العدد 240 -

العدد 240 – السنة الواحدة والعشرون، محرم 1428هـ، الموافق شباط 2007 م

الخلافة الراشدة العالمية ستعم الأرض

الخلافة الراشدة العالمية ستعم الأرض

 

نشرت مجلة التغيير الجذري التي يصدرها شباب حزب التحرير في ولاية تركيا في عددها لشهر رمضان المبارك 1427هـ الموافق أيلول/ سبتمبر 2006م لقاءً صحفياً مطولاً مع السيد يلمـاز شيلِك الناطق الرسمي لحزب التحرير في ولاية تركيا، تحت عنوان (إننا نتحدث عن برنامج يفوق برنامج الاتحاد الأوروبي وبرنامج الشرق الأوسط الكبير، ألا وهو برنامج الخلافة الراشدة العالمية التي ستعم الأرض!)، وقد أجرى اللقاء بهاء الدين جاردا. وفيما يلي بعض من نص اللقاء مترجم عن اللغة التركية:

1 – جَاردا: بشكل عام أنت رجل انشغلت به الأوساط الإعلامية، بسبب النداء الذي ألقيته في ساحة جامع الفاتح قبل حوالى العام، وتداعيات ذلك الحدث استمرت لفترة طويلة. ما هدفك من النداء؟ وإلى ماذا كنت تتطلع؟ وما الذي حصلت عليه؟

– شِيلِك: في 2 أيلول من عام 2005م قام حزب التحرير بتنظيم فعاليات قراءة وتوزيع نداء الخير إلى الأمة الإسلامية عامة في أكثر من 30 بلداً يعمل فيهم وليس فقط في تركيا، حيث نظمت كافة الفعاليات في اليوم والزمان نفسه، بعد صلاة الجمعة. إن السبب الرئيسي وراء قيامنا بفعاليات قراءة النداء كان توجيه نداء للأمة حول فرض إقامة الخلافة التي هي طريق خلاصهم، وكما هو معلوم فقد تم إلغاء الخلافة في 28 رجب 1342هـ الموافق 03 آذار 1924م. وقد وجهنا دعوة للأمة الإسلامية عامة وإلى أهل القوة فيها خاصة للعمل والتحرك معنا لإقامة دولة الخلافة من جديد.

وكما هو معلوم، فمنذ أن هدمت دولة الخلافة، والدول الاستعمارية الكافرة والغرب المتمثل بأوروبا والولايات المتحدة الأميركية وهم يعتدون ويحتلون ويقتلون ويستعمرون وينهبون الأمة الإسلامية، وقد تمادى غيهم في السنوات الأخيرة في احتلالهم لأفغانستان والعراق. إننا نُرجع سبب هذا الظلم والاعتداء والاستعمار الواقع علينا في مركز الخلافة (تركيا) أو في باقي بلاد الأمة الإسلامية إلى هدم وإلغاء الخلافة. كيف لا ورسول الله (ﷺ) قال: «إنما الإمام جنة يقاتل من ورائه ويتقى به..» فبعد أن ألغيت وهدمت الخلافة أصبحت أمة الإسلام بلا جنة ولا منجد ولا حامٍ.

2 – جاردا: لقد أدلى رجالات الوسط السياسي التركي بتعليقات وتصريحات.. ومما قالوه: إنها فتنة.. حتى أن بعض قادة الأحزاب والجماعات الإسلامية قاموا هم أيضاً بالإدلاء بتعليقات وتصريحات مختلفة حول فعاليات النداء في جامع الفاتح. فما هو قولكم في ذلك؟

– شِيلِك: قبل أن أخوض فيما طرحت، دعني أتطرق إلى ما وراء ذلك باختصار إن شاء الله؛ إن الذين أطلقوا بالأمس شعارات السياسة النـزيهة أثبتوا لنا اليوم -وهذا ما كنا ننتظره منهم- أنهم يمارسون سياسة مشبوهة غير نزيهة يتم تنفيذها من خلال الوسط السياسي القائم في أيامنا هذه على الأفكار والمفاهيم السياسية الخاطئة، النظام الرأسمالي المصغر المطبق علينا، العلمانية والديمقراطية وغير ذلك من الأمور التي تخرب فطرة الإنسان، وتفقر شخصيته، وتستبدل القيم الإسلامية والإنسانية بالمصلحة والمنفعة. نحن نرى أن الاختلاسات المالية في الدولة دائماً تتم من قبل أولئك الذين أنهوا دراسات عليا ويشغلون مناصب حساسة، ومن قبل السياسيين والبيروقراطيين الذين استأمنهم الناس على مصالحهم وأموالهم. ونرى رجالات الوسط السياسي ورجالات الأحزاب السياسية الذين يتوجب عليهم رعاية شؤون الناس الداخلية والخارجية يستندون إلى قوى خارجية كأميركا وإنجلترا والاتحاد الأوروبي. هذا باختصار هو واقع السياسية غير النزيهة وهذا هو الذي يؤدي إلى تلويث السياسة.

وعلى الصعيد ذاته، فأيضاً القادة الفكريون لجماعات وأحزاب (إسلامية!) مختلفة ممن يعملون في الوسط السياسي سالف الذكر أو تربطهم مصالح به، قاموا بإصدار تصريحات معادية لنا. فظنوا أن فعالياتنا التي نظمناها ستؤدي إلى إلحاق الضرر بهم، ورأوا في أعمالنا أنها تكشف وتميط اللثام عن أعمالهم ومهامهم المنصبة على تجميل صورة النظام العلماني الديمقراطي في عيون المسلمين، ورأوا أننا ننشر وجهة نظر إسلامية انقلابية بين أنصارهم ومؤيديهم فخشوا أن ذلك سيؤدي إلى انفضاض قاعدتهم الجماهيرية عنهم، وسيؤدي إلى الإضرار بمصالحهم فقاموا بمهاجمة ندائنا وفعالياتنا.

في حين أن نداءنا كان نداءً يشمل المسلمين جميعاً، فنحن نرفض رفضاً باتاً التكتل على أساس المصلحة والمنفعة، فهل يعقل أن يعيش المسلمون في مثل هذا الواقع السيئ ولا ينظرون إلى طريق الخلاص من منظار الإسلام!! إننا نعتقد اعتقاداً جازماً لا شبهة فيه أن الإسلام وحده هو القادر على حل كافة المشاكل المستجدة في الحياة، ذلك أن الإسلام هو من عند الله سبحانه وتعالى، فالإسلام يعلو ولا يعلى عليه. في مثل هذا الموقف نرى الذين يخشون من قول الحق حيثما وأينما كانوا يخشون ويهابون من مجاهرة حزب التحرير بالحق، ذلك أنهم اعتادوا وعودوا أنصارهم منذ عشرات السنين على الصمت والسكون. إن الأغلبية كانت صامتة أمام هيمنة الولايات المتحدة الأميركية على المنطقة، فخرجنا نحن وكسرنا حاجز الصمت وعلت صيحاتنا المنادية لإقامة الخلافة من جديد وتحدينا العالم بأسره. فكان تحركنا صاعقاً لجميع القوى السياسية، العلمانية منها وغير العلمانية، وكان من بينها بعض قادة للجماعات (الإسلامية!) الذين أدلوا بتصريحات معادية لنا بالرغم من أن مناصريهم يؤيدون طرحنا. إننا لا نشغل أنفسنا بأولئك، إننا سائرون في طريقنا لا يضرنا من خالفنا، وبعون الله سنحقق هدفنا. عندما أسس العالم الجليل تقي الدين النبهاني -رحمه الله- حزب التحرير قال: «اليوم أقيمت الخلافة» أي أن القدم وضعت في الطريق الصحيح نحو تحقيق الهدف، بالإضافة إلى أنه تم توظيف وتجنيد الجهود المطلوبة نحو تحقيق الهدف، والنصر بيد الله سبحانه وتعالى يمن به على من يشاء من عباده.

3 – جاردا: قامت بعض وسائل الإعلام بتوجيه سؤال لأخصائيين في مجال الإرهاب فأجابوهم بالقول “إن هؤلاء عندما يفشلون في تحقيق هدفهم سيحملون السلاح”. فكيف تنظرون إلى ذلك؟

– شِيلِك: إن حزب التحرير لا يتبنى في الفترة التي لا يوجد فيها دولة خلافة العمل المسلح ولا يرى صحة الخوض فيه، إن الأعمال المادية المسلحة لإقامة دولة الإسلام هي أعمال مخالفة لطريقة الرسول (ﷺ)، لذا فحزب التحرير لن يخوض في الأعمال المادية المسلحة لمخالفتها لطريقة الرسول (ﷺ) التي انتهجها طوال 13 عاماً من كفاحه في مكة. إن طريقة تحقيق هدفنا المتمثل بإقامة الخلافة تقتصر على الأعمال السياسية والفكرية وحمل الأفكار والآراء والأحكام الإسلامية إلى الناس من خلال تكتل حزبي سياسي. وفوق ذلك فحتى بعد أن يَمُنَّ الله علينا وتقام دولة الخلافة فلن يؤذن لأي حزب سياسي بحمل السلاح. إن هذا الشأن منوط بدولة الخلافة وحدها. ويحق لنا أن نتساءل؛ لماذا لم يستطع الذين يطلقون تلك الادعاءات والمغالطات العثور على أي دليل يُدين حزب التحرير الذي يعمل منذ ما يزيد عن 50 عاماً وله ماضٍ عريق؟! إنهم ليتمنون العثور ولو على قشة ليتعلقوا بها لإدانة الحزب، إلا أنهم لم ولن يتمكنوا من ذلك، لأن ادعاءهم لا أصل له.

4 – جاردا: لقد نشر الإعلام وبعض الأوساط مقولة مفادها “لقد تم دفعهم للتحرك من خلال دعم خارجي”، فكيف تنظرون إلى ذلك؟

– شِيلِك: لما باتت الحاجة لإقامة خلافة للمسلمين في الدنيا واضحة وضوح الشمس في كبد السماء، ولما بات مدركاً أهمية ذلك وسرعته، وأن حزب التحرير هو الذي يقود التحرك الداعي لإقامتها، وهو من سيقيمها بإذن الله، بدؤوا حملة هجومية منظمة ضدنا، وبدؤوا يرددون سيمفونية واحدة مفادها أن “حزب التحرير مدعوم من الخارج”، “حزب التحرير يقاد من الخارج”، “حزب التحرير يثير الفتن”. إننا نرى بشكل واضح جلي، عبر شاشات التلفاز ووسائل الإعلام، جزع وخوف الغرب الكافر وأميركا ليس فقط من قيام دولة الخلافة بل باتت تقلقهم وتراودهم الكوابيس لمجرد ذكرها. ذلك أن دولة الإسلام استمرت قرابة 1400 عاماً، وكان المسلمون وغير المسلمين يعيشون بطمأنينة في كنفها طوال تلك الفترة، فرضوا واطمأنوا بها بعد أن لمسوا عدلها ونعيمها. وبعد أن هدمت الخلافة تفرق المسلمون إلى بضع وخمسين دويلة بعد أن كانوا كالجسد الواحد يستظلون بظل دولة واحدة، دولة الخلافة. وبعد أن كانوا يحملون حضارة متميزة تنشر الهدى والنور في أرجاء الدنيا، انقلبوا بهدم خلافتهم على أعقابهم، وخسروا الدنيا وذلوا وهانوا. إننا نهدف إلى توحيد هذه الأمة التي قطعت أوصالها إلى بضع وخمسين دويلة في دولة واحدة كما كانت. فكيف يغالط هؤلاء أنفسهم ويدَّعون أننا “دعاة فرقة وهدم وفتنة”؟!

وعلى صعيد آخر، أولا يرى أولئك السياسيون المغشي على أعينهم دولة الخلافة قد هدمت على يد الإنجليز. نعم إن هؤلاء السياسيين بالرغم من أنهم يعلمون ذلك يقيناً إلا أنهم يغالطون أنفسهم ليضللوا الرأي العام من خلال حملاتهم المضللة التي لا يقبلها عقل من أن إنجلترا أو أميركا تريدان إقامة الخلافة من جديد. بل إن الذي نراه أن أميركا تهدف من خلال مشروعها “مشروع الشرق الأوسط الكبير” عرقلة ومنع قيام دولة الخلافة في منطقة الشرق الأوسط والشمال الأفريقي، فهي تبغي من خلال مشروعها إعادة رسم الحدود بين الدويلات القائمة في العالم الإسلامي بصورة تزيد من تحجيمها وتفريقها وتقسيمها. إننا نعلم أن بوش وبلير وغيرهم من رؤساء الدول الاستعمارية الكافرة وصلت بهم الحال إلى عدم مقدرتهم على كتمان خوفهم وجزعهم، فباتوا يرددون مصطلح الخلافة، فهم يعلمون أن حزب التحرير هو الحزب الجاد الذي يعمل بجد واجتهاد لإقامة دولة الخلافة. فمشروع دولة الخلافة العالمية، هو مشروع حزب التحرير.

5 – جاردا: ما هي نظرتكم للسياسة؟ وما هي نظرتكم للحزب السياسي؟

– شِيلِك: إن عملنا هو عمل سياسي ولدينا مشروعنا الخاص ألا وهو إقامة الخلافة من جديد، وبهذا الخصوص كان أمير حزب التحرير الشيخ العالم عطاء بن خليل أبو الرشتة -حفظه الله- قد قال خلال الكلمة التي وجهها للأمة الإسلامية قاطبة بمناسبة الذكرى 85 لهدم الخلافة: “…نعم الخلافةُ هي البضاعةُ والصناعة، هي التي تقضي على دولة يهود وتعيد فلسطين كاملة إلى ديار الإسلام، هي التي تقضي على سلطان الهندوس في كشمير، وحكم الروس في الشيشان وكل القفقاس وتتارستان، هي التي تعيد القرم إلى أصلها، وكلَّ بلاد الإسلام إلى أصلها وفصلها. هي التي تحرر البلاد والعباد من نفوذ الكفر وعملائه، وبطش زبانيته وأزلامه. هي التي تمنع تمزُّق العراق والسودان، وتعيد اللحمة إلى الصومال، وتزيل الحدود والسدود التي رسمها الكفار المستعمرون من أطراف المحيط الهادي حيث إندونيسيا وماليزيا إلى شواطئ الأطلسي حيث المغرب والأندلس. إنها التي تنشر العدل والخير، وتُعز الإسلام والمسلمين، وتقطع دابر الظلم والشر، وتُذل الكفر والكافرين.” فهذا هو عينه عملنا وهذا هو مشروعنا، إنه المشروع الكفيل بتخليص الإنسانية مما هي فيه، إنه مشروع دولة الخلافة الكفيل بإنقاذ الدنيا والإنسانية من الهيمنة الاستعمارية الوحشية الإمبريالية.

أما نظرتنا للسياسة؛ فهي رعاية شؤون الأمة داخلياً وخارجياً على أساس الأحكام الإسلامية فقط، اليوم عندما يتم ذكر كلمة “سياسة” في تركيا، أول ما يتبادر إلى الأذهان أنها أمر يتوجب على المسلمين الابتعاد عنه. فقد غرسوا في عقول الناس مفاهيم مغلوطة خطرة، فقالوا مغالطين ومضللين “إن الدين مقدس ومنـزه عن كل شيء، فلا يتوجب خلطه بالسياسة التي يملؤها النفاق والدجل”، وقالوا مغالطين ومضللين “الديمقراطية من الإسلام”… ولضمان استمرار أضاليلهم وضعوا مادة في الدستور تنص على منع قيام أي حزب على أساس الإسلام أو أي حزب يدعو إلى إعادة إحياء وإقامة الخلافة في تركيا من جديد.

إن الأحزاب الموجودة في الوسط السياسي الحالي قامت بتسميم مقومات الأمة ووعيها السياسي. إن كافة هذه الأحزاب فشلت في تحقيق النهضة وإعادة عزة أمتنا الإسلامية من جديد من خلال حملها والدعوة إلى الأفكار الغربية الدخيلة علينا. وفشل هذه الأحزاب كان أمراً طبيعياً؛ ذلك لأنها وإن كانت تدعي أنها إسلامية إلا أنها أبعد ما تكون عن الفهم الصحيح للإسلام. أما الأحزاب التي تقوم على معاداة الإسلام، فبالرغم من كافة المستجدات إلا أنها حتى الآن لم تتخلص من وجهة نظرها العدائية هذه.

إن وجود هذه الأحزاب وفشلها وإصرارها على المضي قدماً في أخطائها كان إضافة مشكلة جديدة على مشاكل الأمة الإسلامية عامة وعلى مشاكل تركيا خاصة. ولهذا فإن هذه الأحزاب وإن كانت تزعم أنها أحزاب إلى أننا نرى أن واقعها لا يعدو عن أنها أحزاب اسماً لا فعلاً. وهذا عينه واقع الوسط السياسي الموجود.

إن فهمنا ونظرتنا للحزب، وما نقصده بالحزب السياسي الإسلامي هو الحزب المبدئي الذي يقوم على الإسلام. والآن عندما ننظر إلى الأحزاب الديمقراطية والقومية الموجودة اليوم نرى أنها قطعاً ليست بالأحزاب المبدئية، تقوم بأعمالها وفقاً لأجندة الغرب المتمثل بإنجلترا وأميركا اللتين تتدخلان بالوسط السياسي وتوجهانه، وهذا هو واقع الأحزاب الشكلية التي لا تحمل من الحزب إلا الاسم، والتي لا تقوم على أية أفكار أو معالجات ذاتية، بل تقوم تماماً على الأفكار والقوانين الغربية الدخيلة التي ينفذونها على المجتمع. وسياسةٌ هذه واقعها قطعاً لن تنجح وتثمر في المجتمع، ذلك أن النظام الدخيل المطبق هو نظام مناقض لفطرة وقناعات الناس، إن النظام الموافق لفطرة الناس وقناعاتهم هو نظام الخلافة الإسلامي وحده.

6 – جاردا: لقد بقيتم في السجن لمدة، فما الذي عايشتموه داخل السجن؟ ما الذي واجهتموه؟ كيف كانت ردود فعل السجناء الآخرين وإدارة السجن تجاهكم؟

– شِيلِك: في الحقيقة لقد عشنا مواقف رائعة أثناء وجودنا داخل السجن، أي أثناء استراحتنا، لقد رأينا كيف أن الناس يحبوننا حباً جماً وينظرون إلينا بأعين الحب والمودة، ليس فقط إدارة السجن، بل حتى العديد من الأشخاص من الوسط الحقوقي أيضاً كانوا يتعاملون معنا باحترام وتقدير. لقد تحدثنا إليهم وبيَّنا لهم أفكارنا وعرَّفناهم بحزبنا ومنهجنا عن قرب. وهناك من كان لا يقيم الصلاة، إلا أنهم بحمد الله بعد أن التقوا بنا وتداولنا أطراف الحديث بدؤوا يقيمون الصلاة بانتظام، وآخرون قمنا بتعليمهم القرآن. أما إدارة السجن فأيضاً كانوا ممتنين منا. ولقد لاحظنا أن حراس السجن يحترموننا ويقدروننا تقديراً خاصاً. إن الناس الذين يعرفوننا عن قرب قد تضاعف تأثرهم بنا بعد فعاليات قراءة النداء، وهذا هو الأمر الطبيعي؛ ذلك أن شرطة الدولة وجيش الدولة وشعب الدولة هم جزء لا يتجزأ من أمة الإسلام، وهم يكنون في قلوبهم حباً جماً للإسلام. لقد رأينا أنه لو كان حكام الدولة يخافون الله ولو كانوا يطيعون الله ورسوله حق إطاعة فينفذون أحكام الإسلام لكانت كافة هذه المشاكل قد عولجت تلقائياً بتطبيق شرع الله.

7 – جاردا: خلال لقاء أجرته وسائل الإعلام مع وزير الخارجية عبد الله غُل صرح قائلاً بأنه “لا يوجد في السجون التركية أي سجين رأي”، وأنتم قلتم أن الأفعال التي قمتم بها لا تصنف على أنها أفعال إرهابية. فكيف كان انعكاس ذلك في المحكمة؟

– شِيلِك: كما ذكرت آنفاً فإن القرار المتعلق بنا تحول إلى قرار سياسي. هم يقولون وفق تقارير وزارة الداخلية أن حزب التحرير ليس بالتنظيم الإرهابي وهو حتى الآن لم يقم بأية أعمال مسلحة، وعلى الصعيد الآخر نرى أنهم في المحاكم يساوون بينه وبين التنظيمات المسلحة الأخرى، أليس هذا تناقض صارخ؟! في جميع الأحوال، لقد تم، وفي الجلسة الثانية، للمحكمة إبطال هذا الادعاء العام وإسقاطه من القضية، وتم نقل ملف القضية من محكمة الجنايات (الجزاء) الكبرى إلى المحكمة الابتدائية.

وفي الوقت ذاته، نعم ونحن في السجن قام وزير داخلية عبد الله غل بالإدلاء بتصريح صحفي آخر جاء فيه: “إذا كان لا يوجد خلف الفكر أي نوع من أنواع الجبر أو الشدة أو العنف فيمكن طرح تلك الأفكار وتداولها بكل راحة”… وصرح رئيس الوزراء رجب أردوغان قائلاً “إنني أتخيل بلداً كافة الأفكار تطرح فيه وتتداول بحرية تامة”، إلا أنهم يصفون أفكار حزبنا السياسي الذي لا يستخدم أي نوع من أنواع الشدة أو الجبر بالفكر الإرهابي ويقومون بإرسال أعضاء حزبنا إلى السجون لأنهم يصرحون ببيانات صحفية، ولأنهم يرون أن خلاص الأمة الإسلامية لن يكون إلا بإعادة إقامة الخلافة، ولأنهم يقولون: ربنـا الله.

8 – جاردا: كيف تنظرون إلى مدى فهم المجتمع -المحاط بأفكار مغلوطة من كل جانب- للدين؟

– شِيلِك: نعم، إن الصليبيين أدركوا جيداً أنهم أبداً لن يتمكنوا من الانتصار على المسلمين في ساحات الجهاد، لذا قاموا بدراسة الطرق التي من شأنها القضاء على دولة الإسلام. وتمكنوا من ذلك من خلال الحملات الفكرية التي نظموها. وبعد ذلك، حتى لا تقوم دولة الإسلام من جديد، وليحولوا دون توجه المسلمين لإقامتها، قاموا بحشو عقول المسلمين بالأفكار غير الإسلامية، وملأوا عقول أبناء المسلمين بأفكار الكفر والأغاليط والأضاليل. وفي الوقت ذاته لم تخرج الدول الكافرة المستعمرة من ديار الإسلام إلا بعد أن نصبت على رؤوس المسلمين حكاماً عملاء لها. فإن نحن قلنا إن الأفكار غير الإسلامية وحدها هي التي تسببت بإفساد المسلمين لن يكون وصفنا دقيقاً، ذلك أن الغرب الكافر جعل من الحكام العملاء له، أشخاصاً بُهر المسلمون بهم مما سرَّع عملية التلويث الفكري.

في مثل هذا الواقع، يتوجب تزويد وتحصين أمة الإسلام بالأفكار والمفاهيم الإسلامية، أي ما يريده الله ورسوله منا وما يطلبه الإسلام منا. ويتوجب كشف حقيقة المفاهيم المغلوطة التي حشيت أذهان المسلمين بها من مثل أن الديمقراطية من الإسلام.

ولهذا فإننا في حزب التحرير، نقوم بالكفاح السياسي والصراع الفكري لتصحيح أفكار ومفاهيم المجتمع. فمما يتعلق بالصراع الفكري نقوم بتفهيم المجتمع حقيقة الأفكار غير الإسلامية كالعلمانية والديمقراطية، ومما يتعلق بالكفاح السياسي نقوم بكشف حقيقة الكفار وعملائهم في بلاد المسلمين، وكشف أهدافهم ومخططاتهم التي يحيكونها ضد الأمة. فبالرغم من أن المسلمين يفوق تعدادهم اليوم المليار ونصف المليار وبالرغم من أنهم يمتلكون حوالى 75% من ثروات العالم إلا أنهم مُستَعمَرون من قبل الكفار، وطريق الخلاص من ذلك هو أخذ زمام الأمور من خلال فهم الإسلام فهماً صحيحاً والسير في طريق النهضة السامي، والدخول في كفاح سياسي وصراع فكري في سبيل ذلك يؤدي إلى إقامة دولة الخلافة من جديد.

9 – جاردا: إن رؤوس العلمانية يرددون أن نظام حكم وضع قبل 1400 عاماً وطراز الحياة الإسلامية لا يمكنهم تنظيم الحياة في القرن الواحد والعشرين. فما سبب ادعاءاتهم تلك؟ وهل المجتمع في تركيا جاهز لتقبل الخلافة من جديد؟

– شِيلِك: مما لا شك فيه أن الناس في تركيا مستعدون لتقبل الخلافة من جديد بل والالتفاف حولها ومساندتها حال قيامها. ذلك أن الإسلام تجذر في قلوب الأمة وما زالت حرارته فيها، فطوال الـ 1300 عاماً من العزة والشموخ تشرف المسلمون الأتراك بحمل لواء الإسلام وعزته وكانوا على مدى 400 عاماً مركزاً للخلافة، وحملوا هدى الإسلام لأوروبا التي كانت تتخبط في عصور الظلام، فكان المسلمون الأتراك قلعة للإسلام يحملون وينشرون سيادة الإسلام حول العالم، ومن أرحامهم خرج الرجال الأشداء القادة الخلفاء الفاتحون الذين أذاقوا الكفار وبال أمرهم.

إننا نتحدث عن مجتمع هذا هو ماضيه، إننا نتحدث عن شعب مسلم له تاريخ عريق وصولات وجولات لا عن مجتمع مركب من 72 رقعة كالولايات المتحدة الأميركية!! إننا نتحدث عن مجتمع اتخذ من الإسلام مرجعية له.

الأمة الإسلامية: أتراك وأكراد وعرب ولاز وشركس… كانت متحدة كالجسد الواحد في حصن الإسلام المنيع، فنحن نعلم يقيناً أن المسلمين بجميع قومياتهم يحبون الإسلام وعودة الإسلام والخلافة ومستعدون للتضحية في سبيل الإسلام، والمسلمون في مجتمعنا هم جزء لا يتجزأ من أمة الإسلام.

10 – جاردا: كيف تنظرون إلى واقع الاتحاد الأوروبي ومكانة تركيا في مشروع الشرق الأوسط الكبير فيما يتعلق بمستقبل الأمة؟

– شِيلِك: إن المسلمين اليوم يعيشون في تأخر نتيجة لفقدانهم وجهة نظرهم السياسية ونتيجة لنظرتهم للأحداث والوقائع من قبل وجهات نظر خاطئة. على المسلم أن يدرك جيداً ما جاء في كتاب الله عز وجل: ] وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى [ [البقرة 120]. وعلى المسلم أن يدرك أن الكفار أبداً لن يقبلوا بأي شيء من شأنه أن يصب في مصلحة الإسلام، فالكفار يهدفون دائماً إلى الإبقاء على الأمة الإسلامية متأخرة ليتمكنوا من الهيمنة والسيطرة عليها، ويهدفون إلى عدم تمكين المسلمين من أخذ زمام أنفسهم والتأثير في الساحة الدولية.

منذ أن بزغ فجر الإسلام وحتى يومنا هذا لم يأت خير على الأمة الإسلامية من قبل الكفار المستعمرين الغربيين… وما المشروع الأوروبي “مشروع العضوية في الاتحاد الأوروبي”، والمشروع الأميركي “مشروع الشرق الأوسط الكبير” بخلاف ذلك، أي أنهما مشروعان لن تجني منهم الأمة الإسلامية سوى الشرور. وفي تركيا الناس يكرهون أميركا ويسعون لإنقاذ أنفسهم من براثنها، وهم واعون على خطر مشروع “الشرق الأوسط الكبير”.

إن محبي الاتحاد الأوروبي يضخمون حقائق الأمور من مثل أنه في حال نيل العضوية في الاتحاد الأوروبي فسيعم الرخاء وسيزدهر الاقتصاد وسَيُتمكن من العمل في أوروبا بيسر وسهولة… إلا أن الحقيقة تقول إن الكفار المستعمرين لن يقبلوا بعضوية تركيا في الاتحاد الأوروبي من طوع أنفسهم، بل سيبقونها تستجديهم من على أبوابهم، لتكون سوقاً لمنتجاتهم بعد أن يفتحوا الأسواق فيما بينهم؛ فيقوى اقتصادهم ويزداد اقتصاد تركيا ضعفاً. وعلى الصعيد الآخر والأهم فإن الاتحاد الأوروبي هو بنيان أقامه الكفار المستعمرون يحرم العضوية فيه وفقاً للشرع الحنيف. إننا نرى أن قادة الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي يتزودون بالقوة الاقتصادية مما ينهبونه من البلاد التي يستعمرونها في الشرق الأوسط. أضف إلى ذلك أن من الشروط التي يضعها الاتحاد الأوروبي على تركيا؛ تحجيم الجيش التركي وإضعافه، وإعطاء حقوق للقوميات مما قد يؤدي إلى تقويتها ومطالبتها بالانفصال عن تركيا، وتقييد الاقتصاد التركي بشروط تجعله خاضعاً لهيمنة الاتحاد الأوروبي وسيطرته…. لذا فالأصل بالمسلمين بدل أن ينشغلوا في المطالبة بالعضوية في الاتحاد الأوروبي، وبدل أن يكونوا أداة بيد أميركا في مشروعها للشرق الأوسط، وبدل الاستمرار في المنظمات الدولية والإقليمية كمنظمة المؤتمر الإسلامي والجامعة الإسلامية التي لم تؤسس إلا لإبعاد الخلافة عن أذهان المسلمين، عليهم تكثيف العمل وبذل الجهود من أجل إقامة دولة الخلافة.

إن حقيقة الأسس التي يقوم عليها المشروع الأميركي “الشرق الأوسط الكبير” تتمثل في بسط الاستعمار ونفوذه على ثروات بلاد المسلمين الممتدة من وسط آسيا إلى أفريقيا، والعمل على الحيلولة دون إقامة الخلافة من جديد، وتشكيل الجوانب السياسية والاقتصادية والثقافية في هذه المناطق على الصورة التي يشاءونها، وفي الوقت ذاته فإن أميركا أبرزت هذا المشروع محاولة الإجهاز وطرد ما تبقى من نفوذ إنجلترا في المنطقة، وللإجهاز على محاولة فرنسا والاتحاد الأوروبي في إدخال نفوذهم إلى المنطقة شيئاً فشيئاً. لذا فإننا في حزب التحرير نطرح مشروعاً يضاهي مشروعي الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، إنه مشروع دولة الخلافة الراشدة العالمية التي ستعم الأرض، وحزب التحرير منذ 53 عاماً يعمل بإذن الله وعونه لإقامتها.

11 – جاردا: هل ترون أن الأمة قادرة على مساندتكم لتحقيق مثل هذا المشروع الكبير؟ ما الذي تقوله في هذا الخصوص؟

– شِيلِك: دعني أبين لك بعض الأمثلة والأرقام، لترى وليرى القراء قدرة الأمة وإلى أي مدى قد وصلت.

أولاً: لا بد من أن أوضح أن المسلمين الآن يتطلعون لإعادة الإسلام إلى مكانته الطبيعية ليكون وجهة نظرهم في الحياة، إن وجهة نظر الإسلام للحياة هي رسالة المسلمين أنفسهم. إن مصدر قوة الأمة الإسلامية الفكرية تكمن بالإسلام.

ثانياً: إن الأمة الإسلامية اليوم قد أدركت، والحمد لله وحده، -بعد الجهد المضني الذي بذله الحزب- أهمية أن تكون أمة واحدة وأنها في حال لم تقم دولة الخلافة الكفيلة بإعادة توحيد بضع وخمسين دويلة فلن تنال حق الحياة ولا الأمن ولا الكرامة ولا المكانة بين الأمم. ومجدداً فإننا نرى الأمة الإسلامية اليوم تتطلع إلى يوم النصر، إلى يوم إقامة الخلافة التي ستعيد للأمة مكانتها الطبيعية بين الأمم “خير أمة أخرجت للناس”. إن الأمة الإسلامية اليوم مستعدة لبذل الغالي والنفيس في سبيل الخلافة، ونحن نرى إخواننا المسلمين يبذلون الغالي والنفيس في سبيل عز الإسلام في فلسطين وأفغانستان والعراق وكشمير والشيشان وأوزبكستان…

ثالثاً: لا بد من معرفة أن الأمة استيقظت من غفلتها وباتت نتيجة لذلك تعلم علماً يقيناً أن كافة المصائب والبلايا التي تحل بها هي من صنيع استعمار واحتلال وثقافة الكفار المستعمرين الصليبيين وأعوانهم من العملاء المحليين الإمعات. وباتت تعلم أن أعداءها الحقيقيين هم الكفار المستعمرون من مثل إنجلترا والولايات المتحدة وروسيا. أضف إلى ذلك، أن الأمة اليوم باتت قادرة على الدخول في حروب ضروسة مع أعدائها دون وجل أو خوف، فقد باتت متمكنة من أفكارها وعقائدها ومقدرتها السياسية، وعندما تقام الخلافة فستصبح الأمة قادرة على خوض الحروب العسكرية الضروسة مع الكفار.

رابعاً: إن الأمة الإسلامية اليوم تمتلك طاقة ديناميكية من حيث التعداد السكاني، فالأمة تمتلك طاقة هائلة تتمثل في العدد الضخم من الشباب الذين في مقتبل العمر والذين يتمركزون في موقع جغرافي هام من العالم. إن هذه الطاقة الشبابية تنعكس انعكاساً مباشراً على القوى العقلية والقوى العسكرية والقوى العاملة. إن تعداد المسلمين في العالم وفق الإحصائيات الرسمية يبلغ 1,508,280.000 مسلماً، والأمة الإسلامية هي كيان حيوي دائم الحركة والعطاء من حيث العِلم والإنتاج والصناعة والزراعة والقوة العسكرية. إن المسلمين الآن موزعون في 122 دولة، من بينها 56 دولة كرتونية ممزقة تفصل بينها حدود اصطناعية قائمة على أراضي الأمة الإسلامية. ودعني أذكر تعداد المسلمين في عدد من الدول على سبيل الذكر لا الحصر؛ إندونيسيا: 242 مليون، باكستان: 163 مليون، بنغلاديش: 144,500 مليون، تركيا: 70 مليون، مصر: 77,500 مليون، نيجيريا: 65 مليون، الهند: 151 مليون، إيران 68 مليون.

خامساً: إن الأمة الإسلامية قادرة على النهوض الاقتصادي والمادي بصورة سريعة جداً وذلك من خلال الثروات التي تمتلكها، أضف إلى ذلك أن شريان الدول الكافرة سيكون تحت قبضة المسلمين، مما سيمكننا من فرض شروطنا عليهم ومحاسبتهم على ما اقترفوه من احتلال واستعمار لأراضينا، وإن شاء الله سننهي تدخلاتهم في شؤوننا الداخلية. فإن سأل سائل وما هو ذلك الشريان؟ أقول؛ إن 2/3 النفط والغاز الطبيعي الذي يقوم الغرب عليه هو من نتاج أراضي المسلمين التي يحتلها وينهبها الكفار، أضف إلى ذلك المعادن والنفائس التي تمتلكها الأمة الإسلامية من مثل البورون والذهب والألماس والفحم وغير ذلك من المعادن، والأمة الإسلامية تمتلك الزراعة والمواشي والمنتجات البحرية، وهناك العديد من القدرات المذهلة الأخرى التي يمكن ذكرها والتي ستكون كلها تحت تصرف دولة الخلافة -التي ستقوم قريباً بإذن الله ونصرته- في الحرب والسلم والمقاطعة، مما سيجعلها دولة قيادية مستقلة.

وختاماً، أود أن أضيف بهذا الخصوص، أن الأمة تمتلك الموانئ والبحار والجبال والسهول والممرات المائية الاستراتيجية، وكل ما تحتاجه دولة الخلافة من موارد لإقامة جيش عظيم. ويجدر الإشارة إلى أنه وبالرغم من تقييد جيوش الأمة في ثكناتها إلا أن الخير لا يخلو منها، فاليوم هم في حالة انتظار، وغداً بعون الله سيكونون جزءاً من جيش الخلافة.

12 – جاردا: هل ترون أن الولايات المتحدة الأميركية ستترك الأمة الإسلامية وشأنها، وهي ترى الحياة تدب فيها من جديد وتعمل بجد لإقامة الخلافة التي ستمتلك تلك المقومات؟

– شِيلِك: إن أميركا اليوم لا تستطيع الخروج من انغماسها في المستنقع العراقي والأفغاني، فقد مُرغ وجهها في التراب وانكسرت هيبتها وبان عوارها من قبل المسلمين المجاهدين هناك، وهذا ما يشهده الآن المسلمون وكافة الشعوب المظلومة، وبإذن الله فإن جيوشها المنتشرة في مناطق أخرى من العالم ستنال المصير نفسه. هذا هو حال أميركا وهي تواجه أفراداً وجماعات من المسلمين، فكيف سيكون حالها عندما تقف لمواجهة دولة الخلافة المبدئية المجهزة بكامل العتاد العقائدي والفكري والسياسي والعسكري.. قطعاً فإنها ستتقهقر وتخرج ذليلة صاغرة من ديارنا، حتى وإن حاولت استغلال إثارة الفتن الطائفية والمذهبية بين المسلمين فستخرج صاغرة وسيرد كيدها إلى نحرها.

إن أميركا التي امتطت دعوى حقوق الإنسان لتحقيق منافعها ومصالحها، بان عوار وجهها الحقيقي أمام الإنسانية من خلال جرائمها التي ارتكبتها في العراق وأفغانستان وغوانتنامو وأبو غريب، لقد بدأت أميركا تأكل قيمها ومفاهيمها وأصنامها التي تبجحت بها طوال عقود من الزمن، وخلال احتلالها لأفغانستان والعراق بات ظاهراً للعيان أن أميركا تستخدم الأمم المتحدة كأداة لاستعمار العالم، وبات ماثلاً للعيان أن أميركا باتت تأكل النظام العالمي الذي أوجدته بنفسها بعد الحرب العالمية الثانية، مما يعطي مؤشراً قوياً إلى أن أميركا في طريقها إلى الزوال..

أما بالنسبة لعملاء أميركا من الحكام المحليين الذين اشترتهم لامتطائهم، والمفكرين المزعومين الملوثين بالفكر الغربي والقيم والمصطلحات الغربية من مثل الديمقراطية والحرية، فقد أفلست وبان عوارها للناس، وبات القاصي والداني يعلم أنها مجرد سراب خادع، لم تجنِ الإنسانية منها ولا العالم سوى الخراب والدمار.

لقد رأينا تطبيق الديمقراطية عملياً عندما احتلوا القارة الأفريقية لنهب ثرواتها، وكيف قاموا بقتل الشعوب الأفريقية… وقد رأيناها عندما نهبوا وما زالوا ينهبون النفط من خلال دعمهم للأنظمة الدكتاتورية القائمة في الشرق الأوسط… وقد رأينا تطبيق الديمقراطية المزعومة عملياً في الجزائر عندما نال الإسلاميون الفوز الساحق من خلال الانتخابات الديمقراطية وقد رأيناها كيف تطبقها عملياً في العراق حيث باتت تخرج صيحات الثكالى من كل منـزل عراقي… وقد رأينا تطبيقها عملياً في فلسطين من خلال قتل الأطفال الذين لم ترَ أعينهم الدنيا بضعة أيام برصاص القوم الملعونين يهود… ولقد رأينا تطبيق الديمقراطية عملياً في كافة المجازر والمجاعات والخصخصة والاستعمار في أرجاء العالم، وفي بلادنا رأيناها في أعين أطفالنا الذين يمنعون من التحصيل الأكاديمي، وفي عيون مرضانا الذي لا يجدون من يطببهم، وفي منازل الآباء الذين لا يتمكنون من العودة إلى منازلهم مساءً، وفي عيون الأمهات الذين لا يجدن الحليب ليرضعن صغارهن، وفي أعين الرجال الذين يسرق منهم راتب تقاعدهم وسط الزحام في وضح النهار، وفي أعين المظلومين الذي يقتلون دفاعاً عن أموالهم، وفي أعين الذين وضعوا أموالهم في البنوك لشراء منـزل يأوون إليه فسرقوهم… إننا نرى بصمات العلمانية والديمقراطية وحقوق الإنسان في كل ما ذكرته آنفاً وفيما لم أذكره. فكما بدأت هذه المفاهيم والفلسفات تتساقط وتهوي فستتساقط قوة أميركا العسكرية وتهوي… وذلك كله مؤشرات خير تبشر بقرب بزوغ فجر جديد ألا وهو بزوغ فجر الخلافة الراشدة…

13- جاردا: كيف تقومون بالدعوة إلى وجهة نظركم هذه، وكيف تتمكنون من إيصالها إلى الناس؟

– شِيلِك: إننا نبذل جهدنا لإيصال أفكارنا إلى الناس من خلال المؤتمرات والبيانات الصحفية والمواقع الإنترنتية، ومن خلال الاتصالات الحية، ومن خلال زيارة النقابات والجمعيات والصحفيين والإعلام. طبعاً إن النظام لا يعطينا مساحة نستطيع التحرك من خلالها للدعوة إلى أفكارنا وطريقتنا، ولن يعطينا مساحة كتلك. إلا أننا سنستمر بطرح وإيصال أفكارنا إلى كافة الأوساط دون أن تلين لنا قناة، ذلك أننا نعمل من أجل تحقيق غاية محددة تتمثل باستئناف الحياة الإسلامية عن طريق إقامة دولة الخلافة مستندين ومطمئنين إلى نصر الله لنا حيث قال عز وجل: ( وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ ءَامَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ) [النور 55]، ومستبشرين بقول الرسول (ﷺ): «… ثم تكون خلافة على منهاج النبوة»، أضف إلى ذلك إجماع الصحابة -رضوان الله عليهم- وأقوال علماء الأمة المعتبرين المتعلقة بوجوب وجود الخلافة وعظم ذلك.

وختاماً أقول: إن من أعظم الفروض التي فرضها الله على المسلمين هو تنصيب خليفة عليهم وإقامة الخلافة، لذا ففرض على المسلمين المكافحة من أجل إقامة الخلافة التي بها عزتهم وشرفهم متوكلين على الله، سالكين دربه، غير آبهين بمكر الماكرين، فإن نحن صدقنا الله فسيصدقنا وسيرد مكر الماكرين إلى نحرهم، وعندها فلن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا. ويحرم على المسلمين القبوع في أماكنهم دون كفاح ونضال خصوصاً بعد أن تبين لهم وعد الله لهم بالتمكين وبشرى رسولهم لهم بالاستخلاف. ولا يوجد أي رخصة شرعية للمسلمين تأذن لهم بالقعود عن العمل الجاد لإقامة هذا الفرض. ويجدر الإشارة إلى أننا في حزب التحرير لا نعمل لإقامة الخلافة لأنفسنا، بل نعمل لإقامتها لإسقاط الفرض عن كاهلنا وكاهل الأمة ولإعزاز الأمة وإعادتها إلى المكانة التي ارتضاها الله لها، ولإخراج العالم بأسره من الظلام الدامس الذي يتخبط به.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *