العدد 127 -

السنة الحادية عشرة – شعبان 1418 – كانون الأول 1997م

حكم التشبه بالكفار (بمناسبة قدوم رأس السنة الميلادية)

كلمة أخيرة:

حكم التشبه بالكفار (بمناسبة قدوم رأس السنة الميلادية)

 

جاء في صحيح البخاري: «عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يحب موافقة أهل الكتاب، فيما لم يؤمر فيه، وكان أهل الكتاب يَسْدِلون أشعارهم، وكان المشركون يَفْرُقون رؤوسهم. فَسَدَلَ النبي صلى الله عليه وسلم ناصيتَه ثُمَّ  فَرَقَ بَعْدُ».

هذه الموافقة كانت مباحة للرسول صلى الله عليه وسلم فيما لم يؤمر فيه. ثم جاء النهي للنبي صلى الله عليه وسلم عن موافقتهم أو التشبه بهم. وأَمَرَ المسلمين بمخالفة اليهود والنصارى ومخالفة المجوس ومخالفة المشركين. قال صلى الله عليه وآله وسلم: «إن اليهود والنصارى لا يصبغون فخالفوهم» [البخاري ومسلم]. وقال: «جُزّوا الشوارب واعْفُوا اللحى وخالفوا المجوس» [أحمد ومسلم] وفي رواية «وخالفوا المشركين». وقال: «غيِّروا الشيب ولا تشبهوا باليهود والنصارى» [الترمذي والنسائي وأحمد]. وقال: «ليس منّا من تشبه بغيرنا» [الترمذي]. وقال: «من تَشَبّهَ بقوم فهو منهم» [أبو داود وأحمد]. وعن أبي معمر قال: «كنا مع عليّ رضي الله عنه فمرّ به جنازة فقام لها الناس، فقال علي رضي الله عنه: من أفتاكم هذا؟ فقالوا: أبو موسى. قال: إنما فعل ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم مرة فكان يتشبه بأهل الكتاب. فلما نُهِيَ انتهى» [أحمد].

وكان صلى الله عليه وآله وسلم يصوم عاشوراء ثم أمر بصوم تاسوعاء مخالفة لليهود. وكان يستقبل في الصلاة بيت المقدس ثم حوّل الله القبلة إلى البيت الحرام. واليهود لا يخالطون المرأة الحائض فأمر صلى الله عليه وسلم المسلمين بمخالطة الحائض حتى قال: «اصنعوا كل شيء إلى الجماع» فقال اليهود: (ما يدع من أمرنا شيئاً إلا خالَفَنا فيه). وقد روى أبو داود عن أم سلمة: «أنه صلى الله عليه وسلم كان يصوم السبت والأحد يتحرى ذلك ويقول: إنهما يوما عيد الكفار وأنا أحب أن أخالفهم». [وللنسائي وأحمد ومثله]. وقال ابن حجر العسقلاني: (وقد جمعت المسائل التي وردت الأحاديث فيها بمخالفة أهل الكتاب فزادت عن الثلاثين حكماً. وقد أودعتها كتابي الذي سميته:القول الثبت في الصوم يوم السبت) [فتح الباري 10/298].

فهل يحل للمسلم أن يجامل الكفار ومنهم أهل الكتاب من يهود ونصارى ومنهم الملحدون والبوذيون وغيرهم من ملل الكفر، هل يحل للمسلم أن يجامل الكفار ضمن دائرة المباح وأن يوافقهم ويعمل ما يرضيهم؟ وهل يحل للمسلم أن يقلد الكفار ضمن دائرة المباح؟

نعم يحل للمسلم أن يجامل الكفار وأن يعمل ما يرضيهم ضمن دائرة المباح لقوله تعالى: ]لاَ يَنْهَاكُمْ اللَّهُ عَنْ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ @ إِنَّمَا يَنْهَاكُمْ اللَّهُ عَنْ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الظَّالِمُونَ[.

على أن التشبه بقوم من الكفار ليس محرماً بشكل مطلق، بل التشبه المحرّم مقيد بما هو متعلق بكفرهم فقط، أي بما هو متعلق بوجهة نظرهم في الحياة وعقيدتهم. أما إذا كان لدى القوم أمور لا تتعلق بدينهم ووجهة نظرهم في الحياة فلا يحرم علينا أخذها منهم ما دامت لا تتعارض مع ديننا.

فمثلاً لا بأس على المسلمين إذا تعلموا العلوم التجريبية والرياضيات والصناعات والطب، وما شاكلها من غير المسلمين ولا بأس  عليهم إن قلّدوا الكفار في ذلك لأن هذه الأمور لا تتعلق بعقيدة الكفار ولا بوجهة نظرهم بل هي أمور تجريبية عالمية. وهذه كما يجوز للمسلمين أن يستنبطوها هم ويسبقوا العالم إليها يجوز لهم أن يتعلموها من غيرهم إذا سبقهم إليها. وهذا يدخل تحت عموم قوله تعالى: ]قُلْ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ[. وقوله: ]فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ[.

أما إذا كان الأمر من خصوصيات الكفار المتعلقة بعقيدتهم ووجهة نظرهم في الحياة، أي المتعلقة بكفرهم فإنه لا يجوز أخذها بحال.

إن احتفال النصارى بميلاد المسيح عليه السلام هو شعيرة من شعائرهم الدينية. وهو ليس من قبيل العلوم أو الأمور الإدارية النافعة للمسلمين. فلا يجوز لمسلم أن يختلف به. فلا يجوز له أن يأتي بشجرة أو غصن شجرة أو أن يزيد في الأنوار ولا أن يعلق الصور ولا أن يشتري اللعب الخاصة بالميلاد ولا أن يصنع طعاماً خاصاً بالميلاد، ولا أن يطلق النار. لا يجوز له أن يفعل ذلك في بيته أو متجره أو مكتبه أو سيارته أو شارعه ولا يجوز له تعطيل أعماله من أجل الاحتفال.

وكما لا يجوز ذلك في عيد الميلاد (25 كانون الأول) فكذلك لا يجوز ذلك على رأس السنة الميلادية (1 كانون الثاني) لأن المناسبتين هما مناسبة واحدة وهي الاحتفال بميلاد المسيح عليه السلام.

وليس هذا انتقاصاً من قدر رسول الله وكلمته المسيح ابن مريم عليه السلام، هو التزام بشريعة الإسلام التي تنهانا عن تقليد غيرنا من أمور العبادة والدين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *