حدائق ذات بهجة
2014/02/28م
المقالات
1,946 زيارة
بسم الله الرحمن الرحيم
حدائق ذات بهجة
(جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِلنَّاسِ…)
سادن الكعبة المشرفة يتحدث عن الكعبة ومفتاحها ومحتوياتها وأسرارها:
مفتاح الكعبة المشرفة يحتفظ به آل الشيبي منذ تسلموه من الرسول صلى الله عليه وسلم. تختزن الكعبة في داخلها وحولها أسرار لا يوجد مثلها في الأرض. فهي لا يزيد حجمها عن حجرة مكعبة، ما أن تبلغها حتى يخرَّ القلب خاشعاً متضرعاً، يلفه السكون، فتكاد لا تسمع خفقاته. تتحول العين إلى نبع للدموع فأنت حينئذ في أحب مكان إلى الله ينزل إليه سبعون ألفاً من الملائكة يطوفون حولها كل يوم وليلة. (الله أكبر ما أروع هذا الشعور وهنيئاً لمن كتب الله له بلوغ ذلك)
كبير سدنة بيت الله الحرام الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله الشيبي هو الذي يوجد لديه مفتاح الكعبة، يقول ابنه نزار الشيبي: يقال عنا أيضا (الحجبي) أي الذي يحجب البيت، فقد أراد الله سبحانه وتعالى أن يكون للكعبة المشرَّفة سدنة، أي من هم مسؤولون عنها، وأن يكون لها مفتاح وقد تسلمناه نحن آل الشيبي، وتأتي السدانة بعدة معانٍ في معجم اللغة العربية مثل الأمين والخادم والحاجب…
وسدانة الكعبة ترجع إلى تاريخ بنائها، وتعني القيام بجميع أمورها من فتحها وإغلاقها وتنظيفها وغسلها وكسوتها وإصلاح هذه الكسوة إذا تمزقت واستقبال زوارها وكل ما يتعلق بذلك، فقد كان يقوم بأمر السدانة إسماعيل عليه السلام ثم من بعده ذريته، إلى أن كان عهد قصي بن كلاب فأخذ قصي سدانة الكعبة من خزاعة التي كانت قد استولت على السدانة بالقوة مدة ليست بالطويلة، وهي قبيلة هاجرت من اليمن بعد انفجار سد مأرب واتجهت إلى مكة وأقامت فيها.
وقد ولد لقصي عبدالدار وعبد مناف وعبدالعزى وعبد قصي، وبعد وفاة قصي انحصرت السدانة في عبد الدار وأبنائه حتى كان منهم عثمان بن طلحة بن أبي طلحة وابن عمه شيبة بن عثمان بن أبي طلحة. وينتهي نسب سدنة الكعبة المشرفة الحاليين إلى شيبة بن عثمان بن أبي طلحة، وقد أسلم عام الفتح على أصح الروايات، وله صحبة ورواية عن النبي صلى الله عليه وسلم. وجميع آل الشيبي الموجودون في هذا العصر هم من أبناء الشيخ محمد بن زين العابدين رحمه الله تعالى، وينقسمون إلى أبناء الشيخ عبدالقادر بن على وهم عائلة عبدالله، وحسن آل الشيبي، وأبناء عبدالرحمن بن عبدالله الشيبي، وهم محل احترام وإكرام كما دلت على ذلك الأخبار الواردة في حقهم، ولا يزالون في موضع الإكرام والرعاية عند عموم حكام المسلمين، وبالأخص عند كل من تولَّى خدمة الحرمين الشريفين، ولايزال وجودهم من معجزات رسول الله صلى الله عليه وسلم التى أخبر أمته بها بقوله صلى الله عليه وسلم: «خذوها يابني طلحة خالدة تالدة، لا ينزعها منكم إلا ظالم».
قصة انتقال مفتاح الكعبة
نزار الشيبي وهو من سدنة بيت الله الحرام يقول: آلت الينا السدانة منذ أيام جدنا (قصي)، وانتقلت بين أبناء عبدالدار الذي كان له خمسة أولاد، وكان لا يخرج في رحلة الشتاء والصيف فيعايره إخوانه بسبب ذلك، فسمعهم أبوه قصي، فقال: واللهِ لأشرفنَّك عليهم، فأعطاه سقاية الكعبة والسدانة والرئاسة والندوة والرفادة ولواء الحرب، وعندما جاء إخوانه، قالوا له إنك أخذت كل الشرف، وما تركت لنا شيئاً، فقال: خذوها كلها إلا السدانة والرئاسة حيث كان هو رئيس قريش. ويقول إن الكعبة المشرفة تفتح مرتين في السنة لغسلها ويضيف: تعلق في داخل الكعبة الهدايا التي قدمت لها.
ثلاثة أسرار حول الكعبة
من أسرار الكعبة، كما يقول الكاتب الصحفي السعودي عمر المضواحي المهتم بالكتابة عن تاريخ الأماكن المقدسة، أنها صرة الأرض وموصولة بالبيت المعمور في السماء السابعة، وأول بيت وضع للناس بناه ابراهيم وابنه اسماعيل عليهما السلام، وليس هناك في الكون بقعة أكثر مهابة وقدسية من هذه الحجرة المكعبة، حيث لم تعبد في تاريخها من دون الله قط، فقد كان العرب يعبدون الأصنام والأوثان حولها ولم يخصوها أبداً بالعبادة، وقد حج إليها كل الأنبياء، ومجرد النظر إليها عبادة تعادل أجر عابد في غير مكة. ويضيف المضواحي متحدثاً عما سجله قلمه عن هذه البقعة التي توصف بأنها قدس الأقداس الإسلامية:
حول الكعبة ثلاثة أسرار لا يوجد مثيل لها في الأرض، الحجر الأسود، ومقام إبراهيم، وهما ياقوتتان من يواقيت الجنة، وبئر زمزم، وهو نهر من أنهار الجنة ينبع عينه المتدفق من تحت أعتاب الحجر الأسود.
على يسار باب الكعبة المهيب وبين الملتزم والحجر الأسود إلى الداخل منها يقع مكان «حطيم السيئات» حيث يتم فيه التضرع بالدعوات. وإلى اليمين من باب الكعبة على بعد أقل من مترين يرتفع صندوق من الرخام النادر تحفظ فيه أدوات خدمة البيت وحوائج غسيل الكعبة من دهون الطيب كالعود والورد والعنبر ولفائف من قماش قطني معد للغسيل. وفي منتصف الكعبة ترتفع ثلاثة أعمدة محاطة بأفخر أنواع الخشب المزخرف، وهي المعروفة بأعمدة الصحابي عبدالله بن الزبير حين رأى في زمن حكمه مكة أن يسند سقف الكعبة بها خشية انهياره عندما قام بترميم بناء الكعبة. في الجهة الشمالية من الكعبة، على يمين الداخل، باب صغير يعرف بباب «التوبة» وهو آية في الصنعة والإتقان، ويمتاز بمقاساته العادية وهو بنسبة قياس واحد إلى ثمانية مقارنة بباب الكعبة الخارجي الوافر البهاء والضخامة. ويؤدي باب التوبة المصنوع من أندر قطع الأخشاب المكسوة بصفائح الذهب والفضة المشغولة إلى درج حلزوني من الزجاج السميك يصل إلى سطح الكعبة. وفي الجدار الغربي المواجه لباب الكعبة علقت تسعة ألواح أثرية من الرخام منقوش عليها أسماء الولاة والخلفاء تؤرخ لأعمال تجديد وترميم الكعبة، وكلها مكتوبة بعد القرن السادس للهجرة. وفي الحائط الشرقي وبين باب الكعبة المشرفة وباب التوبة وضعت وثيقة تؤرخ لترميم وتجديد الكعبة المشرفة، وكان آخر ترميم شامل للكعبة في زمن السلطان مراد الرابع من سلاطين آل عثمان سنة 1040ه.
جوانب الكعبة الأربعة محاطة بالرخام الأبيض، بارتفاع نحو مترين وبرخام ملون ومزركش بنقوش هندسية إسلامية. وما يعلوها مغطى بستارة خاصة من الحرير الأحمر الوردي مشغولة بالنسيج الأبيض على هيئة الشهادتين وبعض أسماء الله الحسنى، ويقوم بصناعتها يدوياً مصنع كسوة الكعبة المشرفة في مكة المكرمة.
وبين الأعمدة الثلاثة يمتد عمود معدني يكتسي بالفضة الخالصة له خطافات صغيرة معلق فيها هدايا الكعبة من أباريق وشمعدانات وأوان أثرية من الذهب والفضة تعود بتاريخها إلى ماضٍ بعيد أهداها ملوك وخلفاء وسلاطين.
سنن الصلاة في الكعبة
يسن قبل التشرف بدخول الكعبة الطواف سبعاً حولها، واستلام الحجر الأسود «يمين الله في الأرض» والركن اليماني اقتداء بالسنة النبوية. كما يسن أيضاً الصلاة فوق لوح من الرخام المنقوش بعلامة ظاهرة إشارة إلى المكان الذي ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي فيه، وهو باتجاه الحائط الجنوبي بالقرب من الركن اليماني إلى الداخل من جدار الكعبة. والصلاة في الكعبة ثماني ركعات، وهي من سنن الدخول الى الكعبة، ركعتان في اتجاه كل حائط من جدرانها الأربعة حيث لا قبلة في جوف القبلة.
تغيير كسوة الكعبة
وأثناء فريضة الحج، وبعد أن يتوجه الحجاج إلى صعيد عرفة، يتوافد أهل مكة إلى المسجد الحرام للطواف والصلاة ومتابعة تولي سدنة البيت الحرام تغيير كسوة الكعبة المشرفة القديمة واستبدالها بالثوب الجديد استعداداً لاستقبال الحجاج في صباح اليوم التالي الذي يوافق عيد الأضحى. وقبل هذا الوقت وفي منتصف شهر ذي القعدة تقريباً يتسلم كبير السدنة الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله الشيبي في حفل سنوي الثوب الجديد من الرئيس العام لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي بقاعة المناسبات الرئيسية في مصنع كسوة الكعبة المشرفة بضاحية أم الجود بمكة. وبعد إحضار الثوب الجديد تبدأ عقب صلاة العصر مراسم تغيير الكسوة حيث يقوم المشاركون في عملية استبدال الكسوة عبر سلم كهربائي بتثبيت قطع الثوب الجديد على واجهات الكعبة الأربع على التوالي فوق الثوب القديم. وتثبت القطع في عرى معدنية خاصة (47 عروة) مثبتة في سطح الكعبة، ليتم فك حبال الثوب القديم ليقع تحت الثوب الجديد نظراً لكراهية ترك واجهات الكعبة مكشوفة بلا ساتر.
ويتولى الفنيون في مصنع الكسوة عملية تشبيك قطع الثوب جانباً مع الآخر، إضافة إلى تثبيت قطع الحزام فوق الكسوة (16 قطعة جميع أطوالها نحو 27 متراً، و6 قطع تحت الحزام)، ومن ثم تثبت 4 قطع صمدية ]قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ[ توضع على الأركان، و11 قطعة على شكل قناديل مكتوب عليها آيات قرآنية توضع بين أضلاع الكعبة الأربعة.
ستارة الكعبة أصعب مراحل تغيير الكسوة
وآخر قطعة يتم تركيبها هي ستارة باب الكعبة المشرفة، وهي أصعب مراحل عملية تغييرالكسوة، وبعد الانتهاء منها تتم عملية رفع ثوب الكعبة المبطن بقطع متينة من القماش الأبيض، وبارتفاع نحو مترين من شاذروان (القاعدة الرخامية للكعبة) والمعروفة بعملية (إحرام الكعبة).
ويرفع ثوب الكعبة لكي لا يقوم بعض الحجاج والمعتمرين بقطع الثوب بالأمواس والمقصات الحادة للحصول على قطع صغيرة طلباً للبركة والذكرى. ويستهلك الثوب الواحد للكعبة نحو 670 كيلو جراماً من الحرير الطبيعي، و150 كيلو جراماً من سلك الذهب والفضة. ويبلغ مسطحه الإجمالي 586 متراً مربعاً، ويتكون من 47 لفة، طول الواحدة 14 متراً وبعرض 95 سنتيمتراً.
قال تعالى: (إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ (96) فِيهِ آَيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آَمِنًا وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ)
2014-02-28