حرمةُ الاندماج في حضارة الغربِ الكافر، وخطورة الذوبان في منظومته (1)
2018/06/15م
المقالات
12,650 زيارة
حرمةُ الاندماج في حضارة الغربِ الكافر، وخطورة الذوبان في منظومته (1)
صالح عبد الرحيم – الجزائر
لقد ثبت من الواقع المشاهد أن الجيل الثاني ممن هاجر إلى بلاد الغرب من أبناء المسلمين فَقَدَ أغلب مقومات انتمائه لأمته! وذلك أن أفراد الجاليات المسلمة في أوروبا وأميركا (وبلاد الغرب عمومًا) لا يخفى على أحد – جراء انغماسهم في منظومة القيم الرأسمالية – دخولُ أكثرهم في حالة لا توصف من الضياع السلوكي والانهزامِ الثقافي والتبعيةِ الحضارية، وانفصالُهم عن الأمة فكرًا وشعورًا، وانحيازُ كثير منهم سياسيًا إلى مواقف دولِ الغربِ في قضايا الأمةِ الإسلامية، ومنها وأهمها على الإطلاق مسألة عودة الخلافة، وهو محور الصراع مع الغرب اليوم.
وبينما يتفنن الغربُ الرأسمالي في أساليب إخفاء وجهه الاستعماري القبيح، ويتفنن في إبراز صورته “الإنسانية” للعالم وللأمة الإسلامية خاصة (خبثًا وخداعًا وتضليلًا)، ينظر كثيرٌ من المسلمين إلى الغرب – ممثلًا بالدول الأوروبية وأميركا وكل الدول الرأسمالية في العالم – على أنه لا يتآمر على المسلمين، بل هو يخدم مصالحه، وله الحق في ذلك، وأنه لا يتأتى أن نمنعه من ذلك! وأنه ليس من مصلحة المسلمين عدم التصالح معه، بل من السذاجة أن نتخذه عدوًا أو أن نصطدم معه، خصوصًا وأن المشترَكات بيننا فكرًا وثقافةً كثيرة لا تحصى. كما ينظر أصحابُ التيار المعتدل إلى حكام البلاد الإسلامية بكثير من السذاجة السياسية والانهزامية التي تقفز على كون هؤلاء الحكام أعداء مرتبطين بأسيادهم في الغرب ارتباطَ عمالةٍ وتبعية عن وعي وإدراك وسابق تخطيط، وأن بإمكان هؤلاء الحكام بقليل من “الذكاء والفطنة” (بزعمهم) خدمة مصالحهم ومصالح شعوبهم والبقاء في مناصبهم ولا يخسرون شيئًا، من خلال فتحِ الساحة السياسيةِ لجميع رعاياهم مثلًا. وهذا هو ما يظهر جليًا من خطاب “المعتدلين” المهادن للحكام على الدوام! وهو ما يعني سياسيًا على أرض الواقع، ليس التسليم بتفوق الغرب وهيمنته على بلاد المسلمين من خلال منظومته القائمة في العالم اليومَ فحسب، بل الاستسلام لقبضته وتحكمه في كل مفاصل الحياة الدولية على جميع الأصعدة. وهو ما يعني أيضًا تكريسَ إقصاء الإسلامِ وغياب المسلمين نهائيًا – وفق رغبة المستعمِر – من الوجود السياسي والتأثير على الساحة الدولية.
هذه المقالة هي تتمة وتكملة لما سبق نشرُه في أعداد سابقة من المجلة (يمكن الرجوع إليها) في موضوع “إشكالية هجرة المسلمين إلى الغرب: دوافعُها، خطورتُها، تداعياتُها”، دعت الحاجة إليها بشكل ملح في هذه الآونة مع تفاقم الظاهرة.. تزامنًا مع ذكرى هدم الخلافة. ولكن دعت إلى تناولها من زاوية ذات أهمية بالغةٍ في كشف كيد وأساليب الغرب الاستعماري الهادفة إلى تثبيت وإدامة أوضاع ما بعد زوال الخلافة، عبر إتمام المهمة (المؤامرة) المتمثلةِ في توطيد دعائم الوجود الاستعماري الغربي في بلاد المسلمين على جميع الأصعدة ثقافيًا وسياسيًا واقتصاديًا وعسكريًا، بعدما تمكنت الدول الغربيةُ من إزالة دولة المسلمين من الوجود عقب الحرب العالمية الأولى، حيث تم إلغاؤها وإنهاؤها رسميًا في يوم 3 آذار/مارس 1924م الموافق 28 رجب 1342هـ على يد عميل الإنجليز اليهودي مصطفى كمال في الأستانة! وهذه الزاوية المقصودةُ هي: حرمة وخطورةُ الاندماجِ في منظومة الغرب الكافر.
وإذْ قد ثبت أيضًا أن فتح أبواب الهجرة للمسلمين باتجاه بلاد الكفار لم يكن عملًا إنسانيًا بريئًا، بل كان خطةً مرسومةً في الغرب لأغراض وأهداف محددة، فإن ضلوع حكام البلاد الإسلامية فيها بوصفهم أدواتٍ منفِّـذة يمثل بلا شك أحدَ أهم المسائل التي ينبغي تسليط الضوء عليها في معالجة هذه الظاهرة الخطيرة. أما كونهم عملاء، فمعناه أنهم ما وُجدوا إلا لخدمة مشاريع الغرب، مستخدمين ما أمكن من الأساليب والألاعيب على شعوبهم بما يخدم تثبيتَ نفوذ المستعمِر الغربي. ثم إن كونهم عملاء بشكل مضاعف ليس معناه سوى أنهم يجدُّون ويجتهدون في ابتكار ما يسهِّل أو يُسهم في إنجاز وتنفيذ هذه المشاريع وفق ما هو مطلوب، بل فوق ما هو مطلوب؛ لذلك كان لا بد – كمقدمة ولو بشكل عابر – من فهمِ واقع الحاكم العميل، الذي من أبرز صفاته أنه في بلاد المسلمين لا يستقيل، ومن فهمِ واقع عمالة الحكام وكشف مضمونها ومحتواها ومعناها، وكيف يشتغل الغربُ في تثبيت أركان حكمه في بلاد المسلمين عبر هذه الأنظمة التي “ترعى” المسلمين وفق ما يريده الكافر المستعمِر وما يمليه.
1- واقع الحاكم العميل ومعنى عمالة الحكام – في البلاد الإسلامية خاصة!
وقبل أن نشرع في إيضاح وإبراز ما تفعله الدول الغربيةُ تجاه الجاليات – من أبناء المسلمين خاصةً – وبالأخص بعد إبعادهم عن مواطن الصراع، والتي هي البلاد الإسلامية حصرًا، والاستفادة منهم عبر احتوائهم وإتمام دمجهم وتذويبهم فكريًا وثقافيًا في حضارة الغرب، وما يتعرض له مَن يهاجر ومَن معه إلى بلاد الكفار بهدف العيش والاستقرار فيها، وهو ما يمثل اليومَ حلمَ الكثير من المسلمين (!!)، وما يجابه المهاجرُ من مخاطر جسيمة على مصيره ومصير أهله وذريته في العاجل والآجل أي في دنياه وأخراه.. نرى أنه لا بد أولًا من الوقوف على واقع الحكام العملاء والأنظمة المرتبطة بالمستعمِر؛ لذا نقول: إن أهم ما ينبغي فهمه من واقع الحاكم العميل في البلاد الإسلامية خاصةً، هو أن صلته وثيقة مع الجهة التي يخدمها، وأنه إنما يُصنع صناعةً ويعدُّ إعدادًا ربما منذ الصغر من قِبل الدولة التي تستعمله وتوظفه وتدعمه في الخفاء. وقد لا يكون أصلًا من أبناء شعبه على وجه الحقيقة، بل إن واقعه ينطق بأنه لا يشارك شعبـَه في معتقداته إلا في الظاهر، حتى وإن حمل اسم “محمد” كمحمد حسني مبارك أو محمد بن سلمان!! ومن هذه الزاوية يجب أن يُعلم أن سياق وصوله إلى سدة الحكم ومسار صعوده إلى أعلى هرم الدولة، يقتضي حتمًا امتلاكه أسرارًا جد مهمة متعلقة بأصل نشأة “الدولة” التي هو على رأسها، وبمدى ارتباطها بالجهة الكافرة النافذة التي تدعمه، أو على الأقل بكيفية وصوله ومجيئه هو على رأسها، وهو ما يحدث عادةً في البلاد الإسلامية – بوصفها الآن مرتعًا ومزرعةً للدول الغربية كونها مستعمَرةً – بانقلابٍ على مَن سبقه، أو عقب ثورة شعبيةٍ مفبركة من قبل جهة أجنبيةٍ أخرى مناوئة لصاحبة النفوذ، أي عقب ثورةٍ مسلحة أو غير مسلحة يُوظف فيها أبناء المسلمين من العامة ومن غيرهم بسذاجتهم، تأتي في العادة بدستور جديد وبنظامٍ جديد، كأن الدولةَ تبدأ من زمانه!! وهو ما حصل في الماضي ويحصل الآن في أكثر الحالات من خلال صراع أجنحةٍ أو زمرٍ محلية مرتبطةٍ بجهات دولية أجنبيةٍ نافذة، تُستهلك فيها في الغالب طاقاتٌ من الأمة مادية وبشريةٌ ضمن اقتتال بين المسلمين!.. والأمثلة أمامنا كثيرة لا تحصى. ولكن قد تنتقل السلطةُ إليه ممن سبقه بسلاسة أي بترتيب مسبقٍ من أسياده وفق ما تقتضيه مصلحةُ الكافر المستعمِر حصرًا.
وإذ هو يمتلك كمًّا هائلًا من المعلومات والمعطيات والتفاصيل عن خلفية وظروفِ وملابسات إمساكه بالسلطة في الدولة، ويمتلك رصيدًا هائلًا من المعلومات عن عائلته السياسية وعن رفاقه في “النضال” (السياسي أو العسكري) يؤهله ليحكم البلد لعقود.. وإذ هو يؤدي في بعض البلاد الإسلامية وظيفةً جد مهمة لصالح الكافر المستعمِر إزاء شعبه، خدمةً لمصالح الجهة التي يتبع لها وتسنده وتدعمه، وذلك من خلال ظهوره وأدائه وخطابه وتحركاتِ قواته.. كل ذلك بدهاءٍ ملؤه الخداع والكذب والنفاق.. وإذ هو بشكل دائم محاطٌ في نظامه برجال قلَّما يظهرون في الإعلام، وبأحزابٍ في الواجهة مرخصة ومفبركة، وبأجهزة سرية تمتلك الملفات، وهيئات دعائيةٍ تمثل الأبواق، ورجال أمنٍ وشرطة وحراسةٍ خاصةٍ تمثل أذرعَ البطش في دولته، ومحاطٌ أيضًا بمستشارين سياسيين وإعلاميين وعسكريين مقربين ومسخَّرين من قِبل الدولة التي توظفه، فإنه ليس من الأمر اليسير استبداله، كون الدولة الأجنبية الكافرة صاحبة النفوذ تحافظ على نفوذها ووجودها في البلد – وحتى إقليميًا وفي الجوار – من خلاله، ومن خلال نظامه. فلا تضحي به بالتالي إلا مرغمةً، أو إذا وَجدت من هو أقدر وأفضل منه (تبعيةً وعمالةً)، لا سيما إذا ما طال مكوثه في السلطة!! فضلًا عن كونها تدعمه باستمرار في دحر خصومه ومناوئيه. كما أنه بهذه الطريقة “يرعى شؤون الناس في بلده” وفي آن واحد يخدم أسيادَه سياسيًا وأمنيًا وإعلاميًا واقتصاديًا وثقافيًا وعسكريًا، ويحقق مصالحه ومصالح عائلته وعصبته ومحيطه، بل يـجدُّ ويجتهد في إظهار نفسه لأسياده وأمام شعبه أنه الأقدر والأصلح، وأنه لا يُستغنى عنه ولا عن نظامه! ولهذا فإن من أبرز سمات الحاكم العميل، كما قلنا، أنه في بلادنا لا يستقيل! هذا هو حال حكام المسلمين اليوم، أي منذ أن هدمت الخلافة في 1924م إلى هذه الساعة، بل حتى قبل ذلك في البلاد التي احتـُلت ثم خرج منها المستعمِر شكلًا، وهذا هو ما يجب استحضاره من معنى واقع العملاء السياسيين عند قولنا إنهم عملاء للغرب الكافر! وهذا هو ما يفسر حقيقةً حالَ المسلمين وحالَ بلاد المسلمين المزرية جراء الرعايةِ الوهمية على جميع الأصعدة منذ عقود! وهل بعد هذا البيان في فهم واقع الحكام العملاء يصح أن يُنتظر منهم خير للأمة الإسلامية الآن أو مستقبلًا؟؟
2- ما فعله الغربُ في الماضي وما يفعله الآن في موضوع استقدامِ المسلمين إلى بلاده، وضلوعُ حكام البلادِ الإسلامية في كل ذلك.
أما ما علاقة هذا الكلام – أي ما سبق بيانه من واقع الحاكم العميل – بموضوع الهجرة إلى بلاد الغرب الذي نحن بصدد معالجته، والنظر في بعض تداعياته، وما تبذله الأجهزة الغربية في سبيل احتواء المسلمين من المهاجرين بغرض تحقيق اندماجهم في مجتمعات الغرب، فإن من أهم وظائف الحكام ومؤامراتهم فيما يتعلق بهجرة أبناء المسلمين واضطرار أبناء الأمة في كثير من الأحيان إلى مغادرة أوطانهم باتجاه البلاد الغربية، نجد كل الأعمال السياسية التي تندرج فيما تضطلع به الأنظمةُ القائمة في سبيل تكريس الظاهرة وجني ثمارها على مستويين اثنين؛ داخل البلاد الإسلامية وخارجها:
1- داخل البلاد الإسلامية: من خلال إيجاد الأوضاع التي لا تطاق في بلاد المسلمين من فوضى وخراب وتسيُّب وضياع، أي من خلال صنع المآسي وما لا يمكن تحـملُه من ظروف ومضايقات صعبة وقاسية، خصوصًا من قِبل المثقفين والمتعلمين. ويتجلى ضلوع الحكام في صنع هذه المآسي فيما هو مشاهَد على أرض الواقع ضمن النقاط التالية:
– الظلم السياسي والاقتصادي، والقهرُ، والفساد، وتكميم الأفواه، وسوء الرعاية، وغلق نوافذ الإبداع على المسلمين في بلادهم ومنعُهم من الانطلاق. وهو ما يعني بالمجمل مراقبة و”حراسة” المسلمين بالتضييق عليهم داخل أقطارهم والحيلولة دون تحررهم وانطلاقتهم في مختلف المجالات في بلدانهم!.
– عدم وجود البيئة الحاضنة لطاقات الأمة وانعدامُ الأوساط الفكرية والعلمية والإبداعية، ما يجعل الفاعلين من المثقفين والمتعلمين يسعون طبيعيًا لتطبيق علومهم ومعارفهم في الخارج. والدليل على ذلك هو أن جميع المؤسسات والهيئات في مختلف القطاعات وعلى جميع المستويات في أغلب البلاد الإسلامية هي هياكل بلا روح، ثقافيًا واقتصاديًا وسياسيًا: لا علم، ولا صناعة، ولا فكر، ولا سياسة على وجه الحقيقة: ولا أحزاب سياسية حقيقية، ولا هيئات تمثيلية حقيقية، ولا جامعات تجعل الاختراعَ والابتكار من خلال البحث العلمي من معنى وجودها، ولا مستشفيات توفر ما يلزم من خدماتٍ على وجه الحقيقة!!.. والدليل على ذلك أيضًا هو أن حكام المسلمين من رؤساء وملوك وأمراء وعائلاتهم ومناصريهم يعالجون في أوروبا وأميركا، وأن أبناءهم وبناتهم وأقرباءهم يدرسون في بلاد الغرب ويتخرجون منها!! كما أن الأوساط السياسية والإعلامية مفبركة و”مطروزة” على مقاس الحاكم ونظامه.
– تكريس الفارق الاقتصادي الكبير (المنعكس سلبًا على الأوضاع المعيشية) بين البلاد الإسلامية والغرب، وذلك من خلال العملة الورقية الإلزامية، أي من خلال سيطرة النقد الأجنبي وهيمنة الدولار الأميركي تحديدًا والعملة الأوروبية في التعاملات مع الخارج، وربط اقتصاديات الدول العميلة بمؤسسات الغرب الاقتصادية الرأسمالية الاستعمارية. كما أن إيجاد وتكريس هذا الفارق الاقتصادي من خلال النقد الإلزامي عبر البنوك المركزية في الدول العميلة لا يعني في البلاد الإسلامية سوى تدني المعيشة والفقر والتبعية!!
2- خارج البلاد الإسلامية: كما يتجلى ضلوع الحكام ودورهم (فيما له علاقة بجاليات المسلمين في البلاد الغربية) من خلال التعاون مع حكومات الغرب في إيجاد وبلورة أقصر وأنجع السبل من الناحية الفكرية والعملية لتذويب (وتغريب) أبناء الجاليات عبر برامج التأطير والتضليل، وعبر تقديم المال (رابطة العالم الإسلامي مثلًا) وإسداء النصح، وتوفير الأئمة والخطباء والعملاء الفكريين المدربين والمهيَّئين للأدوار المرسومة، والمعاونة في “تطوير” الخطاب الإسلامي، وتحديد أطر مرجعيته في الغرب… خصوصًا، وأن كل بلد غربي له مؤسساته “الإسلامية” (“مؤسسة الإسلام الفرنسي” في فرنسا مثلًا) وله “إسلامه” الخاص الذي يرتضيه: قال ماكرون قبل أيام مثلًا “نحن نعمل على هيكلة إسلام فرنسا”!!.. لا بل إن جميع الحكومات الغربية اليومَ تبذل من المال الكثير،كما تبذل الجهود الكبيرةَ في عملية دمج المسلمين في الدول الغربية بغرض تذويب هويتهم فيها عبر جعل (المواطنة) فوق الانتماء للإسلام، وهو ما يقتضي طمس حقيقةِ الإسلام من كونه سياسيًا، وأن الدولة فيه حكمٌ شرعيٌّ من أعظم أحكام شريعته. وهو ما تجلى منذ عقود في محاولة الأوروبيين خاصةً «خلق» إسلام جديد مدجِّن لكل جالية في الغرب بحسب ما تمليه علاقةُ تلك الدولة الغربية بالمسلمين من حيث الارتباطات التاريخية والمصالح.
2018-06-15