك تعلم ما لي عنده. فقال لها: إن أردت أن أشهد لكِ فنعم، وأما الحكم فلا. وفي صحيح مسلم عن ابن عباس أن رسول الله ﷺ قضى بيمين وشاهد، وروي عن النبي ﷺ أنه اشترى فرسًا فجحده البائع، فلم يحكمْ عليه بعلمه، وقال: من يشهدُ لي؟ فقام خُزيمة فشهد فحكم. أخرجه أبو داود وغيره»

. وجاء في تفسير الطبري: «يقول تعالى ذكره: وقلنا لداود: يا داود إنا استخلفناكَ في الأرض من بعد من كان قبلَك من رسلنا حكمًا ببن أهلها. كما حدثنا محمد، قال: ثنا أحمد، قال: ثنا أسباط، عن السديّ (إِنَّا جَعَلۡنَٰكَ خَلِيفَةٗ فِي ٱلۡأَرۡضِ) (ملَّكه في الأرض)َ (فَٱحۡكُم بَيۡنَ ٱلنَّاسِ بِٱلۡحَقِّ) يعني: بالعدل والإنصاف (وَلَا تَتَّبِعِ ٱلۡهَوَىٰ) يقول: ولا تؤثر هواكَ في قضائك بينهم على الحق والعدل فيه، فتجور عن الحقّ (فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِۚ) يقول: فيميل بك اتِّباعك هواك في قضائك على العدل والعمل بالحقّ عن طريق الله الذي جعله لأهل الإيمان فيه، فتكون من الهالكين بضلالك عن سبيل الله».

. وجاء في تفسير السعدي:  «(يَٰدَاوُۥدُ إِنَّا جَعَلۡنَٰكَ خَلِيفَةٗ فِي ٱلۡأَرۡضِ) تنفِّذ فيها القضايا الدينية والدنيوية، (فَٱحۡكُم بَيۡنَ ٱلنَّاسِ بِٱلۡحَقّ)ِ أي: العدل. وهذا لا يتمكن منه إلا بعلم بالواجب، وعلم بالواقع، وقدرة على تنفيذ الحق. (وَلَا تَتَّبِعِ ٱلۡهَوَىٰ)ِ فتميل مع أحد لقرابة أو صداقة أو محبَّة، أو بغض للآخر. (فَيُضِلَّكَ) الهوى (عَن سَبِيلِ ٱللَّهِۚ) ويخرجك عن الصراط المستقيم. (إِنَّ ٱلَّذِينَ يَضِلُّونَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ) خصوصًا المتعمِّدين منهم. (لَهُمۡ عَذَابٞ شَدِيدُۢ بِمَا نَسُواْ يَوۡمَ ٱلۡحِسَابِ) فلو ذكروه ووقع خوفه في قلوبهم، لم يميلوا مع الهوى الفاتن».

. وجاء في تفسير البغوي: «قوله تعالى: (يَٰدَاوُۥدُ إِنَّا جَعَلۡنَٰكَ خَلِيفَةٗ فِي ٱلۡأَرۡضِ) تدبر أمور العباد بأمرنا (فَٱحۡكُم بَيۡنَ ٱلنَّاسِ بِٱلۡحَقِّ) بالعدل». 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *