«الإسلام والغرب: اندثار إمبراطورية وعودة الخلافة»
2006/11/30م
المقالات
2,238 زيارة
المؤتمر السنوي الأول لحزب التحرير – ولاية لبنان:
«الإسلام والغرب: اندثار إمبراطورية وعودة الخلافة»
تحت عنوان: «الإسلام والغرب: اندثار إمبراطورية وعودة الخلافة» افتتح حزب التحرير – ولاية لبنان مؤتمره السنوي الأول في معرض رشيد كرامي الدولي في طرابلس في 8/10/2006م وقد كان هذا المؤتمر ناجحاً بكل المقاييس.
فقد كان برنامجه متنوعاً غنياً، ومادته حيوية تجذب الاهتمام، جعلت أكثرية الحضور يداومون على حضوره من أوله حتى آخره. وقد تم استهلاله بتلاوة عطرة من آي الذكر الحكيم تلاها الشيخ خالد سيف، ثم تلاه رئيس المكتب الإعلامي لحزب التحرير في لبنان الدكتور أيمن رؤوف القادري الذي ركز على قيمة الوعي السياسي في بناء النهضة القويمة للأمة قائلاً: «إن الأمة الناهضة هي التي يصبح الإحساس بالمسؤولية هاجسها والتفكير في شؤون الحكم طبقها اليومي…»، وعن الحرب (الإسرائيلية) الأخيرة على لبنان في تموز 2006م قال إن الأمة تجاوزت، بمعظمها، كل السدود، حين وقع عدوان يهود، ووقفت بخالص مشاعرها شوقاً للمشاركة في ذروة سنام الأمر كله، الجهاد، متألمة من القيود والحواجز الكثيفة التي تحول بينها وبين ذلك، وذكر كيف أن الأمة وجهت الانتقادات المحقة والتخوين للأنظمة الحاكمة في العالم الإسلامي وعلى رأسها تلك التي وقعت معاهدات سلام مثل مصر والأردن أو مبادرات سلام مثل السعودية، وفي شكل خاص إلى النظامين المزعومين صديقين للمقاومة: سوريا وإيران، اللذين خذلا المقاومة في أصعب الظروف وتركا العزل من النساء والرجال والأطفال لتحرقهم حمم أعتى قوة غاشمة في المنطقة، ولم يحركا ساكناً إلا تصريحات جوفاء وتهديدات جبناء… وذكر أن القرار 1701 أعطى (إسرائيل) عبر الاحتيال السياسي ما عجزت عن تحقيقه عسكرياً. ورأى أن «صراع الطوائف في لبنان منذ أحداث الجبل سنة 1860 ما هو إلا انعكاس لتناقضات داخلية تستغلها دول الغرب في صراع النفوذ على المنطقة، ومازال لبنان بتركيبته الطائفية وبتكوينه الضعيف بيئة خصبة لاستمرار الانقسامات وانفجار الصراعات، وسيستمر كذلك لأن هذا جزء لا يتجزأ من طبيعته وتكوينه، وعليه فإننا ندعو إلى إعادة لبنان إلى ما كان عليه جزءاً لا يتجزأ من بلاد المسلمين، فينعم هو وسائر بلاد المسلمين باستقرار الدولة الكبرى ورخائها، وهذا هو مشروع الخلافة».
لقد كانت كلمة القادري موفقة كونها تناولت الواقع السياسي في لبنان من زاوية إسلامية وأعطت علاجاً جذرياً لواقع ستطول مآسيه بل لن تنتهي طالما هو قائم على هذه التركيبة.
ثم عُرض بعد ذلك فيلم مصور ومؤثر جداً أدمع عيون الحاضرين تناول فيه الأدوار التي مرت بها دولة الخلافة وربط بين سقوطها عام 1924م وعودتها المرتقبة.
ثم تلاه المحور الأول وفيه تحدث الأستاذ أحمد القصص عن الحضارات: صراع أم وئام، فعرّف الحضارة مميزاً إياها عن المدنية، وأبرزَ سمات الحضارة الإسلامية التي لا تقبل منازعاً، لأنها من فيض الوحي الإلهي، وسواها من نسج الأهواء المريضة، وهذا يعني أن صراع الحق والباطل لابد أن يكون واضحاً، لا رياء فيه، ولا هوادة، حتى تبلغ البشرية برّ الأمان، وتعيش في طمأنينة، تحت حكم الإسلام العادل، الذي يترجم مفاهيم الحضارة الإسلامية، في قالب علميّ. وبيّن بطلان الحضارة الغربية، من خلال أسسها: الديمقراطية، والحريات العامة، والنظام الاقتصادي الرأسمالي، وأشار إلى تحسّب الغرب لنهضة المسلمين المتنامية.
وأعقبه الشيخ أبو الحسن الأنصاري، أستاذ العلوم الشرعية في الكويت، فتحدّث عن الحملة الغربية على الإسلام والمسلمين. وسرد وقائع من إجرام أميركا في دكّ بلاد المسلمين، وأوضح أن ذلك يجري في إطار عمل منظم لاستباق نهضة الأمة التي تتلمّس سبيل وحدتها، وأورد الكثير من العبارات التي نطق بها ساسة الغرب، وهي تعبر عن حقد على الإسلام، وإدراك عظيم خطره على المخطط الرأسمالي الرامي إلى السيطرة على قدرات الأمة الحيوية، بالنار والبارود، وشراء الذمم، والتجسس الدائم، وغسل الأدمغة. وأكّد فضيلته على أن هذه العبارات تدل على خوف قائليها، لأن الحل الإسلامي قادم، وبقوة.
وفي المحور الثاني تحدّث د. بسام الطراس عن فساد الحضارة الغربية وسقوطها، فشرح معطيات الحضارة، ومكوّناتها عامة، ثم قال: «إنا على يقين بأن بداية النهاية لاحت للعيان، وأن القاصي والداني غربياً كان أو عربياً معانداً مكابراً أو باحثاً علمياً، الكل يجمع اليوم أن حياة الحضارة الغربية في مرحلة الهرم والشيخوخة وأرذل العمر». وسرد أدلة وافرة على ذلك، في شتى ميادين الحياة الغربية، كما أوضح مدى ما تختزنه الأمة من طاقات المواجهة، لإرساء قواعد الحضارة الإسلامية من جديد، في واقع حياة المسلمين.
ثم عرض فيلم مصور يحوي شهادات أشخاص اعتنقوا الإسلام، وأوضحوا أسباب هذا التحوّل، وآثاره في نفوسهم، ومجرى حياتهم، وما لمسوه من فرق شاسع بين رحابة الإسلام، وضيق حضارة الغرب وقذاراتها. وقد كان فيلماً مؤثراً يشير إلى قدرة الإسلام على التأثير والتوسع والانتشار في هذا العصر بالذات.
وأما المحور الثالث، فتحدّث فيه فضيلة الشيخ محمد علوش عن انتصار الحضارة الإسلامية المرتقب، فأوضح أن الأمة مأمورة بالبحث عن المبشّرات، لئلا تفتر الهمم، ولا سيما أن الغرب يعمل فينا حربه النفسية، وأن في أوساط المسلمين من دبّ فيه الوهن وصار يتحدث عن أن المستقبل لن يأتي للأمة بأي خير مستنداً إلى قراءة خاطئة لبعض نصوص الدين. وأبرزَ خصائص كلّ من الحضارتين الغربية والإسلامية.
وتلاه فضيلة الشيخ غسان عزام عن الخلافة الكيان التنفيذي للحضارة الإسلامية، فبين دور الخلافة في صون عقيدة الأمة، وأرواح أبنائها، وأعراضهم، وممتلكاتهم، وذلك من خلال سرد النصوص التشريعية، واستحضار أقوال أئمة السلف والخلف في إبراز وجوب العمل على إقامة هذا الفرض العظيم. كما أكّد على أن الأمة تمتلك كل مقومات التغيير، حتى تعود وتتسلّم زمام المبادرة في قيادة العالم، وتعود إليها العزة المفقودة، ولا سيما أن الله عز وجل قد وعدها بالتمكين والنصر، وأن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قد بشّر بعودة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة.
وتخلل الكلمات أسئلة ونقاش، بإدارة عريفي المؤتمر الأستاذ مروان الخطيب، والشيخ محمد إبراهيم.
واختتم المؤتمر بتلاوة البيان الختامي، فتضمن توصيات إلى العلماء والباحثين وحملة الدعوة والعاملين والمهتمين من أبناء الأمة، وهي توصيات تتعلق بصراع الحضارات. من أبرز ما جاء فيها: «ندعو ونؤكد على العلماء والباحثين من حملة الدعوة والعاملين في الحقل الإسلامي إلى تصحيح معاني الألفاظ التي تشوش أذهان المسلمين وعقولهم، وتؤدي إلى خلط مفاهيم الإسلام بمفاهيم الكفر وإلى التضليل، وذلك كألفاظ الحضارة والمدنية، والحوار والصراع، وحوار الحضارات أو طرح الحضارات، وكألفاظ التطوير والتجديد والحرية والحريات العامة والديمقراطية والشورى، وذلك من أجل إعطاء المفاهيم الصحيحة لأبناء أمتنا وتنقية أفكارهم». ومما جاء فيه أيضاً: «ندعو إلى تصحيح وتعميم معنى الحوار بأنه: إدلاء كل من المختلفين بحجته أو بما يظن أنه حجة والغرض منه نصرة رأيه أو مذهبه وإبطال حجة خصمه ونقله إلى ما يراه صواباً حقاً. وليس من الحوار ما يروجه بعض المتأثرين بالحضارة الغربية أن الحوار هو تقريب بين الآراء المختلفة أو المتناقضة، إذ كيف التقريب بين الإيمان والكفر». وختمت التوصيات بعبارة: «نحن نتحداكم يا حملة الحضارة الغربية ويا روادها، في حوار، بين الحضارة الإسلامية والحضارة الغربية، ونحن نعلن هذا التحدي على مستوى العالم وليس في لبنان فقط».
هذا وقد غطت وسائل الإعلام المختلفة المرئية والمكتوبة هذا المؤتمر وسجلت اهتماماً بالمؤتمر قبل عقده نظراً للدعاية المكثفة له، وبعد عقده نظراً للنجاح الذي أحرزه، فقد امتلأت قاعته بالحضور الذي قارب الألفين، بالرغم من أنه عقد في رمضان، ومن الساعة الحادية عشر صباحاً وحتى الخامسة مساء أي قبل حوالى الساعة من أذان المغرب وقت الإفطار… وقد حضرت بعض الوجوه السياسية شخصياً وممثلة، وبعض الفعاليات الحزبية والثقافية، وحضور بعض علماء الدين و والكثير من الأنصار والمحازبين، وقد اعتبرت صحيفة السفير اللبنانية التي تعتبر من أكثر الصحف انتشاراً لبنانياً وعربياً أن هذا المؤتمر يعتبر «بمثابة انطلاقة رسمية للحزب في عمل سياسي فكري “علني” وفق القواعد الشرعية الإسلامية الثابتة. وبالتالي كان مناسبة لـ«عرض العضلات» عبر الحشد الذي ملأ قاعة المؤتمرات في المعرض في محاولة لإثبات الوجود على الساحة الإسلامية أولاً وضمن المعادلة السياسية اللبنانية ثانياً، توطئة لخوض المعترك اللبناني كحزب فاعل له أيديولوجيته الخاصة وله جمهوره».
ويمكن القول إن المؤتمر هذا، مع ما سبقه من مؤتمرات ومهرجانات ومسيرات قام بها حزب التحرير – ولاية لبنان بمختلف المناسبات، يمكن القول إن الحزب تحول إلى حزب جماهيري في لبنان، صار له أتباعه وأنصاره، وله قاعدة شعبية عريضة، ويشهد لنشاطه وقبول الناس له ولفكره انتشار فكرة الخلافة وانتشار رايات العقاب، وما يجدر ذكره أن المؤتمر كان منظماً جداً ومهيئاً له بإتقان، ونجح نجاحاً لافتاً للنظر بشهادة الجميع. نسأل الله لهذا الحزب مزيد تمسك بالشرع، ومزيد عطاء، ومزيد توسع وانتشار… فإن وجوده إن شاء الله من دلائل عودة الخلافة الراشدة الثانية، الموعودة بالظهور، والمحفوظة من الله، والمؤيدة بنصره…
2006-11-30