العدد 39 -

السنة الرابعة – ذو الحجة 1410هــ، تموز 1990م

أهمية ترشيد الصحوة

الصحوة الاسلامية ظاهرة جيدة ومشجعة لكن المخيف بصددها هو أنها لا زالت فتية ولم تعركها التجارب والسنون، وستبقى هدفاً لأطماع الطامعين لاستقطابها أو تحجيمها أو الانحراف بها عن مسارها الصحيح، الأمر الذي يؤدي إلى تبديد الجهود، وتفريغ مخزون الحماس، والعودة بالناس إلى الوراء.

إن الوقاية من انتكاسة هذه الصحوة تكمن في العمل على ترشيد هذه الصحوة بجعلها صحوة واعية عاقلة تستند إلى فكر سليم ولا تقتصر على دفقة من المشاعر الجياشة والعواطف الملتهبة، الأمر الذي يقيها مخاطر الزلل والانحراف نحو ما يخططه أعداؤها المحليون والخارجيون.

فإذا اقتصرنا على تزويد جيل الصحوة بشحنات من المشاعر الحماسية والعواطف التي تدغدغ الأحاسيس فإننا نبتعد بهم عن الحصانة الفكرية التي تلزمهم الخوض الصراع الصحيح في المكان والزمان الصحيحين وفي الوجهة الصحيحة، وعندها يصبح من السهل على الحكام استعمال سلاح الصحوة لتدمير الصحوة وإحباط مساعي الأمة. فحادثة هدم الدولة الاسلامية على يد المسلمين في أوائل هذا القرن يجب أن لا تتكرر، ومحاولات تنفيس احتقانات المسلمين وتلمسهم طريق النجاة يجب أن يفشلها وعي العاملين لعودة الدولة واستئناف الحياة الاسلامية، ويجب أن يسري الوعي المتنافي في كل الجسد الاسلامي حتى يتم ترشيد جيل الصحوة بحيث تصبح الصحوة صحوة واعية رشيدة مخلصه طويلة النفس غير قابلة للاستقطاب ولا للانحراف في قنوات الحكام ومتاهات السلطات الماكرة بها شراً.

على جيل الصحوة أن يدرك أن الإسلام ليس من المشاريع التي تخضع للتجربة والخطأ مثل باقي العلوم التجريبية، وفرضية وجوده في السلطة والمجتمع ليس موضوع أخذ ورد وتجاذب مع الحكام ومع الأحزاب العلمانية واليسارية. والاسلام لا يجوز أن يكون محصوراً في صفوف المعارضة للسلطة أو الموالاة لها، بل إن الإسلام هو الكل في الكل ولا يقبل التقوقع في صفوف المعارضة ويكتفي من الغنيمة بالإياب، والاسلام هو الأصل وجميع الآخرين طارئون سواء من كانوا في المعارضة أم في الموالاة، والاسلام لا يستجدي الآخرين للقبول به ولو رمزياً بل يفرض نفسه فرضاً رضي الأخرون أم سخطوا، وبما أنه هو الأصل والآخرون استثناء فعلى الآخرين أن يحيدوا عن دربه قبل أن يفوت الأوان.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *