العدد 270-271 -

السنة الثالثة والعشرون ـ العددان 270 – 271

الغرب وسقوطه الحضاري

 الغرب وسقوطه الحضاري

ولكن في خضم هذه المعاداة الشرسة من الغرب للإسلام، عقيدة وشريعة، حدث في العام 2008م سقوط مدوٍّ للنظام الاقتصادي الرأسمالي ليضاف إلى السقوط الأيديولوجي. وأعلن الغرب إفلاسه في هذا الجانب، ومن باب المفارقة فإنه في الوقت الذي يوصف فيه الإسلام بالرجعية والظلامية والتأخر وعدم التحضر… وأنه يجب تطويره… ترتفع أصوات من هناك من عقر دارهم تعلن أن الإسلام هو الذي سينقذ العالم، وتعلن أنهم «بحاجة إلى قراءة القرآن بدلاً من الإنجيل لفهم ما يحدث بمصارفنا». وتعلن من باب التساؤل: «هل تأهلت وول ستريت لاعتناق مبادئ الشريعة الإسلامية». وتشير إلى أهمية «التمويل الإسلامي» ودوره في إنقاذ الاقتصاد الغربي. وحتى بابا روما الذي لم يمضِ على تهجمه على الإسلام أشهراً فإذا بصحيفة تابعة لسياسته “رومانو أوبسرفاتور” تعلن ضرورة الاستفادة من طريقة الإسلام في تمويل القروض البعيدة كل البعد عن الربا والمقامرة. نعم إن الغرب الذي أعلن حربه المسعورة على الإسلام، قد أعلن مسؤولون سياسيون ومفكرون فيه أن المستقبل في هذا الصراع ستكون للإسلام وأن الغرب ستسقط حضارته…

– يقول نيكسون في كتابه “ما وراء الإسلام”: «ما يهدد العالم فعلاً هو أن بلدنا قد يكون غنياً بالبضائع، ولكننا فقراء في الروح. فالتربية والتعليم الرديئان، والجرائم المتزايدة، والعنف المتصاعد، والانقسامات العرقية النامية، والفقر المستشري، وآفة المخدرات، والثقافة المنهارة في وسائل التسلية، والانحدار في تأدية الواجب المدني والمسؤولية، وانتشار الفراغ الروحي، ساهمت جميعاً بفض الأميركيين وتغريبهم عن بلادهم ودينهم وعن بعضهم بعضاً».

– ويقول زبغنيو بريجنسكي وهو مستشار سابق للأمن القومي الأميركي: «إن المجتمع المنغمس في الشهوات (المجتمع الأميركي) لا يستطيع أن يسن قانوناً أخلاقياً للعالم، وأي حضارة لا تستطيع أن تقدم قيادة أخلاقية سوف تتلاشى».

– أما صامويل هنتنغتون فإنه بعد أن يعدد النواحي الاقتصادية والسكانية كأسباب تجعل الحضارة الأميركية الغربية تتحرك من على مسرح الدولة العالمية إلى مسرح الانهيار يذكر أن هناك ما هو أهم منها وهي: مشكلات الانهيار الأخلاقي، والانتحار الثقافي، والتفكك السياسي في الغرب. أما عن تجليات الانهيار الخلقي فيذكر:

– زيادة في السلوك غير الاجتماعي مثل الجريمة وتعاطي المخدرات وأعمال العنف بشكل عام.

– التفكك الأسري ويشمل ارتفاع نسب الطلاق والأطفال غير الشرعيين، وحمل الفتيات الصغيرات، وزيادة عدد الأسر المكونة من والد واحد.

– الضعف العام في “أخلاقيات العمل” وصعود توجهات الانغماس الاجتماعي.

– تناقض الالتزام بالتعليم والنشاط الفكري، ويظهر ذلك في المستويات المتدنية للتحصيل الدراسي في الولايات المتحدة.

ثم يذكر أن هذه التوجهات السلبية هي التي تؤدي بالطبع إلى تأكيد التفوق الأخلاقي للمسلمين… ورفض الاندماج، ومواصلة الالتزام بقيم وعادات وثقافات مجتمعاتهم الأصلية والترويج لها. وعندما يفشل الاستيعاب والاندماج ففي مثل هذه الحالة ستصبح الولايات المتحدة دولة مشققة أو مصدعة مع كل ما يستتبع ذلك من احتمالات الصراع والتفكك الداخلي».

– نشرت جريدة الوطن الكويتية في عددها الصادر في 18/10/2006م خبراً نقلته عن «فاينانشل تايمز» اللندنية بقلم ريتشارد هاس رئيس مجلس العلاقات الخارجية الأميركية تحـدث فيه عن أن قرار حـرب العراق كان أول أسباب انتهاء العصر الأميركي في المنطقة، ومما جاء فيه: «اليوم بعد حوالى 80 سنة من سقوط الإمبراطورية العثمانية و50 سنة على نهاية الفتـرة الاسـتعمارية، وأقل من 20 ســنة على انتهـاء الحـرب الباردة، يمكن القول أيضاً إن العصر الأميركي في المنطقة انتهى هو الآخر. بيد أن الأحلام التي كانت تداعب مخيلة البعض حول قيام شرق أوسط مسالم مزدهر وديمقراطي مثل أوروبا لن تتحقق، وذلك لأن الاحتمال المرجح هو بروز شرق أوسط جديد يثير الكثير من الأذى لنفسه وللعالم. لقد تمتعت الولايات المتحـدة في العصـر الأميركي الذي بدأ عقب سقوط الاتحاد السوفياتي بنفوذ وحرية في العمل غير مسـبوقين، إلا أن هذا العصـر لم يسـتمر لأقل من عقـدين لجـملة من الأسباب، أولها قرار إدارة الرئيس مهاجمة العراق وأسلوب توجيه هذه العملية ثم ما نجم عن الاحتلال، لقد انتهى العراق الذي كان يهيمن عليه السنة، وكان قوياً بما يكفي لإحداث توازن مع إيران. وظهرت عوامل أخرى على مسرح الأحداث منها: انتهاء عملية السلام في الشرق الأوسط، فشل الأنظمة العربية التقـليدية في التصـدي لجـاذبية الإسـلام الراديكالي، ثم العولمة التي جـعلت الطـريق أسـهل أمام الراديكـاليين في الحصــول على التمويل، السـلاح، الأفكار والمجندين. وسوف تواجه واشنطن تحديات متزايدة من لاعبين آخرين أبرزهم الاتحاد الأوروبي، الصين وروسيا، إلا أن الأمر الأكثر أهمية من كل هذا هو التحديات التي ستنبعث من دول المنطقة والمجموعات الراديكالية فيها».

– أكد باتريك بوكنان الذي كان مرشحاً للانتخابات الرئاسية الأميركية في مقال له حول الحرب التي تتزعمها أميركا ضد ما تسميه بالإرهاب تحت عنوان: «هل ستندلع حرب الحضارات» أن «الإسلام غير قابل للتحطيم، وخلص متحسراً بناءً على حتمية مصير أي صراع عقائدي إلى انتصار المد الإسلامي… ولكن لا يمكن أن نقضي على الإسلام مثلما قضينا على النازية والفاشية والروح العسكرية اليابانية والبلشفية والسوفياتية. لقد استطاع الإسلام البقاء على مدى 1400 سنة تقريباً كما أنه العقيدة المهيمنة على 57 بلداً، غير أنه غير قابل للتحطيم… من حيث المادة الغرب متفوق، ومهما قلنا فإن التفوق المادي لم يمنع سقوط الإمبراطورية السوفياتية. وإذا كان عامل العقيدة حاسماً فإن الإسلام نضالي حركي بينما المسيحية جامدة. والإسلام ينمو بينما المسيحية تذبل. والمحاربون المسلمون مستعدون لمواجهة الهزيمة والموت بينما يتحاشى الغرب تكبد الخسائر. واختتم مقالته بالقول: «لا تستهينوا بالإسلام، إنه الديانة الأسرع انتشاراً في أوروبا… ولكي تهزم عقيدة فإنك تحتاج إلى عقيدة. ما هي عقيدتنا نحن؟ النزعة الفردية؟».

وقد نشر لهذا السياسي مرة أخرى في 23/06/2006م في “مؤسسة مناهضة الحرب” مقالاً قصيراً بعنوان: «فكرة آن أوانها» تحدث فيها بأن فكرة الحكم بالإسلام تتوطد عراها بين المسلمين، وذكر أنه عندما نشاهد القوات المسلحة الأميركية وهي تحارب السنة الثائرة على السلطة والمجاهدين الشيعة والجهاديين في العراق، وطالبان الخارجة على القانون وهم يبتهلون إلى الله، يتبادر إلى أذهاننا كلمات فيكتور هيجو: «إن قوة أي جيش لا تضاهي انبعاث فكرة آن أوانها». ويضيف: «إن الفكرة التي يعاديها كثير من المناوئين هي فكرة تفرض نفسها، فهم يعتقدون أن هناك إلهاً واحداً هو الله وأن محمداً رسول الله. وأن الإسلام أو الخضوع للقرآن هو الطريق الوحيد إلى الجنة، وأن المجتمع الرباني يجب أن يحكم بواسطة الشريعة أي قانون الإسلام، وبعد اختبار طرق أخرى أدت إلى الفشل فقد عادوا مجدداً إلى موطن الإسلام… إن عشرات الملايين من المسلمين بدؤوا يعودون إلى جذورهم بإسلام أكثر نقاءً، وإن جَلَدَ الإيمان الإسلامي مدهش حقاً. لقد بقي الإسلام على قيد الحياة رغم مضي قرنين على الهزيمة والذل الذي أصاب الإمبراطورية العثمانية والقضاء على الخـلافة في عهد (أتاتورك)، كما تحمّل الإسلام حكم الغرب لعدة أجيال… لقد أثبت الإسلام على أنه أكثر تحملاً من قومية عرفات أو صدام. ما يتوجب على أميركا أن تدركه هو شيء غير اعتيادي بالنسبة لنا، من المغرب إلى باكستان: لن تنظر لنا الأغلبية بعد الآن على أننا أناس طيبون. إذا كان الحكم الإسلامي فكرة تتوطد عراها بين الجماهير المسلمة، فكيف باستطاعة أقوى الجيوش على الأرض أن توقفها؟ أولسنا بحاجة إلى سياسة جديدة؟!».

– نقلت مجلة المجتمع الكويتية العدد 119 تاريخ 5/3/1996م أن جيم ميران عضو لجنة الشؤون الخارجية بالكونغرس الأميركي ذكر لمدير المجلة: «أنا أعتقد أن القرن القادم هو قرن الإسلام، وقرن الثقافة الإسلامية، وستكون هذه فرصة لإحلال مزيد من السلام والرفاهية في كل بقاع العالم».

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *