العدد 330 - 331 - 332 -

السنة التاسعة والعشرون رجب وشعبان ورمضان 1435هـ / آيار وحزيران وتموز 2014م

الثورة السورية أم الثورات: ماذا ينقصها حتى تؤتي ثمارها، ومن غير أن تقع في سلة غيرها

بسم الله الرحمن الرحيم

الثورة السورية أم الثورات:

ماذا ينقصها حتى تؤتي ثمارها، ومن غير أن تقع في سلة غيرها

قامت الثورات أول ما قامت في تونس، ثم تبعتها  في كل من اليمن ومصر وليبيا وسوريا، وكانت مرشحة للتوسع لتشمل سائر دول المسلمين في إشارة واضحة إلى حقيقة ناصعة ساطعة أن الأمة الإسلامية هي أمة واحدة من دون الناس، تعيش واقعاً واحداً، ونظرتها إليه واحدة، ونظرة أعدائها إليها واحدة، مهما حاول هؤلاء الأعداء من تجزئتها باختراع حدود جغرافية بينها وبالتالي اختراع دول، أو بغرس أفكارهم الدخيلة عليها كالوطنية أو القومية أو بإثارة النعرات الطائفية والعرقية والمذهبية بين فئاتها ومكوناتها، أو بإبعادها عن دينها وفرض العلمانية ومفاهيمها الخاطئة عليها… قامت هذه الثورات والمسلمون متَّقِدو الغيظ ويريدون الثأر والانتقام من حكامهم الذين كانوا رأس حربة سامة في جسدهم، استعملهم الغرب الكافر وما يزال لتنفيذ سياسته في إضلالهم وإذلالهم وإفقارهم وتجهيلهم وتخويفهم وتقتيلهم والتخلي عن قضاياهم لمصلحة أعدائهم… حتى كان هؤلاء الحكام بنظرهم هم أصل كل شر وسبب كل بلاء…

وفي الحقيقة، إن هذه الثورات قامت ضد كل من له يد في إيصالها إلى هذا الدرك من الأوضاع المتردية وليس الحكام فقط. وإن كان الحكام هم العنوان الأبرز؛ ومعنى ذلك أنها قامت ضد الحكام، وفي الوقت نفسه ضد كل من كان معهم وشاركهم في جريمتهم من الوسط الفكري والسياسي والاقتصادي والعسكري والإعلامي في الداخل، وضد من كان يقف وراء هؤلاء الحكام من دول الغرب، وضد الفكر التغريبي الإفسادي والتضليلي الذي يمارَس عليها بالقوة. ضد مهاجمة أغلى ما عندها وهو دينها وبوصفه بالإرهاب، حيث يتولَّى كل حاكم في بلده كِبَر هذه الحرب الجائرة. وضد كل من يُخضِع قضاياها السامية لمساومات وتنازلات يقوم بها هؤلاء الحكام لمصلحة أعدائهم في صور هي من أبشع صور الخيانة من فلسطين إلى كشمير إلى الشيشان… وضد مشاركة حكامهم في التآمر والإجرام مع دول الغرب جهاراً نهاراً ومن غير حياء حتى وصل بهم الأمر إلى أن يشاركوا أعداء المسلمين من دول الغرب الرأسمالي الكافر في احتلال بلاد المسلمين تحت مسمى «القوات الدولية» وبالتالي المشاركة بكل أهداف هذه القوات الظاهرة والخفية، وبكل أعمال القتل والتدمير؛ وذلك كما كان الحال في كل من أفغانستان والعراق، وأقرب مثال على ذلك جريمتهم وتآمرهم مع دول الغرب في البلدان التي حدثت فيها الثورات كمصر وتونس وليبيا واليمن، وبالأخص سوريا التي تشهد، ويشهد دول العالم كله معها ارتكاب جريمة القرن بحق أهلها… وعلى هذا فإن الثورات في حقيقتها لم تقم ضد الحكام فقط، بل هي قامت كذلك ضد كل من شاركهم ويشاركهم في جريمتهم؛ لذلك يجب أن تقوم  هذه الثورات على هؤلاء كما قامت على الحكام، وإلا لاتصفت هذه الثورات بقصر النظر.

ثم إن هذه الثورات حتى تنجح تحتاج إلى الابتعاد عن تفريغ حماسها وهيجان عواطفها بشكل غريزي، فتركز على إسقاط النظام أو الرئيس من غير أن تركز على الأسباب الحقيقية التي دفعتهم إلى الثورة. تفكر في اليوم الذي تغير فيه الطاغية من غير أن تفكر في اليوم الذي يليه، تفكر في التخلص من الحاكم الذي قهرها ولا تفكر بمن وراءه أو بمن زرعه أو صنعه، تأخذ موقفاً ممن حكمها ولا تأخذ مثله من أعوانه العسكريين والأمنيين والاقتصاديين والإعلاميين… ممن كانوا يده ورجله ولسانه. ثم إن أي ثورة حتى تنجح يجب أن تكون لها هوية وإلا سقطت ثمرتها في سلة الآخرين. وحتى تميِّز بين العدو والصديق فيجب أن تحدد لنفسها قواعد التفكير وخطوات العمل، وبالتالي أن تمتلك بوصلة التغيير التي تحدد من خلالها هدفها واتجاهها.

 لذلك فإن هذه الثورات الصادقة التي قامت تريد التغيير هي ثورات كباقي الثورات تحتاج لمن يمثلها أصدق تمثيل ويقودها إلى التغيير المنشود… تحتاج إلى عقيدة تشكل قاعدة فكرية للتغيير تجعل من الذين يقودونها قادة العالم من جديد، يقفون في وجه إمبراطوريات هذا الزمان تماماً كما وقف أسلافهم الصحابة في وجه إمبراطوريات ذلك الزمان بعد أن كانوا هملاً لا شأن لهم قبل الإسلام… تحتاج إلى أنظمة حياة تضمن لها الطمأنينة والعيش الكريم… تحتاج إلى رجال دولة وحكم يمتازون بالدراية والخبرة والقدرة على مواجهة أعداء الثورة الكثر الذين يمتازون بالدهاء والمكر والإجرام، رجال دولة يمتلكون القدرة على كشف ألاعيب الغرب، والقدرة والشجاعة على مواجهتها ودحرها… تحتاج إلى أمثال أبي بكر وعمر وعثمان وعلي كقادة سياسيين، وإلى أمثال حمزة وخالد وأبي عبيدة كقادة عسكريين… نعم تحتاج إلى قيادة سياسية فذة تعرف كيف تستفيد ممن تذخر بهم  الأمة من كفاءات للقيام معاً بأعباء عملية التغيير الثقيلة…وبالخلاصة، فإن الأمة الإسلامية هي على أبواب التغيير، وإن شكل التغيير الذي يفرض نفسه على غيره من الأشكال هو إقامة الخلافة الرشدة الثانية، والتي قال عنها الرسول صلى الله عليه وسلم أنها تكون بعد حكم جبري كما هو الحال اليوم، وذلك بقوله: «ثم تكون ملكاً جبرياً… ثم تكون خلافة على منهاج النبوة» أي تكون راشدة كما كانت من قبل، ويكون الرسول صلى الله عليه وسلم فيها قائداً لنا بأقواله وتعاليمه التي ما زالت حية في نفوسنا. فإذا خلت الثورات من ذلك كانت معرضة للضياع.

 والآن، كيف نطبق ما ذكرناه على ثورات المسلمين، وخاصة ثورة الشام في سوريا التي يمكن القول إنها أم الثورات، وإنها امتلكت الكثير من الأمور الإيجابية التي تبشر بخير، إن شاء الله تعالى. والخير لا يأتي إلا من الله وحده.

إن ثورة الشام في سوريا التي أشعل فتيلها صبية لا تتجاوز أعمار الواحد منهم الخمسة عشر عاماً، اجتازت أصعب الظروف القمعية، وبدأت بمطالب متواضعة ووصلت إلى المطالبة بإسقاط النظام وانتهت إلى المطالبة بإقامة الخلافة الإسلامية… كانت منذ بدئها سلمية ومنضبطة وبعيدة عن الفوضى، وتحملت شدة قمع النظام الذي راح يدفعها إلى العسكرة دفعاً ليتهمها بالإرهاب، وابتعدت عن الخطاب الطائفي بالرغم من حضوره من طرف النظام بقوة على الأرض. ونظمت عملها عبر ما استحدثته مما سمي بالتنسيقيات، واللافت أن الوضع شهد منذ بداياته انخراطاً واسعاً من الناس في الثورة، ومن لم ينخرط شكل حاضنة لهم لأن مطلب التخلص من النظام كان عاماً والسخط عليه كان عارماً… استطاعت هذه الثورة أن تجمع إلى حماسها انضباطاً جعلها بعيدة عن التشفي والانتقام، وركزت على تحقيق مطالبها بالرغم من كل ضغوطات النظام الإجرامية المستفزة المهينة الخالية من أي حس إنساني بشري، وكان صبر الناس وتحملهم للتضحيات الجسام وعدم الاستسلام والخضوع لإجرام هذا النظام هو العامل الأقوى في عدم تحقيق النصر له ولمن خلفه، وهذا العامل بحد ذاته هو من أهم عوامل تحقيق نصر الأمة على أعدائها، والفضل في ذلك لله وحده.

إن الحالة السافرة من إجرام النظام وسكوت المجتمع الدولي عنه بتواطؤ أميركي غير مكشوف لدى عامة الناس والذي لم يحقق هدفه في إخضاع الثورة، جعلت من أميركا تزيد من تدخلها وتواطئها مع النظام؛ وهذا ما أدى إلى أن تنفضح على رؤوس الأشهاد ويكشف عمالة نظام الأسد لأميركا وحمايتها له. وقد تجلَّى ذلك باتخاذها قرارات دولية ملزمة صارمة صادمة للناس الذين كان بعضهم يصدق كذبها أنها ضد النظام السوري. فقد اتخذت قراراً ألزمت به  كل الدول معها بمنع تزويد الثوار بالسلاح تحت حجة الخوف من وقوعه بيد الثوار الإسلاميين، والاكتفاء بتزويدهم بالسلاح «غير الفتَّاك». وفي الوقت نفسه سكتت عن تزويد روسيا للنظام المجرم بأحدث الأسلحة الفتَّاكة ليستعملها بأبشع صور الإجرام. وهذا أمر لم تكن لتسمح بمثله لو لم يكن النظام السوري عميلاً لها. كذلك سكتت أميركا عن مشاركة إيران في دعم النظام السوري بالمال والسلاح والرجال وتزويده بالخبراء وبكل أنواع الدعم الاقتصادي حتى استطاعت منع سقوطه، سكتت عن ذلك بالرغم من أنها تدعي أن إيران هي من أهم الدول المساندة للإرهاب في العالم ولا تسمح للشركات الغربية أن تتعامل معها بحجة تطبيق العقوبات الدولية عليها بسبب برنامجها النووي. وليس هذا فحسب، بل إن أميركا، التي لا تتساهل مع أية حالة تهديد لكيان يهود المغتصب، عدو المسلمين اللدود، سمحت لإيران ولحزبها المزوَّد بعشرات آلاف الصواريخ المدمرة والتي تشكل خطراً وجودياً على (إسرائيل) بأن يتمدد ليصل إلى الحدود معها مباشرة. فلولا أن كلاً من النظام السوري والإيراني ملتزمان بسياستها عميلان لها لما سكتت عن هذا التدخل الخطير، ولما سكتت (إسرائيل) نفسها عنه. ولـمَ لا تسكت (إسرائيل) عن هذا النظام البائس وهو الذي ما أشعرها يوماً أنه عدو لها، إذ منذ أول استيلاء المقبور حافظ أسد على الحكم طمأنهم بأن باع لهم الجولان، وكأنه كان في توقيع العقد بينهما أن لا تُمسَّ الحدود بأي تهديد لهم ما بقي هو وعائلته في الحكم؟! وهذا ما حدث فعلاً حيث أقام اليهود منتجعات سياحية لهم هناك بعد أن أصبحت أكثر الحدود أمناً في العالم. كذلك فإن قيام أميركا بصفقة مع النظام السوري على سلاحه الكيماوي بدل ضربه ومحاربته كما تتصرف عادة هو من أكبر الأدلة على تواطؤ وتآمر أميركا مع هذا النظام القذر، وعلى أنه ليس عدواً لـ (إسرائيل) كما يدعي، بدليل أنه استعمل السلاح الكيماوي ضد المسلمين ولم يستعمله ضدها، خاصة وأنه كان يمتلك كمية يمكنه بها القضاء على كيان يهود لو كان هذا النظام مخلصاً. كذلك عندما هدَّد أوباما نفاقاً بأنه سيستخدم القوة ضد نظام بشار بسبب استخدامه الكيماوي ضد المدنيين، وقام باستقدام قواته إلى المنطقة، صرح وزير خارجية روسيا الحاقد لافروف حينها أن روسيا لن تدخل أي حرب من أجل غيرها. فلو أن أميركا كانت تريد مجرد وقف المجازر المتدفقة لكان ذلك من أسهل ما يكون عليها، ولكن يمكن القول بكل اطمئنان إن كل ما يقوم به بشار أسد من إجرام إنما هو بأوامر أميركية. وهذا غيض من فيض من تآمر أميركا على المسلمين في سوريا وفي كل المنطقة.

وإنه لمن المضحك المبكي في الوقت نفسه أن يقال إن أميركا لا تتدخل في سوريا، وإن سياسة أوباما ضعيفة وتتصف بالعجز والتردد، ولا تنجد الحلفاء، ولا تدافع عن الديمقراطية، وتأخذ دور «القيادة من الخلف» فهذه الصورة غير صحيحة، ومن يظن أن السياسة الأميركية هي سياسة سلبية أو حيادية فهو جد خاطئ، بل هي  سياسة فاعلة، ويشكى من شدة تآمرها وكثرة تورطها، بل على العكس فان المطلوب من أميركا أن توقف تدخلها الإجرامي الذي لا يقل شراسة عما ارتكبه سلفه بوش الصغير. إن سياسة أوباما تسير بأسلوب القوة الناعمة والديبلوماسية المستترة واعتماده على العمل الاستخباري، والتآمر الخفي، وشراء الذمم، والاغتيالات واستخدام الأدوات من عملاء ومنظمات، إنها سياسة ماكرة خبيثة مجرمة، وها هو الوضع في سوريا أكبر دليل عليها. فليُنظر هل اختلف قتل المسلمين زمن بوش الصغير في كل من أفغانستان والعراق عما هو اليوم في زمن أوباما في سوريا، أو اختلفت أهدافه، حتى إنَّ التعامل مع المسلمين الذين يحملون المشروع الإسلامي لم يختلف في عهد أوباما في سوريا عما كان عليه في زمن بوش الصغير في غوانتانامو وباغرام وأبو غريب والسجون الطائرة والعائمة… فقد كان تعاملاً لا تحكمه قوانين دولية ولا بشرية، ولا خطوط حمر له.

كذلك بات واضحاً أن ما تسعى إليه أميركا من حل في سوريا يكشفها لدى الناس أكثر وأكثر. فهي أنشأت الائتلاف الوطني السوري على عينها، ووضعت أجندته ووسعته ورتبت وضعه بحيث يكون جزءاً من حلها. واتفقت مع روسيا على بنود الحل الأميركي عبر مؤتمر (جنيف1) الذي، وإن أعلن عن فشله، فإنه يتوقع أن يكون إطاراً  لأي حل أميركي تسعى إلى فرضه تحت أي مسمى. وهو الذي يبدو أن أميركا الآن هي في صدد تهيئة الأرضية لتنفيذه عبر إيجاد رأي عام ينفِر من المجموعات الإسلامية التي تصفها بالإرهابية ومن مشروعها المتمثل بإقامة الدولة الإسلامية. فأميركا صريحة في عدائها للمشروع الإسلامي، ولا خطوط حمر عندها في محاربته، وهي تفضل بشار عليه. هذا وغيره أصبح واضحاً لدى الناس في سوريا، وجعلهم يدركون حقيقة الصراع، وجعل حركة الوعي لديهم تأخذ بالاكتمال. وجعل صوت الحق الذي يصدح به المخلصون يرتفع حتى أصبح مسموعاً أكثر من غيره… هذا ما جعل الثورة في سوريا لها هوية وتتصف بالرشد. وتسير بالاتجاه الصحيح رغم الضغوط والظروف القاهرة والإمكانات الشحيحة. وتفكر باليوم الذي يسقط فيه النظام واليوم الذي بعده. وتفكر بالتخلص من الحاكم الذي قهرها وبمن وراءه، وتأخذ موقفاً ممن حكمها وتأخذ مثله من أعوانه… ولكن كل ذلك لم يتحقق بسهولة، بل كان ثمنه باهظاً، وهو ما زال معرضاً للإجهاض نظراً  لشدة التآمر عليه وكثرة المكر به، إلا أن يرد الله سبحانه مكرهم عليهم ويصدق فيهم قوله تعالى: ( وَمَكَرُوا مَكْرًا وَمَكَرْنَا مَكْرًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ )

ومن أجل ذلك يجب التنبه بقوة لما تخططه أميركا من فرض مشروعها في المنطقة والعمل على إفشاله بعون الله تعالى. وفي الوقت نفسه لا بد من أن يمتلك المسلمون خطتهم لإيصال مشروعهم رغماً عن عدوة الله أميركا ومن معها من دول العالم في محاربة هذا المشروع. والرهان الآن هو بين هذين المشروعين.

أما خطة أميركا فهي تقوم إجمالاً على التالي:

– إيجاد معارضة علمانية تمثلت بالائتلاف الوطني ليساعدها في فرض حلها على الناس وليكون جزءاً من هذا الحل. وهذا الائتلاف يسير بعكس اتجاه الثورة: فهي إسلامية وتطرح مشروع الدولة الإسلامية بينما هو علماني يطرح مشروع الدولة المدنية، ويعادي الدولة الإسلامية، ويستجدي الحل الأميركي والتدخل الأميركي والتسلح الأميركي بالرغم من وقوف أميركا بكل هذه المواقف العدائية المكشوفة ضد الثورة التي ذكرناها من قبل. وهؤلاء يجب الإعلان الصريح أنهم يمثلون أعداء الثورة ويجب اتهامهم بالخيانة، ويجب لفظهم والإعلان أنهم لا يمثلون الناس في شيء، بل يمثلون فقط من يمثلهم.

– إسقاط الإسلام السياسي وفكرة الدولة الإسلامية من نفوس المسلمين، وتغيير اتجاه بوصلتهم باتجاه قبولهم بالدولة المدنية العلمانية. وما يحدث الآن من هجمة شرسة على الإسلام الذي فيه تشريع وحكم ودولة وجهاد ودعوة… ومن ثم مشروع إقامة الخلافة الإسلامية، ووصفه بالإرهاب، إنما هو من هذا القبيل. وهذه الحملة الصَّفِقة الوَقِحة على دين الناس يجب مواجهتها بقوة لا مثيل لها، وإفهام الغرب أن دين رب العالمين إنما هو فوق الشبهات عندهم، ويجب الالتفاف حول الدين لأنه المنقذ الوحيد لهم من هذه الأوضاع القاسية. وفي الوقت ذاته، يجب على الإسلاميين العاملين على التغيير الإسلامي المنشود أن يعطوا أجمل صورة عن إسلامهم ليفتحوا القلوب عليه تماماً  كما فعل رسولهم الكريم صلى الله عليه وسلم.

– إفقاد المشروع الإسلامي حاضنته الشعبية وذلك عن طريق توريط أصحابه بالاقتتال الداخلي، أو ارتكاب بعض أعمال القتل المنفِّرة، وغير ذلك من الأعمال المرفوضة شرعاً، والتي تدين مرتكبها ولا تدين الإسلام في شيء، ومن ثم استغلالها إعلامياً،  حتى إذا ما آن أوان الحل الأميركي كان قرار ضرب المشروع الإسلامي والتخلص من القائمين عليه أمراً ميسوراً. وهذا يجب التنبه منه كثيراً، وتوعية الجميع عليه، توعية المجموعات المسلحة من الوقوع فيه لأنه حرام أصلاً، وتوعية الناس أنه لا يجوز التخلي عن المشروع الإسلامي بأي حال من الأحوال، خاصة وأن كثيراً من الأعمال الهمجية المنفرة يقوم بها عملاء متسترون للغرب أو للحكام العملاء لهم أو لليهود أو من عملاء النظام السوري نفسه الذي يمتلك خبرة طويلة وعريضة في هذا المجال.

– إنشاء جيش وطني جديد يضم الموثوق بهم أميركياً من ضباط وجنود الجيش السابق الذين انشقوا عنه… ويضاف إليه الضباط والجنود والأمنيين من قوات النظام السابق الذين سيتفق عليهم وسيقال عنهم إنهم لم يتورطوا في ارتكاب المجازر. ويكون إلى جانب كل هؤلاء بعض المجموعات القتالية التي تم استيعابها بالوعد بتغيير وجه النظام وبتلبيس الحقائق عليهم، ووعدهم ببعض المكاسب… هذه هي نواة القوة التي ستفرض بها أميركا مشروعها. وهذا يجب التحذير منه بكشف أن أي حل يأتي عن طريق الرعاية الأميركية إنما هو انتصار للنظام السوري المجرم، وخيانة لدماء أهاليهم الذين قتلهم النظام بأوامر أميركية، وإننا نحذر، مخلصين لله الدين، المجموعات التي توصف أنها إسلامية من الوقوع في هذا الفخ، ونحذرهم من السماع لتوصيات سفراء الدول العميلة الحاكمة في بلاد المسلمين الذين يأتمر حكامهم بأوامر حكام الغرب؛ فهؤلاء يريدون أن يسوقوا الثورة إلى الاستسلام.

– إرسال قوات دولية تكون كالقوات الدولية في أفغانستان (إيساف) للمساعدة في الحفاظ على العملية السياسية التي ترعاها أميركا، وتثبيت  حاكم سوريا الجديد (كارازاي)، وتكون لهذه القوات مهمات قتالية فاعلة، ويكون من مهماتها منع إقامة دولة الخلافة، والتركيز على مقاتلة المسلمين. وما يجدر ذكره هنا أن القوات الدولية في أفغانستان قد ارتكبت وما زالت أبشع الجرائم بحق المسلمين هناك، وغاراتها بالطائرات من غير طيار ما زالت تحصد أرواح المسلمين المدنيين أطفالاً ونساءً وشيوخاً حصداً، ومن ثم لا يوجد حاكم في باكستان ولا في أفغانستان يجرؤ على منع ذلك. ولكن يذكر في الوقت نفسه أن أميركا بالرغم من كل إجرامها لم تستطع أن تثبت حاكماً لها في الحكم هناك، وهي ستنسحب قريباً إن شاء الله تعالى مجرِّرة أذيال الهزيمة وراءها.

– رعاية عملية انتقال السلطة رعاية تامة بحيث توجد لها هيئة حكم تجمع عدداً من عملائها من الطرفين: طرف الحكم الحالي العميل التابع لها، وطرف الائتلاف الوطني العميل التابع كذلك لها، وهي إن استطاعت أن توصل حاكماً جديداً لها كان به، وإن لم تستطع فعلت كما فعلت في العراق عندما جعلت الحكم مداورة بين أعضاء الحكم الانتقالي الذي عيَّنه حاكمها السامي يومئذ بريمر. ومن ثم لعبت لعبتها الطائفية والعرقية والمذهبية وجاءت بحكم قائم بناء على هذه التقسيمات، ومن ثم رعت سن دستور علماني فرضته فرضاً، ونظمت انتخابات وجعلت فيها تكتلات للمرشحين تجعل النتائج تأتي لمصلحتها… وعلى نحو ذلك سيكون الحل الأميركي في سوريا.

إن هذا الذي تخطط له أميركا يجب الوعي عليه والوقوف في وجهه وإفشاله، ويحرم شرعاً السير معه تحت أية حجة، ونلفت نظر الجميع أنه حل هو في الدرجة الأولى ضد دينهم، نقول ذلك حتى لا ينخدع به أحد ويظن أن وراءه خيراً؛ فلا خير في حل تقف وراءه سفارات دول الغرب ولا سفارات عملائهم من حكام المسلمين التي تدعي نفاقاً الحرص على الثورة.

أما عن امتلاك المسلمين لخطتهم التي ستوصل مشروعهم إلى الحكم، فإن إطاره العام يقوم على اتباع طريقة رسول الله صلى الله عليه وسلم في الوصول إلى الحكم وإقامة الدولة الإسلامية الأولى في المدينة والتي نجملها بالتالي: (نقلاً عن ورقة حزب التحرير السياسية الثانية لأهل الشام المؤمنين المرابطين: معاً لإسقاط طاغية الشام وإقامة حكم الإسلام «خلافة على منهاج النبوة»)

[… إن هذا المشروع له طريقته الشرعية الواضحة التي سلكها رسول الله صلى الله عليه وسلم في إقامة دولة الإسلام الأولى في المدينة المنوَّرة. وهي تقوم على وجود الحاضنة الشعبية لإقامة الخلافة الراشدة، وينطبق عليها رسالة مصعب رضي الله عنه للرسول صلى الله عليه وسلم: «لم يبقَ بيت في المدينة إلا وفيه ذكر الإسلام»، حيث لم يبقَ بيت في سوريا إلا وفيه ذكر الخلافة. وتقوم على وجود قيادة سياسية من أهل الدعوة المؤمنين الذين أعدوا أنفسهم لمهمة الحكم بما أنزل الله ليكونوا كما كان حال المهاجرين مع الرسول صلى الله عليه وسلم في مكة، ووجود قيادة عسكرية من أنصار الله المؤمنين من أهل القوة والمنعة ليكونوا كأنصار رسول الله صلى الله عليه وسلم في المدينة؛ ليتم بهما معاً إسقاط النظام السوري المجرم وإقامة دولة الخلافة الراشدة التي تحكم بما أنزل الله.]

ومن هذه الطريقة الشرعية يجب أن يضع المسلمون في سوريا خطتهم العملية التي توصل مشروعهم إلى الحكم. وهي تقوم باختصار على ما يلي:

– إن العنوان العريض للمشروع الإسلامي حصراً إنما هو الخلافة الإسلامية، واعتبار من يقف في وجهه، أو يحمل مشروعاً سواه، خائناً لهم ولدينهم

–  اعتبار المعارضة العلمانية بكل أطيافها وعلى رأسها الائتلاف الوطني صنائع الغرب وبدائله لحكم بشار، ويجب لفظهم واعتبارهم الخونة الظاهرين على رؤوس الأشهاد.

– قطع العلاقات والتعامل من قبل الجميع مع الدول الغربيّة وعملائها من حكّام العرب والمسلمين، والحذر من مكرهم والوقوع في حبائلهم، والانفكاك التامّ عن المال السياسيّ القذر القادم منهم أو من الجهات التابعة لهم كي لا يكون للمموّلين أيّ تأثيرٍ على القرارات السياسيّة والعسكريّة للثوّار… والاستعاضة عنه بما يقدمه أهل البر والتقوى من الناس، وبما نمتلكه من المال النظيف، فهو إن كان قليلاً عندنا فهو كثير مبارك عند الله تعالى.
– ارتباط الثورة والقائمين عليها ارتباطاً لا ينفصم بالحاضنة الشعبية على أساس أن العمل هو لإقامة حكم الله في الأرض.

– اجتماع أهل الحل والعقد من قضاة وعلماء ووجهاء الناس على الانقياد لأمر الله في إقامة دولة الخلافة وتأييد الحزب وقيادته بصدق وإخلاص.

– ربط المخلصين من الثوّار أنفسهم بقياداتٍ نظيفةٍ ونبذ قياداتهم العسكريّة المرتبطة بالخارج، وتشكيل هذه القيادات النظيفة مجلساً عسكرياً قوياً كفؤاً يجمعهم ويقودهم إلى النصر على البر والتقوى. وإعطاء من سبق ذكرهم من قادة الثوار وأهل القوة النصرة لحزب التحرير وقيادته.

 أن حزب التحرير يمتلك مشروعاً واضحاً لدولة الخلافة مستمداً من كتاب الله وسنة نبيه، كما أنه الأقدر، بفضل الله وحده، على كشف المؤامرات التي تحاك ضد المسلمين بالإضافة إلى خبرته في السياسة الدولية. ومما يثلج الصدر فعلاً أن نرى أن المسلمين يمتلكون القدرة على التغيير بأنفسهم، وأن الحل يأتيهم من عند ربهم، وهذا ما يجعلهم أقوياء في هذه الحرب العالمية الظالمة المتوحشة عليهم وعلى دينهم.

إن مشروع الخلافة يتعامل معه الغرب بجدية وحدية ويقف منه موقفاً مصيرياً من أجل القضاء عليه، ولكن أنَّى له ذلك؟! إنه بإعلان حربه على الإسلام يعلن الحرب على الله، وهنيئاً لمن يكتب عند الله أنه من جنوده في هذه الحرب.

إن الثقة بالله بعد الإيمان به وحده، والسير خلف القيادة القائمة على أمر الله بثباتٍ لإقامة هذا المشروع العظيم، مشروع  الخلافة الراشدة، على طريقة رسول الله كفيل بأن يحقق لهم النصر من الله ويقيم دولة الإسلام على أيديهم.

قال تعال: ] وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا [

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *