العدد 239 -

العدد 239 – السنة الواحدة والعشرون ، ذو الحجة 1427هـ، الموافق كانون الثاني 2007م

تقرير بيكر – هاملتون: تغيير في الخطة لا في الهدف

تقرير بيكر – هاملتون: تغيير في الخطة لا في الهدف

 

تشكلت لجنة بيكر – هاملتون بعدما بلغت خسائر أميركا البشرية والمادية في حربها على العراق أرقاماً قياسية، وشهدت سمعة أميركا في العالم تدنياً مريعاً، وتهددت مصالحها، وتأثر مركزها الدولي، وفوق هذا كله فقد وصلت إلى الحائط المسدود… تشكلت هذه اللجنة بالتساوي من الحزبين الجمهوري الحاكم والديمقراطي المعارض لإنقاذ أميركا وسمعتها والحفاظ على مصالحها ومركزها، واعتبرت لجنة إنقاذ وطنية لتعويم الفشل الأميركي في العراق والمنطقة. وتأكيداً على الفشل الأميركي في العراق قال كل من بيكر وهاملتون في مؤتمر صحفي عقد في 6/12 أنه: «لا يمكن مواصلة النهج ذاته المستمر منذ الغزو لأنه غير مجدٍ» وشدد بيكر على أن «الاستراتيجية الحالية لم تعد قابلة للتنفيذ»، لقد قامت هذه اللجنة بعمل جدي فعلاً، وفي رأسها انتشال أميركا من المأزق الحقيقي الذي أوقعتها فيه إدارة بوش، وأصدرت تقريراً يظهر منه أن لا يختلف في هدفه عما سار عليه بوش وإداراته، وهو وضع الولايات المتحدة يدها على المنطقة، ولكنه يختلف في الخطة التي يجب أن تتبع لتحقيق هذا الهدف، واعتبرت هذه اللجنة أن الوضع قد وصل إلى حال صعبة جداً قد لا يمكن معها النجاح في مسعاها، وذلك حين قالت إن الوضع في العراق أصبح «خطيراً ومتدهوراً… ولا سبيل للنجاح، ولكن يمكن تحسين الفرص».

أما بالنسبة لما طرحته اللجنة من خطة جديدة فإن التقرير أشار إلى ضرورة «شن هجوم ديبلوماسي شامل» تكون أداته الرئيسة «مجموعة دولية» يكون عصبها كل من «السعودية وتركيا والأردن والكويت وسوريا وإيران». واقترحت الاستعانة بهذه الدول لتتحمل عنها عبء التكاليف والمواجهة والعمل معها على منع المقاومة… وتقوم هذه الخطة أيضاً على اتخاذ إجراءات لتحسين الوضع في العراق، وتدعيم المصالحة الوطنية… وتقوم كذلك على إبقاء قوات أميركية قد تصل أعدادها إلى عشرين ألفاً من الجنود للتدريب، وللتدخل السريع، وللتجسس، وللتحقيق في مسائل الإرهاب، ولتأمين الدعم الجوي من قواتها المرابطة في قواعدها العسكرية في دول الخليج، بعد انتقال معظم القوات المنسحبة من العراق إلى تلك القواعد… وتقوم أيضاً على حل قضية فلسطين لأن من شأن هذا الحل أن يفتح الباب أمام الحل لها في العراق… فالموضوع إذاً هو بقاء أميركا في العراق والمنطقة وليس إنهاؤه، وإعادة الانتشار لقواتها لا الانسحاب.

إن هذا التقرير يكشف أن أميركا تريد البقاء في المنطقة بإجماع من الحزبين الجمهوري والديمقراطي. فهي منطقة حيوية لا يمكن تركها بسهولة.. ولكنها تريد البقاء مع أقل قدرٍ ممكن من الخسائر البشرية والمادية. ويبدو واضحاً أنه كان موجوداً في ذهن واضعي التقرير إبعاد أفراد الجيش الأميركي عن القتل؛ لذلك اقترحوا تخفيف الوجود العسكري واقتصار دوره على التخطيط والتوجيه والدعم والمساندة، ومن الطبيعي أنه عندما يقل عديد الجيش الأميركي في العراق، ستقل خسائره المادية… فإذا تأمن هذان الأمران: تقليل الخسائر المادية والبشرية، فإن الحكام في أميركا والسياسيين والمفكرين والشعب الأميركي كله لا يهمهم بعدها شيء، ولا يعنيهم أن يدفع الثمن غيرهم، وتستطيع بعدها أميركا أن تستمر في حربها ضد المسلمين لمدة طويلة من غير مساءلة جدية…

إن ما تقوم به أميركا من محاولة التفاف على فشلها في حربها على العراق عن طريق هذه اللجنة يذكر بحرب أميركا في فيتنام، فإنها لما وصلت إلى مثل هذا المأزق، اضطر نيكسون وإدارته إلى طرح فكرة «فتـنمة» الحرب أي جعل الفيتناميين الجنوبيين يتحملون القسط الأكبر من تكلفة الحرب ضد الفيتناميين الشماليين، واكتفاء أميركا بتقديم الأسلحة والمدربين والمستشارين والدعم الجوي… ولكن هذا كله لم ينفع، فقد تبعت هذه الفكرة الانسحاب الأميركي المذل من فيتنام.

إن ماطرحته هذه اللجنة يدل على أن أميركا بكل أطيافها السياسية والفكرية والعسكرية وحتى الشعبية لا تهتم إلا بمصالحها، وما طرحته من توصيات تبين أنها لا تملك من إنسانية، بل إنها وحش لا يشبع… إن أميركا لا تريد أن تفهم الحق ولا أن تعترف بالحقائق… إنها لم تقدم حتى اعتذاراً لما ارتكبته الإدارة الحالية من أخطاء بحق المسلمين، ولم يستأهل منها أية إدانة… ولماذا الإدانة؟ وهل يدين الأميركي نفسه؟ وهل تستحق دماء المسلمين إدانة؟ هذه هي أميركا، وهذا هو تكوينها الفكري والنفسي ومعها دول الغرب كله.

وفي المقابل، كذلك فإن للمسلمين تكوينهم الفكري والنفسي الذي يأبى عليهم السكوت على ما تفعله أميركا بحقهم… إنهم يعتبرون أنفسهم أمة واحدة من دون الناس، يجير أدناهم أقصاهم، وهم يد على من سواهم… فعندما توجد أميركا في العراق، وتنتهك حرمات المسلمين فيه، فهذا أمر يهم كل المسلمين، وعندما تعلن عن قتل المسلمين بالغارات وبالقصف، ويتباهى الجيش الأميركي أنه قتل العشرات أو المئات، أو اعتقل، أو عذَّب، فإن كل مسلم في الأرض يشعر أنه معنيّ ويتألم لما يحدث… وعندما يريد الجيش الأميركي أن ينسحب من العراق إلى دول الجوار فإنه لا يعتبره انسحاباً وإنما إعادة انتشار… وعندما يذكر التقرير أنه يجب الإبقاء على وجود عسكري أكبر في أفغانستان فإن المسلمين لا يمرون على هذا الكلام وكأنه لا يعنيهم… فهل يبدو بعد هذا أن أميركا تفهم الإسلام وتعرف كيف تتعامل مع المسلمين أم أنها تزيد تورطاً؟… إن تغيير الخطط والوسائل والأساليب عند هذه اللجنة من غير تغيير في الأهداف لن ينفع أميركا، ولن ينقذها من ورطتها, فهي كالقائد العسكري الذي يقوم بهجومه بناءً على خطة ما، فإذا فشلت هذه الخطة عاد وغيرها ليقوم بهجوم آخر.

نعم إن ارتباط قضايا المنطقة الذي تكلمت عنه اللجنة صحيح، وكون قضية فلسطين قضية أساسية لدى المسلمين أمراً صحيحاً، ولكن حل قضية فلسطين لن يؤدي إلى حل سائر قضايا المنطقة؛ وذلك لأن قضية فلسطين، وقضية العراق، وكل القضايا والمشاكل التي أوجدها الغرب الكافر في المنطقة، وفي بلاد المسلمين بسبب استعماره، والتي ولدت المآسي وماتزال، لا ينظر المسلمون إليها ولا إلى حلها بمعزل عن الإسلام… فمشكلة أميركا الحقيقية هي مع الإسلام، لذلك لا تملك أميركا، ولا (إسرائيل)، ولا دول أوروبا منفردة أو مجتمعة، حلاً، إنها تملك أن تفرض حلها، ولكن لوقت محدود، لا تكون فيه الأوضاع خلاله هادئة ولا مستقرة لها…

إن الغرب يملك خوفاً دفيناً من الإسلام، ويحمل زعماؤه كرهاً وحقداً عليه، ويعتبر أن مشكلته هي مع الإسلام وليست مع سواه، ومشكلته كذلك أنه يريد أن يفهم الإسلام، وأن يفهم المسلمون الإسلام على طريقته… انظروا إلى رامسفيلد المهزوم، والمهزوم غالباً ما تخرج منه كلمات فيها عبرة واتعاظ، لقد قال في آخر تصريح له في العراق خلال زيارته الوداعية لجنوده في 8/12، قال والحرقة تأكل قلبه: «أترك منصبي هذا مقتنعاً بأن القوة الحقيقية للجيش الأميركي ليست في واشنطن أو البنتاغون، أو أسلحتنا، بل في قلوب الرجال والنساء الذين يؤدون واجبهم» وهو بذلك يلمح إلى أنها غير موجودة. وفي إشارة إلى الخوف من أن الباب، باب الحرب بين أميركا والمسلمين قد فتح ولا يمكن إغلاقه قال: «نشعر بحاجة ملحة كبيرة إلى حماية الشعب الأميركي من 11 أيلول جديدة أو أكثر… يجب هزيمة العدو… الجنرال جون أبو زيد قائد القيادة المركزية الأميركية قال: نستطيع بالتأكيد الابتعاد عن هؤلاء الأعداء، ولكنهم لن يبتعدوا عنا».

أيها المسلمون:

نعم، لن نبتعد عنهم ماداموا في ديارنا يريدون أن ينهبونا ويستعمرونا، وإذا اقتربنا منهم فإننا لن نحمل لهم إلا الخير إن شاء الله، إلا الهداية… إن المسلمين هم الذين سينتشلون أميركا مما هي فيه من انحطاط حضاري وصل بها إلى أدنى الدركات… إننا نقول لأميركا ولغيرها ممن شابهها أو شاركها إن المسلمين اليوم هم أوعى على إسلامهم من قبل، ولن يزيدهم إصراركم على استعمار المنطقة ونهبها وممارسة الإجرام والإذلال والإفقار بحق المسلمين، سواء منكم مباشرة، أو بواسطة الحكام الخونة العملاء لكم بصورة غير مباشرة، لن يزيدهم إلا وعياً وإصراراً على مواجهتكم… إننا نقول بكل اطمئنان إن الحل الإسلامي لمشاكل المنطقة يقترب يوماً بعد يوم بالرغم من كل العوائق التي توضع أمامه.

وإننا نتوجه إلى المسلمين وخاصة الملتزمين منهم، وبالأخص المجاهدين لأن يكونوا أكثر التزاماً وأكثر تقوى؛ ليكونوا أكثر قرباً من النصر…

وإننا ندعو الجميع لأن تكون مقاليد الأمور بيدهم عن طريق خلافة راشدة تمسك بزمام الأمور من جديد، وتحفظ بيضة المسلمين، وتنشر هذا الدين، وتجعل كلمة الله هي العليا وكلمة الذين كفروا السفلى وعلى الله قصد السبيل قال تعالى: ( لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَمَأْوَاهُمُ النَّارُ وَلَبِئْسَ الْمَصِيرُ ) [النور 57].

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *