العدد 385 -

السنة الثالثة والثلاثون – صفر 1440هـ – ت1 / أكتوبر 2018 م

نماذج عوجاء لأنظمة عرجاء لتضليل المسلمين وتشويهه

نماذج عوجاء لأنظمة عرجاء لتضليل المسلمين وتشويهه

(الإسلام من أردوغان إلى داعش)

حجري سعيد – اليمن

 

يستفحل الجهل، وتتوالى المصائب؛ عندما يستلم التّافهون مسؤوليّة الناس، سواء في العلم وبيان أحكام الشرع، أم في الحكم ورعاية الشّؤون؛ مصداقًا لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، حيث قال: “سيأتي على الناس سنوات خدّاعات يصدق فيها الكاذب، ويكذب فيها الصّادق، ويؤتمن فيها الخائن، ويخون فيها الأمين، وينطق فيها الرّويبضة، قيل: يا رسول الله وما الرّويبضة؟ قال: التّافه ينطق بأمر العامّة” أخرجه ابن ماجة في سننه، وأحمد في مسنده، والحاكم في المستدرك عن أبي هريرة رضي الله عنه.

فالحديث يخبرنا بأن الرّويبضات سيكون لهم موطئ قدمٍ في رعاية الشّؤون، والحكم، والقول الفصل في اتّخاذ القرارات والنّطق باسم العامّة، ولكن كيف لهؤلاء التّافهون أن يصلوا إلى النّطق باسم العامّة؟! وكيف لهم أن يكونوا بمثل هذا المقام؟! وهل أوصلتهم الأمّة للنطق باسمها؟! وهل هي من أوكلت إليهم شؤون الحكم والرّعاية؟!… الجواب: قطعًا لا.

إنّ هؤلاء الرّويبضات تمّت صناعتهم وإيصالهم إلى ماهم عليه، والصّانع هو عدو الأمة، نعم فقد دأب الغرب منذ حوالى قرن على تنصيب هؤلاء الرّويبضات حكامًا على المسلمين، وصناعتهم كزعماء، فقد بدأ الإنجليز بصناعة مصطفى كمال – عليه من الله ما يستحق –  قائدًا للأمّة، وهو اليهودي الحاقد على الإسلام والمسلمين، وجعلوا المسلمين يمجّدونه ويمنحونه لقب الغازي، ويشبّهونه بالقائد خالد بن الوليد رضي الله عنه… وبعد أن استتبَّ له الأمر انقضّ على الإسلام بالقضاء على الخلافة، وطمس شريعته وفتك بأمّته.

ثم صنعت أميركا قائدًا جديدًا للأمّة وخاصةً للشّعوب العربيّة باسم القوميّة العربيّة، وهو جمال عبد الناصر، وقد أعطوه صورة القائد الأسطورة الذي لا مثيل له، الذي سيطرد الاستعمار، ويوحد الأمّة، وسوف يحرّر فلسطين والمقدسات، وإذا به كمصطفى كمال يحارب الإسلام ويفتك بالدّاعين إليه، ويُمكّن للاستعمار ويكرّس ثقافته وأنظمته في البلاد الإسلاميّة.

كما تهافتت الدّعوات البائدة، والدّخيلة على الأمّة كالاشتراكيّة، والقوميّة، والوطنيّة… ولكن، ولله الحمد، تمّ كشف الغطاء عن زعماء هذه الدّعوات، ولامست الأمّة نتائج الزّعامات المصطنعة، بعد أن عانت الأمّة في عهدهم من تقسيمٍ وتفتيتٍ للبلدان، ونهبٍ للثّروات، وضياعٍ للمقدّسات.

فبرز في الأمّة التّوجّه السّياسيّ الإسلاميّ الّذي صار له رأي عام ودور هام في قيادة الجماهير وتحريكها. وبعد بروز هذا التّوجه في الأمّة؛ لم تعد صناعة قادة الأمّة وحكّامها، من قبل الغرب، تنفع بنفس الأساليب والشّعارات التي نجح فيها الغرب سابقًا، عندما صنع مصطفى كمال وجمال عبد الناصر وغيرهما.

فالأمّة متعطّشةٌ لدينها وشريعة ربّها، تتوق لتطبيقه في أرض الواقع؛ تتوق لأن تنفكّ من الأنظمة المطبّقة عليها، والتي لا تنبثق عن عقيدتها، وخاصةً بعد أن اتّضح لها أنّ حكّامها ماهم إلّا دمًى بيد الغرب يحركها كيفما يشاء، وبعد أن تجلّت لها حقيقة الحرب العالميّة – التي تقودها أميركا – ضدّ ما يسمّى الإرهاب– التي تقصد بها حربها على الإسلام، نعم، إنّ الإرهاب الذي تقصده أميركا هو الاسلام الذي تخاف عودته.

 هذا، وبعد أن ظهر للأمّة أنّ سبب تخلّفها هو إهمالها لشرع ربّها، وبعد أن خرج في الأمّة من يعمل لإعادة الحكم بما أنزل الله، وصارت الدّعوة إلى تطبيق الشّريعة مطلبًا جماهيريًّا في الأمّة؛ عمل أعداء الأمّة وبالأخصّ أميركا على إخراج أنموذجين للأمة أحلاهما مرٌّ؛ وهما الأنموذج الأوردغانيّ، والأنموذج الدّاعشيّ؛ فعملت داعش على تشويه الدولة الإسلامية، وتشويه الإسلام، وإظهاره على أنّه دين قتلٍ، وذبحٍ، وإحراقٍ، وسبيٍ للنّساء.

لقد فتن هذا التّنظيم المسلمين في عقائدهم، ومن خالفه حتى في المعتقدات الظّنّيّة – أي متعلقات أركان العقيدة- قتلوه، ومن لم يبايعهم قتلوه، ومن رفض عنجهيّتهم وحكمهم الظّالم قتلوه، ومن لم يقاتل معهم قتلوه.

فتكالب أعداء الأّمة عليها؛ فاجتاحوا الدّيار، وقتلوا النّساء والأطفال، بحجّة قتال تنظيم الدولة الذي قام الغرب نفسه بصناعته لتشويه صورة الإسلام، وكأنّ الغرب يقول للمسلمين: هذا هو تطبيق الشريعة الذي تنادون به، وهذه هي دولة الإسلام التي تنشدونها؛ فماذا جنيتم من ورائها غير القتل، والّدمار، ودكٍّ للمدن بمساجدها، ومساكنها، لا فرق بين المدن القديمة، والحديثة، سواء في العراق أم في سوريا.

ولكن هيهات للأمّة أن تنخدع بمثل هذا التنظيم ودولته؛ فأفكار الإسلام متمكنة من نفوس أبناء الأمّة، وإن لم يعايشوا الدّولة الإسلاميّة التي تطبّق الإسلام بالكيفيّة اّلتي طبّقها محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، والخلفاء الراشدون، ومن بعدهم؛ إلّا أنّ أبناء الأمّة يدركون كيفيّة تطبيق الإسلام، وكيفيّة رعاية الشّؤون، لاسيما بعد أن ظهر في الأمّة من يعمل لنهضتها، بمبدأ الإسلام؛ فبيّن للأمّة أجهزة دولة الخلافة، وأنظمتها، وكيفيّة تطبيق هذه الأنظمة؛ فكانت الدّولة المنشودة متجسدةً في النّفوس والعقول… فأنّى لغرٍّ لم يفقه منها شيئًا أن يشوّهها؟!!.

أمّا الأنموذج الأوردغانيّ؛ فالمقصود منه تجربة تركيّا بقيادة رئيسها الحاليّ رجب طيّب أوردغان – رويبضة العصر وصنمه – هذا الأنموذج يُخيّل لعامّة النّاس أنّه يرفع الشّعارات والعبارات الإسلاميّة، ولم تكن هذه الشّعارات إلّا اسمًا برّاقًا ليخدع السطحيين بها؛ حيث يقوم هذا الأنموذج على أساس تحريف الإسلام كنظام حكمٍ، وتفريغه من مضمونه سياسيًّا واقتصاديًّا؛ لأنّه قائم على ركيزتين:

 الرّكيزة الأولى: تمييع الإسلام باسم التّحديث، وتفريغه من محتواه باسم الإسلام المعتدل (الديّمقراطي).

 أمّا الرّكيزة الثّانية: فهي أسلمة العلمانيّة، وإظهارها بمظهرٍ لا يتناقض مع الإسلام.

فقد صرّح أوردغان بمقابلةٍ صحفيّةٍ بشهر مارس من عامنا هذا بـ “إنّه من الضروري تحديث أحكام الإسلام، وإنّه لا يمكن تطبيق الإسلام بأحكامٍ صدرت قبل أربعة عشر قرنًا. تطبيق الإسلام يختلف بحسب الزمان، والمكان”.

 هذا التّصريح منه لم يكن مفاجئًا، فهو يواصل ليله بنهاره، ويحشد قوّاته لقتال من يعتنقون الإسلام في الشّام، ويتركهم يموتون على حدود دولته من البرد والجوع والعطش. هذا إن لم يقتلهم رصاص قوات حرس الحدود التّركيّ.

لقد جعل أردوغان بتصريحه هذا؛ الأدلّة الشّرعيّة موسميّة تصلح لوقتٍ دون آخر، وقرأ الإسلام وأحكامه قراءةً جديدةً تتّفق والثّقافة الغربيّة الدّخيلة على الأمّة وقيمها، قراءةً لا تتعارض مع مصالح العمّ سام، وكأنّ الدّستور الّذي وضعه ربّ البشر للبشر قابلٌ للنّظر من جديد تحت ذريعة تغيّر الزمان، وهو في الوقت نفسه لا يجرؤ أن يغيّر في دستور وضعه الإنجليز على يد أتاتورك الذي تحكم به تركيا الآن. ويكأنّه لا يعلم بأنّ أحكام الإسلام ثابتةً لا تتغيّر، وليست بحاجة إلى تغييرٍ أو تبديلٍ؛ لأنها معالجات لمشاكل الإنسان، فهي تحمل صفة الديّمومة والشُّمول؛ فأحكام القرآن، والسّنّة النّبويّة الّتي حكمت الناس أربعة عشر قرنًا، تصلح لتحكمهم حتى يرث الله الأرض ومن عليها.

من خلال هذا التّصريح وغيره نجد أنّ أردوغان يسعى دائمًا إلى أسلمة العلمانيّة الّتي كَوَت أهل تركيّا بنارها منذ عام 1924م، والّتي قضت بإلغاء مظاهر الدّين في جميع شؤون الحياة، وعدم قبولها للتّدين حتى على المستوى الفردي؛ فالعلمانيّة في حقيقتها اللّادينية مرادفةً للإلحاد؛ فهي تنكر الدّين مطلقًا، وعداوتها للإسلام مكشوفةً، وسافرةً؛ فقد اتخذها أهل تركيّا مع أصحابها عدوًا مبينًا. أما الآن فإن أميركا تريد أن تخرج عن طريق عميلها أوردغان؛ علمانيّةً أشدّ خبثًا وأكثر دهاءً… تريد أن تخرج علمانيّةً تتّخذ من الإسلام لبوسًا؛ تقبل بالمشاعر الإسلامية المتمثّلة بالسّلوك الإسلامي المتعلّق بحياة الفرد خارج مؤسّسات الدّولة… علمانيّةٌ تقبل التّدين الفردي فتترك متنفّسًا صغيرًا للأفراد للتّعبير عن مشاعرهم الإسلاميّة في شؤون حياتهم الفرديّة. أمّا في أنظمة الدّولة والمجتمع فهي كالعلمانيّة الصّرفة سواءٌ بسواء؛ فكلٌ من العلمانيتين – الإسلاميّة، والصّرفة – تؤلّه البشر، وتجعل الإنسان هو المشرّع الّذي يسنّ التّشريعات ويحلّل ويحرّم، وهذا الفهم يتناقض مع القرآن، قال تعالى مبيّنًا أنّ الله هو وحده المشرّع الّذي يحلّل ويحرّم: ﴿إِنِ ٱلۡحُكۡمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعۡبُدُوٓاْ إِلَّآ إِيَّاهُۚ ذَٰلِكَ ٱلدِّينُ ٱلۡقَيِّمُ وَلَٰكِنَّ أَكۡثَرَ ٱلنَّاسِ لَا يَعۡلَمُونَ .

هذا، ويمكن القول إنه قد تمّ إنتاج وصناعة النموذج الأوردغانيّ، وفق دراساتٍ أوصت بها مؤسّساتٌ ومراكز دراسات بحثيّةٍ متخصّصةٍ في شؤون الشّرق الأوسط من مثل مؤسّسة “راند”؛ والّتي أوصت معظم بحوثاتها بتشجيع الجماعات الإسلاميّة المعتدلة؛ الّتي تقبل بالنّظام الدّولي، وبطريقة العيش الغربية، كما أوصت الدراسات بإيصال هذه الجماعات إلى الحكم، بعد موافقتها على النظام الدّيمقراطيّ الذي يفصل الدين عن السياسة؛ فوجد الغرب في أوردغان وحزبه ضالّته؛ فأوصلوه إلى الحكم وهو يحمل شعار الإسلام؛ ليكون أنموذجًا ناجحًا لكل حركةٍ إسلاميّةٍ، تريد الوصول إلى الحكم، أو تريد أن توصل الإسلام إلى الحكم  بصبغةٍ ديمقراطيّةٍ في الحكم والتشريع، رأسماليةٍ في الاقتصاد والملكيّة وطرقها، إسلامٌ يقوم على أساس الحريّات العامّة الغربيّة في حقوق الإنسان والمرأة، وأطلقوا عليه الإسلام المعتدل، إسلامٌ مفرّغٌ من الإسلام محشوٌ بأفكار الكفر، إسلامٌ يجعل الحاكميّة للشعب، إسلامٌ يحظر تطبيق الشريعة كقانون ودستور، إسلامٌ يجعل الالتزام بأحكام الإسلام يقتصر فقط على المستوى الفردي؛ وذلك من باب المحافظة على الحريّات العامّة للأفراد، وليس لأنّها حكم الله في حقّهم. فهل يقال عن هذا الكفر الصريح إنه إسلام؟!.

إنّ المقياس الّذي يجب أن يقاس عليه حكم أوردغان؛ ليس النّمو الاقتصادي أو الرّفاهيّة الّتي حقّقها لشعبه، ولا التزامه الشّخصيّ أو القماش الذي تغطي به امرأته رأسها، بينما ساقاها مكشوفتان؛ ولا نقارنه بغيره من الرّويبضات المسلِّطون سياطهم على رقاب المسلمين، وإنّما يجب أن نقيسه بمقياس الشّرع. فأيّما حاكمٍ شديد الالتزام بأوامر الله ونواهيه في نفسه، في سلوكيّاته الشّخصيّة، ولكنه في الحكم لا يحكم بالشرع؛ فإنّ الله يتوعّد أمثاله شديد العذاب يوم الحساب، فتأمّل ما أولاه الله تعالى للحاكم من مسؤوليّات، وما توعّده إن فَرَّطَ فيها من حساب.

ولنا في قصّة نبيّ الله داود عليه السلام خير مثالٍ على ذلك؛ فعلى الرّغم من أنّه نبيّ –والنّبي خير العابدين لله صيامًا، وقيامًا، وذكرًا، وعملًا صالحًا– ﴿ وَٱذۡكُرۡ عَبۡدَنَا دَاوُۥدَ ذَا ٱلۡأَيۡدِۖ إِنَّهُۥٓ أَوَّابٌ ١٧ إِنَّا سَخَّرۡنَا ٱلۡجِبَالَ مَعَهُۥ يُسَبِّحۡنَ بِٱلۡعَشِيِّ وَٱلۡإِشۡرَاقِ ١٨ ﴾. ورغم أنّه النّبيّ الّذي قال فيه نبينا محمد ‏صلى الله عليه وسلم: «أحبّ الصّلاة إلى الله صلاة داود، وأحبّ الصّيام إلى الله صيام داود». ورغم أنّه النّبي داود المجاهد المقاتل المجهِّز للمجاهدين ﴿ وَقَتَلَ دَاوُۥدُ جَالُوتَ﴾،﴿وَأَلَنَّا لَهُ ٱلۡحَدِيدَ ١٠ أَنِ ٱعۡمَلۡ سَٰبِغَٰتٖ وَقَدِّرۡ فِي ٱلسَّرۡدِۖ﴾.. ورغم أنهّ صاحب الصّوت الرّخيم في التّسبيح حيث تقف الطّير في السّماء من جمال صوته… حيث قال النّبيّ محمّدٍ ‏لصاحب الصّوت الشّجيّ في قراءة القرآن: «لقد أوتيت مزمارًا من مزامير داود»… رغم كلّ هذه الأمور العظيمة في شخص النّبيّ داود عليه السّلام، لكن لمـَّا جعلَهُ اللهُ خليفةً حاكمًا، وولّاه الحكم، وسدّته، ومنصب الرئيس… هدّده الله وتوعّده إن لم يحكم بالحق (بالشّرع) فسوف يعذّبه عذابًا شديدًا، ولا قيمة لكلّ سلوكيّاته الشّخصيةّ الصّالحة، وأنّه إن لم يحكم بالحقّ فإنهّ سيكون ضلّ عن سبيل الله، ونسي يوم الحساب؛ فقال له سبحانه وتعالى: ﴿ وَٱذۡكُرۡ عَبۡدَنَا دَاوُۥدَ ذَا ٱلۡأَيۡدِۖ إِنَّهُۥٓ أَوَّابٌ ١٧ إِنَّا سَخَّرۡنَا ٱلۡجِبَالَ مَعَهُۥ يُسَبِّحۡنَ بِٱلۡعَشِيِّ وَٱلۡإِشۡرَاقِ ١٨ وَٱلطَّيۡرَ مَحۡشُورَةٗۖ كُلّٞ لَّهُۥٓ أَوَّابٞ ١٩ وَشَدَدۡنَا مُلۡكَهُۥ وَءَاتَيۡنَٰهُ ٱلۡحِكۡمَةَ وَفَصۡلَ ٱلۡخِطَابِ ٢٠﴾. إلى أن قال تعالى: ﴿ يَٰدَاوُۥدُ إِنَّا جَعَلۡنَٰكَ خَلِيفَةٗ فِي ٱلۡأَرۡضِ فَٱحۡكُم بَيۡنَ ٱلنَّاسِ بِٱلۡحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ ٱلۡهَوَىٰ فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِۚ إِنَّ ٱلَّذِينَ يَضِلُّونَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ لَهُمۡ عَذَابٞ شَدِيدُۢ بِمَا نَسُواْ يَوۡمَ ٱلۡحِسَابِ ٢٦ ﴾، فبمجرّد أن لا يحكم بالحقّ الذي أُنزل عليه، يكون قد اتّبع الهوى، وضلّ عن سبيل الله، فله عذابٌ شديد، ويكون قد نسي يوم الحساب، فهذه طامّة تحلّ بمن لا يحكم بالحقّ الذي أنزل، وإن كان في الأخلاق والورع على مستوى شخصه ما كان!

لذلك فالمقياس والعبرة ليست في أن يكون الرّئيس ناجحًا في رفع مستوى اقتصاد بلده على أساس النّظام الرّأسمالي، ولا أن يكون إداريًا ناجحًا فتكون يده نظيفة، ولا أن يكون للإسلام دورٌ هامشيّ في إدارته، بل العبرة بأن يحكم بما أنزل الله، وإلّا فهو كما وصف ربّ العالمين سبحانه وتعالى من لم يحكم بما أنزل الله، إما أن يكون كافرًا أو ظالمِا أو فاسقًا.

إن الله سبحانه وتعالى عندما أمر نبيه بالحكم بما أنزل الله، أمره بالحكم بكل ما أنزل الله؛ لأن ما تفيد العموم، وحذره في الوقت نفسه من أن يفتنه الكفار عن بعض ما أنزله إليه، ولو كان حكمًا واحدًا، فقال سبحانه: ﴿وَأَنِ ٱحۡكُم بَيۡنَهُم بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ وَلَا تَتَّبِعۡ أَهۡوَآءَهُمۡ وَٱحۡذَرۡهُمۡ أَن يَفۡتِنُوكَ عَنۢ بَعۡضِ مَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ إِلَيۡكَۖ فَإِن تَوَلَّوۡاْ فَٱعۡلَمۡ أَنَّمَا يُرِيدُ ٱللَّهُ أَن يُصِيبَهُم بِبَعۡضِ ذُنُوبِهِمۡۗ وَإِنَّ كَثِيرٗا مِّنَ ٱلنَّاسِ لَفَٰسِقُونَ ٤٩ أَفَحُكۡمَ ٱلۡجَٰهِلِيَّةِ يَبۡغُونَۚ وَمَنۡ أَحۡسَنُ مِنَ ٱللَّهِ حُكۡمٗا لِّقَوۡمٖ يُوقِنُونَ ٥٠. فكيف بأردوغان الذي يترك الحكم بالإسلام جملة، ويستبدله بأحكام الكفر جملة. وحقيقة المشكلة ليست في أردوغان، وإنما فيمن يتولَّونه، أو سيتولَّونه، على هذه الحال التي هو عليها من الفهم الأعوج غير المستقيم على منهاج النبوة، فهؤلاء على فهم أردوغان الأعوج، وهو منهم يستمد قدرته على إنجاح مهمته في الفتنة عن الدين.

إنّ مثل الاقتصاديّ النّاجح الذي يفعل أيّ شيء لتنمية اقتصاد بلده، وإن كان مساومة جورج بوش ليشارك في حرب أميركا على العراق ويسمح بتنزيل 62 ألف مقاتل أميركي على أراضيه… وإنّ من يساوم على قضيّة فلسطين، فيقيم أخطر العلاقات الدّبلوماسية الطّبيعية والتّبادل التّجاريّ والاستخباري الّذي يزداد سنة بعد سنة، مع كيان يهود، ولا يتأثّر بأيّ حروبٍ ضد الأمّة من كيان يهود… وإن من يسمح للرّوس والأميركان باستعمال إنجرليك لضرب المسلمين في الشّام، ومن يؤجّر أراضي بلده لليهود يستثمرونها، ومن يسمح بالمراقص ودور الدّعارة، وأن يروّج الشّاذ والزّانية لتجارتهما في الشوارع التي فتحها محمد الفاتح… فإنّ مثله كمثل مُرابٍ نمَّى كلّ ثروته من الربا، وحين جرت مقارنته بتاجر مخدّرات، قيل هو أفضل من ذلك التّاجر! على الأقلّ لا يتاجر بالمخدّرات… فلا مشكلة، ولو قارناه بتاجر مخدّرات فهو أفضل منه!

نعم، فمقاييس أمّتنا الإسلامية أرفع وأدقّ من هذا، مقياسنا هو شرع الله، وحين نقيس حاكمًا علمانيًّا مثل أردوغان يروّج صباح مساء للعلمانيّة، فمثل هذا الشّخص في مقياس الشّرع هو شخصٌ ساقط لا قيمة له!

وفي الختام فلا أنموذج داعش، ولا أنموذج أوردغان يحلّ مشاكل المسلمين، وإنّما المخرج الوحيد للمسلمين، وسائر البشر في العالم هو أن يطبّق عليهم النّظام الّذي شرعه خالقهم، فهو وحده الذي يعلم ما يصلح شؤون حياتهم. قال تعالى: ﴿أَلَا يَعۡلَمُ مَنۡ خَلَقَ وَهُوَ ٱللَّطِيفُ ٱلۡخَبِيرُ ١٤وهو النّظام الوحيد الصّحيح والمخرج للبشريّة من ظلم الرأسماليّة وظلمات العلمانيّة الّتي لا تنتهي مشاكلها، والطّريق الوحيد الموصل لهذا المخرج؛ هو العمل مع العاملين لإقامة الخلافة الرّاشدة الثّانية على منهاج النّبوّة –بقيادة حزب التّحرير– التي تُحلّ بها جميع المشاكل حلًا جذريًا؛ فيسود العالم الأمن، والأمان، والهدوء، والسعادة، والاطمئنان.

قال الله سبحانه: ﴿وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مِنكُمۡ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ لَيَسۡتَخۡلِفَنَّهُمۡ فِي ٱلۡأَرۡضِ كَمَا ٱسۡتَخۡلَفَ ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِهِمۡ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمۡ دِينَهُمُ ٱلَّذِي ٱرۡتَضَىٰ لَهُمۡ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّنۢ بَعۡدِ خَوۡفِهِمۡ أَمۡنٗاۚ يَعۡبُدُونَنِي لَا يُشۡرِكُونَ بِي شَيۡ‍ٔٗاۚ وَمَن كَفَرَ بَعۡدَ ذَٰلِكَ فَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡفَٰسِقُونَ ٥٥. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تكون النبوة فيكم ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها… ثم تكون ملكًا جبرية فتكون ما شاء الله أن تكون ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة ثم سكت» رواه البزار والطبراني ورجاله ثقات.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *