العدد 237 -

العدد 237 – السنة الواحدة والعشرون، شوال 1427هـ، الموافق تشرين الثاني 2006 م

أين تذهب خيرات المسلمين؟!

أين تذهب خيرات المسلمين؟!

 

في السنة الأولى للهجرة، أوجد الرسول عليه الصلاة والسلام الدولة الإسلامية الأولى في المدينة المنورة حاضرة الدولة الإسلامية، وانطلقت جيوش المسلمين منها حاملةً مشاعل النور والهداية، شاقّة طريق الصحراء القاسية الوعرة، حاملةً الدعوة الإسلامية إلى العالم. وتوالى الخلفاء بعد الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) سائرين على دربه، متحدين الصعاب لا يخشون إلا الله، دخلوا البلاد فاتحين لينقلوا الناس من الوثنية وعبادة المخلوقات، إلى عبادة رب العباد، حتى استطاعوا في فترة وجيزة لا تتعدى أربعين عاماً من نشر الإسلام في الجزيرة العربية وبلاد الشام والشمال الأفريقي والسودان، واجتازوا فارس إلى بلاد السند والهند في فترة تعتبر هي الأقصر في تاريخ الدول والشعوب، وأصبحت بلاد المسلمين بلاد السمن والعسل كما وصفها الأوروبيون لما حبا الله هذه البلاد من خيرات كثيرة وفيرة وعميمة.

فالأردن على سبيل المثال ذلك البلد الذي لا يكاد يظهر على الخارطة، يقع على كنز من كنوز الأرض، وهو على جانب عظيم من الأهمية، فإن فيه البترول بشكل غزير جداً، وفيه من المعادن كالحديد والذهب والفضة واليورانيوم والرصاص والمنغنيز والبلاتين والراديوم، وهناك منطقة معينة في الأردن محظور الطيران فوقها للقوة المغناطيسية الموجودة فيها ما يدل على وجود كميات وافرة من الحديد، وهناك أيضاً مواد من الأحجار الكريمة، وهناك مواد تصنع منها الأصباغ (الدهان)، ويعتبر البحر الميت من أغنى البحار بالأملاح المعدنية، هذا البحر الذي لا يزيد طوله عن 47 ميلاً وعرضه 10 أميال فإن مياهه تحتوي على ثروة خيالية مذهلة، أما كونها مذهلة، لأنها تفوق ثروة الولايات المتحدة الأميركية، ومن هذه الثروة الأملاح المعدنية التي تحويها مياهه بكميات هائلة، ومن ذلك مائتا مليون متر مكعب كلوريد البوتاسيوم، وتسعمائة وثمانون مليون متر مكعب من بروميد المغنيسيوم وأحد عشر ألف مليون متر مكعب كلوريد الصوديوم واثنان وعشرون ألف مليون متر مكعب من كلوريد المغنيسيوم، وستمائة مليون متر مكعب كلوريد الكالسيوم، فضلاً عن أنواع أخرى من الأملاح، هذا فقط في الأردن.

أما السودان، حيث يتساءل المرء أحياناً، لماذا هذه الحرب الضروس على بلاد ظاهرها الفقر المدقع؟ ولماذا يسعى إليها الغرب؟

والجواب: إن السودان بلد إسلامي فتحه المسلمون الأوائل وهو مليء بالخيرات إذ يتمتع بالموقع الاستراتيجي المهم في أفريقيا، كما يشكل هذا البلد العمق الطبيعي لمصر، علاوةً على أنه يتغلغل في أعماق أفريقيا، ويمتاز السودان بالاتساع الجغرافي الذي يقابله اتساع في الموارد والمناخ والإمكانيات الهائلة، ما جعله مؤهلاً لأن يكون أكبر بلد منتج لمختلف المحاصيل الزراعية، وأكبر منتج للثروة الحيوانية، خاصة وأن النيل بروافده الكثيرة جعل تربته من الخصوبة بمكان، بحيث يستطيع توفير الغذاء لجميع بلدان العالم الإسلامي، فيوفر بالتالي ما يحتاجه المسلمون من أمن غذائي، والأمن الغذائي لا يقل أهمية عن الأمن العسكري والأمن السياسي، ومن هنا جاءت تسمية السودان بأنه سلة الغذاء للعالم الإسلامي، وأيضاً فإن جوف السوادن يمتلئ بالمعادن الكريمة والضرورية لتحريك عجلة الصناعة، كالذهب والكروم والميكا، بالإضافة إلى تفجر آبار النفط في وسطه بغزارة فهو في الواقع يملك مقومات الدولة الكبرى بكل معنى الكلمة، لذلك لم يكن غريباً أن تتصارع عليه الدول الكبرى قديماً وحديثاً للسيطرة على ثرواته الخيالية التي لا تنضب.

أما عن خيرات السعودية فهذه شهادة دول الكفر على الخيرات التي فيها، وهو ما أفادت به اللجنة المبعوثة من قبل روزفلت من أن بترول الشرق الأوسط هو أعظم كنز تركته الطبيعة للتاريخ، وأن التأثير الاقتصادي والسياسي لهذا الكنز سوف يكون فادحاً، وعندما سأل وزير الخارجية جيمس بيرينز الرئيس: ما هي الحصة يا سيادة الرئيس التي ينبغى أن نسيطر عليها من بترول الشرق الأوسط؟ سكت روزفلت برهة ثم أجاب قائلاً: لا أقل من 100%.

وكتب أحد المبعوثين الأميركيين إلى الرئيس الأميركي يقول: إن الشرق الأوسط مجرة كونية هائلة من حقول البترول. لا يعرف أحد نظيراً لها في الدنيا. وإن السعودية هي شمس هذه المجرة، فهي أكبر بئر بترول في الشرق الأوسط. هذه نظرة الغرب إلى الشرق الأوسط، السيطرة الكاملة على بتروله.

ولا يفوتنا المرور بـإندونيسيا التي تعد بلداً نفطياً من دول الأوبك، وتصدر الغاز الطبيعي والنحاس والنيكل وتعتبر سابع مصدر للذهب في العالم، وتنتج الفحم وبها خامات الحديد والمنغنيز والكبريت والفوسفات وغيرها من المعادن، وتصدر الأخشاب وكثيراً من المواد الزراعية، ويمكنها أيضاً لما فيها من مخزون عالٍ من الذهب أن تتخذ الذهب كأساس لعملتها ما يجعلها قوية لا تتأثر بأسواق العملة المتقلبة على الدوام، ولا يكون للاستعمار الأميركي عليها سبيل.

فأين تذهب خيرات المسلمين وأين تذهب أموالهم؟!..

رغم هذه الخيرات الكثيرة إلا أننا نرى أن الكافر المستعمر استطاع أن يسيطر عليها وبإحكام، وذلك بوضع البلاد فريسة في أحضان صندوق النقد الدولي الذي أخذ يفعل بها ما يشاء وفقاً للمصالح الأميركية.

وبعد إلقاء الضوء على بعض هذه الخيرات في بعض بلاد المسلمين نجد أن المسلمين أكثر الناس فقراً، والبطالة عامةً تحتل المرتبة الأولى في بلاد المسلمين، والمرض يعم بلاد المسلمين، ونجد أسواق المسلمين أسواقاً استهلاكية… فقر، ومرض، وبطالة، وتأخر علمي، وفساد سياسي… هذه هي حال المسلمين اليوم في جميع بلدان العالم الإسلامي رغم أنهم يمتلكون الخيرات الكثيرة في بلادهم.

فمنذ هدم الخلافة والآلام والخسائر والمصائب تتوالى على المسلمين باستمرار، وذلك بفعل الكافر الذي وضع نصب عينيه القضاء على الإسلام والمسلمين، فضاعت البلاد والعباد والخيرات، والذي مكن الغرب من بلاد المسلمين هم هؤلاء الحكام الذين يخدمون الغرب ويسهرون على مصالحه ولا يعبأون بحال الأمة الإسلامية ولا يهتمون لها، لا يهتمون إلا بأنفسهم وذويهم، سهلوا للغرب كل ما يريد من السيطرة الكاملة على خيرات المسلمين، ما أكثر حكامنا حين نعدهم ولكنهم في النائبات سراب، فهم باعوا البلاد والعباد.

ففي ظل دولة الخلافة الراشدة الأولى لم تكن حال المسلمين هكذا. كانوا أعز الناس وأغنى الناس وذلك بتطبيق الإسلام عليهم… في ظل الخلافة الأولى لم يجُع المسلمون ولم يجُع غيرهم من أهل الذمة، فهذا  عمر بن الخطاب t، اتخذ داراً سمي بدار الدقيق والسويق والتمر والزبيب، وما يحتاج إليه ليستعين به المنقطع والمحتاج لإسعاف حالته إلى أن يُنظر في أمره، ووضع فيما بين مكة والمدينة ما يصلح للمنقطع، كما فعل ذلك بين الشام والحجاز، وهذه الرعاية ليست خاصة بالمسلمين وحدهم، بل هي عامة للمسلمين ولغير المسلمين من أهل الذمة الذين لهم ما لنا، وعليهم ما علينا. نعم إنه من المؤكد أن الدولة التي تطبق الإسلام عقيدة ونظاماً لا تقصر تجاه رعاياها… فأين أنت يا أمير المؤمنين تنظر إلى حال المسلمين المشردين النازحين، الذين لا يجدون بضع لقيمات يقتاتون بها.

فالحياة الاقتصادية في ظل دولة الخلافة حياة هادئة بسيطة طبيعية، ينعم الجميع فيها بالرفاهية والدعة وسعة الحال، لا تطاحن ولا تشاحن، ولا فقر فيها ولا مجاعة، ولا مؤامرات طبقية، ولا هيمنة لأصحاب رؤوس الأموال فيها على رقاب الناس، لأنها قائمة على أساس كتاب الله وسنة رسوله الكريم، ففي ظل دولة الخلافة في عهد الخليفة عمر ابن عبد العزيز لم يوجد مستحق للمال من الفقراء، فقد حدّث يحيى بن سعيد قال بعثني عمر بن عبد العزيز على صدقات أفريقيا فاقتضيتها وطلبت فقراء نعطيها لهم فلم نجد فقيراً، ولم نجد من يأخذها، قد أغنى عمر الناس فاشتريت رقاباً فأعتقتهم وولاؤهم للمسلمين، نعم هكذا كان يوم كان الإسلام مطبقاً، ورغم حالنا اليوم إلا أننا نجد حديث رسول الله يطمئن المسلمين فيقول عن أبي سعيد الخدري عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: «إن من أمرائكم أميراً يحثو المال حثياً لا يعده عداً، يأتيه الرجل فيسأله، فيقول: خذ فيبسط الرجل ثوبه فيحثى به، وبسط رسول الله ملحفة غليظة كانت عليه، يحكي الرجل، ثم جمع إليه أكنافها، قال: فيأخذه ثم ينطلق» فبشراكم أيها المسلمون، فنحن إن شاء الله على أبواب الخلافة الراشدة الثانية يكون فيها الخليفة، مثل أبي بكر، وعمر. فهذه رسل سعد بن أبي وقاص بعد أن دكت جيوش المدائن وهزمت جيوش فارس وأذلت دولة الأكاسرة وأحرزت الغنائم، وهذه رسالة تحمل بشرى  النصر لعمر بن الخطاب، وتحمل لخزينة الدولة خمس الفيء، فلما وضع بين يدي الخليفة عمر بن الخطاب نظر إليه بدهشة، فقد كان فيها تاج كسرى المرصع بالدرر، وثيابه المنسوجة بخيوط الذهب، ووشاحه المنظم بالجواهر، وسواراه اللذان لم تر العينان مثلهما قط، وما لا حصر له من النفائس الأخرى، فجعل عمر يقلب هذا الكنز الثمين بقضيب كان بيده ثم التفت إلى من حوله فقال: أن قوماً أدوا هذا لبيت المال لأمناء، فقال علي (رضي الله عنه) وكان حاضراً، إنك عففت فعفت رعيتك يا أمير المؤمنين، ولو رتعت لرتعوا، ثم لم يقم من مجلسه حتى قسمه بين المسلمين، هكذا المواقف، وهكذا الرجال، نعم وهكذا الخلفاء.

أما حكامنا اليوم فقد نهبوا في وضح النهار ثروات الأمة، نعم نهبونا في وضح النهار ملء السمع والبصر، فاصبحنا أمة ضاعت ثرواتها وانتهكت مقدساتها، وهتكت أعراضها… ورتع حكامها وملوكها في مالها وثرواتها.

إن المسلمين ليسوا بحاجة إلى أميركا أو أوروبا لتخرجهم من الأزمات الاقتصادية في البلاد، ولا بحاجة إلى حكام الضرار والرويبضات، بل هم بحاجة إلى خليفة المسلمين يطبق عليهم شرع الله.

وحتى تنتهي البطالة، وحتى يتم القضاء على الفقر، وحتى يستفيد المسلمون من خيرات بلادهم، لابد لهم من التحري عن الطريق الصحيحة التي تغير واقعهم، والالتفاف حول الجماعة المبرئة للذمة، والعمل معها بأقصى طاقة وبأقصى سرعة للوصول إلى الغاية المنشودة ألا وهي أن نستيقظ على صيحات الله أكبر تدوي في أرجاء العالم الإسلامي وتقول هذا خليفتكم قوموا فبايعوه، اللهم اجعل هذا اليوم قريباً.

وفي النهاية، لا يفوتنا أن نذكر المسلمين بما قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «ألا من مشمر للجنة» فشمروا سواعدكم للعمل مع العاملين… ونقول للمسلمين: لقد طال التصاقكم بالأرض فارفعوا أبصاركم إلى السماء، وازداد انهماككم في متاع الدنيا، فالتفتوا إلى معاني الآخرة، لقد آن الأوان لأن يتحرك حنينكم إلى الجنة لتتنسموا ريحها، وتصيبوا نعيمها، فاجعلوا الشوق إليها المركب الذي يحملكم إلى معارك الكفاح وساحات الوغى، وأجيبوا دعوة الله لكم إذ قال: ( وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ ) [آل عمران 133] ولبوا طلب الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) إليكم إذ قال: «قوموا إلى جنة عرضها السماوات والأرض» إن أصحاب بيعة العقبة الثانية قالوا: إنا نأخذ رسول الله على مصيبة الأموال وقتل الأشراف، وقالوا للنبي عليه الصلاة والسلام: فما لنا يا رسول الله إن نحن وفينا ذلك؟ فرد عليهم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) مطمئن النفس قائلاً: الجنة. نعم الجنة، أيها المسلمون، ثمن بذل النفوس في سبيل الله لنشر الإسلام وإعلاء كلمة الله، فهل آن الأوان لأن تشتاقوا للجنة ولأن تعقدوا مع الله الصفقة التي لن تبور، فتشروا أنفسكم ابتغاء مرضاته وتستجيبوا له إذا دعاكم، وإنا لنسأل الله في عليائه أن يجمعنا وإياكم في يوم عزيز من أيام الإسلام العزيزة نجتمع على منادي البيعة يقول:

اللهُ أكبرُ اِصدعْ يا خليفتَنا
الله أكبر اصدع يا خليفتنا
الله أكبر اصدع يا خليفتنا
اُمدُدْ يداً عن رسول الله طاهرةً
اُمدُدْ تبايعْك آلافٌ مؤلَّفةٌ
امدد يكن بلسمٌ يشفي مواجعَنا
اُمْدُدْ يقم خالدٌ فينا وعكرمةُ

فَكلُّنا كَبِدٌ حَرَّى وأشجانُ
فنحن جندُ الهدى والأرضُ ميدانُ
لأنت ثُغْرُ الهدى والكونُ آذانُ
لبيعةٍ فرضُها عينٌ وقرآنُ
أرواحُها في سبيل الله قربانُ
فقد تمادى وسَدَّ الأُفْقَ طغيانُ
وسالمٌ وأبو ذرٍ وسلمانُ

أم صالح – الخليل

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *