مصر: قراءة في مسيرة الثورة
2011/03/01م
المقالات
1,492 زيارة
مصر: قراءة في مسيرة الثورة
بقلم: م. حسن الحسن
تعتبر مصر أهم دول المنطقة، فهي صلة الوصل بين أفريقيا وآسيا، وفيها قناة السويس الحيوية – أقصر معبر بين دول الشمال والجنوب، وهي الأكثر سكاناً والأشد خطراً على «إسرائيل» إن تحررت من قيودها. كما أنّ مصر قبلة العرب وزعيمتهم، ولها ثقل مشهود في العالم الإسلامي، حيث كانت مصنعاً للعلماء ونقطة انطلاق لتحرير القدس من الصليبيين ولرد جيوش التتار عن بلاد المسلمين. ولذلك كانت مصر على الدوام محل تطلع الأمة لقيادتها، كما كانت تحت مجهر الدول الكبرى التي طالما تسابقت وتصارعت للسيطرة عليها، سواء من قبل فرنسا وبريطانيا سابقا، أو بريطانيا وأميركا لاحقاً، إلى جانب محاولات الاتحاد السوفياتي لاحتوائها.
علاقة الشعب بالنظام الحاكم: علاقة تضاد
لهذا كله حق لأهل مصر أن يتطلعوا لقيادة المنطقة على طريق وحدة الأمة ونهضتها. وحق لهم أن يضيقوا ذرعاً بنظام حكم مبارك الذي مارس عليهم سياسات مناقضة لتطلعاتهم، فضلاً عن إمعانه تطبيق سياسات وأد مصر من خلال عمليات القمع والقهر والإفقار والإرهاب الممنهج، ناهيك عن جعل مصر تابعة ذليلة للولايات المتحدة، وحارساً أميناً على كيان (إسرائيل) ومصالحه، فيما يمارس النظام نفسه أقصى درجات الإذلال على أهل غزة المحاصرين. وبهذا بات نظام مبارك يشكل بعد ثلاثة عقود عجاف عبئاَ لا يطاق على كاهل شعب مصر. ويفسر هذا بدوره خروج الملايين من أهل مصر على حكم مبارك والمطالبة بخلعه وتغيير نظامه في أول فرصة جدية أتيحت لهم.
علاقة الجيش بالنظام الحاكم: ركيزة السلطة
مثل الجيش العمود الفقري والركيزة الأهم للحكم في مصر منذ انقلاب يوليو 1952، وقد توج الجيش أربعة حكام على عرش مصر منذ ذاك الوقت. إلا أنّ متغيرات عدة على رأسها طموح عائلة الرئيس حسني مبارك بتوريث نجله جمال الحكم (في حضور الأب أو بعد غيابه تأسياً بحكام آخرين) أفسح المجال لصعود طبقة رجال الأعمال والمنتفعين من الحزب الحاكم الذين تضاعف نفوذهم بشكل مضطرد بعد أن باتوا يشكلون الرافعة التي يعول عليها آل مبارك لدفع نجلهم جمال لحكم مصر. ولو نجح هؤلاء لكسروا بذلك احتكار العسكر لموقع الرئاسة فضلاً عن تحجيم دورهم في الحياة السياسية المصرية. وهو ما يؤدي بلا أدنى شك إلى إزعاج الجيش ويخلق حالة من التنافس بين أجنحة النظام المختلفة.
علاقة (إسرائيل) بالنظام الحاكم: نفوذ متزايد
لقد سمح انحسار دور الجيش وتزايد نفوذ عائلة مبارك والمقربين منهم من رجال أعمال مشبوهين ورجالات الحزب الوطني الحاكم المنتفعين إلى تغلغل النفوذ (الإسرائيلي) داخل مصر، وقد أكد هذا الواقع آفي ديختر الرئيس الأسبق لجهاز الشاباك في محاضرة له بقوله “إنّ وجود إسرائيل في مصر قوي، وإن هذا الوجود القوي يعتمد على علاقاتنا المتميزة مع شركائنا من رجال الأعمال وأصدقائنا من الإعلاميين المصريين ” ولا يروق هذا بطبيعة الحال لعامة شعب مصر الذي ينظر إلى (إسرائيل) كعدو، ولا يروق للجيش؛ لأن هذه العلاقة قد تؤدي إلى حبك مؤامرة تنصيب جمال مبارك حاكماً على مصر، كذلك فإنها تقوي نفوذ السياسيين المدنيين على حسابهم، كما لن يروق هذا لأميركا إذ إنها لا تريد زعزعة دور الجيش الذي تعول عليه في إخضاع مصر لنفوذها، كما يزعجها أن يشاركها أحد مهما كان مقرباً منها الهيمنة على هذا الموقع الاستراتيجي في المنطقة والعالم.
علاقة النظام الحاكم بأميركا علاقة تبعية
تتصف علاقة النظام السياسي المصري بالولايات المتحدة بالتبعية الواضحة. وللحفاظ على هذا النمط من العلاقة تتابع أميركا أدق التفاصيل في مصر، حيث تقوم الولايات المتحدة بتدعيم الركائز الأساسية التي يستند إليها النظام، سواء من خلال نشر نظام للرقابة والرصد والإنذار قادر على تحليل الحيثيات التي يجري جمعها وتقييمها، أم من خلال الاحتفاظ بقوة تدخل سريع من المارينز في النقاط الحساسة بالعاصمة ــ القاهرة ــ ومرابطة قطع بحرية وطائرات أميركية في قواعد داخل مصر وبجوارها كما تُعتبر مصر بحسب الكاتب الأميركي وليم أركن في كتابه «الأسماء المشفرة» “ أحد الشركاء العرب الصامتين، الذين يستضيفون القوات الأميركية خفية، ويتعاونون مع المؤسسة العسكرية الأمنية الأميركية، ويدعمون العمليات الأميركية دائماً
ولأهمية مصر ودورها بالنسبة للولايات المتحدة، فإن ما حصل من تغيرات في مصر والمنطقة يدفع بالشكوك حول استعدادها لدعم استمرارية نظام مبارك الذي سئم منه الشعب، وانزعج من تصرفاته الجيش، وتغلغل في أوساطه النفوذ (الإسرائيلي)، وانحسر دروه في المنطقة، وبالتالي باتت قدراته محدودة للغاية في خدمة الأجندة الأميركية، سواء فيما يتعلق بعلاج ملف الانقسام الفلسطيني أم للضغط على (إسرائيل) كما تفعل تركيا مثلاً للمساعدة في تطبيق الخطة الأميركية بشأن عملية التسوية، أو فيما يتعلق بملفات ساخنة أخرى كالعراق واليمن والسودان وغيرها
سياقات الثورة
(1) رسمت ثورة الشعب في تونس خريطة طريق عملية واضحة المعالم لشعب مصر في كيفية تحركه للتخلص من النظام الحاكم. يؤيد هذا ما ذكرته نوارة فؤاد نجم إحدى أبرز الرموز الشبابية لثورة مصر في مقابلة لها مع موقع أخبار فلسطين “لقد كان لثورة تونس الفضل الكبير بإعطائنا الأمل بأن الشعب يستطيع أن يصنع التغيير ويستطيع تقرير مصيره بنفسه شكرا لتونس ولثورتها المباركة التي أمدّتنا بالأمل
(2) إنّ الثورة التي أسقطت نظام مبارك لم تقع في فراغ، ويلاحظ أنها كانت منضبطة وفق إيقاعات محددة، رغم ادعاء عدم وجود قيادات منظمة لها، فقد غاب حرق أعلام أميركا و(إسرائيل) عن الساحات والميادين، كما اكتفى الجيش بالتفرج من قريب على ما يجري من غير تصد للمتظاهرين، إضافة إلى غياب نداءات “التكبير والتهليل” من أصحاب تيار “الإسلام هو الحل”، لتتضافر العوامل بشكل ما، لتساعد الجيش على حسم حالة الصراع القائم لصالحه. بل بات تدخل الجيش لحسم حالة الشلل والغموض التي أصابت مصر مطلب جميع الفرقاء في الداخل والخارج، مما عزز موقعه ودوره، وهو ما لم يكن ليتأتى له تحقيقه على هذا النحو لو أنه قام بحيازة السلطة من خلال انقلاب عسكري.
(3) إن القوى الدولية تهلل للتغيير، وتثني على الجيوش سواء في مصر أم تونس لحمايتهم تلك الثورات، في ظل توافق الإرادات المختلفة (على الأقل ضمنياً فيما يبدو) على أن تظهر هذه الثورات على أنها ثورات شعوب المنطقة من غير قيادات خارجية ولا حتى داخلية، وعلى أن الشعوب نجحت في تحقيق أهدافها (بإسقاط مبارك وبن علي مثلاً). وفي ظل غياب أي قيادات منظمة أو ممثلة لهذه الثورات فإن هذا يعني ترك ترتيب النظام السياسي للجيوش، لا سيما بعد إبراز دورها الإيجابي في إنجاح هذه الثورات.
(4) إن كل ما وقع حتى الآن يمثل مجرد نقطة البداية في مسيرة التغيير، فقد صرح الرئيس الأميركي باراك أوباما ليلة تنحي مبارك عن الحكم على لسان الناطق باسم البيت الأبيض روبرت غيبس هذه الخطوة هي البداية و ليست النهاية ويرجع ذلك إلى أن إخفاق المحافظين الجدد في ابتلاع العالم الإسلامي عن طريق القوة، أدى إلى تبني استراتيجية جديدة لاحتواء المنطقة وضرب مسار التغيير الجذري الشامل فيها. وهو ما سبق أن رددته وزيرة الخارجية الأميركية السابقة كونداليزا رايس بقولها “إن الإدارة الأميركية ستتمسك بنهج تشجيع الإصلاح السياسي في المنطقة العربية بصرف النظر عن ترجيح تزايد نفوذ القوى المعادية لأميركا والغرب وأن هذه مرحلة انتقالية ضرورية قبل بلورة أنظمة سياسية أكثر استقراراً وانفتاحاً على الغرب وهو ما أكده الرئيس الأميركي الأسبق جورج بوش من خلال إعلان أن سياساته القادمة حيال منطقة الشرق الأوسط تستند إلى معادلة نشر الديموقراطية في مواجهة التطرف والإرهاب، متعهداً بمواصلة دمقرطة الشرق الأوسط من خلال تقديم بديل يمنح أملاً بالحرية السياسية والتغيير السلمي”. ويأتي هذا منسجماً مع ما صرحت به هيلاري كلينتون وزيرة الخارجية الأميركية في 13/2/2011م، أي قبل يومين فقط من خلع بن علي، أثناء افتتاح الدورة السابعة لمنتدى المستقبل لمجموعة دول الثمانى ودول الشرق الأوسط الكبير وشمال أفريقيا، بالعاصمة القطرية الدوحة والتي قالت فيها «إن شعوب المنطقة سئمت من المؤسسات الفاسدة والسياسات الراكدة مقابل تراجع الثروات المائية والنفطية وإن الشرق الأوسط الجديد والديناميكي يجب أن يتعزز على أسس أصلب ويتجذر وينمو فى كل أنحاء المنطقة، وإن الذين يتمسكون بالوضع الراهن كما هو قد يتمكنون من الصمود أمام مجمل مشاكل بلدانهم لفترة قصيرة، ولكن ليس للأبد وأن آخرين سيملؤون الفراغ إذا ما فشل القادة في إعطاء رؤية إيجابية للشباب وسبل حقيقية للمشاركة وأن العناصر المتطرفة والمجموعات الإرهابية والجهات الأخرى التى تتغذى من الفقر واليأس، موجودة على الأرض وتنافس على النفوذ، لذلك يجب محاربة الفساد، والنظر إلى المجتمع المدني على أنه شريك وليس خطراً
أخيراً وليس آخراً، فإن ما يخطط له الغرب وينفذه أعوانه شيءٌ، وما تأصل في نفوس أبناء الأمة من حب للإسلام واستعداد للتضحية في سبيله وتطلع إلى الوحدة والتحرير والتغيير الجذري الشامل على أساسه شيٌ آخر. وها هي حناجر بعض المخلصين في القاهرة والإسكندرية وصنعاء وتونس وغيرها قد بدأت تصدح بالحق منادية على الملأ بأن الإسلام هو الهوية وهو العقيدة وهو الشريعة، مستبشرة بالخلافة الراشدة بعد الحكم الجبري الذي بتنا نشهد أفوله، مطالبة بإقامة الدولة الإسلامية لا الدولة المدنية العلمانية التي يحاول الغرب وأبواقه إرغام المسلمين على القبول بها. ولعل هذا يدفع المخلصين من أبناء هذه الأمة للتعاضد سوية لصد الهجمة الغربية التي تريد احتواء حركة الأمة وتضليلها عن غايتها الأصيلة المتمثلة في استئناف الحياة الإسلامية، عسى أن تقلب جهود المخلصين بفضل من الله سحر الغرب ومكره عليه وما ذلك على الله بعزيز ]وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ[ [الأنفال].