العدد 321 -322 -

السنة الثامنة والعشرون شوال – ذو القعدة 1434هـ – آب – أيلول 2013م

الأمة بين تجار الدين والمخلصين

بسم الله الرحمن الرحيم

الأمة بين تجار الدين والمخلصين

عبق الجنان

أكناف بيت المقدس-فلسطين

إنّ الله عزَّ وجلَّ حين خلق الخلق لم يخلقهم عبثاً، فقد أرسل إليهم الرسل والرسالات يهدونهم للحق ويرشدونهم إلى طريق الصواب الموصل لخيري الدنيا والآخرة بما يحملونه من أنظمة وإرشادات وتوجيهات.

ولما كان البشر متفاوتين طبيعةً في استجابتهم لأوامر ربهم واجتنابهم لنواهيه وإقبالهم على تنفيذ شرائعه، كان من الطبيعي أن تتراوح حياة الأمم بين فترات انتكاسات تهبط فيها إلى أشد درجات ضعفها، وفترات قوة ترتفع فيها إلى أعلى المراتب بصورة تتناسب مع قوة تمسكهم بما أنزل عليهم ربهم وقوة تطبيقهم لشرعه. ولمـّــا كان الإسلام هو خاتم الرسالات، ومحمد صلى الله عليه وسلم خاتم الأنبياء والمرسلين، فإن الإسلام كان هو حجة الله على البشر إلى قيام الساعة، وكان هو وحده الصالح لحل مشاكلهم التي تصيب مجتمعاتهم؛ وذلك مصداقاً لقوله عز وجل: (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ) وقوله: (إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ)، وقوله:( فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ)، فهو وحده الحق الذي يزهق الباطل ويمحقه( إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا).

إن الإسلام، وهو دين عالمي جاء  لتنظيم جميع مجالات الحياة وشؤونها، كما جاء لحل مشاكل الفرد ومعالجتها، كذلك جاء لحل مشاكل الجماعات ولتنظيم شؤون المجتمعات وفق منظومة تشريعية فريدة من نوعها، أمر فيها بوجود حزب سياسي يداوي أمراض أمته فيدعو للإسلام كمبدأ (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (104)  ) ولعمري إنها من نعم الله العظيمة على عباده المخلصين أن أكرمهم ربهم فقال في حقهم «المفلحون» فقد تكفَّل لهم بالفلاح وبين لهم طريقه وسبيله: دعوة إلى الخير وأمر بالمعروف ونهي عن المنكر بما تحدثه من تغيير للمجتمع غير الإسلامي حتى يصبح إسلامياً في جميع علاقاته وأنظمته، وهذا لا يستطيعه ولا يقوى عليه إلا تلك الأمة (الحزب السياسي) التي تقوم بهذه الأعمال الجليلة فترضي رب العزة بتغيير المجتمع من حالة المرض إلى حالة العافية؛ ليعود سليماً معافىً قادراً على أداء وظيفته الأسمى: نشر رسالة الإسلام .

وهذا ليس بمندوب بل هو فرض وتاج الفروض، إذ إنَّ طبيعة العمل واجب، أمر بالمعروف ونهيٌ عن المنكر، وإن الله عز وجل قد أتبع فاعل العمل بمدح ليدل بطبيعته وبالقرينة على أنه فرض لا مندوب. وهو سبحانه قد ذم من يخالف ذلك فقال ( الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (67) )

أجل فوظيفة المسلم الأسمى هي أن يحمل الإسلام وأن يعمل لنهضة أمته، وإن الأصل في المسلم أن يكون حاملاً لهمِّ أمته سياسياً يكافح لمداواة أوجاعها بشفاء الصدور بمنهاج ربِّ العالمين. فهو كالطبيب اختصاصه مداواة جراحِ المسلمين والعمل على إزالة الآلام عنهم وإعادة الهناءة والعافية لأجسادهم التي أضناها العيش بعيداً عن دينها وشرعة ربها في ظل دولةٍ تطبقها حق التطبيق.

ولكن ليس كل من تسمَّى باسم كان له منه نصيب، وما كلُّ من عمل بالسياسة عمل لصالح أمته، وإلا لهانت مصيبتنا وكان العود إلى حظيرة الإسلام أقرب من طرفة عين. فقد ابتليت الأمة إضافة إلى حكامها بلفيف لفَّ لَفَّهم وسار على نهجهم في موالاة الغرب والسير في ركابه وابتغاء العزة من عنده، ضاربين بعرض الحائط قول الفاروق عمر «نحن قوم أعزنا الله بالإسلام، فمتى ابتغينا العزة بغيره أذلنا الله»، ظانِّين أن الشريعة كما العلوم  يجوز أخذها من الغرب!

فهؤلاء مثلهم كمثل الأطباء التجار الذين يهوِّلون على المريض داءَه ويعظِّمون له مرضه حتى ليظن أنه لن يبرأ من سقمه؛ فطمعاً  بالربح الذي سيجنيه من وراء هذا المسكين يدفعه لإطالة مدة العلاج.

حديثنا هنا ليس عن هؤلاء الأطباء التجار بل عن تجار الدين الذين لا يزالون حتى اليوم – ونحن على أبواب الخلافة الراشدة -يهولون على الأمة مرضها ويرون أنها عاجزة ضعيفة ولا تتقبل فكرة الحكم بالإسلام الذي هو دواء دائها وآلامها، ثم هم لا يزالون يجربون فيها أنظمة الغرب وقوانينه. فهؤلاء كمن يقول لمريضه أنت لست مستعداً لأخذ الدواء الذي يشفيك! لذلك جرِّب هذه الأدوية لعلها تشفيك! وهؤلاء إما أنهم يجهلون الإسلام ولا يفقهون السياسة، أو أنهم تجار دين باعوا دينهم بدنيا الغرب. وهؤلاء في كلتا الحالتين لا يصلحون لمداواة الأمة. فالطبيب الذي يجرب بمرضاه فاشل، والأمة يجب أن لا تعطي قيادتها لجاهل ولا لعميل، وأن لا تقبل إلا صادقاً يقودها من عليٍّ إلى أعلى، ويرتفع بها من شاهق إلى شاهق.

فالأمة وعلى مدار واحد وتسعين عاماً قد ذاقت من صنوف الأذى والويلات ما ذاقت: قتل وسجن وتشريد وتنكيل، فقر وفساد وتخلف عن ركب المدنية والحضارة، وذل وهوان أمام أراذل البشر من الصليبيين ويهود والبوذيين وغيرهم، فقد تكالبت عليها الأمم وتداعت تَداعي الأَكَلَةِ إلى قصعتها . وهي خلال هذه المدة قد ملَّت التجارب وزهدت وعرفت المجرِّب بها من الحكيم العارف لما يفعل .. أجل فالأمة رغم كل جراحها ونكباتها صارت تعرف التاجر الذي يغشها من الناصح لها، ولم تعد تنطلي عليها الخدع ولا عادت تغريها الكلمات المعسولة، وصارت تأبى أن تدفع من دمها وعافيتها ثمناً لهؤلاء «الأطباء» . الذين انكشفت وجوههم وسقطت أقنعتهم وما عاد الذئب يبدو في عيون الأمة إلا ذئباً ، وأزيلت بفضل الله صورة الحمل الوديع التي رسمها الغرب في عيون الأمة عن حكامها ومن والاهم من الحركات «الإصلاحية» الترقيعية والتي تدعو لكافة أشكال العذاب وكافة ألوان أنظمة الغرب ولكن بمرجعيات إسلامية (كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا )  والذين يرضون بأن يكون الاسلام -والعياذ بالله- مرجعية للكفر مثل الدولة المدنية العلمانية والديمقراطية الكافرة .

يقال في عالم الطب إن من أول بوادر شفاء المريض أن يقتنع بأنه مريض، ومن ثم أن يوافق على أخذ العلاج. والأمة عرفت مكمن دائها، وبوجود الطبيب الماهر عُرِف دواؤها. فرغم وجود التجار فيها إلا أن الخير باقٍ في أمة محمد (صلى الله عليه وسلم) ليوم الدين ، وذلك كما قال عنها نبيها ومعلمها «مَثَلُ أُمَّتِي مَثَلُ الْمَطَرِ لَا يُدْرَى أَوَّلُهُ خَيْرٌ أَمْ آخِرُهُ.» [الترمذي عن أنس]. إذ الأمة فيها ثلة طلائعية واعية، تسير بها ومعها نحو بر الأمان لحياة لا أمراض فيها ولا أسقام تضنيها، وهو حزب التحرير، وهو بحمد الله قد وضع يده على سبب الداء (وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى (124)). وهو -ولله وحده المنة والفضل- يعمل لتتعافى الأمة كما قال أميره المؤسس تقي الدين النبهاني رحمه الله: «إن أنا إلا شيخ يطلب الدواء» ودواؤنا هو الحكم بكتاب ربنا الذي به تعود للأمة مكانتها وترجع إلى وظيفتها التي لأجلها وجدت، قال تعالى: (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ). نعم، تخرج الناس من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، وتحمل الإسلام رسالة للعالمين بالدعوة والجهاد.

ولأن الطبيب الصادق المخلص لا يألو جهداً في مداواة مرضاه، ولا يضيع وقته في العبث بينما أمته تتوجع، بدأ حزب التحرير يعطي الأمة جرعات العلاج بشكل ممنهج دقيق وفق طريقة شرعية: ثقافة حزبية مستقاة من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، حتى بدأت بوادر الشفاء تظهر عليها. وهي اليوم أقرب للتتعافي رغم وجود مظاهر الألم على محيّاها، لكنَّه ألم مخاض ما قبل ولادة مولودها الذي انتظرته طوال هذه السنوات العجاف، الا وهو مولود الخلافة الراشدة على منهاج النبوة، التي ستحمي الأمة وتذود عنها. يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم «إنما الإمام جنة. يقاتل من ورائه. ويتقى به» صحيح مسلم.

ففي استطلاع نشره مركز (بيو) للأبحاث أن معظم المسلمين حول العالم يؤيدون تطبيق الشريعة، وأظهر أن غالبية المسلمين متعلقون جداً بإيمانهم، ويريدون أن تستند حياتهم الشخصية ومجتمعاتهم والسياسة إلى تعاليمه،  كما يؤمنون أن الإسلام هو الديانة الحقيقية التي تؤدي إلى الحياة الأبدية في الجنة. وما هذه الأرقام إلا نزر يسير من الحقائق التي تنطق بها الوقائع على الأرض من شمال الأرض لجنوبها، ومن شرقها إلى غربها، حيث تهتف حناجر المسلمين وقلوبهم «الأمة تريد خلافة إسلامية» وفيها الطبيب الذي يمكنه أن يقودها ويصل بها إلى بر الأمان في ظل خلافة راشدة على منهاج النبوة.

نسأل الله سبحانه وتعالى أن يكرم هذه الأمة بإقامة الخلافة الرشدة الثانية، ويكرم حزب التحرير وأميره عطاء بن خليل أبو الرشتة بأنصار ينصرونه كما نصر الأنصارُ الأوائل رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، إنه مولى ذلك والقادر عليه، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين. قال تعالى: (…وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ (4) بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (5) وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (6) يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآَخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ (7)).

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *