العدد 382 -

السنة الثالثة والثلاثون، ذو القعدة 1439هـ ، الموافق تموز 2018م

مع القرآن الكريم

مع القرآن الكريم

] لَّا جُنَاحَ عَلَيۡكُمۡ إِن طَلَّقۡتُمُ ٱلنِّسَآءَ مَا لَمۡ تَمَسُّوهُنَّ أَوۡ تَفۡرِضُواْ لَهُنَّ فَرِيضَةٗۚ وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى ٱلۡمُوسِعِ قَدَرُهُۥ وَعَلَى ٱلۡمُقۡتِرِ قَدَرُهُۥ مَتَٰعَۢا بِٱلۡمَعۡرُوفِۖ حَقًّا عَلَى ٱلۡمُحۡسِنِينَ ٢٣٦ وَإِن طَلَّقۡتُمُوهُنَّ مِن قَبۡلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ وَقَدۡ فَرَضۡتُمۡ لَهُنَّ فَرِيضَةٗ فَنِصۡفُ مَا فَرَضۡتُمۡ إِلَّآ أَن يَعۡفُونَ أَوۡ يَعۡفُوَاْ ٱلَّذِي بِيَدِهِۦ عُقۡدَةُ ٱلنِّكَاحِۚ وَأَن تَعۡفُوٓاْ أَقۡرَبُ لِلتَّقۡوَىٰۚ وَلَا تَنسَوُاْ ٱلۡفَضۡلَ بَيۡنَكُمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ بِمَا تَعۡمَلُونَ بَصِيرٌ ٢٣٧[.

يبين الله سبحانه في هاتين الآتين ما يلي:

  1. ليست هناك تبعة من مهر على الرجال إن طلقوا زوجاتهم قبل الدخول بهن، وقبل أن يسموا لهن مهراً، بل عليهم في هذه الحالة أن يعطوهن شيئاً يتمتعن به تطييباً لأنفسهن نتيجة وحشة الطلاق دون تحديد بمقدار، ولكن يتوقف على ما يطيق إن كان غنياً أو فقيراً.

وهـذه المتعة فرض على الزوج، فقد أخرج ابن جرير: «قال لما نزل قوله تعالى: ]مَتَٰعَۢا بِٱلۡمَعۡرُوفِۖ حَقًّا عَلَى ٱلۡمُحۡسِنِينَ ٢٣٦[ قال رجل: إن أحسنت فعلت وإن لم أرد ذلك لم أفعل. فأنزل الله الآية: ]وَلِلۡمُطَلَّقَٰتِ مَتَٰعُۢ
بِٱلۡمَعۡرُوفِۖ حَقًّا عَلَى ٱلۡمُتَّقِينَ ٢٤١[» البقرة/آية241 (الدر المنثور: 2/739) وبذلك علم أن المتعة فرض.

فالموسع أي الغني عليه أن يمتع بما يناسبه والمقتر أي الفقير ما يناسبه، ولكن لا يجب فيها بحال مال أكثر من نصف المهر لأمثالها لأن الآية اللاحقة تجعل نصف المهر المسمى حقا للمرأة المطلقة غير المدخول بها إن سمى لها مهراً.

أما لماذا قلنا إن ] لَّا جُنَاحَ عَلَيۡكُمۡ[ أي لا تبعة مهر عليكم ولم نقل لا إثم عليكم فذلك من وجهين:

الأول: أن لا إثم في الطلاق بشكل عام ما دام حسب أحكام الشرع سواء التي دخل بها أو غيرها.

الثاني: أن الأدلة الشرعية أوجبت المهر على المدخول بها المطلقة دون تسمية مهر بأن لها مهرَ مثلها كما جاء في حديث رسول الله r: «بالنسبة للمرأة التي لم يسم لها مهر ودخل بها فجعل لها رسول الله r مهر مثلها» (البيهقي: 7/105، الدر المنثور: 2/701).

وجعل للمطلقة غير المدخول بها وسمي لها مهر أن يكون لها نصف المهر المسمى.

أما هذه غير المدخول بها وغير المسمى لها مهر فلم يجعل الإسلام لها نصف مهر مثلها، وإنما أن تمتع حسب الوسع وهذا لا يسمى مهراً، ولهذا قلنا ] لَّا جُنَاحَ عَلَيۡكُمۡ إِن طَلَّقۡتُمُ ٱلنِّسَآءَ مَا لَمۡ تَمَسُّوهُنَّ أَوۡ تَفۡرِضُواْ لَهُنَّ فَرِيضَةٗۚ[ أي لا تبعة مهر.

] مَا لَمۡ تَمَسُّوهُنَّ [ أي ما لم تجامعوهن.

] أَوۡ تَفۡرِضُواْ لَهُنَّ فَرِيضَة[ أو تسموا لهن مهـراً. ] أَوۡ[ هنا بمعنى (و) أي أن ] لَّا جُنَاحَ عَلَيۡكُمۡ[ و]مَتِّعُوهُنَّ[ مشروطان بحدوث الأمرين: (عدم الدخول) و(عدم تسمية مهر) وليس على التخيير بواحد من الأمرين.

  1. ثم يبين الله سبحانه في الآية الثانية أن للمطلقة غير المدخول بها نصف المهر المسمى إن كان لها مهر مسمى، إلا أن تعفو هي فتتنازل عن نصف مهرها المسمى أو يعفو الزوج فيدفع لها كلّ المهر المسمى.

ثم يبين الله سبحانه أن العفو الذي يقوم به أحد الزوجين يجعل صاحبه أقربَ للتـقـوى، ففيه أجر كبيـر ودليل التـقـوى عند الفاعـل وفيه إن العفـو مندوب بقرينـة ]أَقۡرَبُ لِلتَّقۡوَى [ التي تفيد الثناء من الله سبحانه على فاعل العفو ولكنها لا تفيد العقوبة على تركه، فتكون قرينة على الندب وبخاصة أن الله ذكر بعد ذلك ] وَلَا تَنسَوُاْ ٱلۡفَضۡلَ بَيۡنَكُمۡ[ أي حثّ لهم على تفضل بعضهم على بعض بالعفو.

ثم يختم الله الآية الكريمة بتذكيرهم أن الله بصير بما يفعلونه فيجازي كلّ عامل بعمله ] إِنَّ ٱللَّهَ بِمَا تَعۡمَلُونَ بَصِيرٌ ٢٣٧[.

]إِلَّآ أَن يَعۡفُون[ أي تعفو المطلقة فتتنازل عن نصف مهرها المسمى فلا تأخذه.

] أَوۡ يَعۡفُوَاْ ٱلَّذِي بِيَدِهِۦ عُقۡدَةُ ٱلنِّكَاحِ [ أي يعـفـو الأزواج فيدفـعـوا المهر كاملا لمطلقاتهم.

وقلنا إن ]بِيَدِهِۦ عُقۡدَةُ ٱلنِّكَاحِ [ هو الزوج وليس الولي مثلاً للأسباب التالية:

أ. ذكر الله سبحانه أولاً ] فَنِصۡفُ مَا فَرَضۡتُمۡ[ أي للمطلقة غير المدخول بها، المسمى لها مهر، فيكون لها نصف المهر المسمى، ثم بعد ذلك قال سبحانه ] إِلَّآ أَن يَعۡفُونَ أَوۡ يَعۡفُوَاْ ٱلَّذِي بِيَدِهِۦ عُقۡدَةُ ٱلنِّكَاحِ [ وهذا يعني أن هناك طرفين لكل منهما حق العفو في موضوع المهر، أما الطرف الأول فقد حُدِّد بالنساء المطلَّقات ]إِلَّآ أَن يَعۡفُون[ والطرف الثاني الذي بيده عقدة النكاح فيكون الزوج لأنه هو الطرف الوحيد الباقي بعد المرأة المطلَّقة الذي يملك حق العفو في موضوع المهر، ويكون المعنى أن لها نصف المهر إلا إن عفت فلم تأخذ هذا النصف وتتركه للمطلِّق، أو يعفو المطلِّق عن نصفه المتبقَّى له فيعطي كاملَ المهر للمطلَّقة.

ب. وقد بيَّن الله سبحانه وتعالى في آيات أخرى طرفيْ عقد الزواج اللذين لهما التصرف في المهر: قال تعالى: ]وَءَاتُواْ ٱلنِّسَآءَ صَدُقَٰتِهِنَّ نِحۡلَةٗۚ ف[ النساء، فللزوجة هنا أن تعفو عن صداقها.

وقال تعالى: ] وَإِنۡ أَرَدتُّمُ ٱسۡتِبۡدَالَ زَوۡجٖ مَّكَانَ زَوۡجٖ وَءَاتَيۡتُمۡ إِحۡدَىٰهُنَّ قِنطَارٗا فَلَا تَأۡخُذُواْ مِنۡهُ شَيۡ‍ًٔاۚ[ النساء/آية 20، فقد نُسب للزوج دفع المهرُ، وعدم الأخذ منه إذا أراد طلاقها.

أي أن التصرف في المهر نُسب للزوج والزوجة، وبذلك يكون حق العفو لأيٍّ منهما وليس لغيرهما.

ج. قوله تعالى: ]ۚ وَأَن تَعۡفُوٓاْ أَقۡرَبُ لِلتَّقۡو [ يعني أن العفو من صاحب الحق وليس ممن لا يملك هذا الحق، فإن كان العفو من ولي المرأة فلا يكون أقرب للتقوى لأنه عفو عن حقّ الغير. وهكذا فلو عفا الولي ورفضت الزوجة فلا قيمة لعفوه حيث إن الصداق ملكها وليس ملكه، وبالتالي فلا يكون أقرب للتقوى.

وقد اختار أبو حنيفة في مذهبه هذا الرأي أي أن الذي بيده عقدة النكاح هو الزوج، وكذلك أخذ به الشافعي في الجديد.

] وَلَا تَنسَوُاْ ٱلۡفَضۡلَ بَيۡنَكُمۡ[ أي لا تتركوا أن يتفضل بعضكم على بعض.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *