العدد 409 -

السنة الخامسة والثلاثون، صفر الخير 1442هـ الموافق تشرين الأول 2020م

رياض الجنة: كل أمتي معافى إلا المجاهرين

– عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «كل أمتي معافى إلا المجاهرين، وإن من المجاهرة أن يعمل الرجل بالليل عملاً ثم يصبح وقد ستره الله فيقول: يا فلان! عملت البارحة كذا وكذا، وقد بات يستره ربه، ويصبح يكشف ستر الله عليه» رواه البخاري.

– عن ابن عمر رضي الله عنهم: «اجتنبوا هذه القاذورات التي نهى الله عنها، فمن ألمَّ منها بشيء فليستتر بستر الله وليتب إلى الله، فإنه من يبدِ له صفحة نقم عليه كتاب الله» رواه البيهقي والحاكم وصححه، ووافقه الذهبي. قاله صلى الله عليه وسلم بعد أن رجم ماعزًا رضي الله عنه. والمراد من هذا الحديث: أن من وقع في شيء من الفواحش، فإنه يستتر ويتوب ولا يفضح نفسه ولا يرفع أمره إلى الحاكم؛ لأن الأمر إذا بلغ الحاكم فقد وجب الحد. قال النووي رحمه الله: يكره لمن ابتلي بمعصية أن يخبر بها غيره، يعني ولو شخصاً واحداً، بل يقلع عنها ويندم، ويعزم ألا يعود.

– في هذا الحديث حفظ للمجتمع الإسلامي ولصالح المؤمنين، وصيانة دينهم وعفافهم، فإن الفاحشة إذا سترت فكأنها لم تفعل، وأعطت صورة طيبة عن المجتمع والمسلمين، أما إذا فشا ذكرها فكأنها عمَّت وانتشرت وأعطت صورة سيئة عن المسلمين ومجتمعهم. وفي هذا ما فيه من عظمة هذا الدين ورحمة الله بالمؤمنين.

– وفي هذا الحديث أن من يفعل المعصية ثم يجاهر بها فهو أمام إثمين: إثم فعل المعصية، وإثم الجهر بها. والمسلم عندما يجهر بالمعصية يسمى في الإسلام فاسقًا، ولا غيبة في الإسلام لفاسق، ففي هذه الحالة إن تم الحديث عنه فلا شيء على المتحدث، قال الإمام أحمد رحمه الله: إذا كان الرجل معلناً بفسقه فليس له غيبة. أما إذا فعل المعصية وهو متحرج منها مستخفٍ بها لا يريد أن يطلع عليها أحد، فلا يجوز لأحد من المسلمين أن يهتك ستره ولا أن يكشف معصيته؛ وإلا باء المعلن بإثم الإعلان عنها. قال الفضيل  بن عيّاض رحمه الله: «المؤمن يُستر ويُنصح، والفاجر يُهتك ويُعيَّر». وعليه  قال رسول الله صلى عليه وسلم «من ستر مسلماً ستره الله يوم القيامة، ومن كشف عورة أخيه المسلم كشف الله عورته، حتى يفضحه الله بها في بيته» رواه ابن ماجة وصححه. وعَنْ صَفْوَانَ بْنِ مُحْرِزٍ الْمَازِنِىِّ قَالَ: بَيْنَمَا أَنَا أَمْشِي مَعَ ابْنِ عُمَرَ رضى الله عنهما آخِذٌ بِيَدِهِ إِذْ عَرَضَ رَجُلٌ، فَقَالَ كَيْفَ سَمِعْتَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِى النَّجْوَى فَقَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «إِنَّ اللَّهَ يُدْنِى الْمُؤْمِنَ فَيَضَعُ عَلَيْهِ كَنَفَهُ وَيَسْتُرُهُ فَيَقُولُ: أَتَعْرِفُ ذَنْبَ كَذَا؟ أَتَعْرِفُ ذَنْبَ كَذَا؟ فَيَقُولُ نَعَمْ أي رَبِّ. حَتَّى إِذَا قَرَّرَهُ بِذُنُوبِهِ وَرَأَى في نَفْسِهِ أَنَّهُ هَلَكَ قَالَ: سَتَرْتُهَا عَلَيْكَ في الدُّنْيَا، وَأَنَا أَغْفِرُهَا لَكَ الْيَوْمَ، فَيُعْطَى كِتَابَ حَسَنَاتِهِ وَأَمَّا الْكَافِرُ وَالْمُنَافِقُونَ فَيَقُولُ الأَشْهَادُ (هَٰٓؤُلَآءِ ٱلَّذِينَ كَذَبُواْ عَلَىٰ رَبِّهِمۡۚ أَلَا لَعۡنَةُ ٱللَّهِ عَلَى ٱلظَّٰلِمِينَ ١٨)» رواه البخاري.

– وفي هذا الحديث، أن من يفعل المعصية من غير مجاهرة بها هو من المعافين، وهذ من رحمة الله تعالى بالمسلمين، وعم مجاهرته بها يدل على إيمان بالله فيه منعه من المجاهرة فيها، وأن الله سبحانه يغفر الذنب ويقبل التوبة منه. أما إذا جاهر فإنهه في فإنه يكشف عن ضعف إيمانه واستخفافه بالإعلان وهو عند الله عظيم.

– وفي هذا الحديث إشارة إلى أن إثم الجهر بالمعصية هو أكبر عند الله من فعل المعصية نفسها، لأنها بانتشارها ستعم وتخرج من دائرة الخصوصية إلى فضاء الجهر، وتؤدي إلى إشاعةٍ الفاحشة وترويج لها؛ إذ قد يشجع ذكرها الآخرين على فعل مثله خاصة أنه حين يذكرها يبهر كلامه ويزين إثمه، وقد يفضح أطرافاً أخرى مشاركة معه في الإثم؛ خاصة وأنه عند المجاهرةيكون في وضع بعيد عن الإيمان.

– وفي هذا الحديث تصديق لما جاء في حديث رسول الله: «إن الله حيي سِتِّير يحب الحياء والستر» فيجب على من ابتلي بمعصية أن يستتر، ويجب عدم فضحه من الآخرين، فإذا جاهر فقد هتك الستر الذي ستره به السِتِّير وهو الله عز وجل. والنبي صلى الله عليه وسلم لما جاءه رجلٌ يقول: أصبتُ حداً فأقمه عليَّ -والمعصية حصلت خفيةً- أعرض عنه النبي صلى الله عليه وسلم؛ فإن فيه إرشاداً إلى عدم استحباب طلب إقامة الحد، وأنه قد وقع في شيءٍ تكفيه التوبة فيما بينه وبين الله عز وجل.

– قال أحد السلف: «قد أصبح بنا من نعم الله ما لا نحصيه مع كثرة ما نعصيه، فلا ندري أيهما نشكر!! أجميل ما يُنشَر؟ أم قبيح ما يُستَر؟.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *