العدد 33 -

العدد 33 – السنة الثالثة – جمادى الآخر 1410 هـ الموافق كانون الثاني 1990م

ومضة من أنوار مكة في باريس

إلى الفتيات المؤمنات اللاتي أفزعت جلابيبهن فرنسا

حَطِّمْنَ أصنامَ الحجارةِ وهي تزْعُمُ أنَها شمسُ الحَضارةِ والضّياءْ

حُريةُ الزيفِ المخادعِ خابَ داعيها وخابَ الأدْعيَاءْ

حَطِّمْنَ عُهْرَ الجَاهليةِ فوقَ أرضِ العُهْر في باريسَ ماخورِ البغاءْ

وَارفَعْنَ صوتَ الحقِ يعلو كالأَذان مُجلجِلَ التكبير صَدّاحَ النِداءْ

وَانْشُرْنَ عِطْرَ العِفَّةِ الشمّاءِ يعْبَقُ بالفضيلة والطهارة والصَّفاءْ

واخْطُرْنَ كالملِكاتِ في ظلِّ الحِجابِ سِياح أخلاق وتاجٍ من أباءْ

عَلِّمْنَ مجتمعَ الدعارَةِ كيف يسمو عن ترابِ الأرضِ رُوَّادُ السّماء

عَلِّمْنَهُ أنَّ الحرائر لا تُباعُ رخصيةًَ الأجسادِ في سوق النِّخاسةِ كالإماءْ

عَلِّمْنَهُ في جامعات الجنس كيفَ تدوسُهُ بالنعلِ أقدَامُ النّساء

رَتّلْنَ آيات الكتاب عقيدةً كالطود راسخةَ البناءْ

وشريعةً تسمو الحياةُ بها فينبعثُ الرُّفاتُ من الفَنَاءْ

وابْعثنَ نورَ الوحي يَغمرُ بالسَّنا العُلْويِّ آفاقَ الوجودِ وبالسَّناءْ

وأَعِدْنَ للغَربِ الذي ماتتْ به الأخلاقُ نَبْضاً للحياة وللحياءْ
***
أَقْدَامُكُنَّ الواثقاتُ الخَطْوِ يَبْعَثْنَ الحياةَ من المواتْ

أَكْرِمْ بتلك النَيّرات الهابطاتِ من السماءِ كأنهنّ المُعجزاتْ

الصاعداتِ إلى العُلا والمجدِ، ربّاتِ الحجابِ المؤْمِنَاتْ

الضارباتِ على الجيوبِ الخُمْرَ في عزٍ، عفيفاتِ الذيولِ الطاهراتْ

القاصراتِ الطَّرْفِ في خَفَرِ نَقيّاتِ السرائرِ قانِتاتْ

الحافظاتِ العهْدَ في بلدٍ قدْ سادتِ الفوضى وقَلَّ المُحْصَناتْ

الرافعاتِ قواعدَ البيتِ المَشيدِ على العقيدة والثَّباتْ

القائماتِ إذا دعا صوتُ الأذَانِ إلى الصلاةِ، الراكعاتِ الساجداتْ

الغارِساتِ بَواسِقَ الجنَّاتِ دانيةَ القطوف من البنينَ أو البناتْ

يَسْقينَها العَذبَ الفُراتَ، فتورقُ الأغصانْ زاهيةً وتنمو المكْرماتْ

أشْرَقْنَ في ظلماتِ أوروبا كواكبَ بالبشائر باسماتٍ مُشرقاتْ

ومَشيْنَ فيها كالملائِكِ أو كأنفاسِ النسيم العاطراتْ

أسْدَلْنَ جلبابَ الشريعة بالحجاب مُسربلاتٍ بالعفافِ، وبالحياءِ مُحصَّناتْ

وَوَطِئْنَ بالأقدامِ أزياءَ لِربّاتِ الفجور الكاسياتِ العاريَاتْ

***
يا حَامِلاتِ النورِ من آفاقِ مكةَ والمدينة من ديارِ المؤمنينْ

من مَهْبطِ الوَحي الذي ما زالَ سَلْسَلُهُ يُروِي الظامِئينْ

ومن الشام من العراق وكل أرضٍ أَطْلَعتْ فَجْرَ الهُدَى للعالمينْ

أنْتُنَّ صَوتٌ يوقظُ الدنيا يَهُزُّ بها النيام الغافلينْ

أَنْتُنَّ موجٌ من عبير الأمس تنشرُهُ رِياضُ العِطْرِ من تلك القرونْ

أَنْتُنَّ للدنيا رسائِلُ أُمّةٍ يُهْدَى بنور حروفهنّ الحائرون

وَمَشاعل تَهبُ الهُدَى وَمَنائِر صَدَحَ الأذانُ بها فَهَزَّ السامعينْ

باريسُ يُفْزِعُها الحِجَابُ، ونحنُ نعشقُ كلَّ ما يأتي به المستعمرون الكافرون!

كم أُلِقَتْ حُجُبُ العَفاف رخيصةً مِزَقاً بأيدي المارقين المجرمينْ

كم هُدِمتْ قممُ المآذن والمساجد تحت أسلحة الطغاة الظالمينْ

كم سِيقَ أفواجُ الأُباةِ المؤمنين إلى الزنازن والسجون مُكَبَّلينْ

الغربُ يخشى من شعارِ الحقِّ أن يَختالَ في باريسَ مرفوعَ الجبينْ

وهمُ الدعاةُ المُعْلنون بكلِّ أرضٍ أن حقَّ الفردِ محفوظٌ مَصونْ

حريةُ الكِذْبِ المنافقِ لا تصان لغير أنصارِ الفجورِ الساقطينْ

حريةُ الأفيونِ والزُّهْري والباراتِ كالأنعامِ فيها يسرحون ويَرتَعونْ

حريةُ البلد المعذَّب بالخمور وبالفجور وبالشذوذ وبالمجونْ

حريةٌ أَوْدَتْ بأهليها إلى مرض المناعة والجريمة والجنونْ

يا حاملاتِ النورِ للأرضِ التي أعمى الظلامُ بها البصائرَ والعيونْ

أوقِدْنَ من زيتونةِ الإيمان مصباح الصراط المستبين

لا تَسْتَكِنَّ ولا تَهُنَّ فباطل الفُجّارِ أولى أن يهون

إن الجلابيب التي تُسْدِلْنَهَا في الغَرْبِ أمضى من سيوفِ الفاتحين

الشاعر: يوسف إبراهيم
08/11/1989م

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *