العدد 386 -

السنة الثالثة والثلاثون – ربيع الأول 1440هـ -ت2 \نوفمبر 2018م

أهل الذمة: رعايا كسائر المسلمين، وليسوا أقلية

أهل الذمة: رعايا كسائر المسلمين، وليسوا أقلية

المهندس عبد اللطيف الشامي

إن طبيعة الإسلام تتناقض مع فكرة الأقليات الدينية كما يحب أن يسميها المغرضون. فالإسلام يسميهم أهل الذمة، وأهل الذمة هؤلاء يعدّهم البعض أقليات دينية، ويطالب بإعطائهم حقوقهم. وهنا أخص بالذكر المناهضين لحكم الإسلام، الرافضين لقيام دولة الخلافة؛ حيث يقوم هؤلاء بالتخويف من ضياع حقوق هذه الأقليات الدينية في ظل دولة الخلافة، ويعدون ذلك سببًا كافيًا ومقنعًا لجعل الدولة العلمانية المدنية الديمقراطية التي يتمتع فيها الجميع بحقوق المواطنة بعيدًا عن التمييز الديني، يعدونها البديل العادل لدولة الخلافة الإسلامية التي تحكم بالشرع الإسلامي وتقوم على أساس الدين.

يبدو هذا الطرح للوهلة الأولى صحيحًا ومنطقيًا عند من لم يعِ أحكام الإسلام، ولا يريد أن يكلف نفسه عناء البحث والاطلاع، بل يكتفي بالترديد الببغاوي إن أحسنا به الظن؛ ولكن بالتعمق في هذه المقولة يظهر ما فيها من تضليل وتلبيس.

وللوقوف على ذلك ينبغي أن نبين أمر هامًا وهو أن الأقلية الدينية حسب تعريفهم هي أقلية يجمعها دين غير الإسلام يميزها عن الأكثرية المسلمة، أي أن الوصف الذي يجعلهم أقلية هو وصف ديني، وبناء على هذا الوصف الديني المميز ينبغي أن تثبت لهم حقوق في المجتمع والدولة.

والسؤال الذي يجب أن يطرح في هذا المقام هو: ما هي الحقوق التي يجب أن تُوَفَّر للأقلية الدينية على نحو يذهب التمييز بينها وبين الآخرين ويجعلها كسائر الرعية المسلمة؟

والجواب على هذا السؤال يجب أن ينصبَّ على الحقوق الدينية التي اختلفت بها الأقلية الدينية عن غيرها، أي إن هذه الحقوق ينبغي أن تكون بالدرجة الأولى ذات طابع ديني؛ لأن الأقلية اكتسبت صفتها وخصوصيتها المقتضية لهذه الحقوق بسبب الدين. فمن هذه الحقوق الدينية عدم إكراههم في الدين، وعدم فتنتهم عن دينهم، وتمكينهم من العبادة وإقامة الشعائر وفق أحكام دينهم، وغير ذلك مما هو مرتبط بأمر دينهم…

لقد جاء الإسلام بمفهوم أهل الذمة الذي يوفِّر لغير المسلمين في الدولة الإسلامية كامل حقوقهم الدينية على نحو يمكنهم من ممارسة دينهم وما تمليه عليهم معتقداتهم الدينية من غير إكراه، بل وزاد على ذلك حقوقًا تتعلق بالزواج والطلاق والمطعومات… على نحو ما هو مفصَّل في فقهنا الإسلامي، وفوق ذلك فإن لأهل الذمة في الدولة الإسلامية أن يتمثلوا في مجلس الأمة بأن يكونوا ممثلِّين فيه عن منتخبيهم ليبدوا الرأي نيابة عنهم في حال إساءة تطبيق الأحكام عليهم، أو فيما قد يحيق بهم، أو ينالهم من ظلم.

وعليه، فإن أهل الذمة لا تهضم حقوقهم الدينية ولا يظلمون في دولة الخلافة، بل ينعمون بحياة آمنة كغيرهم من المسلمين، ولا يلاحقون لأنهم أهل ذمة، وإنما الذين يلاحقون في دولة الخلافة هم أصحاب الأفكار والأيديولوجيات المستوردة من الغرب، المعادية للأمة الإسلامية ودينها… وبالتالي فإنه لا ضياع لحقوق الأقليات الدينية في دولة الخلافة.

وهنا نتوجه إلى المسلمين حتى يفهموا دينهم ولا يسيروا مع ما يلبِّس به الغرب عليهم، ومن أجل أن لا يتكلموا بلسانه، وخاصة من يسمون بالـ (المعتدلين)… كذلك نتوجه إلى غير المسلمين في بلاد المسلمين الذين يريد الغرب أن يرفضوا المشروع الإسلامي المتمثل بإقامة الخلافة التي هي المناط الشرعي لتطبيق أحكام أهل الذمة، وبالتالي يتعاونون معه في إيجاد سبب للتدخل في الدولة الإسلامية إذا قامت، بحجة حماية الأقليات… كذلك يريد الغرب من إثارة قضية الأقليات الدينية أن يتخذها وسيلة لزرع الفرقة بين المسلمين وغير المسلمين في البلاد الإسلامية، مع أن أهل الذمة من النصارى واليهود وغيرهم عاشوا بين المسلمين ومعهم قرونًا طويلة دون أن يهضم لهم حق، أو يُقصَوا من المجتمع، أو يشعروا بغربة عن المجتمع وأهله أو عن الدولة.

ألا فليعلم العالم كله، أن حكم الإسلام قادم لا محالة، بإذن الله تعالى، فهو وعد الله جلَّ في علاه وبشرى رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم، كذلك فليعلم الجميع أنه لا نجاة للمسلمين ولا للبشرية كلها من ظلم الرأسمالية والعلمانية وأهلها إلا بالإسلام، وحينها سيعلم أهل الذمة أن الخير كل الخير في العيش تحت ظل دولة الخلافة، وسيندمون على كل لحظة عاشوها ضنكًا في الدولة العلمانية، وقبلوا أن يُخَوَّفوا من الإسلام وحكم الإسلام، وأن تُستغَلَّ قضيتهم من قبل الليبراليين واليساريين والمستعمرين لتكون حجر عثرة في وجه عودة دولة الخلافة. فطمئنوهم وبشروهم بالخير القادم قريبًا بإذن الله قال تعالى: ﴿ هُوَ ٱلَّذِيٓ أَرۡسَلَ رَسُولَهُۥ بِٱلۡهُدَىٰ وَدِينِ ٱلۡحَقِّ لِيُظۡهِرَهُۥ عَلَى ٱلدِّينِ كُلِّهِۦ وَلَوۡ كَرِهَ ٱلۡمُشۡرِكُونَ ٣٣.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *