أردوغان والإسلامية: هل يمكن لأردوغان أن يشكل قيادة للأمة الإسلامية؟
2019/05/19م
المقالات
7,798 زيارة
أردوغان والإسلامية:
هل يمكن لأردوغان أن يشكل قيادة للأمة الإسلامية؟
يلماز شيلك
أردوغان والإسلامية: هل يمكن لأردوغان أن يشكل قيادة للأمة الإسلامية؟
يلماز شيلك
في هذه المقالة التي تدور حول السياسة التي ينفذها أردوغان؛ أردت أن أبدد بعض الالتباس الذي يدور في أذهان الناس. فبعض الناس يرون في أردوغان قائدًا ينفذ سياسة إسلاميةً وعثمانيةً جديدةً، وبعض الذين يحملون مشاعر إسلاميةً يؤمنون بهذا ويدعمونه. وبعض أوساط القوميين والعلمانيين يقولون إن أردوغان يحمل أجندة إسلامية خفية، ويريدون بذلك تحريض أعوانهم وأوساطهم.
وبعضهم يرى أن أردوغان خلع رداء الإسلام ودفع بظاهر كفه الخطاب الإسلامي والأهداف الإسلامية منذ زمن بعيد، ولا يعدو ما يردده من حينٍ إلى آخر واصطباغه بلون إسلاميٍ سوى الجهود التي يبذلها للاحتفاظ بدعم الشعوب الإسلامية. وهنا أحاول إزالة اللبس وكشف الغموض عن ماهية السياسة التي ينفذها أردوغان من خلال الأحداث وأدلتها الدامغة.
لقد أجدبت هذه البلاد ولم تعد تنبت بالتزامن مع إلغاء الخلافة في 3 آذار/مارس عام 1924م، وهذه البلاد التي استمرت في تخريج حشدٍ كبيرٍ من القادة السياسيين في جميع الميادين طوال أربعة قرون من التاريخ الإسلامي؛ لم تعد تنبت الرجال منذ مئة عام، ونحن اليوم شهود النتائج الثقيلة لهذا الوضع، وكم هو رائعٌ ما عبر به عن هذا الوضع السلطان عبد الحميد الثاني رحمه الله حين قال: «المسألة مسألة قحط الرجال». وقد أراد بالطبع رجل الدولة المسلم الذي جبل بالعقيدة الإسلامية والفكر الإسلامي والمشاعر الإسلامية، وامتلك البصيرة السياسية التي تنأى به عن الغرب والتأثر بالغرب، وإلا، فالرجال الذين يحملون مواصفات الحكام والسياسيين (!) في عصرنا كانوا كثرًا في أيامه، لكن الخليفة الحاذق البصير كان يتجنب هذا النمط من الرجال، ولا يريد أن يراهم في الوسط السياسي ولا في أجهزة الحكم.
وبعد هدم الخلافة تسلط على الأمة الطغاة الجبابرة الظالمون تمامًا كما أخبر به رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقد بلغ هؤلاء من الطغيان أن امتلأت سجونهم بالمسلمين، وارتكبوا في شعوبهم مجازر قل نظيرها في التاريخ، ولم يرقبوا فيهم عهدًا ولا ذمةً، وحكموا بالقبضة الحديدية. وتركيا لم تكن استثناءً، ونالت نصيبها من هذا الظلم والطغيان. وهكذا كان شأن الحكام طوال تاريخ الجمهورية، فعلِّقت مشانق عدد لا يحصى من العلماء، وأنّت السجون والزنازين بآلام المسلمين المعذَّبين، وتحولت إلى كابوس لا يرحم، وديست الشعائر والقيم الإسلامية، ودبرت المكائد التي جعلت المسلمين يواجهون بعضهم بعضًا باستمرار. ورغم وصول بعض السياسيين البريئين من هذا إلى السلطة من حين لآخر؛ فقد استمرت هذه السياسة في عهدهم على العموم. واستمرت الحال على هذا المنوال حتى صعود أردوغان إلى الحكم.
وعندما ترك أردوغان الفهم اليعقوبي الإنجليزي، وسار في حكمه للشعب بالديمقراطية الأميركية الألين نسبيًا؛ لقي قبولًا لدى الشعب. وهذا بالطبع خبث أميركي صرف، وهي إجراءات لكسب رضا الشعب يقوم بها أردوغان من خلال الدعم السياسي الذي يتلقاه من أميركا. وقبل الحديث عن ماهية هذه الإجراءات، أريد الحديث عن كيفية وصول أردوغان أو كيف أوصلته أميركا إلى السلطة.
يعود الاتصال الأول لأردوغان بأميركا إلى عام 1984م، عندما كان رئيسًا لتشكيلات حزب الرفاه في بي أوغلو من خلال اللقاء الذي جمعه بالسفير الأميركي مورتون أبرامويتز وقتذاك، في الوقف التابع للحزب في قاسم باشا وفق ما ذكره نصوحي غونغور الصحفي المقرب من أردوغان في كتابه «الحركة الحداثية»[1]. ولم يكذبه أردوغان، ووصفه السفير أبرامويتز بقوله: «أفضل أردوغان صاحب ربطة العنق والعصري في مظهره على أربكان»[2].
ثم حكم على أردوغان بالسجن لمدة عشرة أشهر بسبب شعر ألقاه في سيرت في 12 كانون الأول 1997م، وقد أخلي سبيله بعد أربعة أشهر بتاريخ 24 تموز 1999م، ثم رفع عنه حظر العمل السياسي وتولى رئاسة الوزراء. ومنذ ذلك الحين بدأ تلميع نجم أردوغان من أميركا، وتم تسويقه نموذجًا للمجتمع والأوساط الإسلامية على وجه الخصوص. واستطاع بالفعل أن يحدث تأثيرًا كبيرًا في الأوساط الإسلامية بما يمتلكه من مظهرٍ إسلاميٍّ، أي صلاته وتلاوته القرآن الكريم وخمار زوجته، وبسبب هذه الخصائص اكتسب محبة الأمة وقبولها الكبير، فاستطاع الخروج بأغلبية كبيرة في الانتخابات الأولى التي شارك فيها. ومنذ ذلك الحين عملت أميركا على تلميع نجم أردوغان وتقديمه نموذجًا إقليميًا، وخطت خطواتها في إطار سياسة الإسلام المعتدل التي تتبعها، وحققت نجاحًا كبيرًا.
وفي هذا السياق، وقعت الحادثة التي أحدثت ضجة كبيرة في المنتدى الاقتصادي العالمي المنعقد في 29 كانون الثاني 2009م في دافوس. فقد توجه رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان في ذلك الحين بكلامه لرئيس وزراء كيان يهود شمعون بيريز: «صوتك يرتفع كثيرًا، وأنت أكبر مني سنًا، وأعلم أن سبب ارتفاع صوتك أكثر مني هو ما يوجبه شعورك بالذنب، ولن يرتفع صوتي بهذا القدر، فلتعلم هذا جيدًا، وحين يتعلق الأمر بالقتل أنتم تعرفون جيدًا كيف تقتلون، وأنا أعرف جيدًا كيف قتلتم أطفالًا على الشواطئ…». وطغت أمواج هذه الكلمات على القمة وانتشرت في العالم، ولقيت قبولًا كبيرًا عند المسلمين جميعًا على امتداد الجغرافيا الإسلامية، حتى إن المسلمين في كثير من البلاد الإسلامية أطلقوا شعارات «خليفتنا أردوغان»، وبدأ الناس يسمون أبناءهم باسمه. ولا ينبغي تجاهل الأقوال والمقاربات التي تزعم بأن الحدث الذي وقع في دافوس لا يعدو كونه مسرحية، وقد ذكرت هذه المزاعم على لسان مقربين من حزب العدالة والتنمية مثل النائب الأسبق، ومن مؤسسي حزب العدالة والتنمية الأستاذ الدكتور نوزات يالجين تاش[3]. وحتى لو تجاهلنا هذا الزعم؛ يظهر أمامنا تراجع أردوغان عقب الحادثة في تصريحه للصحفيين؛ حيث قال: «تجاوز مدير الجلسة الذي كان ينتظر منه أن يلتزم بالموضوعية وفق قواعد المؤتمرات الدولية معايير الاجتماع، وحاول إنهاء الجلسة دون أن يعطي حقًا للمداخلين وأنا بينهم. وعندما قمت بالمبادرة وبدأت في الكلام، لم يسمح لي بالتعبير عن آرائي، وقمت بالاعتراض على مدير الجلسة، وتركت الجلسة التي كانت على وشك الاختتام، وأردت هنا أن أبين لكم هذا الأمر على وجه الخصوص؛ لأنه يمكن هنا تحريف الهدف…»[4]. ورغم هذه الخطوة إلى الوراء؛ ركزت وسائل الإعلام الأميركية على وجه الخصوص على هذا الحدث تركيزًا مفرطًا، واستخدم في تصعيد شعبية أردوغان، لكنه من جانب آخر لا تزال العلاقات مع كيان يهود الغاصب حتى اليوم في مستوى الصديق والحليف، وليس في مستوى «قاتل الأطفال».
لقد تمكن أردوغان منذ صعوده إلى السلطة من إحياء الروابط التي كانت منقطعة بين السلطة والشعب وتأسيس الجسور بينهما من جديد، وأحيا في المجتمع نظرة إيجابية للدولة، ودخل في عملية مصالحة بين المسلمين والدولة التي كانوا ينظرون إليها على أنها نظام كفر، وحل على سبيل المثال المشكلة القائمة في التعليم وخمار المرأة التي أزمنت سنوات طويلة حتى تفحمت في الوظائف العامة، فرفع حظر غطاء رأس المرأة في دوائر الدولة والجامعات والمدارس والدوائر الأمنية والجيش. ورفع القيود المفروضة على مدارس الأئمة والخطباء، وتلقى الناس ما قام به أردوغان على أنها إجراءات إسلامية رغم أنه قام بكل ما قام ويقوم به في إطار الحريات الديمقراطية. وبينما كان ينفق الأقوال التي ينال بها رضا الناس من جانب؛ يطبق من جانب آخر النظام الرأسمالي الديمقراطي الكافر الذي يرضي الكفار المستعمرين. وبينما يترك الزنا والفواحش التي حرمها مباحة من جانب، يطبق الربا والبنوك الربوية والنظام المالي القائم عليهما وما شابه ذلك من جانب آخر، ويتبع السياسات التي تنشره إلى كل زوايا المجتمع. أي أنه باسم إرضاء الغرب الكافر يحل ما حرم الله، ويحرم ما أحل الله، فقال في الزنا على سبيل المثال والخصوص: «لقد قمنا بمثل هذه الخطوة (إباحة الزنا) وفق مطالب الاتحاد الأوروبي وغير ذلك، لكننا أخطأنا في ذلك…»[5]، والله سبحانه وتعال يقول:(وَلَا تَقۡرَبُواْ ٱلزِّنَىٰٓۖ إِنَّهُۥكَانَ فَٰحِشَةٗ وَسَآءَ سَبِيلٗا)، ثم يقول في الربا: (فَإِن لَّمۡ تَفۡعَلُواْ فَأۡذَنُواْ بِحَرۡبٖ مِّنَ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦۖ). ورغم ذلك أعلن للناس بشارة الائتمانات الربوية في ظل الأزمة الاقتصادية لتسديد الناس ديونهم الربوية بديون ربوية جديدة مخفضة على حد زعمه من أجل كسب رضا هذه الشريحة من الناس. وليته قام بهذه الجهود في سبيل إرضاء الله بدلًا من السعي لتحقيق مطالب الغرب، ومعلوم أن الإعراض عن الإسلام طاعة للكافرين ندامةٌ في الدنيا وخسرانٌ يوم القيامة مبين.
وقد استطاع أردوغان الحصول على النجاح في جانب من سياساته. فاستطاع على سبيل المثال أن يحقق نموًا في الاقتصاد منذ توليه رئاسة الوزراء عام 2003م وحتى عام 2009م، واستطاع تحقيق زيادة في الناتج الإجمالي القومي محققًا نموًا في معدل حجم الاقتصاد من 1,11% إلى 1,37 من الاقتصاد العالمي. واستطاعت تركيا تحقيق أفضل أداء مقارنة بدول الاتحاد الأوروبي. وسدد كذلك ديونه على صندوق النقد الدولي. وحقق نوعًا من الاستقرار السياسي النسبي، وزيادة في القوة الاقتصادية والرفاه الاجتماعي. لكن هذه النجاحات التي حققها في هذه الميادين إنما كانت بفضل الدعم الأميركي السياسي والاقتصادي. حتى مستشارو أردوغان يزورون أميركا بكثافة باسم تأمين سلاسة هذا الدعم، ويقدمون طلباتهم للمسؤولين الأميركيين لاستخدام أردوغان بشكل أكبر فاعلية. ويلفت الانتباه تصريحات مستشاره الخاص جنيد زابو في ذلك الوقت؛ حيث قال في كلمته التي ألقاها في معهد أميركان إنتلربرايز عام 2006م: «استفيدوا من هذا الرجل، فهذا الرجل مكانة كبيرة في العالم الإسلامي بسبب معتقداته، ويؤمن بالنموذج الغربي للديمقراطية؛ لذلك أرى أن لا تفكروا بالانقلاب عليه! واستخدموه! ينبغي عليكم أن تستفيدوا منه هنا وفي أوروبا، وهذا هو عرضي لكم!» [6].
يُشاهد فشل كامل في المجالات التي ذكرتها سابقًا؛ حيث إن القدرة الشرائية للشعب قد ضعفت كثيرًا، وارتفع مستوى الفقر يومًا عن يوم، على عكس مستوى الرعاية المجتمعية فهو ينخفض مع مرور الأيام. كذلك فإن البنوك تستعمر الشعوب بمنح القروض، وتصادر جميع مدخرات الأشخاص المدينين لها، إضافة إلى أن الشعب قد وصل إلى درجة الإفلاس في جميع النواحي تقريبًا. عدا ذلك فقد ازدادت مع الأيام أخبار استغلال النساء والأطفال في المجمتع. وانخفض عمر تعاطي المخدرات إلى مستوى المدراس الابتدائية. وبالتالي فإن المجتمع يواجه صدمة إنسانية كبيرة. وإن كان هناك سبب لذلك فلن يكون غير السياسة التي يتبعها أردوغان والنظام الديمقراطي الغربي الذي يطبقه على المجتمع.
كذلك، ومع مرور الأيام، فإن البعد عن الإسلام يبرز أكثر في بعض سياسات وخطابات حزب العدالة والتنمية. ففي خطاب أدلى به بن علي يلدريم رئيس الورزاء الأسبق ورئيس البرلمان حاليًا، عام 2014م؛ حيث تحدث مفتخرًا: «كان هناك مصنعان للخمر في مدينة تكيرداغ قبل أن نحصل على السلطة، لكننا رفعنا العدد إلى 18 مصنعًا».
وبالطريقة نفسها نرى نيهاد زيبكتشي المرشح الحالي لرئاسة بلدية إزمير الكبرى من حزب العدالة والتنمية، في برنامج تم بثه على قناة سي إن إن تورك، يجيب على سؤال وجهه له مقدم البرنامج عن إنتاج الخمر ورُخِص أماكن بيع الخمر قائلًا: «لم أواجه سؤالًا كهذا من قبل. فلم يكن هناك شيء كهذا في الماضي، سواء في إزمير أو دنيزلي أو أي مكان قدمت منه، ففي أي منطقة في دنيزلي يوجد مطاعم تقدم الخمر، كذلك فإن رخصة معظم هذه الأماكن تحمل توقيعنا»، وأضاف زيبكتشي أيضًا: «وفيما يتعلق بدعم إنتاج الخمر يإزمير، فإن ذلك يعتبر اقتصادًا، فهو يعد منتجًا، أي صناعة وتجارة، فهو اقتصاد. ففي النهاية لست مفتيًا له هوية وشخصية دينية. ولست رئيس الشؤون الدينية. فذلك لا يهمني أبدًا. ولن أتقدم بأي فتاوى، إلا أن ذلك يعتبر إنتاجًا زراعيًا مثل زراعة الزيتون والتين، مثل زراعة القطن، فكذلك العنب أيضًا هو نتاج عرق جبين عمالنا وجهدهم، جهد مزارعينا»[7]
فهذه جميعها نتاج السياسات التي يتبعها أردوغان. ومع ذلك فليس هدفنا هو الوقوف على الوضع الشخصي لأردوغان، بل نقدنا له نوجهه نحو النظام الذي يقوم بتطبيقه. لأن أفعاله ليست إسلامية قطعًا. فطوال فترة حكمه التي تستمر منذ 16 عامًا لم يكن له أي فعل إسلامي أبدًا في موضوع واحد حتى، بل على العكس فقد اتبع السياسة التي حرمها الله تعالى، سواء على نطاق السياسة الداخلية أم الخارجية، ولا زال يواصل اتباعها حتى الآن. فبينما يحكم البلد على أساس العلمانية التي تفصل الدين عن الحياة، يقول بعدم علمانية نفسه والأفراد من جهة، ومن جهة أخرى يقول بكل جرأة إن الدولة تكون علمانية، ويواصل سياساته على هذا النحو. غير أن أردوغان بينما كان رئيسًا للوزراء عام 2006م، وفي المنتدى الاقتصادي العالمي في الشرق الأوسط المنعقد في مصر في تلك الفترة، طرح أحد الصحفيين عليه السؤال: «هل حزب العدالة والتنمية حزب ذو محور ديني؟» فأجاب: «نحن ننتسب إلى دولة علمانية ديمقراطية ذات قانون اجتماعي. فنحن نسيِّر جميع أعمالنا في هذا الإطار، أما إن كنت تسأل عن وضعي الشخصي، فأنا مسلم أحاول أن أكون متدينًا، ولكن ليس لدي صلاحية تقدير درجة ذلك»[8]. وبشكل مشابه ففي زيارة قام بها إلى مصر في عهد حكم الإخوان المسلمين قام بالدعوة للعلمانية، حتى إن الشعب المصري وقادة الإخوان المسلمين ذهلوا أمام ذلك. إن أردوغان يرى أنه من الخطأ الفادح وصف حزب العدالة والتنمية وحكومة حزب العدالة والتنمية بأنها متدينة وحزب إسلامي. كما أشار أردوغان إلى ذلك بشكل واضح وصريح في برنامج حزب العدالة والتنمية.[9] علاوة على ذلك فإن الدستور والقوانين التي تم تغيير العديد من نصوص بنودها من قبل حزب العدالة والتنمية لا تحتوي حتى بندًا إسلاميًا واحدًا. إن هذا لوحده كافٍ لفهم أن السلطة هي غير إسلامية، ورؤية أنه لا علاقة لها بالإسلام، غير وصف رئيس الجمهورية أردوغان لشخصه أنه مسلم؛ حيث إن أردوغان في التصريح الذي قدمه إلى مجلة نيوزويك في 10 شباط 2008م، قال: «إن تركيا قد تمكنت من النجاح في الأمر الذي قال الجميع إنها لن تتمكن من النجاح به، بفضل حفاظها على التوازن بين الإسلام والديمقراطية والعلمانية والحداثة. فحكومتنا تثبت قدرة مسلم متدين على الحفاظ على أفكاره العلمانية. كذلك يتم الإشارة دائمًا إلى حزب العدالة والتنمية في الغرب على أنه (حزب ذو جذور إسلامية)، غير أن ذلك خطأ، حيث إن حزب العدالة والتنمية ليس حزبًا منحصرًا بالمتدينين فقط، بل نحن حزب تركي معتدل، كما أننا نعارض تمامًا النزعة القومية العرقية، والقومية الوطنية والشوفينية الدينية، وتركيا بديمقراطيتها تعتبر مصدر إلهام لبقية العالم الإسلامي، لم تتغير الأحكام الدينية إلا أن مواقف الشعب التركي التي تتعلق بالدين قد تغيرت. التوسع الحضري للبلاد، وزيادة الثروة، ونوعية الحياة جلبت فهمًا مختلفًا. في الماضي لم يكن لدى الناس أي بديل. أما الآن فقد وفرنا حرية الاختيار»[10]
إن أردوغان يشعر بالحاجة إلى التأكيد على أنهم حزب غير إسلامي، في جميع زياراته، سواء إلى الدول القائمة في العالم الإسلامي أم الدول الغربية. وبعد لقاء أردوغان برئيس أميركا باراك أوباما في 8 كانون الأول 2009م في البيت الأبيض، توجه إلى جامعة جون هوبكينز حيث ألقى خطابًا قال فيه: «إن حزبنا ليس حزبًا إسلاميًا أبدًا، ليس هناك تيار عثماني جديد داخل الجمهورية التركية، هذه نسبة فقط، الذين يقومون بالنسبة مثل تغيير الوجهة، فهم يسعون للتغطية على السلطة الحالية. تغيير الوجهة المتعمد (الادعاء بتحول وجهة تركيا من الغرب إلى الشرق) والمذكور في الآونة الأخيرة يعتبر ادعاء ظالمًا. فكوننا هدمنا بعض العادات والتقاليد في السياسة الخارجية هو حقيقة. فأصبحت تركيا بسلام مع جميع جيرانها. فنتجول في العالم بقدم مثل البوصلة وأخرى ثابتة. إن تركيا صاحبة موقع كهذا. نفتح أبوابنا على مصراعيها»[11] وهكذا أكد على كونهم حزبًا غير إسلامي.
كما أفاد أردوغان في صحيفة لو فيغارو الصادرة في فرنسا بتاريخ 7 نيسان 2010م بالأهمية الكبيرة التي تحملها زيارته إلى باريس حيث قال: «بعض الفرنسيين ينظرون إلى عضويتنا بأحكام مسبقة. علينا أن نسعى من أجل تغيير هذه النظرة». وعلى السؤال: «هل تعتبرون حزبكم حزبًا إسلاميًا معتدلًا؟» قال أردوغان: «نحن لا نعرف أنفسنا كذلك. هناك أحزاب ديمقراطية نصرانية في أوروبا. أنا لا أقبل الإسلام السياسي. حزب العدالة والتنمية ليس حزبًا إسلاميًا. نحن نرى أنفسنا كديمقراطيين محافظين. فإذا رآنا حلفاؤنا الأوروبيون كذلك فسنتخلص من أحكامهم المسبقة بشأننا».[12]
كذلك وبالطريقة نفسها، فقد تحدث رئيس الجمهورية أردوغان إلى قناة العربية السعودية، وعلى السؤال: «هل لديكم حلم أو غاية مثل إقامة الخلافة؟» أجاب كما يلي: «العالم يخوض في تغيير وتحول. ومن ضمن هذا التغير والتحول قمنا حتى الآن ببيان النظام الذي نسعى نحن لتطبيقه، وما هو التحول الذي ينبغي إجراؤه حاليًا. ففي الوقت الراهن مثلًا تسير تركيا نحو استفتاء. هذا هو استفتاء النظام الرئاسي. فلا يوجد في انتخاب النظام الرئاسي هذا أي مما يتضمنه السؤال الذي طرحته. يعني أن تركيا ليس لديها قلق للخلافة كهذا حاليًا، أو مسألة خلافة أو ما شابهها»[13]
أما الأهم من ذلك كله فهو تأكيده على «العلمانية» في الزيارات التي قام بها وعلى رأسها مصر، واقتراحه العلمانية على الشعوب والحكام هناك، ومدافعته عن ذلك وكأنه عمل صائب. وحين وجه له السؤال: «يمكنكم الجمع بشكل جيد بين مفاهيم الإسلام والعلمانية. فما هي توصياتكم للعالم العربي بهذا الشأن؟» أجاب قائلًا: «أنا ارى صعوبة في شرح لمَ تأخر العالم الإسلامي إلى هذا الحد في إنشاء هذه الرابطة. نحن عندما أسسنا حزبنا، أحضرنا تعريف العلمانية. عندما كان السيد مرسي في وظيفته عقدت أثناء زيارتي مؤتمرًا في مبنى الأوبرا في القاهرة. في هذا المؤتمر شرحت عن العلمانية في ذلك المساء، وشرحت علاقتها بالإسلام. إذًا، فما هو تعريفنا للعلمانية في حزبنا الذي أسسناه؟ لا يصبح الأشخاص علمانيين دفعة واحدة، ولكن الدولة تصبح كذلك. في العلمانية تكون الدولة على نفس المسافة من جميع المعتقدات. وتضمن أن تعيش كل فئة اعتقادها كما تريد. هل يوجد في ذلك ما يعارض الإسلام؟ لا، إلا أن البعض لا يزالون يسعون لسحب ذلك إلى أبعاد أخرى.»[14]
الافتراض بحمل أردوغان شخصية إسلامية خفية كما يعتقد البعض قد ذهب مع الريح بعد هذه الأقوال جميعها. على العكس فإن جدول أردوغان حافل بالأفكار والأحكام غير الإسلامية من مثل العلمانية والديمقراطية والحريات والقومية والوطنية. إلا أن أردوغان يعتبر سياسيًا خبيرًا وماهرًا للغاية في تقديم جميع أعماله بحلة إسلامية. ومن أبرز صفاته أنه يملك وجهة نظر براغماتية وميكافيلية قدر الإمكان، وقدرته على إجراء تحولات داهية في سبيل مصالحه. وخاصة أن مستشاريه خبراء في هندسة المجتمع، ويقومون بتحديد أقوال وأفعال أردوغان وحكومته وفقًا لاستطلاعات الرأي التي يجرونها. فالمقولة «بإمكاني ارتداء ملابس قس إذا استدعى الأمر»[15] التي استخدمها في الزمن الذي كان فيه رئيس بلدية إسطنبول الكبرى، يدل على أن نهجه السياسي المصلحي كان قد بدأ بالتشكل منذ ذلك الوقت. وبالطبع فينبغي أن لا ننسى الدعم الإعلامي المهيأ من أجل خدمته؛ حيث إن الإعلام يبقي دائمًا على الساحة بعض الأمور التي تخدم مصلحة أردوغان، وفي المقابل يخفي عن الجمهور الأمور التي من الممكن أن تخلق تصورًا سلبيًا. فإن الإعلام يلعب دورًا مهمًا جدًا؛ حيث إن الإعلام قد تسبب سابقًا في سقوط الحكومات في تركيا، كما تسبب في ترك دنيز بايكال زعيم حزب الشعب الجمهوري منصبه ببث فيديو سري. كذلك فقد تسببت فيديوهات مشابهة في استقالة مدراء رفيعي المستوى من مناصبهم في حزب الحركة القومية. كذلك فمعظم وسائل الإعلام المعارضة لأردوغان اضطرت للإغلاق أو البيع أو استبعاد العاملين المعارضين نتيجة للضغوط الموجهة لها. فحاليًا عدد وسائل الإعلام التي لديها الشجاعة للحديث ضد أردوغان في الإعلام التركي تعتبر قليلة جدًا لدرجة إمكانية عدها على الأصابع.
فبفضل الدعم الإعلامي الذي يقف خلفه، فإنه قادر على الحديث بحرية في أي وسط يريده وبأي موضوع يرغب. ومع ذلك فإنه لا يروق له كثيرًا استخدام الألفاظ الإسلامية في الأعمال السياسية، حتى إنه حين يرغب يسكت الشبان الذين يتلون الآيات القرآنية في اجتماعاته، ويطلب منهم قراءة القرآن في المقابر. فمثلًا عندما عقد مؤتمر محافظة غيراسون في شهر آذار عام 2018م، وبينما كانت مجموعة من الشبان يقرؤون معًا آية من سورة آل عمران، قاطع قراءة الشبان وقال: «اتركوها لي، اقرؤوها إن شاء الله في المقابر، أما في الاجتماعات السياسية فاتركوها لنا. لنعلم جيدًا ماذا سنقرأ وأين نقرأ ذلك. اعتمدوا علينا. ستتركون هذه لنا، حسنا؟ ولنعلم جيدًا كيف وصلنا إلى هنا. فهل نحن في ضريح أو مسجد، علينا الفصل بينها، أم نحن في اجتماع سياسي؟ علينا فصل ذلك أيضًا؟»[16]
نعم، للأسف إن تصرفات أردوغان ليست من أجل الشعب المسلم كما يعتقد البعض، بل على العكس من أجل كسب رضا وسعادة أميركا التي مُنحت لها السلطة، وتثبيت نفوذها السياسي في تركيا. غير أنه لا أحد غير الله تعالى يستحق أن نسعى لكسب رضوانه. أما أردوغان فهو بعيد كل البعد عن ذلك، فأفعاله هي هذه حتى اليوم. إلا أنه وبدعم الشعب التركي المسلم الذي يدعمه، فقد سنحت له عدة فرص كبيرة لكسب رضا الله والمؤمنين. وخاصة في 15 تموز في محاولة الانقلاب، قد سنحت له فرصة عظيمة بدعم المسلمين الذين فدوا أرواحهم للإسلام وقدموا صدورهم كدروع على الرغم من الأسلحة والدبابات والطائرات. فبينما سنحت له فرصة كسر قيود الكفار المستعمرين والعمل من أجل عزة الإسلام والمسلمين بفضل دعم الشعب الذي فدا روحه دفاعًا عن الإسلام، وبينما سنحت له فرصة التتويج بالإعلان عن انقلاب إسلامي صباح 16 تموز، إلا أنه صرف وجهه، وسعى لإظهار نصر الإسلام على أنه نصر للديمقراطية، حيث إنه وصف الذين فدَوا أرواحهم للإسلام بأنهم شهداء الديمقراطية (!) وبذلك دنس أسماءهم.
إن ذلك كله يشير إلى أن أردوغان لا يعطي الأولوية في النظام السياسي للإسلام بل للديمقراطية. ومهما رفض إلا أن الإسلام الذي يستهدفه ليس إلا الإسلام المعتدل الذي يدعو له الغرب. فإن لم يكن هذا هو فهم «الإسلام المعتدل» الذي تسعى له دول الغرب، إذًا، فما هو؟ أليس هو فهم الإسلام على أنه عبارة عن عبادات فقط دون التدخل في الحياة والسياسة والمجتمع والدولة، فقط ليعيشه الأفراد في حياتهم الخاصة، دون أن يكون له أي انعكاس على الحياة؛ بحيث يكون على صلح مع القيم الغربية مثل الديمقراطية والعلمانية؟ نعم هذا هو فهم أردوغان للإسلام بذاته، وهو في الوقت نفسه المعنى الحرفي للإسلام المعتدل.
وكما أن تصرفاته التي تتعلق بالسياسة الداخلية هي على هذا النحو، فهو يتبع الطريق نفسه في سياسته الخارجية. فهو يسير ولا يحيد قيد شعرة إطلاقًا عن خط السياسة الخارجية الذي رسمته له وخططته وطلبته أميركا التي منحت له السلطة. إلا أننا أول ما رأينا من آثاره كان في 1 آذار 2003م، قبل احتلال أميركا للعراق، نرى ذلك في الإذن الذي طلبته من تركيا لاستخدام أراضيها وأجوائها في العمليات التي ستسيرها في شمال العراق، والترخيص غير المقبول الذي صدر نتيجة الجلسة السرية في 1 آذار 2003م في البرلمان بهذا الشأن. وبعد مرور 13 سنة أدلى أردوغان بتصريح جوابًا على سؤال صحفيين بهذا الشأن وقال: «أنا أساند ترخيص 1 آذار، والمعارضون لم يصرحوا بذلك، في ذلك الوقت رجاني بوش، ولكن للأسف بقينا لوحدنا بسبب خطأ أصدقائنا. لو أنه تم تطبيق ترخيص 1 آذار لجعل ذلك تركيا تجلس على الطاولة. من المهم جدًا رؤية الأفق»[17]
كما نرى، فمنذ السنوات الأولى للحكم، وأردوغان وحكومته حريصون على السير في السياسة الخارجية على الخط الذي رسمته أميركا، وأن الأفق المرسوم لتركيا ليس إلا أفق أميركا بكل وضوح. أما المثال الحي اليوم على ذلك فهو سقوط شهدائنا في سوريا والبلاد الإسلامية الأخرى؛ حيث إن أردوغان يقوم بإرسال الجنود الأتراك إلى العديد من الدول الأخرى خارج حدود بلادهم بموجب الطلبات الأميركية. فمثلًا أكثر من 50.000 جندي تركي تقريبًا يؤدون وظيفتهم في سوريا والعراق وقطر والصومال والبوسنة والهرسك وكوسوفو وألبانيا ولبنان وأفغانستان وجمهورية شمال قبرص التركية. وجود هؤلاء الجنود في تلك البلدان ليس إلا من أجل حماية مصالح أميركا الكافرة المستعمرة، وليس لأي سبب آخر. فلو كان العكس هو الصحيح لما كان سهلًا ورخيصًا إراقة دماء المسلمين اليوم في سوريا أو غيرها من البلدان الإسلامية إلى هذا الحد. فبينما ينبغي إرسال هؤلاء الجنود إلى البلدان من أجل حماية أعراض المسلمين ومقدساتهم، فللأسف يتم إرسالهم لحماية مصالح الكافر المستعمر. غير أنه من المؤلم جدًا رؤية تركيا وبعض البلاد الإسلامية اليوم يعتبرون أردوغان معاديًا لأميركا؛ حيث يتم التلاعب بذلك بهذه الطريقة من قبل عدد من الدوائر ووسائل الإعلام. فلو أن الأمر جرى كما يعتقد بعض المسلمين، ولو كان أردوغان فعلًا معاديًا لأميركا وفي حالة حرب معها، لما كان إلى جانب حليفته القديمة أميركا، بل في مواجهتها في العراق وسوريا والعديد من المناطق الإسلامية الأخرى. ولما كان اتخذ موقفًا في صف الائتلاف الغربي بل في صف المسلمين. ولما بحث عن العزة والشرف بجانب «أصدقائه وحلفائه» أميركا والغرب، بل على العكس بجانب الله ورسوله والمسلمين ]وَلِلَّهِ ٱلۡعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِۦ وَلِلۡمُؤۡمِنِينَ[.
إلا أن أردوغان فعل العكس تمامًا. فقام بإطلاق حرب قذرة بالوكالة باسم أميركا في المنطقة. فأنقذ أميركا من غرقها في سوريا. فقدم ماء الحياة لها وللنظام السوري الظالم. فقد استخدم ولا زال كل إمكانياته لعرقلة الثورة السورية المباركة. ففي السنوات الأولى للثورة، وعندما أطلق شعب بانياس نداء استغاثة، لم يكن من أردوغان إلا أن سد أذنيه وتركهم دون أي مساعدة [18]. غير أن أردوغان وجيشه الذي يقوده لديه ما يكفي من القوة لإسقاط نظام الأسد وإنهاء المسألة السورية في 24 ساعة؛ حيث إنه قبل 20 سنة تقريبًا من الآن في أيلول 1998م، قبل أن يتولى أردوغان منصبه، وقبل أن يصل الجيش التركي إلى هذه الدرجة من القوة، حينما كان قائد القوات البرية في ذلك الوقت هو الجنرال أتيلا آتش؛ حيث طلب إخراج عبد الله أوجلان من سوريا، وقام بتهديد نظام حافظ الأسد بقوله: «نفد صبرنا»، وعليه قام حافظ الأسد بطرد عبد الله أوجلان من سوريا.
كذلك فإن أردوغان قد وجه أقوى الضربات للثورة السورية، وكانت من بينها عملية درع الفرات. فبينما تم إنشاء درع الفرات في تركيا بحجة الوقوف ضد (الإرهاب) إلا أنه تم بسببه فتح خرق في خطوط المقاومين، فانقسم المعارضون والثوار السوريون وانفصلوا، وبسبب هذه العملية تم تسليم حلب لنظام الأسد. واليوم السياسة نفسها يتم اتباعها في إدلب أيضًا.
غير أن أردوغان الذي وصف قبل فترة قصيرة بشار الأسد بأنه ظالم وقاتل لشعبه وإرهابي، وكعادته فقد تراجع عن قوله، ولم يتردد بالإعلان عن إمكانية الالتقاء بالنظام الذي لطالما كان يعتبره عدوه حتى الأمس. وفي لقاء أجرته قناة الدولة الرسمية TRT التركية بتاريخ 03/02/2019م، أفاد أردوغان عن اتباع وحدات الاستخبارات سياسة خارجية بمستوى منخفض مع سوريا؛ حيث قال: «حتى لو لم يكن هناك حوارات بين الزعماء، إلا أن هناك أعمالًا متبادلة يتم تسييرها بين وحدات الاستخبارات، وحيث إن المنظمات الاستخباراتية لا تحمل وجهة نظر الزعماء إن كانوا لن يجتمعوا فنحن كذلك. بإمكان الزعماء الخروج عن المحور في معظم الأحيان، فتقوم وحدات الاستخبارات بالاستفادة من ذلك»[19]
لذلك فإن جميع الخطوات السياسية والعسكرية التي يخطوها أردوغان بشأن سوريا، تكون نحو منفعة أميركا ومصالحها. طبعًا هذا الأمر ليس منحصرأ في سوريا وحدها. فالالتفاف نفسه في السياسة الخارجية أظهره بشأن المسألة الفلسطينية عندما قال: «القدس هي الخط الأحمر بالنسبة لنا».
ففي حادثة سفينة مافي مرمرة التي انطلقت من تركيا لخرق الحصار الذي طبقه كيان يهود على غزة، وبعد قتل المسلمين على يد الجنود اليهود، فقد استعمل أردوغان بعد ذلك عبارات الإرهابي والسفاح ليصف كيان يهود. وحينها أعلن عن قطع جميع العلاقات التجارية والسياسية مع كيان يهود. ولكن كما هي عادته، فقد رجع عن هذه الأفعال والأقوال حيث بدأ بإظهار ردة فعل معاكسة على المنظمات التي نظمت رحلة سفينة مافي مرمرة؛ حيث إنه في 2016م، بعد اللقاء الذي أجراه مع بوتين رئيس دولة روسيا في المجمع الرئاسي، أدلى أردوغان بتصريح أوضح فيه قيامه بخطوات مهمة في طريق تحسين العلاقات مع كيان يهود التي كانت قد تعكرت بعد الاعتداء على سفينة مافي مرمرة؛ حيث قال: «أنتم تجهزون وتنطلقون لإرسال مساعدات إنسانية كهذه من تركيا، فهل سألتم رئيس وزراء تلك الفترة؟ نحن أصلًا لطالما أوصلنا المساعدات اللازمة إلى غزة، وإلى فلسطين، نحن نقوم بهذه المساعدات في الأصل ولكن ليس لعرض قوتنا، بل قمنا بذلك ولا زلنا على الأصول الدبلوماسية كما هي الدبلوماسية الدولية، وسنقوم بذلك على الوجه نفسه في المستقبل، لن نقوم بذلك بقرع الطبول، قمنا بذلك بأدبنا وأخلاقنا، وهكذا سنواصل»[20] بعد ذلك تم التعتيم على مسألة تعويض أهالي الضحايا وعادت العلاقات إلى مجاريها مجددًا.
الطريف الغريب في المسألة هو ارتفاع حجم التبادل التجاري بين تركيا وكيان يهود في الفترة التي كان يدَّعي فيها أن العلاقات بينهما سيئة؛ حيث إن أردوغان صرح بارتفاع حجم التبادل التجاري بنسبة 14% في السنة الواحدة بين تركيا والدولة التي وصفها بـ«دولة الاحتلال والإرهاب». [21]، إلى جانب ذلك ففي 2002م، العام الذي استولى حزب العدالة والتنمية فيه على السلطة، كان حجم التبادل التجاري مع كيان يهود يبلغ 1.4 مليار دولار، إلى أن وصل ذلك الرقم حاليًا إلى 4.9 مليار دولار. [22]، خاصة أنه تمت المحافظة دائمًا على العلاقات العسكرية، وواصل طيارو كيان يهود تلقي تعليمهم في تركيا.
كما يمكننا رؤية مظاهر السياسة الخارجية الأخرى على عدم اهتمام أردوغان بدماء المسلمين المراقة، في علاقاته مع روسيا التي تريق دماء المسلمين في القفقاس وسوريا وآسيا الوسطى، والعلاقات مع الصين التي تريق دماء المسلمين في تركستان الشرقية. ولكن حتى لا أطيل الكتابة في مقالنا سأكتفي بهذه.
والحاصل أن الظاهر في السياسة التي يتبعها أردوغان وفي تصرفاته ليس الإسلام للأسف، ولكن مصالح الدول الغربية المستعمرة. غير أن الأمة الإسلامية بقدر عطشها لقائد مسلم غيور عليها فقد تحمست وتأملت منه الكثير. وفتحت قلوبها لأردوغان على أمل العودة إلى أيام العز القديمة. لكنه ضيَّع هذه الفرصة، ودفع هذا الشرف بظاهر كفه. فبدل أن يطبق أرقى دين أنزله الله لنا، وهو الإسلام، على واقع الحياة، مال نحو الإسلام المعتدل مشروع الغرب. ربما اكتسب اعتبارًا لدى الغرب، لكن فقد اعتباره لدى الأمة الإسلامية. فالقلوب التي كانت تفيض بحبه بدأت تمتلئ ببغصه؛ حيث كشف ما خلف الستار، وظهرت الهويات والوجوه الحقيقية. فقد خلف مَن قبله وفضل الوقوف في صف الخاسرين آخرتهم ودنياهم من أجل كسب رضا الكفار المستعمرين. واحسرتاه! بئس الاختيار وبئست الخسارة… ﴿قُلۡ هَلۡ نُنَبِّئُكُم بِٱلۡأَخۡسَرِينَ أَعۡمَٰلًا ١٠٣ ٱلَّذِينَ ضَلَّ سَعۡيُهُمۡ فِي ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا وَهُمۡ يَحۡسَبُونَ أَنَّهُمۡ يُحۡسِنُونَ صُنۡعًا ﴾ .
لكن ليعلم أبناء الأمة المخلصون أن الله هو مالك الدين والدعوة، ولن يضيع المؤمنين أبدًا؛ حيث إن الله سيرسل نصرته في الوقت الذي تشتد حاجة الأمة فيه إلى النصرة عندما تفقد الأمل. بالتأكيد هذا امتحان لنا. فجميع الذين وثقت بهم الأمة وساندتهم وتأملت فيهم الخير منذ هدم الخلافة حتى يومنا هذا، كشف الله وجوههم الحقيقية، عاجلًا أم آجلًا. في مصر، والعراق، وسوريا، وفلسطين، والخليج، وباكستان، وماليزيا، والسودان، واليمن، وإيران، وآسيا الوسطى… فلم يبقَ أي رئيس تثق به الأمة، وأردوغان أحدهم، فمع الوقت يفقد شعبيته أكثر فأكثر. فرائحة فساد الأنظمة التي يطبقها في السياسة الداخلية والخارجية والاقتصاد والجيش والقضاء والتعليم قد أزكمت الأنوف؛ حيث إن الأمة الإسلامية أصبحت على يقين أن لا مبدأ غير الإسلام، ولا حكم غير الإسلام، ولا حل غير الإسلام. فحين تهب من أجل نصرة الإسلام ينصرها الله تعالى. وما ذلك على الله بعزيز.
﴿ وَسَيَعۡلَمُ ٱلَّذِينَ ظَلَمُوٓاْ أَيَّ مُنقَلَبٖ يَنقَلِبُونَ ﴾ [الشورى: 227]
[1] نصوحي غونغور / Nasuhi Güngör، «الحركة الحداثية – تقييمٌ على محور النظام العالمي الجديد» / “Yenilikçi Hareket – Yeni Dünya Düzeni Ekseninde Bir Değerlendirme”، منشورات Anka، ص 83. وكذلك ذكرته صحيفة أيدنلك / Aydınlık في عددها الصادر في 20 تشرين الأول 1996.
[2] المرجع السابق.
[3] صحيفة Sözcü، 20 تموز 2014.https://www.sozcu.com.tr/2014/gunun-icinden/one-minute-cikisi-bir-kurguydu-560171/
[4] http://www.hurriyet.com.tr/gundem/erdogan-tavrim-moderatore-10887334
[5] https://www.yeniakit.com.tr/haber/cumhurbaskani-erdogan-zina-yasasinda-yanlis-yaptik-426450.html
[6] http://www.milliyet.com.tr/-kullanin-/siyaset/haberdetayarsiv/12.04.2006/153103/default.htm
[7] https://tr.sputniknews.com/turkiye/201902141037652910-zeybekci-sarabin-desteklenmesi-bir-ticarettir-diyanet-isleri-baskani-degilim/
[8] http://www.hurriyet.com.tr/gundem/erdogan-din-eksenli-bir-parti-degiliz-4450933
[10] https://www.milligazete.com.tr/haber/763608/bizi-islami-parti-zannediyorlar
[13] https://www.youtube.com/watch؟v=5arGh4ZhHso
[14] https://www.sabah.com.tr/gundem/2017/02/18/cumhurbaskani-erdogan-el-arabiyaya-konustu
[15] https://odatv.com/iktidar-icin-papaz-elbisesi-de-giyerim-3107141200.html
[16] http://www.sanalbasin.com/erdogan-toplu-ayet-okuyan-akpli-gencleri-uyardi-camide-miyiz-siyasi-toplantida-mi-24261549/
[17] https://www.stratejikortak.com/2017/03/14-yilinda-1-mart-tezkeresi.html
[18] https://www.timeturk.com/tr/2011/04/13/banyas-halkindan-basbakana-cagri.html
[19] https://www.bbc.com/turkce/haberler-turkiye-47111848
[20] http://www.hurriyet.com.tr/gundem/erdogandan-mavi-marmara-cikisi-gunun-basbakanina-mi-sordunuz-40123952
[21] https://t24.com.tr/haber/son-bir-yilda-turkiye-israil-arasindaki-ticaret-hacmi-yuzde-14-artti,513934
[22] http://eborsahaber.com/92078/2018/gundem/turkiye-ile-israil-arasindaki-dis-ticaret-hacmi-49-milyar-oldu/
2019-05-19