التمييز العنصري وتفوُّق الرجل الأبيض مفهوم راسخ في الحضارة الغربية الرأسمالية وإسفين في انهيارها
2020/06/30م
المقالات
3,429 زيارة
ساجدة عز الدين – طرابلس الشام
«لا أستطيع التنفس» جملة قصيرة واضحة تظهر الوجه الحقيقي للديمقراطية الأمريكية بلا مساحيق تجميل، لم تكن أمريكا في يوم من الأيام سفيرة سلام إلى العالم، ولا حاملة لتباشيرَ خيرٍ وعدل بين الناس. فهي ومنذ فجر تأسيسها سطَّرت تاريخًا أسود قائمًا على العنصرية والاضطهاد. فكان أول ضحايا مبادئها القذرة سكان البلاد الأصليين من الهنود الحمر الذين أبيدوا إبادات جماعية فلم يبقَ من عرقهم إلا قلة قليلة مازالت شاهدًا حيًّا على همجية نظامهم الدموي حتى اليوم… ولم تكن يومًا تُخفي عنصريتها تجاه فئات من الناس، فها هي تدرس في صلب مناهجها التربوية عقيدة النظرية الداروينية التي تتمحور حول فكرة أن العرق الأبيض هو أرقى تطورًا من باقي الأعراق، وذوو البشرة السوداء أقرب إلى الحيوانات في صفاتهم، مثل شكل الجبهة البارزة إلى الأمام وتفلطح الأنف ولون البشرة الداكن… وأن الأعراق الراقية لن تتابع تطورها إلا من خلال إبادة الأعراق المنحطة. ويقول دارون في كتابه (تحدُّر البشرية): «في فترة مستقبلية ما، ليست ببعيدة إذا ما قيست بالقرون، ستقوم الأجناس المتحضِّرة من الإنسان وبشكل شبه مؤكَّد بإبادة واستبدال الأجناس الهمجية عبر العالم».
وليست أمريكا ببعيدة كذلك عن فكر الفيلسوف الفرنسي مونتسكيو مؤلف كتاب روح القوانين حيث يقول: إن لنا حقًا مكتسبًا في اتخاذ الزنوج عبيدًا، وإن شعوب أوروبا بعد أن أفنت سكان أمريكا الأصليين لم يعد أمامها إلا أن تستعبد شعوب أفريقيا لكي تستخدمها لاستغلال هذه الأقطار الفسيحة، فما هذه الشعوب إلا عناصر سوداء البشرة من قمة الرأس إلى أخمص القدمين، ولا يمكن أن الله جلت قدرته يضع روحًا طيبة في مثل هذا الجسم الحالك السواد». وانظروا معي إلى معنى كلمة أسود في معجم «ويبستير»: فالأسود هو «الملطَّخ للغاية بالقذارة، القذر، الملوث، الشرير، سبب الكوارث».
وبناء على هذا يكون التمييز العنصري أمرًا حتميًا في الثقافة الغربية، يقول الشيخ الجليل تقي الدين النبهاني رحمه الله في كتاب نظام الإسلام، «إن الإنسان يكيّف سلوكه في الحياة بحسب مفاهيمه عنها، فمفاهيم الإنسان عن شخص يحبه تكيّف سلوكه نحوه على النقيض من سلوكه مع شخص يبغضه وعنده مفاهيم البغض عنه، وعلى خلاف سلوكه مع شخص لا يعرفه ولا يوجد لديه أي مفهوم عنه، فالسلوك الإنساني مربوط بمفاهيم الإنسان»، فهذا الكلام يفسر واقع التمييز العنصري داخل المجتمع في أمريكا، وأن سلوك الناس في أمريكا إنما هو مرتبط بمفاهيم الأعماق في ذلك المجتمع. فالعنصرية عندهم ليست مجرد ممارسة خاطئة، بل هي منبثقة من مفاهيم فكرية.
إن ما يجري في أمريكا ليس نتيجة تطبيق سياسات خاطئة وليس نتيجة إجرام مجرمين ولا فساد حكام فحسب، وإنما فساد وإجرام مبدأ. هذا المبدأ الآيل للسقوط والذي يواجه تحديات داخلية وخارجية. فمن الخارج كورونا وصراعات دولية، ومن الداخل انقسام عنصري بين الأبيض وسائر الألوان، وانقسام طبقي بين الأغنياء وسائر البشر، وانقسام فكري بين يمين ويسار. وأمريكا بلا شك هي الممثل الأبرز لهذا المبدأ، وهم يقرُّون أن المشكلة مبدئية فها هو ترامب يقول: «لن نسمح للغوغاء الغاضبين بتدمير ديمقراطيتنا» يقول هذا الكلام مع أن المحتجين يدينون بنفس الدين الرأسمالي الذي يحمله ترامب؛ ولكنهم يدركون أن المشكلة إن تفاقمت فإنها تهدد المبدأ ككل.
ولكن هذا لا يعني بحال من الأحوال أن ما يجري في أمريكا يهدف إلى إسقاط المبدأ أو هدم الحضارة الغربية، فالمحتجون لا يملكون مبدأ بديلًا ولا نظامًا آخر يطالبون به، وإنما البديل هو حصرًا لدى المسلمين، وليس لدى سواهم أي أفق لتغيير حقيقي؛ ولكن الرأسمالية كعادتها تعاني من الأزمات تلو الأزمات بشكل متتالٍ، سواء ما نتج عن جائحة كورونا من تهاوي لنظامه الاقتصادي، هذا الاقتصاد الذي يعاني قبل كورونا وبعده، أم أزمة العنصرية وانقسام مجتمعاته، وإن كانت الكورونا تهدد المواطن المحكوم فإن العنصرية تهدد النظام الحاكم، وهذا ما نشهده في أحداث أمريكا اليوم. وهو نذير من نذر زوال هذه الحضارة السرطانية الخبيثة.
وينقل عن العلَّامة تقي الدين النبهاني رحمه الله قوله إن ثلاثة عوامل كفيلة لتحطيم أمريكا، إثنان منها داخليان. أما الداخلي فالعنصرية بين الأبيض والأسود، أو انقسام الولايات ومحاولة استقلالها. وأما الخارجي فنزول الدولار عن مكانته ليصبح مجرد عملة محلية. وليست الأحداث التي تجري اليوم في أمريكا هي الأولى من نوعها ولن تكون الأخيرة. وكلام الشيخ تقي الدين رحمه الله إنما كان عن علم وبصيرة، فهو ذكر العوامل التي من الممكن أن تحصل وتهدد كيان هذه الدولة العظمى. ونحن اليوم نشهد حركة ناشطة لواحدة من هذه العوامل أي العنصرية.
فدعونا ننظر إلى مشاهد أخرى من هذه العنصرية والتي لم يسلط الإعلام عدساته عليها. ففي أمريكا أحياء راقية نظيفة للبيض، وهناك أحياء شعبية للسود يقلُّ مستواها عن مستوى أحياء العالم الثالث. وهناك مدارس خاصة لأبناء البيض، وأخرى خاصة لأبناء السود. كما نجد نسبة البطالة ترتفع عند السود بثلاثة أضعاف أكثر من البيض. وعلى الرغم من زيف مبادئ هذا النظام وتباهيه بأفكار الحرية والعدالة والمساواة لم يستطع أن يزيل جذور الفكر العنصري عند الرجل الأبيض تجاه الرجل الأسود، فهو بكل محفل يضغط على زناد عنصريته كلما واجه رجلًا أسود. فوجود النظرة العنصرية هو السبب الرئيس لمشاكل أخرى يعاني منها من يتم تمييزهم؛ لذلك يغلب على مجتمع السود الفقر والبطالة وتدنِّي مستوى التحصيل العلمي وانتشار العصابات وتجَّار المخدرات، فأوضاعهم المعيشية متدنية و يعيشون في فقر مستفحل ومجتمعات معزولة، وإن إضافة واقع قتل أبرياء منهم لا ذنب لهم إلا أنهم سود يزيد الطين بلة، ويجعل من السود أنفسهم أناسًا عنصريين أكثر من البيض؛ لأنهم في المحصلة جزء من هذا النظام الرأسمالي العفن، وقد يكون هذا التمييز العنصري مسمارًا من المسامير الكثيرة في نعش هذا المبدأ المتهاوي.
إن السود كما البشرية جمعاء لا خلاص لهم إلا بالإسلام، فليس لدى غير المسلمين أفق في تغيير حقيقي جذري ينشر العدل بين العربي والأعجمي ويلغي الفارق بين الأبيض والأحمر والأصفر والأسود. فهذا سيد النبيين وخاتم المرسلين يكرم بلالًا الحبشي ويصطفيه يوم فتح مكة عند دخوله الكعبة المشرفة قائلًا له: «ادخل يا بلال فلا يصلينَّ معي أحد في جوف الكعبة إلا أنت». فالإسلام صهر كل المجموعات البشرية في بوتقته دون تمييز، وبقي أثر هذا الانصهار واضحًا حتى يومنا هذا رغم التردي الذي نعيشه. وإن العنصرية التي يعاني منها السود في الغرب جعلت منهم يتشاركون مع المسلمين مشاعر المعاناة، وجعلهم أقرب إلى المسلمين منهم إلى مجتمعاتهم، وبدل أن ينجح الغرب بمكره بدمج المسلمين في مجتمعاته، فإن المسلمين يقومون بجذب غير المسلمين إليهم ومنهم السود، فكثير من السود أسلموا داخل السجون؛ حيث يدخل أحدهم بتهمة المخدرات ثم يخرج مسلمًا بعد أن يحتكَّ بمسلمين داخل هذه السجون (لا سيما سجناء الفكر).
إن الحضارة الغربية ليست هي أولى الحضارات التي طغت وتجبرت ثم أبادها الله(فَمَا بَكَتۡ عَلَيۡهِمُ ٱلسَّمَآءُ وَٱلۡأَرۡضُ وَمَا كَانُواْ مُنظَرِينَ ٢٩) وهي كما سابقاتها تظن أنها لن تزول أبد الدهر؛ ولهذا فإن الغرب يسعى للتوسع والهيمنة على أكبر قدر ممكن من باقي البلدان من أجل أن يضمن استمراريته، وهذا (ألبرت بيفريدج) ممثِّل ولاية (إنديانا) في مجلس الشيوخ الأمريكي يقول كاذبًا: «لقد جعل الله منَّا أساتذة العالم كي نتمكن من نشر النظام حيث تكون الفوضى، وجعلنا جديرين بالحكم لكي نتمكن من إدارة الشعوب البربرية الهرمة، وبدون هذه القوة، ستعمُّ العالم مرَّة أخرى البربرية والظلام، وقد اختار الله الشعب الأمريكي دون سائر الأجناس كشعب مختار!! يقود العالم أخيرًا إلى تجديد ذاته» وتلك مادلين أولبرايت حيث قالت في إحدى المقابلات معها: «في هذا الكون قوة عظمى واحدة: الولايات المتحدة»!!.
ويقول وزير الخارجية كولن باول بعد أحداث 11 سبتمبر: «نحن الآن القوة الأعظم، نحن الآن اللاعب الرئيس على المسرح الدولي، وكل ما يجب علينا أن نفكر به الآن هو مسؤوليتنا عن العالم بأسره، ومصالحنا التي تشمل العالم كلَّه». وبهذا ندرك أن ترامب ليس الأول من نوعه بين ساسة أمريكا الذين تعالوا في الأرض، فهو حين يقول قبل أيام إنه «لن يسمح للغوغاء أن يدمروا ديمقراطيتنا» يذكرنا بقول سحرة فرعون (قَالُوٓاْ إِنۡ هَٰذَٰنِ لَسَٰحِرَٰنِ يُرِيدَانِ أَن يُخۡرِجَاكُم مِّنۡ أَرۡضِكُم بِسِحۡرِهِمَا وَيَذۡهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ ٱلۡمُثۡلَىٰ٦٣) فالكبر والتعالي على الرب وعلى العباد ديدن الطغاة في كل زمان ومكان، ففرعون يقول كما ذكر القرآن الكريم: (مَآ أُرِيكُمۡ إِلَّا مَآ أَرَىٰ وَمَآ أَهۡدِيكُمۡ إِلَّا سَبِيلَ ٱلرَّشَادِ٢٩)، والمتحدث باسم البيت الأبيض أثناء حرب الخليج يقول: «جئنا نصحح خطأ الرب الذي جعل البترول في أرض العرب». ودعوني أستحضر مقالًا جاء في مجلة الوعي يصف حقيقة الحضارة الأمريكية حيث جاء فيه: «إن الحضارة الأمريكية هي كالدوحة الكبيرة التي يفتن ظاهرها الناظر إليها ولكنها واهية انتشرت في داخلها دابة الأرض تأكل الساق والجذور والأغصان والأوراق لتسقط هاوية بعد هبوب رياح الأزمات التي ولدتها بنفسها ولنفسها وتداس بالأقدام. هذا ما سيحدث للمجتمع الأمريكي ولو بعد حين إن شاء الله…» ثم يتابع المقال: « إن الثقافة الأمريكية هي كالبناء الذي ليس له أساس عميق، وتحتاج إلى وقفة مع النفس ومراجعة القواعد الأخلاقية والمعايير الاجتماعية التي تقوم عليها. وقد صدق أحد عقلائهم بقوله: «وإذا لم نكن واعين فسيذكرنا التاريخ على أساس أننا الجيل الذي رفع الإنسان إلى سطح القمر ونتكالب لنيل السبق في حرب النجوم، بينما نحن نغوص في الأوحال».
أيها المسلمون، لقد آن للمضبوعين بثقافة الغرب أن يكفروا بها وبمبدئه وحضارته، ويوقنوا أن لاخلاص لهم إلا بالإسلام ممثلاً بدولة عدل تطبقه، دولة تعزه وتعزنا به، ونعود بها من جديد(كُنتُمۡ خَيۡرَ أُمَّةٍ أُخۡرِجَتۡ لِلنَّاسِ )
وهنا يأتي دورنا كحملة دعوة أن نعمل على تسليط الضوء أكثر فأكثر على عورات هذا المبدأ الفاشل الذي أذاق قومه قبل غيرهم مرارة العيش والظلم والقهر. وعلى الله قصد السبيل.
2020-06-30