العدد 333 -

السنة التاسعة والعشرون شوال 1435هـ – آب 2014م

ألــف يــوم فــي الأســر

بسم الله الرحمن الرحيم

ألــف يــوم فــي الأســر

الكاتب: بكر كورتولوش

 كتب الكاتب بكر كورتولوش مقاله هذا وهو في السجن. وهذا المقال نشر من قبل في مجلة «التغيير الجذري» الغرَّاء الصادرة بالتركية (عدد نيسان 2014م). وقد تمت ترجمته عن اللغة التركية.وهو يعبر عن ما يعانيه شباب الدعوة من ظلم لا يعلم به إلا الله تعالى الذي نسأله ولا نسأل سواه أن يثبتنا ويجعلنا أهلاً لنصره في الدنيا والآخرة

 بعد القرار الذي تم إصداره في تاريخ السابع من الشهر الماضي (آذار 2014م) تم إلغاء محاكم الصلاحيات الخاصة، وبعد قيام المحكمة الدستورية بإبداء رأيها على شكل إقامة «لجنة إعادة النظر في انتهاك الحقوق والحريات» تم إطلاق سراح رئيس الأركان التركي السابق إيلكار باشبوغ، وتبع هذا الأمر إطلاق سراح أكثر من 50 شخصاً من المحكوم عليهم بسبب دعوى تنظيم «أرغناكون» القضائية.

التوتر المصاحب لإطلاق السراح:

تم تطبيق عملية إطلاق سراح الأشخاص وكأنها على شكل تهريب لشيء ما من المحكمة، حيث تمت المصادقة على قرار إطلاق لسراحهم من قبل محكمة مناوبة، على الرغم من أن محكمة مناوبة أخرى قد أعطت قراراً بعدم إمكانية إطلاق سراحهم. وعلى سبيل المثال، لم يتم إطلاق سراح الشخص المدعو ألب أرسلان أرسلان مع الأشخاص الآخرين والذي هاجم مبنى المجلس الاستشاري للدولة وذلك بحجة أنه «قام بارتكاب تهمة أخرى»، فقد تم فيما بعد إطلاق سراحه، ومن ثم تم إصدار قرار إلقاء قبض بحقه مرة أخرى. ومع أن المدعو محمد علي شلبي لم يُتمَّ مدة خمس سنوات في السجن، فقد تم الحكم عليه عن طريق مشروع يربط بين حزب التحرير ودعوى إرغناكون القضائية، إلا أنه تم إطلاق سراحه هو الآخر أيضاً بحجة «لجنة إعادة النظر في انتهاك الحقوق والحريات» وتم بناءً على أخذ هذه القرارات بعين الاعتبار، إطلاق سراح المتهمين في دار زيرفا للنشر الذين لم يتم إنهاء محاكماتهم منذ سبع سنوات، ولكن لم يتمَّ التطرق إلى مواضيع إطلاق سراح المحكومين المسجونين بسبب الدعاوى القضائية الإسلامية مثل دعاوى حزب التحرير.

قامت المحكمة الدستورية بالنظر وإعطاء النتيجة حول طلب إيلكار باشبوغ خلال سبعة أشهر، في المقابل فإنه على الرغم من أنه مر على تقديمي لطلب مماثل عشرة أشهر إلا أنني لم أحصل على أية إجابة حتى الآن وما زلت في «السجن». هناك ادعاء مفاده أنه يتم تطبيق القوانين في هذا البلد على أساس المعاملة بالمثل وبشكل عادل، ولكن لا يتم ذلك بالفعل، وكما هو واضح فإنه تتم معاملة البعض فقط «بشكل أكثر عدالة» فيتم اتخاذ القرارات بحقهم بأخذ «الحالة الاجتماعية للمحكوم عليه» بعين الاعتبار.

وتم تخفيض الأدلة في دعوى باليوز القضائية لتصبح على شكل قرص هارد ديسك من الطراز رقم 5، ويتم التحضير لإسقاط الدعوى القضائية بحجة «أنه يمكن أن يكون قد تم التلاعب في محتويات هذا القرص». في حين يتم إطلاق سراح كل الانقلابيين، والمتهمين في دعوى إرغناكون القضائية، والمتهمين في دعوى 28 شباط القضائية، والمخربين الذين قاموا بتدمير وحرق الميادين، والأشخاص الذين ارتكبوا الجرائم وكذلك الذين حرضوهم على ذلك، في الوقت الذي ما زال المحكومون الإسلاميون والذين يعملون من أجل إحياء القيم الإسلامية مقبوضاً عليهم ومودعين في السجون.

آلة ارتكاب التهمة: جواز السفر

ماذا عن دعاوى حزب التحرير القضائية: إنه لم يتم إظهار أي دليل أو سلاح في دعاوى حزب التحرير القضائية حتى الآن، ولم يتم العثور على أية خطة مسلحة مثل الخطط التي أعدها إليكر باشبوغ ومن معه تحت أسماء «قفص» أو «ساري كيز». ولم يتم العثور على أي محتوى يدل على العنف. كل الأدلة و«آلات الجرائم» التي تم العثور عليها في هذا السياق هي عبارة عن مجلات، وكتب، وخرائط جدارية تبين حدود الدولة الإسلامية التي وصلت إليها في الماضي. وبالإضافة إلى جواز سفري الشخصي.

تم عرض موضوع اشتراكي في مؤتمر لحزب التحرير في دولة لبنان مع أكثر من عشرة صحفيين وكتّاب من تركيا، وذلك في شهر تموز من عام 2010م، تم عرض هذا الموضوع من طرف محكمة الصلاحيات الخاصة في ولاية إزمير على أنه «عنصر جريمة». لو كان حزب التحرير محظوراً في لبنان، لما كان قد تم عقد هذا المؤتمر في دولة لبنان بمشاركة المئات من الصحفيين القادمين من كافة أنحاء العالم، وما كان من الممكن عقد الاجتماع في أحد أكثر المناطق المركزية في مدينة بيروت وهو فندق بريستول وسط إجراءات وتدابير أمنية عالية.

كل هذه الأمور هي عبارة عن حجج وأدلة تمت فبركتها بشكل غير منطقي من قبل الدولة أو الدولة الموازية ومحاكم الصلاحيات الخاصة التابعة لها من أجل «إنتاج الأدلة»

الإنتاج المستمر للأدلة:

لا يمكن إعطاء سبب منطقي لطرق إنتاج الأدلة من قبل الدولة عندما يكون الأمر متعلقاً بحزب التحرير. تم وضع أسلحة ورصاصات في منزل المنسق العام لمجلتنا سليمان أوغورلو في عام 2009م، حيث تم إلقاء القبض عليه في المسجد (نعم حقاً في المسجد)، ومع أن السيد سليمان طلب أن يتم البحث عن صاحب الأسلحة التي وجد بأنها تعود إلى وزارة الدفاع، وطلب أن يتم معرفة الجهة المالكة لهذه المعدات التي وجد بأن الأرقام التسلسلية الموجودة عليها تعود إلى وزارة الدفاع، وعلى الرغم من إصراره الكبير إلا أنه تم تجاهل طلباته ولم يتم القيام بتطبيق أية إجراءات في هذا الشأن. (أنظر إلى الحوار في العدد 92 من مجلة التغيير الجذري).

وفي الحالات التي لم يمكن فيها العثور على عناصر إدانة من أجل نسب التهم للأشخاص، تم القيام باتباع أساليب مثل منع الكتب والمجلات وإظهارها فيما بعد على شكل «أدلة» تم «العثور عليها في منازل الأشخاص». هذا وتم في عام 2013م إصدار قرار حول رفع قرار الحظر عن كافة الكتب، ولكن بقي قرار الحظر سارياً على ثلاثة كتب منسوبة إلى عبد الله أوجلان وحوالى عشرة كتب منسوبة لمؤسس حزب التحرير تقي الدين النبهاني. وتم فيما بعد رفع قرار الحظر عن طريق قرار آخر عن هذه الكتب أيضاً. ولم تظل هناك كتب محظورة في تركيا بهذا الشكل. وسمعت في الآونة الأخيرة أنه قد تم حظر الكتب المنسوبة لحزبنا مرة أخرى. ما هي هذه الكتب التي يتم اعتبارها أخطر من كتاب «أيديولوجيا الصراع» لعبد الله أوجلان؟ وذلك على الرغم من أن كتب الحزب هي عبارة عن كتب تحتوي على أحكام العقائد وأصول الفقه والأحكام الاجتماعية والاقتصادية والإدارية الفكرية التي تم تناولها من قبل العلماء المسلمين منذ 1400 سنة وحتى الآن، ولم تحتوِ على أي شيء آخر غير ذلك. بالإضافة إلى وجود نص شرعي لحزب التحرير تم إصداره عن طريق وجهة نظر وأصل فقهي معين، متعلق حول طريقة تحقيق وحدة الأمة الإسلامية، وهي عبارة عن طريقة ذات سند فكري وسياسي بشكل كامل. ولا تحرض على العنف واستخدام الأسلحة بأي شكل من الأشكال.

عندما لم يتم التمكن من ربط حزب التحرير مع العنف والأسلحة، تم محاولة ربطه مع دعوى إرغناكون القضائية، وذلك عن طريق الملازم محمد علي شلبي، ولكن لم ينجحوا في هذا الأمر أيضاً. وأضطروا فيما بعد إلى عزل ملف الحزب عن ملف دعوى إرغناكون القضائية. وتم القيام، من أجل ربط محمد علي شلبي مع حزب التحرير بإنتاج أدلة جديدة مفبركة في مديرية الأمن حيث تم وضع رقم تلفون شاب متزوج من الحزب مع الملازم محمد علي شلبي الذي كان عازباً في تلك الفترة، وتم الكشف عن هذه الحيلة عند سؤال هيئة المحكمة هذا الملازم أسئلة عما ورد في التسجيل الهاتفي مثل كلمة «حماتي» و «ابن حماتي» وهو غير متزوج؟! قد يمكن لهم أن يقوموا بالتحايل ونصب الأفخاخ، ولكن الله يكشف هذه الحيل ويفضحهم للعالم، ويتم إهداء كلمة «سهواً» إلى التراث الأدبي. (وقد اعترف رجال الأمن أن ذلك قد حصل عن طريق السهو).

من رحم الأم إلى السجن:

ما هي مجلة التغيير الجذري بشكل يتم فيه منع 4 إصدارات للمجلة خلال سنة واحدة، وتعدّ المجلات التي يتم ضبطها في المنازل على أنها «أدلة جرائم». ووصل الضغط المطبق على كتّاب مجلتنا إلى حدّ وصل فيه الضغط إلى اعتقال إحدى الكاتبات الحوامل مع زوجها في عام 2010م وتم وضعهما في السجن. وتم نتيجة ذلك حرمان طفل عمره ثلاث سنوات من حنان الأم والأب، ويتم رعايته من طرف جده حالياً بسبب الأسباب القسرية. (أنظر المقال حول جيغدام ألباسان، العدد 67 من مجلة التغيير الجذري)

وبما أنه تم إلغاء محاكم الصلاحيات الخاصة المزودة بأغرب الصلاحيات الحقوقية من أجل إنتاج كافة أنواع الأدلة والقناعات التي من شأنها إدانة الأشخاص؛ لذلك لم يبقَ هناك أيُّ داعٍ من أجل إجراء محاكمة بحقنا. بل يجب لذلك محاكمتنا مرة أخرى أو إطلاق سراحنا، وتقدمت أنا شخصياً لهذا السبب بطلب من أجل النظر في ذلك، إلاّ أنني لم أحصل على أية إجابة في هذا الشأن حتى الآن.

إجتهادات مستندة إلى التكهنات

وهناك أيضاً اجتهاد غريب تم القيام به من قبل المحكمة العليا، لا يمكن أن نراه حتى في الإدارات البدائية التي تدعي أنها دولة حقوق. وعلى الرغم من قيام المديرية العامة للأمن والمحاكم المحلية (متضمناً محكمة أمن الدولة ومحاكم الصلاحيات الخاصة) باعتبار حزب التحرير على أنه حزب غير مسلّح وإصدار قرارات في هذا الشأن. تم عدّ الحزب من طرف النيابة العامة الجمهورية في المحكمة العليا أن «دولة الخلافة التي يريد الحزب تأسيسها سوف تقوم بالهجوم المسلح عن طريق الجهاد على الدول المسيحية من أجل ضم أراضيها إلى أراضي دولة الخلافة» وتم بناءً على ذلك عدّ الحزب على أنه «منظمة إرهابية مسلحة». بناءً على اجتهاد من طرفها. وتم بهذا الشكل الوصول إلى القناعة حول إعلان الحزب الذي لم يحمل أي سلاح في حياته عن طريق القناعات والتكهنات على أنه منظمة «إرهابية» وذلك بسبب تبني الحزب للأهداف والأفكار الإسلامية فقط، فمع أية قواعد حقوقية يمكن لهذا الأمر أن يتلاءم؟ ثانياً: كيف يمكن وصف امرأة كاتبة حامل على أنها إرهابية!؟ كيف يمكن عدّ إمام مسجد متقاعد تم اعتقاله معي في عام 2001م، وتم تعذيبه بالماء والكهرباء لمدة 6 أيام بشكل مستمر على أنه إرهابي؟! ما هي هذه العدالة يا أصحاب العقول؟!

عقوبة التفكير والفكر:

كان يتم محاكمة أعضاء حزب التحرير في محاكم أمن الدولة التي تعد وريثة محاكم الاستقلال (التي أقامها مصطفى كمال وأعدم المعارضين لانقلاباته والعلماء والمدافعين عن الخلافة بناء على أحكامها)، وتم فيما بعد إلغاء هذه المحاكم (محاكم أمن الدولة) ومعها تمت محاكمة أعضاء الحزب في محاكم الصلاحيات الخاصة. وبعد إلغاء العيب المسمى باسم المادة (163) التي كانت تعاقب على الأفكار، تم استبدال هذه المادة ووضع مكانها القانون ذو الرقم (3713) من قانون مكافحة الإرهاب الذي تم بناء عليه منح إمكانية متابعة إلقاء القبض على أعضاء الحزب وعلى الأشخاص أصحاب الوعي الديني. وبعد إلغاء محاكم الصلاحيات الواسعة والصلاحيات الخاصة التي يمنحها هذا القانون، فماذا ينتظرون؟ ولم يجرِ أي تغيير حتى الآن! هل ينتظرون إزالة اليافطة التى وضعت على اسم حزب التحرير، والتي تصفه أنه منظمة إرهابية؟

تقوم الآن المحاكم بمحاكمة 486 شخصاً من حزب التحرير بموجب أدلة غير حقيقية مزيفة، وذلك بسبب نياتهم وأفكارهم، وبحجة انتمائهم إلى «منظمة إرهابية مسلحة». وتمت المصادقة على مجموع 1591 سنة سجن جزائي لهؤلاء الأشخاص، ويتم طلب 994 عقوبة سجن للأشخاص الآخرين بناءً على عمليات المحاكمة التي ما زالت مستمرة. ويمكن تسمية هذا الوضع على أنه «قانون عقوبات العدو». إن طلبنا هو ليس تسليم البلد للأعداء، ولكن بالعكس، نحن نريد أن نقوم بتنظيف عقولنا من الأفكار المعادية التي تحتل أذهاننا والرجوع إلى الخلافة التي هي أصل في حياتنا. إن العقوبات التي يتم إيقاعها علينا بسبب دفاعنا عن هذه الأفكار هي في الحقيقة عبارة عن عقوبات يتم إيقاعها على فكر «الدولة الإسلامية» وفكر «الخلافة».

يتم الآن عن طريق بدء «مرحلة الحلّ» (مع حزب العمال الكردستاني) التي سوف يتم بناء عليها الجلوس مع الأشخاص الذين قتلوا شعبنا على طاولة الحوار، ويتم السماح بنشر رسائل قاداتهم في احتفالات النيروز والتي قرأوها تحت شعار «الحوار أو الحرب»، والسماح لنشر رسائل تهنئة لقادة الجبل عن طريق البث المباشر من جبل قنديل، ويتم معاملة الأشخاص الذين يؤيدون هؤلاء الإرهابيين القتلة الذين يكتبون في الجرائد والمجلات على اعتبار أنهم دعاة الحرية! ولكن ماذا يمكننا القول عن حظر 10 إصدارات من مجلة التغيير الجذري وعن إلقاء القبض على كتّابها؟

حظر مجلة التغيير الجذري وإعتقال كتّابها

تم بين عامي 2008م و2012م منع 10 إصدارات من مجلة التغيير الجذري من أصل 48 عدد صادر في هذه الفترة، وعلى حد علمي فقد تم اعتقال أكثر من 10 أشخاص من كتّابها، وتم إعطاؤهم عقوبات سجن لفترات مختلفة. ولكن وعلى الرغم من كافة أنواع الضغط والحظر، إلا أن مجلتنا ما زالت مستمرة في العمل بدون خوف من أجل الدفاع عن أفكارنا وما زالت تستمر في النشر. قال تعالى: ]فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ [

بعد منع موقع التواصل الاجتماعي تويتر، قام رئيس الجمهورية بالحديث إلى الإعلام الليبرالي مخاطباً كل شرائح المجتمع والذين هم كأنهم قرصوا من طرف عنكبوت قائلاً «هل يمكن الحظر في هذا العصر؟»، «إن هذا حدّ واضح لحرية الصحافة والإعلام»، ولكن قسم آخر منهم قالوا «استحق الموقع ذلك؛ ولذلك تم أغلاقه». في هذه الحالة، هل قامت مجلتنا بأي شيء آخر غير النطق بالحق؟ وهل فعلت شيئاً آخر تستحق عليه الحظر؟ وما هو سبب الحظر والافتراء والضغط؟ ولماذا لا يريد أي شخص أن يرى ذلك ويفكر فيه؟ ولماذا يتفرج الجميع على ذلك ولا يقومون بفعل شيء تجاه ذلك؟

     تم في شهر كانون الثاني الماضي إصدار قرار من قبل محكمة الجزاء الثقيلة الرابعة عشر في إسطنبول حول الحكم على إبراهيم أر وسردار يلماز من كتّاب مجلتنا وعلى سبعة أشخاص آخرين بالسجن مدة سبع سنوات ونصف لكل واحد منهم. وحكمت بالسجن على سعات جوبان بالسجن لمدة 15 عاماً. والحجج هي نفسها: وهي المشاركة في «مؤتمر العلماء» الذي تم عقده في إندونيسيا التي يسمح فيها لحزب التحرير بالعمل بشكل حر وقانوني، والتي دعا إليها نهاد كورتاران، وكذلك حيازة منشورات ممنوعة وجدت في منازلهم.

حزب التحرير من وجهة نظر قانون الحقوق الدولي:

هناك قاعدة حقوقية عالمية وهي: «براءة الذمة هي الأساس». أي أن الشخص بريء حتى تثبت إدانته. وفي حال كان يتم اتهام شخص ما أو مجموعة كبيرة من الأشخاص بتهمة ما، فيجب حينها إثبات هذا الأمر. وخاصة في حالة يتم فيها الاتهام بتهمة كبيرة مثل الإرهاب والعنف، وفي حالة يكون الطرف المخاطب فيها عبارة عن مجموعة إسلامية فيجب حينها التصرف بشكل أكثر دقة. فما هو العمل الذي قام به حزب التحرير والذي يمكن تسميته «إرهاب»؟ وما هي التصرفات التي إذا تركها أعضاء الحزب سوف يتم إزالة تسمية «الإرهاب» عنهم، هل هي التفكير؟ أم الكتابة؟ أم الكلام؟

     يقول الرئيس الفخري للمحكمة العليا وخبير الحقوق الجزائية البروفسور سامي سلجوق في أحد مطالعاته العلمية مايلي: إن حزب التحرير، وبناءً على قانون العقوبات التركي، وبناءً على قانون مكافحة الإرهاب وقانون حقوق الإنسان العالمي الذي وافقت عليه تركيا، لا يمكن أن يدخل الحزب ضمن قائمة المنظمات الإرهابية، ويمكن عده من ضمن التهم الفكرية بناءً على المادة رقم 163 التي تم إلغاؤها. ولكن وكون أنه قد تم إلغاء هذه المادة فلا يمكن أن يتم تقييم نشاطات حزب التحرير ضمن الأفعال التي تستحق المعاقبة. وفي قسم آخر من المطالعة، يقوم بأخذ القسم التالي من تقرير زانار داللي من قانون العقوبات الإيطالية التي استمد منها قانون العقوبات التركية: «ليس لقانون العقوبات علاقة بأهداف، ونوايا، ومقاصد، وأحاسيس ودوافع الأشخاص»

 ألف يوم في الأسر:

لا أريد الكلام بشكل تراجيدي مأساوي، أحاول عرض الواقع فقط. ولكن من يعرف شعور الآباء والأمهات يدرك ما معنى أنه عندما أرى ابنتيَّ اللتين تبلغان من العمر 6 و9 سنوات لمرة واحدة في الشهر وهما تغادران مكان الزيارة في السجن بعد رؤيتي لهما وهما تختفيان بين الزحام وتلوحان لي من بين الناس لآخر مرة ووجههما حزينان… فلا يعرف هذا الأمر ويحس به غير الذين يعيشون في مثل هذه الغربة! من الطبيعي فلا يمكن قياس هذه الأوضاع التي نعانيها بتلك التي يعانيها أجزاء الجسد الذي ننتمي إليه في سوريا وأفريقيا الوسطى وميانمار، ولكن وكما يقال: فإن النار تحرق المكان الذي تسقط فيه.

فمن تقدير الله، أن تكون هدية الدولة التركية لي في يوم ميلادي: أن أكون قد قضيت ألف يوم في الأسر في شهر نيسان من هذا العام، وأكون قد أتممت الثامنة والثلاثين من العمر. حيث قضيت 500 يوم من هذه الفترة في سجن أسكي شهير من النوع الخاص وذلك في الفترة الممتدة بين عامي 2001م و 2003م. و15 يوماً في بورصة في عام 2004م. و195 يوماً في سجن إزمير من النوع (ف) بين عامي 2011م-2012م. وأنا حالياً ومنذ 310 أيام في سجن بورصة من النوع (هـ) منذ عام 2013م وحتى الآن. وبناء على المدة المحددة فإنه سوف يتم إطلاق سراحي في تاريخ 29 كانون الثاني من عام 2019م.

يعيش بعض إخوتنا المحكومين حياة المنفى في السجن. (أي سجنهم في سجون بعيدة عن أهاليهم بمئات وآلاف الكيلومترات حتى لا يتمكن أهاليهم من زياراتهم) وعلى سبيل المثال، هناك شخص محكوم عليه بالسجن لمدة 15 سنة والذي مازال في السجن منذ 4 سنوات وهو من مدينة أديامان (شرق جنوب تركيا) وهو أب لأربعة أطفال، حيث تم نفيه هو وأحد إخوتنا من سجن أديامان إلى سجن كيريك كالا (في غرب تركيا) من النوع (ف) وذلك على الرغم من تقيدهم بالقواعد والأنظمة بشكل تام. ويقول في آخر رسالة قام بإرسالها «لقد رأيت عائلتي في هذه السنة مرة واحدة فقط، وتمكنت من رؤيتهم لساعة واحدة فقط». ويكتب في آخر رسالة عن «ابنه البالغ من العمر ست عشرة سنة الذي اتصل به وأخبره أنه عندما كان يعود من الدورة الدراسية نظر إلى السماء ورأى غيمة وبدأ بالتفكير سائلاً نفسه: هل يا ترى أبي يرى السماء أيضاً؟»… ويقول في الرسالة «بكيت بعد ذلك».

السجون مليئة بشكل كامل:

لقد مرت خمسة أشهر على الوعد الذي قطعته الحكومة على نفسها والذي يتضمن الكلمات التالية «سوف ينزل الذين في الجبال، وسوف يتم إفراغ السجون، وسوف يتم إطلاق سراح كل المساجين الذين لا ذنب لهم»، ولكن تم إطلاق سراح المتهمين في دعوى إرغناكون القضائية ودعوى 28 شباط القضائية والمجرمين المشهورين. بناء على المعلومات التي حصلت عليها والتي ليست حديثة كثيرًا، فإن السجون التي تبلغ سعتها 150 ألف مليئة بـ 145 ألف سجين. و30 ألف من هؤلاء مقبوض عليهم والبقية قد حكموا بعقوبات مختلفة. بصفتي واحد من «الداخل» (داخل السجن) أصف وضع المكان الذي نحن فيه: ينام 14 شخصاً في 6 أزواج من الأسرّة على شكل طابقين ضمن مهجع مضغوط مخصص من أجل 6 أشخاص، حيث ينام شخصان منهم على الأرض. والمكان ضيق لدرجة عندما يريد أن يصلي 8 أشخاص في المكان فلا يبقى مكان للشخص التاسع من أجل الصلاة. ولا تتسع حديقة التنفس التي يبلغ طولها 9 خطوات وعرضها 5 خطوات لأكثر من 4 أشخاص من أجل التجول فيها. ويمكننا رؤية الشمس والسماء في الصيف فقط وذلك من وراء الجدار البالغ ارتفاعه 6.5 متر والمسيّج بالأسلاك الشائكة.

يتم إنشاء السجون بشكل مستمر، وفي الوقت الذي يتم فيه ملء هذه السجون بالأشخاص الذين يتم سوقهم، ويتم ملء الأماكن التي تفرغ بالأشخاص المقبوض عليهم الجدد، يتم إرسال الأشخاص إلى مدن أخرى، ويتم منعهم من رؤية عائلاتهم، ويستمر النظام الديمقراطي- العلماني البشري بالعمل على إنتاج تهم ومتهمين بشكل مستمر. والحلّ هو ليس في إفراغ السجون فقط، بل هو تغيير النظام الذي يقوم بإنتاج التهم، وذلك عن طريق الحكم بقوانين الله تعالى في الأرض.

سر السعادة

أقولها بشكل قطعي وليس تخميناً، يقول الأكثرية من المحكومين من الأشخاص الموجودين في السجون الذين يرتكبون جنحاً عادية يقولون بصراحة بأن السبب في ارتكابهم لتلك الأعمال هي العناصر المحيطة والبيئة التي تدفع إلى ارتكاب مثل ذلك. ونعرف عن طريق التواتر كما يكتب في الصفحة الثالثة من الصحف عن التهم التي يتم ارتكابها بسبب الكحول والمخدرات والعصبية واليأس والانتقام وصعوبات الحياة والعناصر الأخرى مثل الميراث وما شابه ذلك من أمور أخرى.

بناء على قانون الحقوق الإسلامي، يتم قبل المعاقبة القيام أولاً بالحدّ من الطرق التي تؤدي إلى ارتكاب التهم. ويتم تأمين وتأسيس هذا النظام عن طريق الأنظمة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والتعليمية. وتقوم بحماية كل من العقل والروح والمال والعرض وكرامة الإنسان واحترام شخصيته وسلامة الدولة الإسلامية والأمن والأمان. فيتم بهذا الشكل منع دوافع وأسباب تكوين وانتشار أوساط الجريمة ووجود التهم. وفي حال تم ارتكاب الجريمة بعد ذلك، فإنه يتم حينها تطبيق أحكام الشريعة من أجل تطهير الأشخاص المرتكبين للتهم من عذاب الآخرة. ويتمكن ساكنو الأرض والسماء عن طريق هذا النظام الإلهي الشامل والكامل من الوصول إلى السعادة وبركة السموات والأرض.

«ثم تكون خلافة على منهاج النبوة» (مرة ثانية)، وسوف يتم العمل بين الناس بناء على السنة النبوية، وسوف يلقي الإسلام بجرانه في الأرض (يضع ثقله) وسوف يرضى عنها ساكنو السموات والأرض، ولن تبقى في السماء أية قطرة (مطر) إلا وسوف تمطر على الأرض، ولن تبقى في الأرض أية بركات وخيرات إلا وسوف تخرجها. نسأل الله عز وجل أن يمنحنا الحياة لنرى تلك الأيام السعيدة، آمين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *