العدد 238 -

العدد 328 – السنة الواحدة والعشرون، ذو القعدة 1427هـ، الموافق كانون الاول 2006م

الخلافة المرتقبة والتحديات (6)

الخلافة المرتقبة والتحديات (6)

قلب الحقائق التاريخية

 

إن مسألة قلب الحقائق لتشويه صورة التاريخ الإسلامي من قبل المفكرين الغربيين ليس أمراً جديداً، ولن يكون جديداً عند قيام الدولة الإسلامية.

فإذا رجعنا قليلاً إلى أوائل القرن الماضي أو إلى أواسط القرن التاسع عشر، نجد أن هذه السياسة الغربيّة كانت ومازالت بقصد تشويه صورة الإسلام، وصورة التاريخ الإسلاميّ الذي يمثّل سيرة الخلفاء والقادة.

لقد حاول الغربيّون -وبخاصّة المستشرقون منهم- تشويه صورة التاريخ الإسلامي في عهد الخلفاء الأمويّين، وفترة الخلفاء العباسيّين، ولم يسلمْ منهم حتى بعض الخلفاء الراشدين مثل الإمام عليّ (رضي الله عنه) وبعض القادة في عهد الخلفاء الراشدين مثل خالد بن الوليد (رضي الله عنه).

لذلك سيعيد المفكّرون الغربيّون بمساندةٍ من دولهم الكافرة، الحاقدة على الإسلام وأهله، والعاملة لهدم دولة الإسلام، سيعيدُ هؤلاء المفكرون الكرّة مرة أخرى في تشويه صورة التاريخ الإسلاميّ، وعرضه في أبشع صورة يمقتها الغرب.

ومن الصور التي سيركّز عليها المفكرون الغربيون في هذه الحرب القذرة الكاذبة، صورة الفتنة التي حصلت في صدر التاريخ الإسلاميّ في بداية العهد الأموي ونهاية الخلافة الراشدة، أي فتنة الحرب التي حصلت بين الإمام علي (كرم الله وجهه)، ومعاوية بن أبي سفيان (رحمه الله). ومن الصور أيضاً صورة الخلفاء في عهد بني أميّة، وخاصّةً بعض الإساءات التي حصلت في مسائل الحكم والاستخلاف، والصراعات السياسيّة، وسيحاولون أيضاً إظهار بعض الصور المقلوبة عن الخلفاء العباسيّين مثل هارون الرشيد، وغيرهم.

ومن الأمور الكاذبة التي يحاول الغربيّون دائماً قلب الصورة فيها، ربط الفترة الذهبيّة من التاريخ الإسلاميّ في عصوره الوسطى، مع تلك التي عاشتها أوروبا في نفس الفترة، حيث يحاول الغربيون دائماً قلب صورة الرقيّ والتقدم والقوة ليربطوها بتلك الفترة الظالمة المظلمة في تاريخ أوروبا في عهد رجال الدين والكنيسة.

أما الصورة الرابعة التي سيحاول بها مفكرو الغرب وساستهم قلب الحقائق عن الإسلام فهي صورة الحاضر الإسلامي، بعرض صورِ الظلم الذي يمارسه حكّام المسلمين تحت شعار الدولة الإسلامية، وصورة الفقر والتأخر في كل شيء التي تعيشها الشعوب الإسلامية في بلاد العالم الإسلامي.

أما بالنسبة للصورة الأولى وهي صورة التاريخ الإسلامي، فقد قلنا إن التاريخ ليس حجّة على الفكر والتشريع لأيّ دينٍ أو فكر، إنما الفكر هو الحجّة على حامليه، وعلى غيرهم، فالبحث يجب أن ينصبّ على صحّة الفكر أو خطئه الذي يحمله دعاة التغيير الجدد في ظل هذه الدولة الجديدة، وليس على التاريخ الإسلامي؛ لأن التاريخ الإسلامي لا يصلح أولاً للحكم على فكر المبدأ، لأنه غير منقول بطريقة دقيقة، فهو عرضة للمادح والقادح حسب الأهواء، وحسب الوقائع السياسية التي مرّ بها العالم الإسلامي خلال العصور المتعددة.

فلو نظرنا مثلاً إلى فترة الخليفة العباسي هارون الرشيد، رحمه الله، لرأينا أن المؤمنين قد كتبوا في تاريخه على شاكلتين مختلفتين، فالفريق الأول ذهب إلى أن هارون الرشيد كان رجل خمرةٍ ونساء وجوارٍ، والفريق الثاني (وهو المنصف) ذهب إلى إنصاف هذا الرجل، فوصفه بأنه رجل عدلٍ، وجهادٍ وفتوحات، ووصف الفترة التي عاشها من العهد العباسي بأنها فترة ذهبية، كان فيها التقدم العلميّ والعدل والرخاء، وتطبيق شريعة الإسلام.

لذلك يُخاطب المجتمع الغربي، وخاصةً المفكرين فيه، وتُلفت عقولهم إلى الأمور التالية:

1- التاريخ ليس حجةً على الفكر أبداً، وإنما الأفكار والمبادئ هي التي تناقش.

2- لا توجد فترة من التاريخ الإنساني إلا وحصلت فيها إساءاتٌ في التطبيق وبعض الأخطاء، ولا يستثنى من ذلك المسلمون.  فالمسلمون حصل في تاريخهم الطويل بعض الإساءات في التطبيق من قبل الخلفاء والأمراء والقادة، وتُعرف هذه الإساءات من خلال مقارنة الأفعال بمبدأ الإسلام.

هذا من جهة، ومن جهة ثانية فإن البشر بوصفهم بشراً تحصل عندهم الأخطاء، لأن هذه هي طبيعة الإنسان بشكل عام، فالخلفاء الراشدون حصل في تاريخهم بعض الأخطاء البسيطة، والتي سرعان ما كانت تُصحّح وتُقوّم نتيجة وجود روحِ المحاسبة عند المسلمين، ووجود روح القبول والتقوى عند الخلفاء.

3- التاريخ الإسلامي -سواء أكان في عهده الأوّل، أو الأخير- لا يقارن أبداً بتاريخ العصور الوسطى عند النصارى ورجال الكنيسة، بل شتّان بين هذا وذاك. فالتاريخ الإسلامي شهد فترةً من التقدّم العلميّ والازدهار الفكريّ، ممّا جعل المؤرخين من المستشرقين يشهدون لذلك، ومن هؤلاء المستشرقة الألمانية (زغرد هونكه) في كتابها المشهور (شمس العرب تسطع على الغرب) ومنهم أيضاً الرئيس ألأميركي الأسبق (نيكسون) في كتابه المشهور (أميركا والفرصة السانحة) ومنهم أيضاً العديد من الكتّاب.

بينما كانت فترة العصور الوسطى عند النصارى فترةً من الظلم والظلام الذي لا يوصف، وكانت فترةً خرج فيها رجال الدين على كل تعاليم الدين النصراني، وابتدعوا خرافاتٍ لم تنزل في دين ولا يقبلها عقل، وفوق ذلك قسّموا الناس إلى طبقتين طبقة أشراف ونبلاء، وطبقة عبيد وخدم لا يجدون كفافاً من عيش ولا يتملّكون شيئاً، وقادوا الناس إلى حروب طاحنةٍ بين أتباع الدين النصراني ذهبَ ضحيّتها الآلافُ بل الملايينُ من النصارى من أبناء الطوائف المتعددة، مثل مذبحة الأليخيّين في جبال الألب.

4- إن مقارنة العصور الوسطى بالتاريخ الإسلاميّ هي مقارنةٌ ظالمة ضالةٌ؛ لأن العصور الوسطى أو غيرها من عصور الدين النصرانيّ لم تحصل فيها أيّ نهضةٍ على أساس الدين، وإنما حصل هبوطٌ وتأخّرٌ في كل شيء، وهذا بعكس الدين الإسلامي الذي أنقذ الناس من الجاهلية والخرافة وعبادة الأصنام، ورفعهم إلى المستوى الإنسانيّ المكرّم الرفيع.

هذا ما يتعلق بمسألة التاريخ الإسلامي وقلب حقائقه في نظر الشعوب الغربيّة، أما صورة الحاضر الإسلاميّ، أي عرضُ صورة الحكام المسلمين، والشعوب الإسلاميّة في العالم الإسلامي. فإن هذه القضية تُعالج وتصحّحُ في أعين الغربيين من زاويتين، الأولى: تفهيم الشعوب الغربيّة أن الحكام في بلاد العالم الإسلاميّ يمثّلون الظلم والابتعاد عن الإسلام وأحكامه الصحيحة، ولا يمثلون الإسلام في شيء، ولا يُستثنى من ذلك حكام السعودية أو إيران أو السودان أو غيرهم من حكّام دول ٍ تدّعي كذباً تطبيق الإسلام.

فالفقر والتأخّر العلميّ والظلم المنتشر في بلاد المسلمين هو بسبب عدم تطبيق الدين الإسلاميّ تطبيقاً صحيحاً وليس بسبب تطبيق الإسلام.

ويُبرهن للشعوب الغربيّة على هذه المسألة المهمّة بعرض صورٍ من الإسلام في النواحي الثلاث السياسية والاجتماعية والاقتصادية، ومقابلة ذلك بما هو مطبّق من قبل الحكام الظلمة في العالم الإسلامي.

كما يُبرهن على ذلك للشعوب الغربية بعرض صورٍ من التاريخ الإسلاميّ المشرق عندما طُبّق الإسلام تطبيقاً صحيحاً، وكيف عمّ التقدم والرقيّ كلّ أنحاءِ الأرض التي حكمها الإسلام.

كما يُلفت نظر الغرب إلى المسلمين الذين يعيشونَ في بلاد الغرب، وكيفَ نهضُوا في النواحي الفكريّة أكثر من أبناء الغرب أنفسهم فأصبح منهم العلماءُ في كلّ مناحي العلوم المدنية، ولو كان الإسلام هو سببُ التأخّر عند الإنسان لما نهض هؤلاء وهم من أبناء المسلمين!!

وبذلك تُصحّح الصورة عند أبناء الغرب عن الإسلام، وتُلفت أنظارُهم إلى واقعهم السيئ الذي يعيشونه رغم التقدّم العلميّ الباهر والثورة التكنولوجيّة والمعلوماتية، ويُوجّهون نحو طريق الخلاص من هذا الشقاء الذي يعانونَ منه وتعاني منه البشريّة بشكلٍ عام بسبب الجشع الرأسماليّ المقيت، ويُفهّمون أن طريقَ الخلاص لأَبناءِ البشريّةِ جميعاً هو المبدأ الصحيح الذي يستندُ إلى عقيدةٍ (أساسٍ) صحيح وإلى بناءٍ سليم صحيح ينبثق من هذه العقيدة الصحيحة.

والحقيقة أن هذا الموضوع يحتاج إلى جهودٍ جبّارة من قبل العاملين في دولة الخلافة، بواسطة عدّة طرقٍ  ووسائل، وخاصّة وسائل الإعلام داخل هذه الدول، وعن طريقِ شباب الدعوة من الذين عاشوا داخل دول الغرب قبل قيام الدولة، لأنهم يفهمون مبدأ الغرب أكثر من غيرهم، ويعرفون عُواره الفكريّ والماديّ ويُحسّون بهذا العُوار عملياً في واقع شؤونِ الحياة كلّها، لذلك يقوم حملةُ الدعوة في أميركا ودول أوروبا بدورِ السفير لدولة الإسلام في حملِ المبدأ، تماماً كما كان يفعلُ مصعبُ (رضي الله عنه) في المدينة المنورة، وبالإضافة لذلك تقوم الدولة الإسلامية بدعوة المفكرين هناك في لقاءاتٍ فكريّة علنيّة أو سريّة داخل التجمعّات العامّة مثل المدارس والجامعات ومراكز الأبحاث.

وبإذن الله تعالى فإن هذه الجهود التصحيحيّةِ البيانيّة ستؤتي ثمارها مرتين في بلاد الغرب: ستؤتي ثمارها في كشف زيف الحكّام الغربيّين وحقدِهم على مبدأ الإسلام، وستكشف سياساتِهم المضلّلة المغرضة، وستؤتي ثمارها كذلك في بيان مبدأ الإسلام مقابلَ المبدأ الغربيّ السقيم، وبذلك سيدخلُ الناس في دين الله أفواجاً أفواجاً بدل أن يُصدّوا عنه ويكونوا له أعداءً.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *