العدد 381 -

السنة الثالثة والثلاثين – شوال 1439هـ – حزيران 2018م

مع القرآن الكريم

(وَٱلَّذِينَ يُتَوَفَّوۡنَ مِنكُمۡ وَيَذَرُونَ أَزۡوَٰجٗا يَتَرَبَّصۡنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرۡبَعَةَ أَشۡهُرٖ وَعَشۡرٗاۖ فَإِذَا بَلَغۡنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيۡكُمۡ فِيمَا فَعَلۡنَ فِيٓ أَنفُسِهِنَّ بِٱلۡمَعۡرُوفِۗ وَٱللَّهُ بِمَا تَعۡمَلُونَ خَبِيرٞ ٢٣٤ وَلَا جُنَاحَ عَلَيۡكُمۡ فِيمَا عَرَّضۡتُم بِهِۦ مِنۡ خِطۡبَةِ ٱلنِّسَآءِ أَوۡ أَكۡنَنتُمۡ فِيٓ أَنفُسِكُمۡۚ عَلِمَ ٱللَّهُ أَنَّكُمۡ سَتَذۡكُرُونَهُنَّ وَلَٰكِن لَّا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلَّآ أَن تَقُولُواْ قَوۡلٗا مَّعۡرُوفٗاۚ وَلَا تَعۡزِمُواْ عُقۡدَةَ ٱلنِّكَاحِ حَتَّىٰ يَبۡلُغَ ٱلۡكِتَٰبُ أَجَلَهُۥۚ وَٱعۡلَمُوٓاْ أَنَّ ٱللَّهَ يَعۡلَمُ مَا فِيٓ أَنفُسِكُمۡ فَٱحۡذَرُوهُۚ وَٱعۡلَمُوٓاْ أَنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٞ ٢٣٥)

 

جاء في كتاب التيسير في أصول التفسير لمؤلفه عطاء بن خليل أبو الرشته

أمير حزب التحرير حفظه الله في تفسيره لهذه الآيات ما يلي:

 يبين الله سبحانه في الآية الثانية أن عدة المتوفى عنها زوجها هي أربعة أشهر وعشرًا، ويحرم خلالها على المرأة أن تتهيأ للأزواج من لباس جميل أو طيب ونحوه بل تعيش في بيتها عيش حداد: “لا يحلّ لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحدّ على ميت فوق ثلاث إلا على زوج أربعة أشهر وعشرًا[1] كما قال رسول الله r. فإذا انتهت العدة فلا شيء عليها ولا على أوليائها إن فعلت في نفسها من العيش العادي كأية امرأة في حياتها الخاصة والعامة بالمعروف لأمثالها في الوسط الذي تعيش في حدود الشرع.

ثم يختم الله الآيـة الكريمـة بأن الله سـبحانـه خبير بما نعمل مطلع عليه ويجزي به ( وَٱللَّهُ بِمَا تَعۡمَلُونَ خَبِير ).

( وَٱلَّذِينَ يُتَوَفَّوۡنَ مِنكُمۡ ) أي تقبض أرواحهم، فإن التوفي لغةً هو القبض يقال: توفيت مالي من فلان واستوفيته منه أي قبضته وأخذته. وحسب القرائن يُفهم معناها، سواء أكانت بقبض الروح، أم قبض المال، أم القبض في النوم دون الروح كقوله تعالى: (وَهُوَ ٱلَّذِي يَتَوَفَّىٰكُم بِٱلَّيۡلِ وَيَعۡلَمُ مَا جَرَحۡتُم بِٱلنَّهَارِ ثُمَّ يَبۡعَثُكُمۡ فِيهِ لِيُقۡضَىٰٓ أَجَلٞ مُّسَمّٗىۖ )، أم بقبض الجسم حيًّا، سواء أكان ذلك في اليقظة أم في النوم ،كما حدث مع عيسى عليه السلام في قوله تعالى: ( إِذۡ قَالَ ٱللَّهُ يَٰعِيسَىٰٓ إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ )، فالله نجاه من أن يقتلوه ورفعه حيًا إليه سبحانه وسينزل إلى الدنيا في الوقت المعلوم كما جاء في الأحاديث الصحيحة.

( يَتَرَبَّصۡنَ بِأَنفُسِهِنَّ ) ينتظرن بلا زواج أي عدتهن (أَرۡبَعَةَ أَشۡهُرٖ وَعَشۡرٗا) تذكير العدد بإضمار المعدود بالليالي، فالعرب عند عدم ذكر المعدود تضمر الليالي لأنها غرر الشهور، واليوم يبدأ بدخول الليل ولذلك لا يستعملون التأنيث في مثله للمعدود بإضمار الأيام بل يضمرون الليالي حتى إنهم ليقولون: (أصبحنا عشرًا من شهر رمضان) كما قال الفراء، مع أن الصوم إنما يكون في الأيام، وهذا في غالب قولهم على نحو قوله سبحانه ( إِن لَّبِثۡتُمۡ إِلَّا عَشۡرٗا ) طه/آية103 بإضمار (ليال) أي عشر ليال.

وكل متوفى عنها زوجها تعتد أربعة أشهر وعشرًا إلا ذوات الأحمال فأنْ يضعن حملهن، حيث إن قوله تعالى: ( وَٱلَّذِينَ يُتَوَفَّوۡنَ مِنكُمۡ وَيَذَرُونَ أَزۡوَٰجٗا يَتَرَبَّصۡنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرۡبَعَةَ أَشۡهُرٖ وَعَشۡرٗاۖ ) هو عام، والآية ( وَأُوْلَٰتُ ٱلۡأَحۡمَالِ أَجَلُهُنَّ أَن يَضَعۡنَ حَمۡلَهُنَّۚ) الطلاق/آية4 مخصصة للعام.

( فَإِذَا بَلَغۡنَ أَجَلَهُنَّ ) أي انقضت عدتهن.

( فَلَا جُنَاحَ عَلَيۡكُمۡ ) أيها الأولياء.

(فِيمَا فَعَلۡنَ فِيٓ أَنفُسِهِنَّ بِٱلۡمَعۡرُوفِۗ ) أي مما كان ممنوعًا عليهن في فترة العدة، فلهن أن يعشن العيش العادي كأي امرأة بالمعروف لأمثالها في الوسط الذي تعيش في حدود الشرع من لباس جميل أو طيب ونحوه، وذلك بعد انقضاء العدة.

  1. وفي الآية الثالثة يبين الله حكمًا آخر بالنسبة للمتوفى عنها زوجها وهي جواز التعريض أثناء العدة بالرغبة في الزواج منها بعد انقضاء العدة، وكذلك لا شيء على من أضمر في نفسه أن يخطب المرأة المتوفى عنها زوجها ليتزوجها بعد العدة.

والتعريض[2] أن تقول قولًا تميله عن صريح منطوقه إلى مفهومه، فأصل التعريض إمالة الكلام عن نهجه إلى عرض منه وجانب فتذكر أمام المرأة في عدتها – المتوفى عنها زوجها – أنك تريد الزواج، وأنك تبحث عن امرأة صالحة، أو تذكر فضلك وأنك لا تظـلم لـو تزوجـت، وأمثـال ذلك. فما ذكرته هنا صحيح ولكنه واسطة لنقل المفهوم أي ما سكت عنه وهو رغبتك بالزواج منها، وهكذا فإنه يحرم ذكر الزواج من المرأة المتوفى عنها زوجها صراحة، ولكن يجوز تعريضًا كما بينا، أو إضماره في النفس حتى انتهاء العدة.

ثم يبين الله سبحانه أنه يعلم أن طالبي الزواج لن يصبروا على السكوت عن إظهار الرغبة فيهن، فأدّب الله سبحانه الرجال كيف يذكرونهن تعريضًا، وحرم عليهم أن يعطوهن وعدًا صريحًا بالزواج منهن، أو يتخذوا إجراءات معلنة لعقد الزواج مقدمة لإتمامه بعد إكمال العدة، بل ما يباح هو التعريض فقط كما بينه الله سبحانه.

ثم يختم الله سبحانه الآية الكريمة بالتحذير من مخالفة أمر الله في ذلك، فالله يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور (وَٱعۡلَمُوٓاْ أَنَّ ٱللَّهَ يَعۡلَمُ مَا فِيٓ أَنفُسِكُمۡ فَٱحۡذَرُوهُۚ ) وفي هذا تهديد لمن يظهرون مالا يبطنون ظنًا منهم أن الله سبحانه لا يعلم سرهم ونجواهم.

ومع ذلك فالله سبحانه غفور لمن رجع عن خطئه، وحليم لا يعجل العقوبة لمستحقها عله يراجع نفسه فيتوب ويعمل صالحًا ( وَٱعۡلَمُوٓاْ أَنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٞ ).

( وَلَٰكِن لَّا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا ) أي لا تواعـدوهن خلال العدة عزمكم على النكاح منهن (السر) هنا هو إرادة النكاح أي الجماع كما روي عن ابن عباس – رضي الله عنهما -.

( إِلَّآ أَن تَقُولُواْ قَوۡلٗا مَّعۡرُوفٗاۚ ) استثناء منقطع أي لكن أن تقولوا قولًا معروفًا، وهو ما ذكر في أول الآية أي التعريض بالزواج دون التصريح على نحو ما بينا.

( وَلَا تَعۡزِمُواْ عُقۡدَةَ ٱلنِّكَاحِ ) أي لا تتخذوا إجراءات جازمة للزواج منهن كمقدمات معلنة كأن تبدأ بشراء بعض متطلبات الزواج أو التحضير له لتقوموا بتنفيذه بعد العدة، لأن العزم على الفعل يتقدمه.

وبذلك فقد حرم الله على الرجال أمرين:

التصريح في العدة بالزواج منهن.

وكذلك تهيئة مقدمات عقد الزواج بشكل صريح في مدة العدة.

وواضح أن النهي عن مقدمات الشيء نهي عن الشيء على وجه أبلغ للدلالة على أن عقد الزواج في فترة العدة جريمة كبرى في الإسلام وهو عقد باطل.

( حَتَّىٰ يَبۡلُغَ ٱلۡكِتَٰبُ أَجَلَهُۥ ) أي حتى تنتهي مدة العدة.

 

[1]           البخاري: 1201، 4918، مسلم: 273

[2]           التعريض يشبه الكناية، إلا أن الفارق أن المنطوق في الكناية ليس على الحقيقة، ولكنها لا تتعذر إلا أنها غير مقصودة، أما التعريض يكون المنطوق صحيحًا على الحقيقة ولكن المقصود منه الوصول إلى المفهوم، فنقول في الكناية: فلانة أو فلان نؤوم الضحى، لكن هذا المنطوق ليس على الحقيقة، فهو قد يكون لا ينام إلى الضحى، بل المقصود منه أنه مدلل أو كسول، وهكذا كثير الرماد كناية عن الكرم، وقد لا يكون يشعل نارًا تنتج رمادًا. أما التعريض فتذكر أمرًا صحيحًا على الحقيقة كأن تقول أمامها: إنني أبحث عن زوجة صالحة وأنت تريد الزواج فعلًا، لكن المقصود إعلامها رغبتك في الزواج منها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *