العدد 390-391-392 -

السنة الثالثة والثلاثون -رجب – شعبان – رمضان – 1440هـ – آذار – نيسان- أيار 2019م

الخلافة الحقيقية على منهاج النبوة… قاب قوسين أو أدنى

الخلافة الحقيقية على منهاج النبوة… قاب قوسين أو أدنى

عصام عميرةبيت المقدس

نحن في العام الهجري 1440، وبذلك يكون قد مضى على هدم خلافتنا الإسلامية العثمانية 98 سنة عجافًا، لم يذق المسلمون خلال هذا القرن العصيب من قرون الأمة الإسلامية طعم الأمن والاستقرار بكل ما تعني الكلمة من معنى. بل إنهم ومنذ ذلك الحين قد أُشبعوا قتلًا وتشريدًا وتمزيقًا وفقرًا وجهلًا ومرضًا وخرابًا في المساكن وفسادًا في المعاملات والذمم، وضياعًا للثروات، وقهرًا استعماريًا لم يسبق له مثيل في تاريخهم، وصاروا في ذيل الأمم بعد أن اقتعدوا ذرى المجد والصدارة قرونًا قبل ذلك كثيرًا.

وقد يظن البعض أن الأمد قد طال، وأن عودة الخلافة راشدةً ثانيةً على منهاج النبوة قد أصبح بعيد المنال، نظرًا لشدة تكالب دول الكفر على المسلمين، وضياع كثير من المفاهيم الإسلامية الأصيلة من أذهانهم وأذهان علمائهم، وغير ذلك من المعطيات والمؤشرات التي تشي باستحالة إقامة الخلافة الحقيقية من جديد، ما يبعث اليأس في نفوس كثير من المسلمين، ويجعلهم يتعايشون مع الواقع الرأسمالي المفروض عليهم، ويعتبرونه قدَرهم وخيارهم الوحيد في هذه الحياة الدنيا، من حيث يدرون أو لا يدرون.

وفي هذا الوضع المزري يأتي قول الله عز وجل ليبعث الأمل في النفوس، وينعى على الذين ركنوا إلى الحياة الدنيا واطمأنوا بها، وغفلوا عن آيات الله سبحانه وتعالى: (إِنَّ ٱلَّذِينَ لَا يَرۡجُونَ لِقَآءَنَا وَرَضُواْ بِٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا وَٱطۡمَأَنُّواْ بِهَا وَٱلَّذِينَ هُمۡ عَنۡ ءَايَٰتِنَا غَٰفِلُونَ ٧ أُوْلَٰٓئِكَ مَأۡوَىٰهُمُ ٱلنَّارُ بِمَا كَانُواْ يَكۡسِبُونَ ٨ إِنَّ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ يَهۡدِيهِمۡ رَبُّهُم بِإِيمَٰنِهِمۡۖ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهِمُ ٱلۡأَنۡهَٰرُ فِي جَنَّٰتِ ٱلنَّعِيمِ ٩ دَعۡوَىٰهُمۡ فِيهَا سُبۡحَٰنَكَ ٱللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمۡ فِيهَا سَلَٰمٞۚ وَءَاخِرُ دَعۡوَىٰهُمۡ أَنِ ٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِ رَبِّ ٱلۡعَٰلَمِينَ ١٠ ۞وَلَوۡ يُعَجِّلُ ٱللَّهُ لِلنَّاسِ ٱلشَّرَّ ٱسۡتِعۡجَالَهُم بِٱلۡخَيۡرِ لَقُضِيَ إِلَيۡهِمۡ أَجَلُهُمۡۖ فَنَذَرُ ٱلَّذِينَ لَا يَرۡجُونَ لِقَآءَنَا فِي طُغۡيَٰنِهِمۡ يَعۡمَهُونَ)

ومن جهة أخرى، يتحدث القرآن الكريم مع الذين آمنوا وعملوا الصالحات المخصوصات المعهودات المحددات والمفضيات إلى الاستخلاف والتمكين والأمن، قائلًا لهم عز وجل: (وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مِنكُمۡ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ لَيَسۡتَخۡلِفَنَّهُمۡ فِي ٱلۡأَرۡضِ كَمَا ٱسۡتَخۡلَفَ ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِهِمۡ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمۡ دِينَهُمُ ٱلَّذِي ٱرۡتَضَىٰ لَهُمۡ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّنۢ بَعۡدِ خَوۡفِهِمۡ أَمۡنٗاۚ يَعۡبُدُونَنِي لَا يُشۡرِكُونَ بِي شَيۡ‍ٔٗاۚ وَمَن كَفَرَ بَعۡدَ ذَٰلِكَ فَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡفَٰسِقُونَ). ويطمئنهم سبحانه وتعالى بقرب تحقيق وعد ربهم قائلًا لهم وهو أصدق القائلين: (أَلَآ إِنَّ نَصۡرَ ٱللَّهِ قَرِيبٞ). والتعبير القرآني عن القرب الزماني والمكاني يتجلى في قوله تعالى: (ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّىٰ 
فَكَانَ قَابَ قَوۡسَيۡنِ أَوۡ أَدۡنَىٰ).

وللقاب عند المفسرين ثلاثة معانٍ:[1]

قاب: بمعنى (قدْر) وهو مذهب أكثر المفسرين.

 قاب: أي المسافة ما بين مقبض القوس وما بين سيتها وهو طرفي القوس. فيكون للقوس الواحد قابان وسيتان.

 قاب بمعنى صدر القوس حيث يشد عليه السير الذي يتنكبه صاحبه. وعلى ذلك يكون للقوس قاب واحد.

ولعل من المناسب والمفيد في الوقت نفسه أن نتعرض لجملة من النقاط البارزة ذات الصلة بهذا الموضوع؛ ليكون المسلمون على بينة من أمرهم فيه، ولتُبعث فيهم الهمم للاصطفاف مع العاملين، وليصبح العمل لإقامة الخلافة رأيًا عامًا كاسحًا لديهم، ويكون هذا الرأي العام منبثقًا عن وعي عام عميق ومتميز على فكرة الخلافة، وما يتعلق بها من أفكار ومفاهيم شرعية وسياسية، كي يشكل ذلك كله طوفانًا يجتاح مفاهيم الكفر وأدوات تثبيته في بلاد المسلمين، ويقتلع نفوذهم، وتعود المياه الإسلامية إلى مجاريها، ويسترجع المسلمون عزهم وكرامتهم.

وهذه النقاط هي:

شرح كلمة قاب لغة وشرعًا.

تعريف الخلافة الحقيقية، وبيان موجز للخلافة المزيفة والمزعومة والمهدية.

الداعي للشعور الأكيد بأن الخلافة الحقيقية قريبة وقاب قوسين أو أدنى.

الثمن الباهظ الذي يدفعه المسلمون في ظل غياب الخلافة الحقيقية.

واجب المسلمين اليوم تجاه الخلافة الحقيقية القادمة.

الفرصة التاريخية والأجر الكبير للعاملين لها.

أولًا: شرح كلمة قاب لغة وشرعًا

أما لغة: فكلمة قاب [مفرد]، ومعناها: قدر، مقدار (فَكَانَ قَابَ قَوۡسَيۡنِ أَوۡ أَدۡنَىٰ ٩)، كناية عن القرب. وقاب القوس: ما بين المقبض وطرف القوس (فَكَانَ قَابَ قَوۡسَيۡنِ أَوۡ أَدۡنَىٰ ٩). والقوس في لغة أهل الحجاز هو ذراع يستعمل لذرع المسافات. ويمكن أن يشم من ذلك أنه مشتق من (قاس) ومنه القوس كمصدر للفعل قاس. على زنة قال قولًا ليكون قاس قوسًا. وقد تذرع العرب برمية سهم. فلا يبعد أن يذرعوا بالقوس. والقوس مقدار ذراع عند العرب.[2]

وأما شرعًا: قال ابن كثير: وقوله: (فَكَانَ قَابَ قَوۡسَيۡنِ أَوۡ أَدۡنَىٰ ٩) أي: فاقترب جبريل إلى محمد لما هبط عليه إلى الأرض حتى كان بينه وبين محمد صلى الله عليه وسلم قاب قوسين أي: بقدرهما إذا مدا. قاله مجاهد، وقتادة: وقد قيل: إن المراد بذلك بعد ما بين وتر القوس إلى كبدها. وقوله: (أَوۡ أَدۡنَىٰ) هذه الصيغة تستعمل في اللغة لإثبات المخبر عنه ونفي ما زاد عليه.[3]

ومقام الآية مقام بيان للقرب والدنو والتدلي، وجميع ذلك من مقولة المسافة والقياس والذرع، فناسب أن يكون المراد بيان مسافة القرب بما في معهود العرب من وحدات القياس.[4]

وفي ذلك إشارة إلى قرب نصر المؤمنين مهما طالت فترة الابتلاء والاختبار والتمحيص، بما أنه آت لا محالة، (وَكَانَ حَقًّا عَلَيۡنَا نَصۡرُ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ٤٧) [سورة الروم: 47]، (أَلَآ إِنَّ نَصۡرَ ٱللَّهِ قَرِيبٞ ٢١٤) [سورة البقرة: 214]. وجاء في كتاب الأسماء والصفات للبيهقي: أَخْبَرَنَا أَبُو زَكَرِيَّا يَحْيَى بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى، حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، حَدَّثَنَا بَحْرُ بْنُ نَصْرٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٌ، قَالَ: أَخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: بَلَغَنَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ إِذَا خَطَبَ: «كُلُّ مَا هُوَ آتٍ قَرِيبٌ، وَلا بَعُدَ لِمَا هُوَ آتٍ، لا يَعْجَلُ اللَّهُ لِعَجَلَةِ أَحَدٍ، وَلا يَخَفْ لأَمْرِ النَّاسِ، مَا شَاءَ اللَّهُ لا مَا شَاءَ النَّاسُ، يُرِيدُ النَّاسُ أَمْرًا، وَيُرِيدُ اللَّهُ أَمْرًا، وَمَا شَاءَ اللَّهُ كَانَ وَلَوْ كَرِهَ النَّاسُ، لا مُبْعِدَ لِمَا قَرَّبَ اللَّهُ، وَلا مُقَرِّبَ لِمَا أَبْعَدَ اللَّهُ، وَلا يَكُونُ شَيْءٌ إِلا بِإِذْنِ اللَّهِ»، أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ، بِبَغْدَادَ، أنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أنا مَعْمَرٌ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ بُرْقَانَ، قَالَ: قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَذَكَرَهُ مِنْ قَوْلِهِ مَوْقُوفًا مُرْسَلا، فَكَأَنَّهُ أَخَذَهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.[5]

فالنصر آت لا محالة، وإقامة الخلافة وعد ربنا وبشرى نبينا فلا محالة كائنة، ولا يبقى أمام العاملين الجادين والهادفين لإقامة الخلافة الحقيقية الثانية الراشدة على منهاج النبوة إلا استمرار العمل مع الصبر.

ثانيًا: تعريف الخلافة الحقيقية، وبيان موجز للخلافة المزيفة والمزعومة والمهدية

أما الخلافة الحقيقية: فهي رئاسة عامة طوعية بالبيعة الانعقادية والانقيادية للمسلمين جميعًا في الدنيا لإقامة أحكام الشرع، وهي دولة تمثل الإسلام.

وأما الخلافة المزيفة: فهي رئاسة جزئية قسرية لفئة من الناس لا يقام فيها شرع الله كاملًا، كما هي الحال في دويلات الضرار القائمة في العالم الإسلامي، والتنظيمات التي قد تسيطر على رقعة من الأرض إسلامية كانت أم غير إسلامية. ومثال ذلك حماس في غزة وتنظيم الدولة في العراق والشام، وجناحا السلطة في ليبيا. وهي كيانات لا تمثل الإسلام، وهي جزء لا يتجزأ من مرحلة الملك الجبرية. وقد سمعنا عن خلافة مزعومة مختفية في العالم الافتراضي، ينادي بها أدعياء لا يؤبه بهم. وأما المهدي المنتظر، فمسألة لا علاقة لها اليوم بالعمل للخلافة، كون المطلوب لها هو الانتظار وليس العمل.

ثالثًا: الداعي للشعور الأكيد بأن الخلافة الحقيقية قريبة وقاب قوسين أو أدنى:

وجود عاملين لها على منهاج الذين عملوا للدولة الإسلامية الأولى، وهم شباب حزب التحرير الذين يعملون بأقصى السرعة وأقصى الطاقة منذ أكثر من ستة عقود وبإصرار فريد لإحياء فكرة الخلافة في نفوس المسلمين، وحشدهم للعمل معه لإقامتها في أسرع وقت ممكن، مستنصرًا بأهل القوة والمنعة من الجيوش وغيرها من مراكز القوى في الأمة الإسلامية لمساندته في إتمام هذا العمل الشرعي الجليل، ووجد هذا استجابة لقول الله عز وجل: (وَلۡتَكُن مِّنكُمۡ أُمَّة

انقضاء عهود المسلمين من النبوة إلى الخلافة الراشدة الأولى على المنهاج، ثم إلى الملك العاض، ثم إلى الملك الجبرية التي نحن فيها نعاني الويلات والأزمات. ويصدق هذا ما رواه حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال: كنا قعودًا في المسجدِ وكان بشيرُ رجلًا يكفُّ حديثَه، فجاء أبو ثعلبةَ الخشنيُّ فقال: يا بشيرَ بنَ سعدٍ، أتحفظُ حديثَ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم في الأمراءِ. فقال حذيفةُ: أنا أحفظُ خطبتَه، فجلس أبو ثعلبةَ، فقال حذيفةُ: قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «تَكُونُ النُّبُوَّةُ فِيكُمْ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ تَكُونَ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا، ثُمَّ تَكُونُ خِلاَفَةٌ عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ، فَتَكُونُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ تَكُونَ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا، ثُمَّ تَكُونُ مُلْكًا عَاضًّا، فَيَكُونُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَكُونَ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا، ثُمَّ تَكُونُ مُلْكًا جَبْرِيَّةً، فَتَكُونُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ تَكُونَ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا، ثُمَّ تَكُونُ خِلاَفَةٌ عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةٍ. ثُمَّ سَكَتَ». أخرجه الهيثمي في مجمع الزوائد، وخلاصة حكم المحدث: رجاله ثقات، وقد روي بطرق مختلفة صحيحة عند غيره. ومن لطيف ما يروى في هذا الحديث ما قالَه حبيبٌ[6]: فلمَّا قامَ عُمرُ بنُ عبدِ العزيزِ، وَكانَ يزيدُ بنُ النُّعمانِ بنِ بشيرٍ في صحابتِهِ، فَكَتب إليهِ بِهَذا الحديثِ أذَكِّرُ إيَّاهُ، فَقلتُ إنِّي لأَرجو أن تَكونَ أميرَ المؤمنينَ، يعني عمرَ، بعدَ الملكِ العاضِّ والجبريَّةِ، فأُدْخِلَ كتابي على عُمرَ بنِ عبدِ العزيزِ فسُرَّ بِهِ وأعجبَهُ. ولكنه رحمه الله لم يكن يعلم بهدم الخلافة وظهور الملك الجبرية الحقيقة المتوحشة، وأنه ستقام بإذن الله الخلافة الحقيقية الراشدة الثانية على منهاج النبوة قاب قوسين أو أدنى.

إقرار معظم المسلمين بوحشية الحكام ملوك الطوائف وفساد تدبير دويلات الضرار الوطنية في رعايتهم.

استنفار الكفار جميعًا ضد عودة الخلافة الحقيقية، واتخاذهم جميع السبل لمنع إقامتها، ومن ذلك صناعة الخلافة المزيفة.

خلافات القوى العظمى حول مصالحهم في العالم وخصوصًا في سوريا، ينذر بحروب بينهم تفسح المجال لبروز قوى الخلافة الحقيقية، كما حصل مع الروم والفرس زمن النبي صلى الله عليه وسلم.

الثقة التامة بوعد الله وبشرى رسول الله صلى الله عليه وسلم بقرب إقامتها.

رابعًا: الثمن الباهظ الذي يدفعه المسلمون في ظل غياب الخلافة الحقيقية.

يحتاج هذا البند صفحات وربما مجلدات لحصره، وقد لا نستطيع، لأن زلزال هدم الخلافة قد أطاح بكبرياء الأمة ونظامها السياسي، وفقدت بسببه مفقودات كثيرة في عددها وكبيرة في حجمها. لقد فقدنا أشياء ثمينة جدًا، وعليه فإننا سننشد مفقودنا بكل ما أوتينا من وسائل وأساليب متاحة ومباحة، وسيؤذن مؤذنونا في كل مكان – كما أذن مؤذن يوسف عليه السلام – صارخين: أيها الحكام، أيها الملوك والرؤساء والأمراء، أيها الأعوان الأشرار، إنكم لسارقون! وسنعلن للملأ أنهم هم المسؤولون عن مفقوداتنا كافة. وعندما يُقبل الناس علينا سائلين عن مفقوداتنا، ويقولون لنا: ماذا تفقدون؟ فإنا سنجيبهم بكل ثقة ووضوح وجرأة قائلين: إنه ومنذ أن نصّب علينا أولئكم الحكام، بعد أن تآمر آباؤهم وأجدادهم وأسلافهم من الخونة مع الإنجليز والفرنسيين ثم مع الأميركيين، على هدم الخلافة العثمانية قبل نيف وتسعين عامًا،

فإننا فقدنا بزوالها مفقودات كثيرة وكبيرة وثمينة. ولما فحصنا بعضًا من أهم تلكم المفقودات، وجدنا أن خسارتنا جراء ذلك الزلزال الرهيب فادحة جدًا، وتفوق الوصف. وأن على المسلمين اليوم أن يتعرفوا على تلكم المفقودات كي يوطنوا أنفسهم للعمل لاستردادها مع العاملين المخلصين الجادين والهادفين لإقامة دولة خلافة المسلمين الثانية الراشدة على منهاج النبوة، والمحافظة عليها محافظة تامة كيلا نفقدها تارة أخرى.

لقد فقدنا رضا الله عز وجل، هذا الرضا الذي لا يتحقق إلا من خلال التطبيق الكامل والشامل للكتاب والسنة، وإقامة الدين، وإيجاد الحياة الإسلامية في الدولة والمجتمع، وحمل الدعوة إلى العالمين.

وفقدنا الإمام الجنة (الخليفة) الذي لا تكون البيعة في أعناق المسلمين إلا له؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «وَمَنْ مَاتَ وَلَيْسَ فِي عُنُقِهِ بَيْعَةٌ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً»، ولنا أن نتخيل الإثم الذي حل بالمسلمين أجيالًا متعاقبة منذ هدم الخلافة حتى يومنا هذا، وبعدها تراكمت علينا النكبات وكثرت المفقودات وكبرت وأصبحت ككرة الثلج تتعاظم كلما تدحرجت.

وفقدنا الأمن والسلامة؛ فأصبحنا خائفين، ومسَّنا الضر، وصارت بضاعتنا مزجاة.

وفقدنا العلم والتعليم والتفكير الجدي مما حرمنا من النهضة ومواكبة التقدم العلمي، ومنعنا من إيجاد شخصيات إسلامية، وعمَّنا الجهل وشاعت الأمية في خير أمة أخرجت للناس.

وفقدنا القوة والجهاد والرباط والجبهات الحقيقية والثغور، مما ترتب عليه ضعفنا وهزائمنا المتلاحقة.

وفقدنا الثروة مما أورثنا الفقر.

وفقدنا التنوير وسبيل الرشاد مما جعلنا نتيه في دياجير الظلمات.

وفقدنا العزة والشرف والكرامة مما جعلنا كمًّا مهملًا لا يعبأ بنا أحد.

وفقدنا السيادة واستقلالية القرار السياسي مما جعلنا مستسلمين لأعدائنا، وصرنا نهبًا للطامعين.

وفقدنا العدل مما أوقعنا في الظلم والقهر، وصار بأسنا بيننا شديدًا.

وفقدنا الأمانة والإخلاص مما زاد من الخونة والسرّاق فينا وتولى أمرنا شرارنا.

وفقدنا الأخلاق الحميدة والقيم الرفيعة مما أتاح المجال للفساد وسوء الأخلاق أن يسودا.

وفقدنا الأراضي الشاسعة والبيوت الآمنة التي طرد أهلها منها وصارت أعداد اللاجئين والمهاجرين والنازحين بالملايين.

وفقدنا مقدسات كثيرة عاث المحتلون فيها فسادًا ودنسوها.

وفقدنا الجماعة والاتفاق ووحدة البلاد والعباد مما جعل بلاد المسلمين مقسمة إلى مزق ودويلات وكيانات لا تذب عن وجهها أي ذباب سياسي.

وفقدنا… وفقدنا… وفقدنا… ونزيد أمتنا الإسلامية الكريمة من الشعر بيتا، بأنه يؤسفنا أن نُعلِمكم أن الذي بقي في أيدينا بعد أن فقدنا كل ما تقدم يعتبر زهيدًا لا قيمة له.

إن المكافأة التي رصدها المؤذن الأول لمن يأتيه بصواع الملك هي حمل بعير من البضاعة الرائجة في عصرهم، ولكن الله سبحانه وتعالى قد رصد مكافأة أعظم للذين يعملون لاسترداد مفقودات أمتنا المنكوبة اليوم، إنها الجنة التي فيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، وشتان ما بين الوعدين. وهذا ما وعد به رسول الله صلى الله عليه وسلم نقباء قبائل الأوس والخزرج بعد أن بايعوه على نصرة الدين، جوابًا على سؤالهم: وما لنا إن وفينا؟ فقال: الجنة. فقالوا: ربح البيع، لا نقيل ولا نستقيل. ومن أجل جعل هذه اللحظات المباركة تعود مرة أخرى، ندعو أصحاب القوة والمنعة والمؤثرين من أبناء المسلمين أن يضعوا إمكانياتهم تحت تصرف العاملين المخلصين لإقامة الخلافة، وأن لا يتوانوا لحظة واحدة عن البدء بإجراءات فورية لخلع حكام دويلات الضرار القائمة في العالم الإسلامي، وإقامة دولة الخلافة التي توحد بلاد المسلمين وشعوبهم، وتعيد مفقوداتهم، ثم تحمل الدعوة الإسلامية إلى شعوب العالم أجمع، عن طريق الجهاد في سبيل الله لتخرجهم من الظلمات إلى النور. وهذا وعد من الله ورسوله، وفرض مؤكد على جميع المسلمين، فما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب.

خامسًا: واجب المسلمين اليوم تجاه الخلافة الحقيقية القادمة، والأجر الكبير للعاملين لها. أما واجبهم فيتلخص في وجوب العمل مع العاملين لإقامتها، والفرض هنا فرض عين على كل مكلف فيهم ذكرًا كان أم أنثى، مدنيًا كان أم عسكريًا، مسؤولًا أم غير مسؤول، طالما علم أن الحكم بما أنزل الله غير مطبق وهو فرض، وأن الخلافة هي التي تطبقه؛ فصار العمل لإيجادها فرضًا عملًا بالقاعدة الشرعية: (ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب). وأورد هنا ما كُتب في كلمة مجلة الوعي – العدد 83، لشهر شوال 1414ه، الموافق آذار 1994م، وأقتبسها كما هي لأهميتها لجميع المسلمين، وصلتها الوثيقة والمباشرة بما نحن بصدده في هذا المقال:

«العمل لإقامة الخلافة الإسلامية فرض عين، بأقصى طاقة، وبأقصى سرعة

العمل لإقامة الدولة الإسلامية التي تحكم بما أنزل الله هو في الأصل فرض على الكفاية، ولكن بما أن الكفاية غير حاصلة بعمل الذين يعملون، فإن الواجب يتوسع حتى يعمَّ كل مسلم. وهذا هو شأن كل فرض من فروض الكفاية.

والدليل على فرْضية العمل لإقامة الدولة الإسلامية هو دليل قطعي في ثبوته ودلالته، ولذلك فإن منكرَه كافر، أما من يقرُّ به ويقصّر في العمل فإنه عاصٍ لله ورسوله. هذا الدليل هو النصوص التي جاءت تأمر بالتزام شريعة الإسلام والاحتكام إليها، وتنهى عن الاحتكام إلى غيرها. مثل قوله تعالى: (وَٱلسَّارِقُ وَٱلسَّارِقَةُ فَٱقۡطَعُوٓاْ أَيۡدِيَهُمَا)، وقوله: (ٱلزَّانِيَةُ وَٱلزَّانِي فَٱجۡلِدُواْ كُلَّ وَٰحِدٖ مِّنۡهُمَا مِاْئَةَ جَلۡدَةٖۖ)، وقوله: (ٱتَّبِعُواْ مَآ أُنزِلَ إِلَيۡكُم مِّن رَّبِّكُمۡ وَلَا تَتَّبِعُواْ مِن دُونِهِۦٓ أَوۡلِيَآءَۗ)، وقوله: (يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُوٓاْ إِلَى ٱلطَّٰغُوتِ وَقَدۡ أُمِرُوٓاْ أَن يَكۡفُرُواْ بِهِۦ)، وقوله: (فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤۡمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيۡنَهُمۡ)،… إلى غير ذلك من نصوص كثيرة، فالقسم الأكبر من أحكام الشريعة يتعطل من دون وجود دولة إسلامية، والأمة مسؤولة عن ذلك.

أما أن هذا العمل يجب أن يكون من كل مسلم بأقصى طاقته، فهذا أيضًا قطعي الثبوت قطعي الدلالة، منكره كافر، والمقصّر فيه عاصٍ لله ورسوله. والدليل مأخوذ من النصوص التي جاءت تحتّم هذا المعنى. مثل قوله تعالى: (فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ مَا ٱسۡتَطَعۡتُمۡ)، وقوله تعالى: (لَا يُكَلِّفُ ٱللَّهُ نَفۡسًا إِلَّا وُسۡعَهَا)، فحين يقول سبحانه: (لَا يُكَلِّفُ ٱللَّهُ نَفۡسًا إِلَّا وُسۡعَهَاۚ)، فهذا يعني أنه يكلفها وسعها، والوُسْعُ هو أقصى الطاقة وليسى أدنى الطاقة أو أوسطها. وكذلك قوله سبحانه: (فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ مَا ٱسۡتَطَعۡتُمۡ)، أي بقدر كل استطاعتكم وليس بقدر نصفها أو ثلاثة أرباعها. وحين يرى المسلم المنكرات حوله عامّة وطامّة فهو مأمور بتغييرها بقدر استطاعته وليس بجزءٍ من استطاعته، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ وَذَلِكَ أَضْعَفُ الإِيمَانِ». وعبارة «فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ» تدل على أنه إذا استعمل أقصى استطاعته ولم يستطع.

وهنا يقع خطأ من بعضهم في الفهم فيخلط بين العمل لإقامة الدولة الإسلامية وبين إقامتها مباشرة، فيقول: نحن لا نستطيع إسقاط النظام القائم لنقيم دولة الخلافة مكانه، وبما أننا لا نستطيع فنحن غير مكلفين بذلك؛ لأن الله لا يكلف نفسًا إلا وسعها. وهذا الكلام ناتج إمّا عن جهل، وإمّا عن خبث وتضليل. ولتبديد هذا الخطأ نقول: إذا كانت الجماعة التي تعمل لإقامة الخلافة تستطيع إقامتها فورًا فلا يجوز لها الإبطاء، وإذا كانت لا تستطيع ذلك فورًا فإن عليها أن تعمل وتهيئ وتزيد من قوتها لإنجاز هذا العمل ولو بعد حين. فالذي لا يستطيع إنجاز الفرض فورًا يجب عليه أن يعمل بأقصى طاقته لإنجازه حين يستطيع.

ثم لماذا نقول: لا نستطيع؟ فهذا الأمر ليس مطلوبًا من شخص واحد فقط، وليس مطلوبًا من حزب واحد فقط، وليس مطلوبًا من جماعة واحدة أو من قطر واحد فقط، إنه مطلوب شرعًا من كل الأمة الإسلامية عربًا وغير عرب، وهو الآن فرض عين على كل مسلم. فهل الأمة الإسلامية فعلًا عاجزة؟ أو أنها متخاذلة ومقصّرة وعاصية جرّاء تأثير الثقافة الغربية، وجراء تأثير فتاوى علماء السلاطين المنافقين؟

وحين نقول بأن المسلم يجب عليه الآن وجوبًا عينيًا أن يعمل لإقامة الدولة الإسلامية بأقصى طاقته، فهذا يعني أن عليه أن يترك كثيرًا من الأعمال المباحة، وكثيرًا من الأعمال المندوبة إذا كانت تشغله عن القيام بهذه الفريضة. فالمسلم عليه أن يعمل لكسب عيشه وعيش من يعول، وهذا فرض عين عليه، وحمل الدعوة لإقامة الخلافة فرض عين عليه (الآن)، فأي هذين الفرضين يقدم على الآخر؟ والشرع يطلب من المسلم أن يقوم بكل الفروض، ولكن حين تتزاحم هذه الفروض بحيث إذا قام ببعضها لا يبقى لديه متسع للقيام بالفروض الأخرى، ففي مثل هذه الحال فإن الشرع نفسه هو الذي يقرر أي الفروض يقدم، وأيها يؤخّر. فالمسألة مسألة شرعية وليست مسألة هوى ومزاج. وأهل العلم والاجتهاد هم القديرون على فهم الأولويات. وفي المسألة التي ذكرناها فإن العمل لكسب العيش مقدم على العمل لإقامة الخلافة عند التزاحم. ولكن كسب العيش الذي يقدم على العمل في حمل الدعوة للخلافة هو كسب الضروريات، وليس كسب الكماليات. فإذا كان المسلم يعمل ويكسب الضروريات، فلا يجوز له بعد ذلك أن يعمل عملًا إضافيًا لكسب الكماليات، إذا كان هذا العمل يؤخره عن حمل الدعوة لإقامة الخلافة.

وفي الغالب فإن الأعمال لا تمنع المسلم من القيام بحمل الدعوة، فما دام يعمل بين الناس فهو يستطيع أن يحمل لهم الدعوة أثناء عمله. وليس من الأعذار الشرعية أن يقول المسلم: أنا لا أستطيع العمل لإقامة الخلافة لأن هذا يعرضني للطرد من وظيفتي، أو يعرضني للسجن؛ لأن الوظيفة التي توقعه في المعصية لا يجوز أن يستمر فيها. فكما أنه لا يجوز للمسلم أن يكسب من الخمر أو الربا أو الرشوة أو الغش، فكذلك لا يجوز له أن يكسب من تأييده لنظام الكفر أو سكوته على نظام الكفر.

وأما العمل لإقامة الخلافة بأقصى سرعة، فإن هذا أيضاً قطعي الثبوت قطعي الدلالة، ذلك أن الأحكام الشرعية التي أنزلها الله تصبح مطلوبة التنفيذ منذ تبليغها، وحين نزل حكم تحويل القبلة من بيت المقدس إلى المسجد الحرام، تحوّل المصلون حين بلغهم الأمر فوراً وهم في الصلاة. فالأصل في تنفيذ الأحكام أنها على الفور، وليس على التراخي، إلا إذا دل الدليل على ذلك.

فحين يقول الله: (يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱتَّقُواْ رَبَّكُمُ)، أو يقول: (يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا يَسۡخَرۡ قَوۡمٞ مِّن قَوۡمٍ)، أو يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ…»، فكل هذا مطلوب فورًا. وكذلك النصوص التي جاءت متعلقة بعمل الدولة من إقامة الحدود، والقضاء بين الناس، وحمل الدعوة للعالم بالجهاد، وحماية الثغور، وتنفيذ أحكام الشرع على الرعية، كلها مطلوبة فورًا. أضف إلى ذلك أن المسلمين لا يجوز أن يظلوا فوق ثلاثة أيام بدون خليفة يطبق الشرع، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: «… وَمَنْ مَاتَ وَلَيْسَ فِي عُنُقِهِ بَيْعَةٌ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً». ولذلك ليس هناك من عذر لمن يقول مثلًا: (أنا سأعمل لإقامة الدولة الإسلامية، لكن ليس الآن، بل بعد أن أتخرج من الجامعة). أو يقول: (بعد إنهاء المشروع الذي أنا فيه)، أو ما شاكل ذلك، لأن العمل عند الاستطاعة واجب فورًا، وتركه هو معصية. ومن أهم الأعمال لإقامة الخلافة شرح هذا المفهوم للمسلمين وتفهيمهم إياه حتى يصبح من البدهيات المعلومة من الدين بالضرورة، ومع شرحه للمسلمين وتفهيمهم إياه، لا بدّ من شحن نفوسهم بالمشاعر الإسلامية التي تدفع للعمل والصبر والتضحية. ( وَقُلِ ٱعۡمَلُواْ فَسَيَرَى ٱللَّهُ عَمَلَكُمۡ وَرَسُولُهُۥ وَٱلۡمُؤۡمِنُونَۖ).» انتهى المقال

سادسًا: الفرصة التاريخية والأجر الكبير للعاملين لها

وأما بالنسبة لأجر العاملين لإقامة الخلافة الحقيقية الثانية الراشدة على منهاج النبوة، فهو عظيم وكبير، بل هو أعظم وأكبر من أجر الصحابة الكرام الذين عملوا مع النبي صلى الله عليه وسلم لإقامة الدولة الإسلامية الأولى في المدينة المنورة، وذلك لتشابه العملين، ونص الحديث الذي أخرجه الطحاوي في شرح مشكل الآثار، ونصه:

سَألتُ أبا ثَعلبةَ الخُشَنيَّ قُلتُ: كيفَ تَصنعُ في هذِهِ الآيةِ قالَ: أيُّ آيةٍ قلتُ: ( يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ عَلَيۡكُمۡ أَنفُسَكُمۡۖ لَا يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا ٱهۡتَدَيۡتُمۡۚ) فقالَ لي: أما واللَّهِ لقد سألتَ عنها خبيرًا، سألتُ عنها رسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فقالَ: «بَلِ ائْتَمِرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَتَنَاهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ، حَتَّى إِذَا رَأَيْتَ شُحًّا مُطَاعًا وَهَوًى مُتَّبَعًا وَدُنْيَا مُؤْثَرَةً وَإِعْجَابَ كُلِّ ذِي رَأْيٍ بِرَأْيِهِ، وَرَأَيْتَ أَمْرًا لَا بُدَّ لَكَ مِنْهُ فَعَلَيْكَ بِنَفْسِكَ، وَإِيَّاكَ وَأَمْرَ الْعَوامِّ، فَإِنَّ مِنْ وَرَائِكُمْ أَيَّامَ الصَّبْرِ، صَبْرٌ فِيهِنَّ عَلَى مِثْلِ قَبْضٍ عَلَى الْجَمْرِ، لِلْعَامِلِ مِنْكُمْ يَوْمَئِذٍ كَأَجْرِ خَمْسِينَ رَجُلًا يَعْمَلُونَ مِثْلَ عَمَلِهِ».[7]

وكذلك الحديث الذي أخرجه الشوكاني في الفتح الرباني وقال: صحيح ثابت: «مُرُوا بِالْمَعْرُوفِ، وَانْهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ، حَتَّى إِذَا رَأَيْتَ هَوًى مُتَّبَعًا، وَشُحًّا مُطَاعًا، وَإِعْجَابَ كُلِّ ذِي رَأْيٍ بِرَأْيِهِ فَعَلَيْكَ بِخَاصَّةِ نَفْسِكَ، وَدَعْ عَنْكَ أَمْرَ الْعَوامِّ، فَإِنَّ مِنْ وَرَائِكُمْ أَيَّامًا الصَّبْرُ فِيهِنَّ كَالْقَبْضِ عَلَى الْجَمْرِ، أَجْرُ الْعَامِلِ فِيهِنَّ أَجْرُ خَمْسِينَ بَعْلًا»، قيلَ يا رسولَ اللهِ، منَّا أو ممَّن بعدَنا. قال: «مِنْكُمْ».

وجاء في فتح الباري لابن حجر لفظ: «تَأْتِي أَيَّامٌ لِلْعَامِلِ فِيهِنَّ أَجْرُ خَمْسِينَ»، قيلَ مِنهم أو منَّا يا رسولَ اللَّهِ؟ قالَ: «بَلْ مِنْكُم». وكذلك أخرجه في صحيح الجامع عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه بلفظ: «إِنَّ مِنْ وَرَائِكُمْ زَمَانُ صَبْرٍ، لِلْمُتَمَسِّكِ فِيهِ أَجْرُ خَمْسِينَ شَهِيدًا مِنْكُمْ». وقال في شرح الحديث: أخْبَرَنا النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم بما سيكونُ من قِلَّةِ الدِّينِ في آخِرِ الزَّمانِ كما أخْبَرَنا بأَجْرِ المتَمَسِّكِ بدِينِه في هذه الأزْمانِ حثًّا لنا على الصَّبْرِ مع رَجاءِ الأَجْرِ من اللهِ. وفي هذا الحديثِ يقولُ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ مِنْ وَرَائِكُمْ» أَيْ: قُدَّامَكُم مِنَ الأَزْمانِ الآتيَةِ، أو خَلْفَكم من الأُمورِ الهاويَةِ «زَمانَ صَبْرٍ» أَيْ: أيامًا لا طَريقَ لكم فيها إلَّا الصَّبْرُ، أو أيَّامًا يُحمَدُ فيها الصَّبْرُ والمُرادُ بالزَّمانِ: هو الذي يَغلِبُ فيه الفِتَنُ، وتَضعُفُ شَوْكَةُ المسلِمينَ، «لِلْمُتَمَسِّكِ فِيهِ»، أي: لِمَنْ صَبَرَ على التَّمسُّكِ بدِينِه واعْتَصَمَ به، «أَجْرُ خَمْسِينَ شَهِيدًا مِنْكُمْ» يَتَضاعَفُ له أجْرُه بأَجْرِ خَمْسينَ من شُهَداءِ الصَّحابَةِ، وهذا مِنْ عِظَمِ بَلاءِ هذا الزَّمانِ الذي يَجِدُ المسلِمُ المسْتَمْسِكُ بدِينِه كالقابِضِ على جَمْرةٍ من نارٍ…

وأختم هذا المقال بترغيب زائد للمسلمين في العمل لإقامة الخلافة، وفي الوقت نفسه أحذرهم من أن الفرصة التي أتيحت لهم في هذا الزمان هي فرصة تاريخية لن تتكرر بعد إقامتها القريبة إن شاء الله، وذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم قد سكت بعد أن قال: «…ثُمَّ تَكُونُ خِلَافَةٌ عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ»، وسكوته لا يعني أن الخلافة الثانية ستهدم ثم تبنى ثالثة أو رابعة… ولا يسكت النبي صلى الله عليه وسلم في معرض البيان، ولا ينسب لساكت قول.

فإلى العمل مع العاملين أيها المسلمون هبوا، وللإطاحة بالطواغيت حكام دويلات الضرار فبادروا، ولا تدخروا وسعًا في إنجاز هذا العمل الجليل، والفرض العظيم الذي به تقام جميع الفروض، والله غالب على أمره، ولكن أكثر الناس لا يعلمون.

[1]– https://vb.tafsir.net/tafsir40086/ موقع ملتقى أهل التفسير على الانترنت

 

[2]– لسان العرب

 

[3]– تفسير ابن كثير

 

[4]– (https://vb.tafsir.net/tafsir40086/ موقع ملتقى أهل التفسير على الانترنت)

 

[5]– كتاب الأسماء والصفات للبيهقي، وقال حديث مرفوع، ووقفه وإرساله عن ابن مسعود يفيد بأنه سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم.

 

[6]– الراوي: حذيفة بن اليمان

المحدث: العراقي

المصدر: محجة القرب، وهذا الحديث رواه أحمد (4/273 ): ثنا سليمان بن داود الطيالسي: ثنا داود بن إبراهيم الواسطي: ثنا حبيب بن سالم عن النعمان بن بشير به، ومن طريق أحمد رواه الحافظ العراقي في «محجة القرب إلى محبة العرب» (17/2) وقال: «هذا حديث صحيح، وإبراهيم بن داود الواسطي وثقه أبو داود الطيالسي وابن حبان، وباقي رجاله محتج بهم في الصحيح – يعني: صحيح مسلم، لكن حبيبا هذا قال البخاري: فيه نظر. وقال ابن عدي: ليس في متون أحاديثه حديث منكر، بل قد اضطُرب في أسانيد ما يروي عنه». وحبيب بن سالم الأنصاري كاتب النعمان بن بشير، صدوق حسن الحديث، وقد وثقه أبو حاتم وأبو داود وابن حبان، فحديثه حسن على أقل الأحوال إن شاء الله تعالى، وقد قال فيه الحافظ: «لا بأس به». والحديث في «مسند الطيالسي» (رقم 438): حدثنا داود الواسطي – وكان ثقة – قال: سمعت حبيب بن سالم به. لكن وقع في متنه سقط فيستدرك من «مسند أحمد». وقال الهيثمي في «المجمع» (5/189): « رواه أحمد والبزار(158 أتم منه والطبراني ببعضه في (الأوسط)، ورجاله ثقات».

[7]– حديث صحيح، وأخرجه أبو داود، والترمذي، وابن ماجه باختلاف يسير.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *