العدد 381 -

السنة الثالثة والثلاثين – شوال 1439هـ – حزيران 2018م

مؤامرات الغرب… وخيانات الحكام!!. (1)

مؤامرات الغرب… وخيانات الحكام!!. (1)

( يُرِيدُونَ أَن يُطۡفِ‍ُٔواْ نُورَ ٱللَّهِ بِأَفۡوَٰهِهِمۡ وَيَأۡبَى ٱللَّهُ إِلَّآ أَن يُتِمَّ نُورَهُۥ وَلَوۡ كَرِهَ ٱلۡكَٰفِرُونَ ٣٢)

حمد طبيب – بيت المقدس

لقد أصبحت قضية الخوف من عودة الإسلام إلى سابق عهده في دولة وسلطان هي القضية الأولى التي تؤرق الدول الغربية، وعلى رأسها أميركا؛ لذلك جعلت الاهتمام بهذه الناحية، ووضع الخطط الاستراتيجية، وإقامة الأحلاف العسكرية، والعمل المتواصل الدؤوب، ليلًا ونهارًا،  هو الأمر الأول، وفوق كل الاعتبارات الأخرى؛ للحيلولة دون (عودة الإسلام) مرة أخرى. يقول المفكر الغربي (هنتينغتون) في كتابه الشهير (صراع الحضارات): «… إن المشكلة بالنسبة إلى الغرب ليست مشكلة الأصوليين الإسلاميين، بل المشكلة الإسلام نفسه، الذي يمتلك حضارة مختلفة يؤمن أصحابها بتفوقها… المشكلة في الغرب نفسه، ذو الحضارة المختلفة، والتي يؤمن أصحابها بتفوقها وصلاحيتها كنظام عالمي، ويرغبون في فرض هذه الحضارة على العالم». ويقول أيضًا في الكتاب نفسه: «إنه بعد سقوط الاتحاد السوفياتي وزوال العدو الشيوعي، دعت الحاجة إلى توجيه الأميركان إلى عدو خطير؛ ليجتمعوا على معاداته، ويلتفوا على مواجهته، وهذا العدو الأول والأخطر هو الإسلام، فهو الحي المتحرك، الذي يهدد الوجود الأميركي، ويمكن أن يقضي على الحضارة الأميركية، ويعتبر هو (البديل) القادم لها والوارث المنتظر لمكاسبها… وكون الإسلام هو العدو الأول لأميركا، لا بد أن يدفع الأميركان إلى مواجهته، والقضاء عليه في مهده وموطنه، وعليهم القيام بما يلي… العودة إلى الدين المسيحي، وإحداث صحوة دينية مسيحية… وإحياء الروح الصليبية التي دفعت أوروبا في الماضي لشن الحروب الصليبية ضد المسلمين… والاستعانة بالعدو التاريخي التقليدي الماكر للإسلام، وهو العدو اليهودي، والتنسيق بين الحقد اليهودي والبغض الأميركي الصليبي…  والحرص على أن لا يكون للإسلام وجود فعلي قوي في بلاد المسلمين، والحيلولة دون إيجاد حكم إسلامي صادق…». 

لقد بذل الغرب، في العقود السابقة، محاولات عديدة للقضاء على الإسلام عسكريًا؛ وقد باءت كلها بالفشل الذريع؛ ابتداءً من الغزو الصليبي، وانتهاءً بالحرب التي نفذتها أميركا هذه الأيام على بلاد المسلمين، تحت مسمى الحرب على الإرهاب؛ لذلك صار الغرب يلتمس ويبتكر سبلًا ووسائل أخرى، في مواكبة حربه العسكرية لإنجاحها.. ومن أخطر هذه الوسائل (التضليل والتحريف، ومحاولات إبعاد الأمة عن عقيدتها، والسعي الحثيث لإيجاد عملاء لهم من بني جلدتها؛ ينوبون عنهم في تنفيذ مشاريعهم الاستعمارية).

– إن  من ينظر إلى مؤامرات الكفار بشكل عام،  والتي واكبت  وأعقبت الحروب الصليبية؛ يرى أنها  قد اتبعت أساليب من التضليل والمكر والدهاء، وذلك في مواكبة الحرب العسكرية… فالمغول ما كان لهم أن يدخلوا بلاد المسلمين، لولا خيانة بعض الوزراء والولاة في الدولة العباسية، ووقوف بعض آخر من هؤلاء الأمراء مع حملتهم العسكرية، وخاصة في مصر والشام… ونابليون بونابرت ما كان له أن ينجح، في البداية،  في حملته العسكرية على بلاد الإسلام، وخاصة مصر والشام، لولا التضليل والمكر في نشر ثقافة التسامح، وإعلانه عن اعتناق الإسلام، وأنه جاء ليخلص أهل مصر من ظلم الباكوات…

والدول الغربية ما كانت كذلك لتقضي على خلافة الإسلام، لولا ما حصل من حرب فكرية وتضليلية، ومعاونة بعض العملاء من الأتراك والعرب، مثل مصطفى كمال، والشريف حسين بن علي… وما جرى كذلك من حروب داخلية أضعفت الدولة من داخلها؛ مثل ما حصل من دولة الصفويين في إيران، ومن حملة إبراهيم باشا على الدولة العثمانية… وما كان كذلك الاستعمار الأول، بعد هدم الخلافة، ليجني ثمرة حربه على بلاد المسلمين، لولا البعض من العملاء السياسيين؛ ممن نصبوا أنفسهم على رقاب شعوبهم باسم التحرير والثورة والنضال ضد المستعمر، وهم في الحقيقة عملاء للغرب…

يقول: الكاتب (محمد شعبان صوان) في كتاب: (كيف هدم الغرب الخلافة العثمانية): «يندرج الحكم الكمالي ضمن الفئة التي قاتلت للحصول على الاستقلال السياسي، مع الهوس بالتبعية الحضارية التي تشترط نسيان كل الروابط والجذور الحضارية، والمصالح الكبرى المتخطية للحدود التي رسمها الاستعمار» ويتابع فيقول: «استمرّت جهود الغرب في عرقلة نهوض بلادنا واتحادها، وليس هنا مجال تفصيل ما حدث بعد الحقبة العثمانية، ولكن الجهود المستمرة متصلة منذ ما قام الغربيون به لإلغاء الخلافة».

ويقول الدكتور( راغب السرجاني) تحت عنوان (الشيعة… نضال أم ضلال؟): «دخلت الدولة الصفوية في صراع شرس مع الدولة العثمانية السنية المجاورة، وتحالف الصفويون مع البرتغاليين لضرب العثمانيين».

– إن الناظر اليوم إلى بلاد المسلمين يرى أن الأمة الإسلامية قاب قوسين أو أدنى، بإذن الله، من الوصول إلى هدفها؛ ألا وهو العودة إلى تاريخها وحضارتها وعزتها؛ في ظل دولة الإسلام… وإن الذي يمنع هذا الوصول هو المؤامرات المتكررة والمتعددة والمتجددة، والأساليب الخبيثة من قبل الدول الغربية، يساعدهم في ذلك خيانات الحكام في بلاد المسلمين… وقد أقر قادة الغرب وسياسيوه في أكثر من مناسبة بهذه الحقيقة الساطعة الواضحة… يقول الصحفي الأميركي (جون شيا) ورئيسِ تحريرِ مجلةِ (أميركان ريبورتس) في رسالة إلى أوباما في 11/1/2010م يحذره من فكرة الخلافة الإسلامية وقرب وصولها: «الحقيقة الجلية هي أنه لا يستطيع أي جيش في العالم، ولا أية قوة عسكرية، مهما بلغت درجة تسليحها، أن تهزم فكرة… يجب أن نقرَّ بأننا لا نستطيع أن نحرق قادة هذه الفكرة (يعني الخلافة) في كل بلاد الشرق الأوسط، ولا أن نحرق كتبها، أو ننشر أسرارها، ذلك لأن هناك إجماعًا بين المسلمين على هذه الفكرة». ويقول (توني بلير) رئيسُ وزراءِ بريطانيا السابق أمامَ المؤتمرِ العامِ لحزبِ العمالِ في 16/7/2005م: «إننا نجابه حركة تسعى إلى إزالة دولة إسرائيل، وإلى إخراج الغرب من العالم الإسلامي، وإلى إقامة دولة إسلامية واحدة؛ تُحَكّمُ الشريعة في العالم الإسلامي عن طريق إقامة الخلافة لكل الأمة الإسلامية».

– إن هذه الحقيقة قد أرّقت الغرب، بل الدول الكافرة، بشكل عام؛ فقد جن جنونه وهو ينظر إلى ساحة التحرير في مصر؛ وقد اجتمع فيها أكثر من خمسة ملايين، يرفعون شعار العودة إلى الإسلام، وتطبيق الإسلام فيما سمي بمليونية تطبيق الشريعة. وجن جنونهم كذلك عندما شاهدوا الملايين من المسلمين يسيرون في العواصم الإسلامية نصرةً للأقصى والقدس، ويطالبون جيوش المسلمين بتحريرها، وجنّ جنونهم من قبل عندما برزت الجماعات الإسلامية تنادي بتطبيق الإسلام بعد هدم الخلافة بسنوات قليلة؛ في بدايات القرن الماضي… وإن هذا الواقع ليؤرق الغرب بالفعل ويجعله دائم العمل والتفكير؛ للحيلولة دون ميلاد جديد في بلاد المسلمين.. تمامًا كما أرّقت نبوءة (ميلاد موسى عليه السلام) فرعون مصر. وإن فعل الغرب للحيلولة دون ميلاد الإسلام هو تمامًا؛ كفعل فرعون مصر؛ عندما أخبره العارفون أو الكهان بأن مولودًا سيولد في أرض مصر، وسينزع منه ملكه، فجنَّ جنونه، وأعلن حربًا لا هوادة فيها على بني إسرائيل؛ فصار يقتّل أبناءهم ويستحيي نساءهم؛ للحيلولة دون رؤية هذا المولود الجديد… يقول الكاتب الأميركي (لورنس براون) في كتاب (الوصية الأولى والنهائية): «إذا اتَّحد المسلمون في إمبراطورية عربية أمكن أن يصبحوا لعنة على العالم وخطرًا، أو أمكن أن يصبحوا أيضًا نعمة له. أما إذا بقوا متفرقين؛ فإنهم يظلون حينئذ بلا وزن ولا تأثير». ويقول: «إن الإسلام هو الجدار الوحيد أمام الاستعمار الأوروبي… لقد كان قادتنا يخوفوننا بشعوب مختلفة… كانوا يخوفوننا بالخطر اليهودي، والخطر البلشفي، والخطر الياباني… ولكننا بعد الاختبار لم نجد مبررًا لمثل تلك المخاوف، واكتشفنا أن الخطر الحقيقي هو الخطر الإسلامي القادر على التوسع والانتشار وإخضاع الشعوب في حيوية مدهشة». يقول الكاتب الأميركي (موروبيرغر) في كتابه (العالم العربي المعاصر): «إن الخوف من العرب واهتمامنا بالأمة العربية ليس ناتجًا عن وجود البترول بغزارة… ولكنه ناتج عن وجود الإسلام… لذا يجب محاربة الإسلام للحيلولة دون وحدة العرب التي تؤدي إلى قوة العرب… لأن قوة العرب تتصاحب دائمًا مع قوة الإسلام وعزته وانتشاره… إن الإسلام يفزعنا عندما نراه ينتشر بيسر وسهولة في القارة الأفريقية) .ويقول المستشرق الأميركي (وليم  سميث): «إذا أعطي المسلمون الحرية في العالم الإسلامي، وعاشوا في ظل أنظمة ديمقراطية، فإن الإسلام ينتصر في هذه البلاد، وبالدكتاتوريات وحدها يمكن الحيلولة بين الشعوب الإسلامية ودينها… على أن تعطى الشعوب فترات راحة للحيلولة دون انفجارها؛ كما حدث من خلال ثورات الربيع العربي».

– إن الغرب اليوم ليعمل بنفس الطريقة التي اتبعها فرعون وجنوده، ولكن بأساليب جديدة، مع فارق وحيد؛ وهو أن فرعون مصر كان يخشى من ظهور مولود مجهول، لا يعرف أين هو، وفي أي امرأة سيكون، ولا متى سيولد!!. لكن الغرب اليوم يدرك الحقيقة الساطعة؛ وهي أن المولود موجود الآن في بطن الأمة، ويراه يكبر يومًا بعد يوم، وأنه  يوشك على الميلاد؛ لذلك يحاول إجهاضه من بطن الأمة، والقضاء عليه قبل أن يولد…

لقد حاول الغرب، في بداية الأمر عندما ظهرت الحركات الإسلامية، حاول إجهاض العمل الإسلامي؛ عن طريق السجون والقتل والتهجير والحرمان، لكن الأمة ازدادت تمسكًا بدينها، وازدادت الحركات الإسلامية صلابة في وجهه، وحاول كذلك عن طريق عملائه السياسيين من الحكام طمس نور الإسلام، وإبعاد الناس عنه؛ لكن المحاولات تلك قد باءت بالفشل أيضًا، وازداد هذا الفشل بعد أن انكشف عُوار الحكام، وازدادت فضائحهم السياسية، وخاصة بعد الثورات والحروب المصطنعة في لبيبا والشام واليمن، وبعد فضائح حكام تركيا وإيران وحكام آل سعود، وإهدار أموالهم وثروات بلادهم بالمليارات عند قدمي ترامب…

– لقد أدرك الغرب (في السنوات الأخيرة) أنه لابد من استعمال أسلوب جديد للحيلولة دون وصول المسلمين إلى هدفهم، فأضاف الغرب إلى الأعمال (التضليلية والفكرية والعسكرية وخيانات  الحكام)؛ أضاف أعمالًا وسياسات ماكرة جديدة كان من أبرزها:

1- تبني بعض الجماعات الإسلامية التي تنادي بالخلافة الإسلامية (كدولة العراق والشام)؛ وذلك لتشويه صورة الدولة الإسلامية في نظر المسلمين وتيئيسهم من عودتها.

2- ترسيخ التجزئة والتقسيم في بلاد المسلمين، وإشغالهم في حروب داخلية، إقليمية ومذهبية، لا تنتهي، تلهيهم عن هدفهم المنشود (الخلافة).

3- اتخذت أميركا من بعض الدول مرتكزًا لها في بلاد المسلمين، من أجل هذه المشاريع الخبيثة الماكرة. وكان من أبرز الأدوار في تنفيذ هذه السياسات ما يقوم به حكام (مصر وإيران والسعودية وتركيا) في رعاية مشاريع الغرب، وعلى رأسه أميركا…

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *