العدد 402-403-404 -

السنة الرابعة والثلاثون – رجب – شعبان – رمضان 1441هـ – أذار – نيسان – أيار 2020م

الدور المشبوه لوسائل الإعلام في الصراع بين مشروع الأمة التوحيدي ومشروع الغرب التفتيتي

عبـــــد الســـلام إســـــحاق

 عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير

 ولاية السودان

إن أعداء الإسلام لا يزالون يسعَون إلى السيطرة على الأمة الإسلامية من خلال مجالات شتَّى، مستخدمين أساليب مختلفة وطرقًا متنوعة في سبيل تحقيق أهداف الدول العظمى، وبالأخص أميركا؛ لمنع وحدة الأمة في دولتها الخلافة الراشدة من جديد، بتوظيف وسائل الإعلام والاتصال للعب الدور القذر في تشكيل الرأي العام والتأثير عليه. فالإعلام هو مصطلح يطلق على أي وسيلة، أو تقنية، أو منظمة، أو مؤسسة، أو غيرها، رسمية كانت أو غير رسمية، وتكون مهمتها نشر الأخبار ونقل المعلومات، ويشار إليها أيضًا باسم وسائل أو وسائط أو قنوات التواصل في المجتمع، كالصحف والراديو والتلفزيون وحتى الإنترنت.

من الحقائق التي لا ينقصها الدليل والبرهان أن الأنظمة الإعلامية لها تطبيقات عملية، لعقائد ومذاهب وأصول ومبادئ متعددة ومتباينة، فدارسو الإعلام من أمثال فرد سيبرت، وشيودور بيترسون، وولبرشرام.  يصنفون الأنظمة الإعلامية المطبقة في العالم إلى ثلاث رئيسية هي: النظام التسلُّطي، والنظام الليبرالي، والنظام الشيوعي. وسنتناول النظامين الأولين في هذ المقال:

أما حديثنا عن نظام الإعلام التسلطي، فمن وظائفه:

الوظيفة الأولى: وهي تقوم على المحافظة على قدسية النظام القائم. وتقوم على اعتبار الفلسفة التسلطية للحكومة، وفيها ينبغي على وسائل الإعلام العمل بما لا يؤدي إلى الإقلال من هيبة السلطة القائمة، أو الإضرار بالنظام ،كما ينبغي أن تظل وسائل الإعلام دائمًا خاضعة للسلطة الحاكمة. فمن قبل، وظّف فرعون وسائل الإعلام المتاحة في عصره، كالتجمعات العامة ومناسبات الأعياد لتحقيق هذه الوظيفة، ولإضفاء مزيد من القدسية والهيبة في عصره على سلطانه، كما قال سبحانه وتعالى عنه: ]فَحَشَرَ فَنَادَىٰ ٢٣ فَقَالَ أَنَا۠ رَبُّكُمُ ٱلۡأَعۡلَىٰ٢٤[ وفي الحضارة الفارسية القديمة يقول الدكتور محمود أدهم: «كانت المادة الإخبارية في الحضارة الفارسية تُستغل أحسن استغلال للدعاية لقوة الملك «دارا الأكبر» «.

الوظيفة الثانية: وتقوم على إلهاء الجماهير وذلك بطرق الإلهاء والإغراء البدني والجنسي؛ بهدف شغلهم عن التفكير في القضايا الأساسية والمشكلات التي تحيط بهم، ومن أجل هذه الوظيفة أقيمت في كل الحضارات الوثنية المسارح والمراقص، واعتُنِيَ بها عناية كبيرة.

الوظيفة الثالثة: وهي تعمل على تحقيق التماثل والاتفاق حول آراء واتجاهات السلطة ومحاربة الرأي المخالف. ويتم ذلك عن طريق قيادة وتوجيه الرأي العام بما يخدم السلطة والعمل على تعبئته بما يحقق الاقتناع والتماثل في المواقف حيال الأفكار والآراء والاتجاهات التي تريدها السلطة؛ وذلك من خلال تطويع وتوظيف الطاقات الإعلامية كلها لخدمة السلطة، وجعل هذه الوسائل الخاضعة المنبر الوحيد الذي يستطيع الناس من خلاله الاتصال بالعالم الداخلي والخارجي، والتعرُّف على أحواله وأخباره وحجب الأصوات الإعلامية الخارجية عن  هذا الإطار ومنعها من الظهور.

كما يتمُّ ذلك من خلال استغلال حاجات الناس النفسية والاقتصادية والاجتماعية وتوظيفها لتكوين الرأي العام المطلوب، وهي السياسة التي اتخذها هتلر ووزير دعايته جوبلز؛ حيث استغلوا طبيعة الشعب الألماني بالعزف على نغمة سيادته على كافة الشعوب الأخرى، ما أدى إلى تكوين رأي عام ألماني يقف خلف السياسة التوسُّعية، وكما الشأن كذلك لدى النظم الشيوعية التي استغلت حاجات الناس الاقتصادية ووظَّفتها في الدعاية وتكوين رأي عام لها، وقد أمكنها من استغلاله ملكية وسائل الإنتاج وعلاقتها بالوظائف الإعلامية.

تعرضت العديد من وسائل الإعلام والصحفيين، في مختلف البلدان العربية التي شهدت أو ما تزال تشهد احتجاجات وانتفاضات ضد أنظمة الظلم والقهر، لتضييق كبير من قبل السلطات الحاكمة في تلك البلدان وتم استهدافها لمنعها من تغطية الأحداث؟

نظام الإعلام الليبرالي:

وسائل الإعلام ووضع السياسة الأميركية:

هناك أدوار رئيسة وحساسة تقوم بها وسائل إعلام الدول الكبرى لتفتيت الأمة الإسلامية وإجهاض مشروعها الوحدوي، وتتم عن طريق وكالات الأنباء العالمية. ومن المعروف أن الولايات المتحدة الأميركية تمتلك الإعلام العالمي، من خلال مؤسسات إعلامية ضخمة، وهي تخدم مصالح السياسة الخارجية الأميركية. وعندما تحاول تمرير أي قرار دولي، ضمن منظومة الأمم المتحدة، فهذه المؤسسات تقوم بدعمه عن طريق استمالة الرأي العام العالمي. فالمؤسسات الإعلامية ليست فقط أداة توجيه، بل هي كيانات لها دور فعَّال وقوي في السياسة الأميركية والدولية بصفة عامة. وتعدُّ الولايات المتحدة الأميركية الصانعة الأولى للإعلام في العالم، فهي تتوفر على أضخم المؤسسات والشركات الإعلامية على المستوي الدولى، وتتحكم في أغلبية الأخبار عبر العالم من خلال أقمارها الصناعية وشبكاتها.

ويرى البروفسور المهدي المنجري أن «إنشاء نظم الفضاء الحديثة كان لاعتبارات سياسية واقتصادية وعسكرية وثقافية لغزو الفضاء والاستطلاع (التجسس) والسيطرة على الإعلام». ويقول روزنبيرغ إن «الثقافة الجماهيرية في أسوأ مستوياتها، تهدد ليس فقط في تسميم ذوقنا، بل بتعطيل حواسنا في سعيها إلى التمهيد للاستبداد؛ حيث ثبت أن الراديو والفيلم والتلفزيون هي أكثر فعالية من الإرهاب في توليد الإذعان، «كما عليها أن تجعلهم خائفين طوال الوقت؛ لأنهم إذا لم تتم إخافتهم من كل أنواع الشياطين مثل الشيوعية والإسلام والنازية… فربما يبدأون بالتفكير، وهذا ما لا تريده الطبقة والسادة». وقال ليبمان عميد الصحفيين الأميركيين: «الثورة في فن الديمقراطية يمكن تطويعها لخدمة تصنيع الإجماع» بمعنى جعل الرأي العام يوافق على أمور لا يرغبها بالأساس، عن طريق استخدام وسائل دعائية، حيث إن المصالح العامة كفيلة تمامًا بخداع الرأي العام، ويمكن فهمها وإدارتها فقط بواسطة طبقة متخصصة من الرجال المسؤولين الذين يتمتعون بدرجة من الذكاء تتيح لهم فهم وإدراك الأمور، أي نخبة صغيرة فقط بإمكانها فهم ماهية المصالح العامة، واستنتج ليبمان أنه توجد وظيفتان في النظم الديمقراطية:

الوظيفة الأولى: هي مناطة بالطبقة المتخصصة التي تهتم بالتفكير وفهم التخطيط للمصالح العامة. والذين يعهد لهم هذه المهمة هم الرجال المسؤولون.

أما الوظيفة الثانية: فيهتم بها طبقة القطيع، وهم الغالبية من السكان، ويرى تشومسكي أن عامة الجمهور على درجة من الغباء لا تمكنهم من فهم الأشياء حسب نظرية ليبمان، وبالتالي على الطبقة المتخصصة أن تروِّض القطيع الحائر ولا تسمح له بالتمرد، ويؤكد تشومسكي على أن الطبقة المتخصصة من الرجال المسؤولين، يستعينون من أجل ترويض القطيع التائه، كما أسماها، بفن الديمقراطية، أو تصنيع الإجماع والقبول، وذلك عبر وسائل الإعلام، ووسائل الثقافة الشعبية بغية تحويل انتباهه لأمور أخرى وجعله خارج نطاق دائرة المشاكل، والتأكد من أنه سيحتفظ بمكانه في مقاعد المشاهدين بالفعل، ويؤكد تشومسكي على أن الإعلام أصبح بين السادة وبقية المجتمع، ويجب حرمانه من أي شكل من أشكال التنظيم؛ حيث يجب أن يخصص الرسالة الإعلامية التي مفادها أن القيمة الأساسية في الحياة هي أن تتوفر لديك أكبر كمية من السلع، وأن تتبنى قيمًا مثل الانسجام والهوية الأميركية، أي تغريب المجتمعات وطمس ملامح العقيدة التي يعتقدها غالبية الناس الموجَّهة إليهم الرسالة الإعلامية… وهنا المقصود هو العقيدة الإسلامية. ومن أجل التمهيد لتوغل الإعلام وسيطرته، عمدت الحكومة الأميركية إلى إشاعة أساطير تؤسس لمضمون إعلامي يخدم تلك الأغراض منها:

أسطورة الحياد: ولكي يؤدي التضليل الإعلامي دوره بفاعلية، لا بد أن يخفي شواهد وجوده، أي إن التضليل يكون ناجحًا عندما يشعر المضلَّلون بأن الأشياء هي هي لم تتغيير من الوجهة الطبيعية الحتمية، والمقصود هنا بالتضليل الإعلامي الذي يقتضي واقعًا زائفًا هو الإنكار المستمر لوجوده أصلًا. ونظرًا لوعي السياسة الأميركية الخبيثة لتأثيرات الإعلام قامت بإنشاء وكالة الإعلام الأميركية (US information agency). وهذه الوكالة تعمل على تحقيق الأهداف الآتية:

ـ كسب الأصدقاء والنفوذ للولايات المتحدة الأميركية في الخارج؛ وذلك بإعطاء صورة مشرقة عنها للشعوب الأخرى.

 ـ التركيز بصفة أساسية على شرح وتفسير سياسات الولايات المتحدة، وبيان توافق وتطابق هذه السياسات مع مصالح الدول الأخرى.

ـ تقديم الاستشارة للرئيس الأميركي بشأن ردود فعل الشعوب في الخارج.

ـ التركيز في الوقت الحاضر على إعداد خطط دعائية لكل دولة، أي تستهدف كل دولة على حدة.

ـ محاولة الوصول إلى قطاعات معيَّنة ومؤثِّرة على الجمهور، في كل بلد كالعسكريين، أو قادة الأحزاب.

ـ القيام ببث الأخبار ولكن عن طريق استخدام بعضها والتركيز عليها ومعالجتها، وعرضها بطريقة تعكس المصالح والأهداف الأميركية، وتقدم هذه الخدمات إلى الصحافة والمطبوعات والسينما والإذاعة والتلفزيون ومراكز الاستعلامات.

هذا ويندرج دور الإعلام الأميركي في تسويق السياسات والاستراتيجيات الأميركية، وذلك عبر الهيمنة عالميًا بإمكانياته الهائلة، وبالأخص على الإعلام العربي المستهلك لكل ما تسوِّقه المنظومة الإعلامية الأميركية. هذه هي سياسة أميركا، وهي نفسها أجندة دول أوروبا للإعلام! وذلك عبر القنوات الرئيسية والوكالات، فهي تكرس للهيمنة وفرض وجهة النظر الغربية لإطالة أمد النظام الرأسمالي الجشع.

كيف تعاملَ الإعلام مع مصطلح (صفقة القرن) وكيف يتم الترويج لبعض المصطلحات وتدفقها على وسائل الإعلام:

مصطلح (صفقة القرن) هو الأكثر انتشارًا لوصف الجهود الأميركية في التوصل إلى اتفاق سلام بوصفه حلًا لقضية فلسطين المحتلة خلال العامين الماضيين، وانتشر في وسائل الإعلام المحلية والعالمية، وعلى لسان القيادات السياسية والنخب الفلسطينية من دون معرفة حقيقة ورسمية دلالاته، ومضامينه، وبنود الصفقة التي يروَّج لها، في حين أن الطرف الوحيد المتحكِّم بغموض المصطلح ودلالته، والمسؤول عن تدفقه إلى العالم، هو الجهات الرسمية الأميركية التي بدأت بالحديث عنه ضمنيًا بعد تولي الرئيس الحالي (ترامب) الرئاسة الأميركية في بداية 2017م إلى موعد طرح التصور الرسمي لـ (صفقة القرن) في وسائل الإعلام، بعد حفل خطابي في واشنطن جمع بين ترامب ونتنياهو في 29 كانون الثاني/يناير 2020م. دخل مصطلح (صفقة القرن) إلى نطاق وسائل الإعلام وشغل مضمونه ودلالاته وأبعاده الرأيَ العام العربي، والفلسطيني تحديدًا، ودائمًا كان هنالك من يزوِّد وسائل الإعلام بمواد وبيانات صحفية من المسؤولين أو مصادر لوكالات عالمية ومحلية تذكر المصطلح وتستخدمه بشكل متكرر، وقد سعت أميركا للضغط للقبول بصفقة القرن عمليًا، وتقبُّلها بوصفها أمرًا واقعًا، بعد محاولات الترويج الإعلامي لها، وبدا ذلك واضحًا من خلال التفرد الأميركي في اتخاذ قرار نقل السفارة الأميركية إلى القدس.

وقدَّم موقع (lobelog) الأميركي تقريرًا في 25/8/2019م، ذكر فيه أن كوشنر يجمع بيانات حول الإعلام العربي، وذكر الموقع أن صهر الرئيس الأميركي لم يفقد الأمل في محاولات إنقاذ (صفقة القرن)، وأشار الموقع إلى أن كوشنر الذي يعد أحد مهندسي الرئيس الأميركي المكلفين بجهود السلام في الشرق الأوسط بدأ يلتفت بأنظاره إلى الإعلام العربي؛ إذ نشرت وكالة (MC clatchypc) للأنباء مؤخرًا تقريرًا يفيد أن كوشنر المدجج بدولارات الضرائب التي يدفعها المواطنون الأميركيون، وخطة أميركية محكوم عليها بالموت قبل أن تولد، يُجري عملية جمع بيانات للتأثير في تغطية وسائل الإعلام العربية لقضية السلام في الشرق الأوسط، كي يدفعها إلى تأييد الموقف الأميركي. وكتب مايكل ويلنر الصحفي في الوكالة: «بتوجيه من جاريد كوشنر جمعت وكالاتٌّ حكومية بعض أدوات البيانات والخبرات الإنسانية لأول مرة من أجل تصنيف وسائل الإعلام العربية رسميًا بناء على تغطيتها لعملية السلام في الشرق الأوسط». وتنقسم جهود كوشنر إلى قسمين: أولها: تقييم المتابعة العامة للأخبار في كل بلد في المنطقة، ودراسة وسائل إعلامية محددة، وتقييم حيادية كل مؤسسة في كيفية تصويرها لسياسة الولايات المتحدة الأميركية. وثانيها تقييم تأثيرها، وإدراج ملكيتها استنادًا إلى تحليلات تجريها وكالتان حكوميتان تحلِّلان المواد المتاحة للجمهور. 

إدعاء حرية الرأي والتعبير بالنسبة للإعلام التابع:

أما وسائل الإعلام المحلية في الوطن العربي، فهي تعمل تحت ضغوط كبيرة؛ حيث تقوم الأنظمة الحاكمة بسنِّ التشريعات والقوانيين المنظمة للعمل الصحفي والإعلامي تحت قيود مشدَّدة وقبضة أمنية متحكِّمة؛ وذلك بالرقابة عليها والحجز والمصادرة وإغلاق بعض الصحف وتسريح الصحفيين من العمل، وهي إجراءات تطال كل من يقوم بنشر مادة تتعارض مع مصالح السلطة، أو تكشف للرأي العام الحقائق والمعلومات ليصل الناس إلى الوعي المطلوب، وهو دور عدائي، وحتى المهنية التي يدَّعونها هي كذبة سوداء ليس إلا. هذا الوضع جعل بعض الصحفيين في السودان على سبيل المثال يتبنَّون فكرة الحريات (حرية التعبير) وأوجدوا لها رواجًا واسعًا بين الناس، وبالتالي قاموا بإنشاء كيانات موازية للحكومة؛ مثل شبكة الصحفيين السودانيين، وهو جزء من مكونات تجمع المهنييين السودانيين، وتكونت الشبكة في العام 2008م وهو كيان مناوئ لاتحاد الصحفيين المدعوم من النظام الحاكم آنذاك.

بعد سقوط حكم البشير، احتدم الصراع بين رجالات أميركا في الجيش ورجالات أوروبا في (المكون المدني) بعد فترة طويلة من سيطرة النفوذ الأميركي في السودان، وبات واضحًا الصراع على كافة الأصعدة ومنها صعيد الإعلام، فمثلًا قناة الجزيرة القطرية تخدم الخط الأوروبي، فكانت تقوم بكشف عملاء أميركا في المجلس العسكري، أوردت قناة الجزيرة على موقعها بتاريخ 31/5/2019م خبرًا يفيد بإغلاق مكتبها في الخرطوم  والتحفظ على أجهزتها من قبل المجلس العسكري. أما قناة العربية والحدث التابعتان لأميركا فكانتا تخدمان رجالات أميركا؛ وذلك بإثارة التناقضات التي تحدث داخل رجالات الإنجليز من مكونات «قوى إعلان الحريَّة والتغيير» في السودان المعروفة اختصاراً بـ(قحت) وهو تصنيف يدرجها كتحالف سياسي حاكم في السودان.

أما القنوات المحلية، فكان الغالب فيها ولاؤها للنظام البائد الأميركي الهوى، وبعد توقيع الشراكة بين العسكر والمدنيين قامت السلطات السودانية (المكون المدني) بإغلاق صحف وقنوات تحت قانون إزالة التمكين «وقد نشرت صحيفة السوداني في مانشيت عريض خبرًا عن تسلم أعضاء المجلس السيادي لسيارات من النوع «إنفنتي» الفارهة، وانقسم حوله الناس، واعتبر الكثير منهم بأنها ثورة مضادة تريد من خلالها فضح الحكومة، فنفى المجلس السيادي ببيان عدم دقة ما تم تداوله من معلومات، وأشار الى أن هذه السيارات موجودة مسبقًا، وتتبع لمؤسسة رئاسة الجمهورية، ولم يتم شراؤها حديثًا، وأنها تستخدم في حدود البروتوكول الرسمي لأعضاء المجلس بما يعكس هيبة وسيادة الدولة، هذا البيان أكد أن الحكومات تكذب على البسطاء، ففي حديث عبد الله حمدوك رئيس الوزراء في لقائه مع وزير الإعلام في 24/8/2019م لقناة النيل الأزرق أكد أنه يعتمد على الإعلام الحر في درء خطر الفساد على الدولة، ونحن نتساءل أين هذا الفساد، والبيان يؤكد الفساد بعينه، فكيف لدولة شعبها يقبع في الفقر والعوز، وبعض الأشخاص لا يجدون حتى قطعة خبز، والحكام الجدد يركبون السيارات الفارهات ويسكنون مساكن الذين ظلموا، وهذا هو التضليل بعينه. وقس على ذلك كل القضايا؛ حيث تقوم وسائل الإعلام بصياغة الخبر بالكيفية التي تخدم أغراضها في حفظ مصالح الغرب الكافر من حيث يدري الصحفي أم لا. أيضًا لا تزال وسائل الإعلام تخدم مشروع الغرب وتعادي مبدأ الإسلام العظيم، وذلك بربط أي حركة أو جماعة أو حزب يدعو للإسلام على أنه جماعة رجعية متخلفة، بتسليط الضوء على شخصيات ومفكرين وعلماء صنعتهم على عين بصيرة تحمل البغض والدسائس والتحريف والتبديل والتأويل، وإشاعة فكرة التسامح والتعايش بين الأديان، فلأول مرة يبث تلفزيون السودان برامج تتعلق بالتبشير بالدين المسيحي، والترويج لأفكار الغرب مثل المدنية وغيرها، وتصويرها للناس على أنها ضد العسكرية، وتغبيش مفهومها الحقيقي في أذهان الناس، وحصر تفكير الناس بين خيارين باستخدام سياسة التأطير. فأثناء الدعوة لحكومة تكنوقراط في احتجاجات السودان والجزائر ولبنان على سبيل المثال، تم إبراز رجلين في حكومة الثورة رئيس الوزراء ووزير ماليته اللذين كانا يشغلان مناصب رفيعة في المنظمات الأممية، وصُوِّر للناس أن السودان سينعم بالرفاه وسينتشل من الفقر.

أيضًا من دور السفارات الأجنبية أن تسيطر على وسائل الإعلام، وهذا ما كشفه مدير المخابرات السوداني في أواخر عهد النظام البائد (صلاح قوش) حيث تقدم الجهاز بشكوى إلى نيابة أمن الدولة في مواجهة مجموعة من الصحفيين بعد اجتماعهم إلى سفراء الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة في الخرطوم، وأدلى الرجل برأيه لمغادرة الصحفيين إلى السعودية وقال «ذهابهم ليس سوى مجرد عمالة وتجنيد وكالات». وهذا يؤكد حجم الصراع الدولي الدائر في السودان، وحجم الدور الخبيث الذي تلعبه وسائل الإعلام المرتبطة بالأطراف الدولية المتصارعة ودول المحاور في المنطقة.

 إزالة الحواجز العقدية التي تفصل بين الأمة ويهود:

بدلًا من تركيز العداوة بين الأمة ويهود، أصبح الإعلام يضلل الرأي العام بالمصلحة، والنظرة الوطنية، عندما سافر ذليلًا مسربلًا بالعار، رئيس مجلس السيادة الانتقالي في السودان الفريق ركن عبد الفتاح البرهان، إلى مدينة عنتيبي اليوغندية ليلتقي بتاريخ 3/2/2020م رئيس وزراء كيان يهود نتنياهو! فبعد هذ اللقاء أصبح الإعلام يستضيف المنبطحين والخانعين للغرب، ويتحدث بأن اللقاء له فوائد ستأتي بالخير الوفير على وسائل الإعلام، بل في حوار مع البرهان مع إحدى القنوات نقلتها بعض الصحف قال: «إنه كان يصلي ويستخير الله إن كان فيه مصلحة للبلد».

تلميع نشطاء الوسط السياسي الفاسد على أنهم قادة للحراك:

لقد كان واضحًا وبشكل جلي التلميع الكبير للنشطاء على أنهم قادة حقيقيون للاحتجاجات، وإلصاق صفة أيقونات الثورة عليهم، ووسائل الإعلام تستضيف أمثال هؤلاء بصفة راتبة حتى أصبحت مملة للمشاهد لفقدان هؤلاء النشطاء لأبسط أبجديات الحديث، بل وفقدان غالبيتهم للوعي السياسي.

 النقاط أعلاه كانت بارزة في تعاطي الإعلام مع القضية المصيرية للأمة، فهي لا تخدم إلا أغراض أسيادهم في الغرب، ونقل ما يمليه عليهم، ويصبح الإعلام العربي بقصد وبدون قصد، هو السلاح الفعال الذي يستخدمه الغرب في وجه الأمة لإعاقة توحُّدها من جديد.

عند قيام دولة الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة، القادمة قريبًا بإذن الله، سيختلف الأمر بالكلية، وحينها ستنقل هذه القنوات العربية أخبار الانتصارات والفتوحات الإسلامية بدلًا عن هذه الترهات، فسياسة الإعلام هو بالأصل تثقيف الناس، ومدُّهم بالمعلومات الصادقة والناصعة البياض، فمشروع حزب التحرير وضع تصورًا واضحًا للإعلام في دولة الخلافة.

فجهاز الإعلام دائرة تتولَّى وضع السياسة الإعلامية للدولة لخدمة مصلحة الإسلام والمسلمين، وتنفيذها في الداخل لبناء مجتمع إسلامي قويٍّ متامسك ينفي خبثه وينصع طيبه، وفي الخارج لعرض الإسلام في السلم والحرب عرضًا يبيِّن عظمة الإسلام وعدله وقوة جنده، ويبين فساد النظام الوضعي وظلمه وهزال جنده، فهو من الدوائر المهمة للدعوة والدولة، فهو ليس مصلحة من مصالح الناس تتبع إدارة مصالح الناس، بل إن موقعها يجب أن يكون مرتبطًا مع الخليفة مباشرة.

فوجود سياسة إعلامية متميزة تعرض الإسلام عرضًا قويًا مؤثرًا من شأنه أن يحرك عقول الناس للإقبال على الإسلام ودراسته والتفكر فيه، وكذلك يسهِّل ضم البلاد الإسلامية لدولة الخلافة، هذا فضلًا عن أن كثيرًا من أمور الإعلام مرتبط بالدولة ارتباطًا وثيقًا، ولا يجوز نشره دون أمر من الخليفة، ويتضح ذلك في كل الأمور العسكرية، وما يلحق بها كتحركات الجيوش، وأخبار النصر أو الهزيمة، والصناعات العسكرية، وهذا الضرب من الأخبار يجب ربطه مباشرة بالخليفة ليقرِّر ما يجب كتمانه وما يجب بثه وإعلانه.

هذا الفهم الراقي للإعلام لا يكون إلا في ظل دولة العدل والرعاية، الذي يلعب الإعلام فيه دورًا أساسيًا، حيث لا مجال لتضليل الناس ونشر الأخبار الكاذبة المزيفة، وبث الذعر والترهات والخرافات، بل على وسائل الإعلام اللحاق بسفينة الإسلام الظافرة. قال تعالى: (وَلَا تَقۡفُ مَا لَيۡسَ لَكَ بِهِۦ عِلۡمٌۚ إِنَّ ٱلسَّمۡعَ وَٱلۡبَصَرَ وَٱلۡفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَٰٓئِكَ كَانَ عَنۡهُ مَسۡ‍ُٔولٗا٣٦).

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *