العدد 290 -

العدد 290 – السنة الخامسة والعشرون – ربيع الأول 1432هـ، الموافق شباط 2011م

مخاوف نرويجية من الخلافة الإسلامية وحزب التحرير

مخاوف نرويجية من الخلافة الإسلامية وحزب التحرير

نشرت جريدة السياسة الكويتية هذا المقال عن حزب التحرير في النرويج تحت عنوان: «مخاوف نرويجية من الخلافة الإسلامية» والوعي بدورها تنشر هذا المقال لمعرفة كيف ينظر الغرب إلى الحزب والخلافة، ولإدراك مدى ما يشكله مشروع الحزب من خطر يتحسسونه بقوة، ولا يملكون في مواجهته إلا بالمطالبة بالإجراءات القانونية التعسفية ضده بدل مواجهته فكرياً.

فجأة، وعلى حين غرة، ركز الإعلام النرويجي الضوء على نشاط الجماعات الإسلامية في النرويج،  وهو ملف ليس جديداً، فالصحافة النرويجية غالباً ما تلجأ إلى إثارة المخاوف الشعبية من التنامي المتزايد لتيارات الإسلام السياسي بين أوساط الشباب المسلم من أبناء المهاجرين من الجيل الثاني، وكان مبعث التركيز الإعلامي الجديد هو الندوة السياسية الصاخبة التي عقدها الفرع الإسكندنافي لحزب التحرير الإسلامي في العاصمة الدانماركية كوبنهاغن، والتي ظهرت فيها صور لأكفان جنود دانماركيين وسويديين ونرويجيين قتلوا ضمن القوات الدولية العاملة في أفغانستان، وبما اعتبره الإعلام الإسكندنافي دعوة علنية عامة إلى تمجيد الإرهاب ودعم الإرهابيين، وهو الملف الساخن الذي أدخل الإعلام النرويجي في وسط المعركة الإعلامية المحتدمة في الدانمارك؛ خصوصاً وحيث لحزب التحرير الإسلامي هناك وجود فاعل في الحياة السياسية والدينية وسط أوساط المهاجرين واللاجئين من الشرق الأوسط بخاصة، فقد سبق لوزير العدل الدانماركي أن طلب من المدعي العام النظر في إمكانية إصدار تشريع وقانون يقضي بحل وتجريم حزب التحرير الإسلامي لراديكاليته السافرة وعدائه المعلن للغرب وقيمه وتحريضه الإرهابي ضد الأمن الوطني والعسكري للدانمارك ودول التحالف الغربي عموماً، وهو ما اعتبره المتحدث الرسمي باسم حزب التحرير في إسكندنافيا شادي فريجة مبالغة في الاتهام وخروجاً عن قواعد الحرية في التعبير والديمقراطية رغم أن الحزب لا يعترف أساساً بالديمقراطيات الغربية ولا بالنظام السياسي الغربي عموماً، التقط الإعلام النرويجي ماحصل ليؤكد أن حزب التحرير الإسلامي بات اليوم يمتلك قواعد وخلايا شبابية عاملة في النرويج، وليعلن أيضاً بأن المخابرات النرويجية تتابع بإهتمام وبتفصيل دقيق نشاط هذا الحزب عن كثب، وتراقب نمو نشاطاته الميدانية وسط حشود الشباب المسلم المهاجر، كما تتابع حملات التجنيد والتعبئة وكسب الأنصار التي ينظمها الحزب في أوساط المساجد في النرويج. والواقع ان المخابرات النرويجية لا تهتم بشيء قدر اهتمامها باختراق الجماعات الإسلامية والأصولية في النرويج، فهي لها عيونها المبثوثة والمفتوحة على مصراعيها، كما أن لها وكلاءها النشطاء في المساجد والروابط الدينية، كما أنها متفرغة تقريباً لهذا الملف الذي تعتبره الخطر الحقيقي على الأمن النرويجي!، وقد أفاضت الصحف النرويجية في تتبع نشاط حزب التحرير، ونقلت تحذيرات عدد من العاملين في المساجد والهيئات الإسلامية في النرويج من احتمال غزو أفكار هذا الحزب لعقول الشباب المسلم في هذا البلد، واعترف البعض بأن حزب التحرير قد نجح في تأسيس خلايا صغيرة لم تتسع بعد، ولكنهم حذروا من السماح الحكومي الرسمي لهذا الحزب بالعمل المباشر وسط الجالية الإسلامية؛ لأنه حسب اعتقادهم حزب متطرف وراديكالي وسيسيء في النهاية للعلاقة السلمية و التفاعلية بين مسلمي النرويج وعموم الشعب النرويجي؛ لأنه خارج تماماً عن سياق الأفكار المألوفة بدعوته العلنية لتكفير الديمقراطية وللعنف ولإقامة الخلافة الإسلامية بالقوة!، فما هو حزب التحرير الإسلامي الذي أشعل الإعلام النرويجي الضوء الأحمر أمامه..؟

تأسس حزب التحرير الإسلامي في القدس عام 1953م على يد القاضي تقي الدين النبهاني والذي بقي أميراً لهذا التنظيم حتى وفاته عام 1977م، وهو حزب ديني يدعو أساساً لإعادة وإحياء الخلافة الإسلامية التي ألغاها مصطفى كمال نهائياً عام 1923م بعد نهاية الدولة العثمانية، ويجتهد الحزب من أجل توحيد المسلمين من جديد تحت مظلة الخلافة، وله أدبياته ونشراته الكثيرة بهذا الصدد. وقد تصدى لقيادة التنظيم بعد وفاة المؤسس القاضي النبهاني السيد عبد القديم زلوم الذي توفي عام 2003م ليخلفه الأمير الحالي المهندس عطا خليل أبو الرشته، وأفكار الحزب العامة دينية متشددة تكفر الديمقراطية الغربية ومن يدعو لها، ولهم كتاب منشور في ذلك بعنوان  «الديمقراطية كفر..»، كما يكفرون الرأسمالية أيضاً ويعتبرونها سبباً في شقاء الناس، وللحزب تنظيمات عدة في العالم الإسلامي في باكستان وإندونيسيا وفلسطين والأردن وبريطانيا والدانمارك حيث مقر الفرع الإسكندنافي للحزب، ويحاول اليوم فتح فروع له في مملكة النرويج وهو ما أثار المخابرات والصحافة النرويجية وسط نمو حقيقي ومشهود للتيارات الراديكالية بين أوساط الشباب المسلم والمهاجر، وهي ظاهرة باتت واضحة للغاية، وتحذير السلطات النرويجية من نمو وانتشار أفكار هذا الحزب قد جعل بعض الأوساط السياسية والإعلامية تبالغ في تخوفاتها غير المبررة كالقول بأن النرويج قد تخضع لنظام الخلافة الإسلامية! وهو تهويل ومبالغة مثيرة للسخرية. فالمسلمون هنا لايمتلكون أبداً أدوات التأثير في المجتمع والسلطة، وتظل نشاطاتهم وتحركاتهم محدودة للغاية، ولكن للإعلام النرويجي أساليب معروفة في تضخيم القضايا والنفخ في الملفات! ، بكل تأكيد فإن هناك تيارات دينية وفكرية متطرفة وسط الشباب المهاجر مردها الأساسي حالة التهميش والبطالة والحيرة الفكرية والحضارية، ولكن في النهاية كل شيء تحت السيطرة، وحزب التحرير الإسلامي مهما بولغ في قدراته التنظيمية فإنه يظل حزباً معزولاً وسط الحشد الإسلامي الرافض لأفكاره المؤدية لصدام حقيقي مع المجتمعات الغربية، وهذا ليس مطلوباً ولا حتمياً ولا مصيرياً، والخلافة الإسلامية في النهاية لن تغزو النرويج ولا أي مكان آخر..! ولكنه التهويل الإعلامي ومحاولة صناعة عدو وهمي! تلك هي المسألة.

داود البصري (كاتب عراقي)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *