وكان صلى الله عليه وسلم أشجع الناس
2019/12/24م
المقالات
9,805 زيارة
وكان صلى الله عليه وسلم أشجع الناس
ينبغي على المؤمن الحق أن يتحلى بقوة الإرادة وشدة العزم مستقبلًا أموره الحياتية بشجاعة تنبثق عن إيمانٍ ثابت ويقين راسخ بعون الله له، سواء أكان ذلك في الشدة أم الرخاء، ولنا في شجاعة وإقدام الرسول صلى الله عليه وسلم الأسوة والقدوة الحسنة، فقد كان أشجع الخلق، وأقدرهم عزيمة، وأقواهم إرادة…
فمن نماذج شجاعته صلى الله عليه وسلم وقوفه بجوار المظلوم في وجه الظالم، بالرغم من قسوة وعداوة هذا الظالم لرسول الله ولدين الله، وقد حدث ذلك الموقف قبل الهجرة من مكة حيث العداوة والإيذاء لرسول الله صلى الله عليه وسلم من قومه بلغ ذروته، في حين أن الظالم المقصود (أبو جهل) كان لديه من القوة والمنعة في قومه بحيث لا يستطيع الغريب النجاة من ظلمه. يُروى أن رجلًا من (إراش) قدم إلى مكة ومعه إبل يتاجر فيها، فاشتراها منه أبو جهل – عدو الله ورسوله – ثم ماطله في ثمنها، فاستغاث الرجل بالناس، وطلب العون لرد الظلم عنه فلم يجد من يُغيثه، وأشار عليه جماعة من قريش شهدوا الموقف أن يذهب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليعينه، وما فعلوا ذلك إلا استهزاءً، فهم يعلمون ما بين الرسول صلى الله عليه وسلموبين أبي جهل من عداوة، فذهب الرجل إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، فقال: «يا عبد الله، إنَّ أبا الحكم بن هشام قد غَلَبَني على حقٍّ لي قِبَلَه، وأنا رجل غريب، ابن سبيل، وقد سألت هؤلاء القوم عن رجل يؤدِّيني عليه، يأخذ لي حَقِّي منه، فأشاروا لي إليك، فَخُذ لي حَقِّي منه، يرحمك الله. قال: انطلقْ إليه، وقام معه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلمَّا رأَوه قام معه، قالوا لرجل ممَّن معهم: اتبعه، فانظر ماذا يصنع؟ قال: وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى جاءه، «فضرب عليه بابه»، فقال: من هذا؟ قال: «محمَّد، فاخرج إليّ»، فخرج إليه، وما في وجهه من رائحة، قد انتقع لونه، فقال: «أعط هذا الرَّجل حقَّه». قال: نعم، لا تبرح حتى أعطيه الذي له. قال: فدخل، فخرج إليه بحقِّه، فدفعه إليه. قال: ثم انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال للإرَاشِي: «اِلْحَقْ بشأنك». فأقبل الإرَاشِي حتى وقف على ذلك المجلس، فقال: جزاه الله خيرًا، فقد والله أخذ لي حَقِّي…» (إلى آخر الحديث كما في سيرة ابن هشام:839/1).
أما عن شجاعته صلوات ربي وسلامه عليه في ميدان القتال، فيقول علي بن أبي طالب t: «كنَّا إذا احْمَرَّ البأسُ، ولقيَ القومُ القومَ، اتَّقَينا برسولِ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ، فما يَكونُ منَّا أحدٌ أدنى مِنَ القومِ منهُ» (مسند أحمد:343/2). والمشهور أن الجُند يحمي قائده حفاظًا على حياته لا أن يتقي به! ولكن شجاعة المصطفى صلى الله عليه وسلم جعلته دائمًا هو الأقرب للعدو.
ومن الأمثلة على شجاعته صلوات ربي عليه عندما تعرض أهله وأصحابه لخطر، يقول في ذلك أنس بن مالك رضي الله عنه: «كانَ أحسنَ النَّاسِ، وَكانَ أجودَ النَّاسِ، وَكانَ أشجعَ النَّاسِ، ولقد فزِعَ أَهلُ المدينةِ ليلةً فانطلقوا قِبَلَ الصَّوتِ فتلقَّاهم رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليْهِ وسلَّمَ وقد سبقَهم إلى الصَّوتِ وَهوَ على فرسٍ لأبي طلحةَ عَرِيٍ ما عليْهِ سرجٌ في عنقِهِ السَّيفُ وَهوَ يقولُ: «يا أيُّها النَّاسُ لَن تُراعوا» يردُّهم، ثمَّ قالَ للفرَسِ: «وجدناهُ بَحرًا» -أو «إنَّهُ لبَحرٌ»» (صحيح ابن ماجة:2254). وهنا نجده صلوات ربي وسلامه عليه أول من يستطلع الأمر ويهدئ من روع القوم ويأمرهم بالسكينة وعدم الخوف، بل أنه يداعب الفرس ويصفه بسرعة الحركة… وحادثة أخرى تتجلى فيها الشجاعة بأبهى صورها عندما كان الرسول صلى الله عليه وسلم مع أصحابه في إحدى الغزوات ناحية نجد، فإذا بهم في وادٍ كثير الشجر، فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت شجرة، فعلَّق سيفه بغصن من أغصانها، ثم تفرق الناس في الوادي يستظلون بالشجر؛ فإذا برجل من الأعراب يتسلل خفية تجاه رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو نائم تحت الشجرة، فيأخذ السيف المعلق، فاستيقظ الرسول صلى الله عليه وسلم فإذا بالرجل واقف عند رأسه صلى الله عليه وسلم ممسكًا بالسيف في يده.. والرسول صلى الله عليه وسلم أعزل وقد تفرق عنه أصحابه في الوادي ولا يشعر به أحد، وإذا بالرجل يقترب من الرسول صلى الله عليه وسلم وقد ظن أنه أدرك بُغيته، فالمواجهة بنظره غير متكافئة بين مسلح ونائم أعزل! ثم قال الرجل: من يمنعك مني يا محمد؟! فلم تظهر عليه صلى الله عليه وسلم أيٌّ من علامات الخوف، ولم يزِدْ عن قوله بكل ثقة: «الله» !! فانتبه الرجل وكأن الرد فاجأه! فكرر سؤاله مرة أخرى: من يمنعك مني؟! فثبت الرسول صلى الله عليه وسلم ثباتًا لا يُعرف لكثيرين في ذلك الموقف، وردَّ عليه بكل شجاعة وثقة قائلًا: «الله» !!
فشجاعته صلى الله عليه وسلم ناتجة من تعلق قلبه بالله وركونه إليه… هنا ارتجف الرجل وأدرك أنه ليس أمام بشر عادي؛ فسقط السيف من يده!! فأخذه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال للرجل: «من يمنعك مني؟!» فقال الأعرابي: كن خير آخذ، فقال صلى الله عليه وسلم: «أتشهد أن لا إله إلا الله؟» قال: لا!! ولكني أعاهدُك أن لا أقاتِلَكَ، ولا أكونَ مع قوم يقاتلونك، فخلَّى صلى الله عليه وسلم سبيله، فذهب الرجل إلى أصحابه فقال: قد جئتُكم من عندِ خير الناس… وقيل: إنه أسلم ورجع إلى قومه فاهتدى به خلق كثير.
وقد حثَّ النبي صلى الله عليه وسلم أمَّته على الشجاعة، وجعَلها مَجلبة لحب الله ورضاه؛ يقول صلى الله عليه وسلم «ثلاثة يُحبُّهم الله – عز وجلَّ – وذَكَر منهم: ورجل كان في سريَّة، فَلقوا العدوَّ، فهُزِموا، فأقبَل بصدره؛ حتى يُقتلَ، أو يَفتحَ الله له» رواه النسائي وأحمد.
ولم يستعمل رسول الله صلى الله عليه وسلم شجاعته هذه يومًا انتقامًا لنفسه، بل كانت لله فقط، وعن ذلك تقول أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: «ما ضرب رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ شيئًا قطُّ بيدِه، ولا امرأةً، ولا خادمًا، إلا أن يجاهدَ في سبيلِ اللهِ، وما نِيلَ منهُ شيٌء قطُّ فينتقمُ من صاحبِه، إلا أن يُنتهك شيٌء من محارمِ اللهِ فينتقمُ للهِ عزَّ وجلَّ» رواه مسلم.
2019-12-24