العدد السابع -

السنة الأولى – ربيع الآخر 1408هـ – الموافق كانون الأول 1987م

فكر إسلامي: مؤتمر القمَّة في عمَّان

بين 8 و11 من تشرين الثاني 1987 انعقد في عمان مؤتمر قمة عربي، حضره رؤساء البلاد العربية أو من ينوب عنهم. وأعلنوا أن المؤتمر كان ناجحاً. وحين يجتمع قادة البلاد، أية بلاد يكون المنتظر منهم أن يبحثوا قضاياها ويحلّوا مشاكلها، وأن يُوْلوا اهتماماً أكبر للقضايا الأخطر. فتعالوا نُلْقِ نظرةً على المسائل التي بحثوها.

لقد بحثوا في الحرب بين إيران والعراق وفي تشعباتها. وبحثوا موضوع المؤتمر الدولي لإيجاد الصلح بين اليهود والعرب. وبحثوا في إعادة علاقاتهم مع مصر وعودة مصر إلى الجامعة العربية. وبحثوا في مسألة لبنان. وبحثوا أموراً تركوها سرية.

هل تعرضوا للقضية الكبرى للأمة، القضية الأساس؟

العرب جزء من الأمة الإسلامية، والبلاد العربية جزء من البلاد الإسلامية.

قضية الأمة الإسلامية بدأت قبل ما يسمونها حرب الخليج، وقبل سقوط القدس في يد اليهود، سنة 1967، وقبل سقوط فلسطين سنة 1948.

القضية الكبرى للأمة الإسلامية بدأت حين استطاع الكفار أن يُسقطوا القرآن الكريم من يد الأمة الإسلامية، حين استطاع الكفار أن يهدموا الخلافة الإسلامية التي كانت تضم شمل المسلمين، حين استطاع الكفار أن يمزقوا البلاد إلى أوطان والأمة إلى قوميات، حين استطاع الكفار أن يَحولوا دون عودة المسلمين لحمل الإسلام، ودون عودة الإسلام إلى معترك الحياة الدولية.

هذه هي قضية الأمة، وما عداها هو مسائل فرعية. ومن السفاهة أن نتوقف عند الفروع ونهمل الأصل الذي أنبت هذه الفروع.

لقد قرأنا البيان الصادر عن المؤتمر والقرارات التي اتخذها المؤتمر. لم نجد ذكراً للإسلام أو القرآن أو السنّة، ونحن نقرأ قوله تعالى: (وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا).

لم نجد في بيانهم ومقرراتهم أدنى حذرٍ تجاه عدوهم الكافر المستعمر الذي هدم الخلافة، وحارب الإسلام، ومزّق البلاد والعباد، وما زال يثير العدوات بين المسلمين ليقتل بعضهم بعضاً، بل على عكس ذلك نجدهم يرتمون في أحضان هذا العدو الكافر المستعمر، والله يقول: (إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا).

وجدنا في بيانهم أنهم يدعون إلى التمسك بميثاق جامعة الدول العربية، وميثاق التضامن العربي، ومعاهدة الدفاع المشترك. أي هم يدعون إلى بقاء اثنتين وعشرين دولة عربية، بدل أن يدعوا إلى دمجها في دولة واحدة.

ووجدنا في بيانهم: “أيدّ القادة عقد المؤتمر الدولي للسلام… باعتباره الوسيلة الوحيدة لتسوية سلمية عادلة وشاملة”، أي هم تخلّوا عن الحرب ووضعوا قضية فلسطين وما احتلته إسرائيل حولها ليس بيد الأمة الإسلامية، بل بيد دول مجلس الأمن الدائمة وبيد هيئة الأمم المتحدة، أي بيد العدو، كمن يوكل الذئب بالغنم.

ووجدنا في قراراتهم تأكيداً على قرارات قمة فاس 1982. والمعلوم أن قمة فاس قررت أن ما احتلته إسرائيل قبل سنة 1967 يعتبر حدوداً دولية لها شرط أن تعطي أهل فلسطين تعويضات عن أملاكهم، وأن ما احتلته إسرائيل سنة 1967، يجب أن يخضع للتفاوض.

ووجدنا في قراراتهم انهم رفعوا الحظر عن إعادة العلاقات الدبلوماسية مع مصر. ونسألهم: هل كنتم مخطئين حين قطعتم هذه العلاقات؟ أو أن سبب القطع قد زال؟ أو أنكم كنتم تقومون بإخراج تمثيلية أمام شعوبكم؟

ووجدنا في بيانهم قولهم: “والتفت كلمتهم على أن التضامن العربي هو السبيل الوحيد لتحقيق كرامة الأمة العربية وعزّتها”، وهم يعنون بالتضامن ليس الوحدة بل التفاهم مع بقاء اثنتين وعشرين دولة. والكرامة لا تكون بمثل هذا التضامن (التجزئة)، بل الكرامة تكون بتقوى الله: (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ)، والعزة تكون مع الإيمان: (وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ).

ووجدنا في بيانهم قولهم: “انطلاقاً من مبادئ القومية العربية” علماً أن الإسلام نقل الناس من رابطة القومية والعصبية إلى رابطة الإيمان، قال تعالى: ]إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ[ وقال: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا آبَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاءَ إِنْ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الْإِيمَانِ). وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «المسلم أخو المسلم» وقال عن دعوى القومية: «دعوها فإنها منتنة».

ووجدنا في بيانهم: “ودعا الدول الأعضاء إلى تكثيف الحوار مع حاضرة الفاتيكان” أي من أجل مدينة القدس. والمعلوم أن الفاتيكان والدول الغربية تحاول جعل القدس تخضع لإدارة دولية، أي يريدون أن يحققوا الآن ما عجزت الحملات الصليبية عن تحقيقه، وهؤلاء القادة العرب يدعون إلى ترتيب الأمور مع الفاتيكان، أي يدعون إلى تدويل القدس – المسجد الأقصى ثالث الحرمين وأُولى القبلتين.

ووجدنا في بيانهم أنهم يدعون إلى المحافظة على دساتيرهم وقوانينهم، كل دولة منهم لها سيادتها واستقلالها حسب دستورها. وكان الأجدر بهم أن ينتبهوا أن دساتيرهم وقوانينهم ليست مأخوذة من كتاب الله وسنة رسوله، وفي هذه الحال فإن الواجب الرباني يحتم عليهم ليس المحافظة على دساتير الكفر هذه، بل أن ينسفوها من جذورها ويضعوا بدلاً منها دستوراً إسلامياً وقوانين شرعية إسلامية يكون فيها صلاح الناس، ورضى رب الناس. ولكن أين هم من هذا؟

أيها القراء الكرام، يا شباب الإسلام، افهموا الأمور على حقيقتها ولا تغرّنكم الأوهام: لا تعلّقوا أي أمل على هؤلاء الحكام وأمثالهم، ليكن أملكم بالله وبجهودكم وبالمخلصين من أبناء أمتّكم: (وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ).

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *